رصد اضطرابات شديدة في القلب.. لطفل كان يعاني من ضيق التنفس

الأطباء ظلوا محتارين في أصوات إنذار متكررة من جهاز للمراقبة

TT

لم تكن جنيفر كالار تفهم ما الذي تقوله الطبيبة لها. لقد قضت هذه المرأة وهي باحثة في علم النفس السريري عطلة نهاية أسبوع هادئة يوم 4 يوليو (تموز) في منزلها بشمال فيرجينيا مع زوجها وطفليها، عندما اتصلت طبيبة اختصاصية في قلب الأطفال لم تقابلها من قبل، وأخبرتها بأنباء مرعبة. فقد فحصت الاختصاصية في القلب نتائج التحليل الخاصة بالطفل جيمس البالغ من العمر ستة أسابيع وأخبرت أمه بأنه يجب نقله إلى مستشفى إينوفا فيرفاكس فورا.

وتحدثت جنيفر وهي تتذكر ذعرها مما قالته لها الاختصاصية مارغريت بيل فيشر، وقالت: «لقد ظللت أسألها إن كانت تعني حالا؟». لكن مارغريت أجابتها بحسم وإصرار قائلة: «نعم الآن».

* مشكلات تنفسية

* كان إحساس الطبيبة بخطورة الموقف يتعارض بشدة مع ما قيل لجنيفر وزوجها خلال الأسابيع التي أعقبت ولادة جيمس في مستشفى آخر. لقد كان الطفل يعاني من مشكلات بسيطة في التنفس وتم إخراجه من المستشفى لكن مع جهاز مراقبة تنفس أثناء النوم. وقد مثل هذا الجهاز الذي يرصد تنفس جيمس لجنيفر وزوجها ألما عظيما، حيث ظل يصدر صوتا يصم الآذان، لكن عند فحصه في كل مرة لم يكونوا يرون أي مشكلة لدى جيمس. كذلك لم تجد ممرضة كانت تفحصه، أي شيء يستدعي القلق في حالة جيمس.

وخلال أقل من أسبوعين قبل مكالمة الاختصاصية مارغريت الهاتفية، دفع هذا الإنذار بالأسرة إلى غرفة الطوارئ، حيث لم يجد فحص أجراه أحد الأطباء أي مشكلة في قلبه أو في تنفسه. لكن أوضحت النتيجة التي كانت السبب وراء مكالمة مارغريت أن المشكلة لم تكن في الإنذار الكاذب، حيث قالت: «لقد كان الأمر مثيرا للقلق بالنسبة إلي. فقد خشيت أن يموت الطفل إذا لم يتلق علاجا سريعا».

وبعد أسابيع فقط من هذا اليوم، اكتشفت جنيفر أن ما لاحظته خلال الأيام الأولى من حياة طفلها كان هو مفتاح حل لغز حالته التي لم يستطع أحد تشخيصها.

* جلد بلون البنجر

* كانت ولادة جيمس مبكرة، حيث ولد قبل موعده بنحو شهر في 29 مايو (أيار) 2009 وقضى أيامه الثمانية الأولى في وحدة رعاية ما بعد الولادة يعالج من مرض اليرقان (الصفراء) وضيق التنفس الذي عادة ما يصاحب الأطفال المبتسرين (الخدج) بصورة مؤقتة. ويتسم هذا النوع من ضيق التنفس المؤقت ببطء في التنفس أو توقف عن التنفس وعادة ما لا يمثل هذا الأمر مشكلة إلا إذا استمرت الحالة لأكثر من 20 ثانية.

ويتجاوز أكثر الأطفال الخدج هذه المرحلة، لكن قد يصاب الأطفال في بعض الحالات بمشكلات في القلب أو الرئة أو بعدوى. ونتيجة لذلك ينصح الأطباء بوضع جهاز لمراقبة تنفس الرضع أثناء النوم.

لكن طبقا للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فكثيرا ما تصدر هذه الأجهزة إنذارات كاذبة، بل ويمكن أن يصدر هذا الإنذار بسبب تحركات الطفل أو بسبب وضع الجهاز بشكل غير صحيح. ومع هذا ينصح الآباء بألا يفترضوا عدم صحة الإنذار وأن يذهبوا ويفحصوا الطفل وينظروا ما إذا كانت شفتاه قد ازرقتا أو أن هناك بطئا في النبض، حيث يشير هذا إلى احتياج الطفل إلى الأكسجين.

لقد كان النصح بإحضار جهاز مراقبة التنفس في حالة جيمس إجراء احتياطيا. وقالت والدته إنه سرعان ما لاحظت أنه مختلف عن أخيه الذي يكبره بنحو أربعة أعوام فقط، فقد كان ينام وقتا طويلا جدا وكان لون جلده أحمر للغاية، بحيث كان يبدو مثل «ثمرة البنجر الصغيرة». ولا تتذكر جنيفر ما إذا كانت ذكرت الملحوظة الخاصة بلون جلد الطفل، لكنها سألت الطبيب في أول زيارة عن أمر نومه لفترات طويلة. وأجابها الطبيب قائلا: «عليك أن تسعدي لأنه نائم». لكن جنيفر ظلت تعتقد أن هذا الأمر غير طبيعي، خاصة عندما تكون بصحبة صديقة، حيث يظل طفلها الذي في مثل عمر جيمس مستيقظا لمدة أطول منه. حتى أصدقاؤها لاحظوا نوم جيمس لفترات طويلة.

لكن بدا أنه ينمو بصورة طبيعية، رغم أن الجهاز كان يثير جنون والديه. وقالت جنيفر إن جيمس خلال الأسبوع الأول له في المنزل، كان يغفو أثناء تغيير ملابسه عندما ينفصل السلك عن صدره. وفي كل مرة يغفو فيها كان معدل ضربات القلب يرتفع، لكن بدا جيمس يتنفس بشكل طبيعي. لكنه كان في بعض الأحيان ينام أثناء الإنذار.

عندما بلغ جيمس أسبوعين من العمر، كانت جنيفر تبتاع احتياجات للمنزل عندما تلقت مكالمة مقلقة من زوجها، فقد كان عليه أن يصرخ في الهاتف حتى تسمع صوته، حيث كان صوت الجهاز وصرخات جيمس تطغى عليه. تركت جنيفر عربة التسوق في منتصف المتجر وأسرعت إلى المنزل، لكن عند وصولها بدا جيمس في حالة جيدة.

اتصلت جنيفر بمكتب طبيب الأطفال لأن جيمس كان طبيعيا ويأكل وطمأنت الممرضة الوالدين واقترحت أن تستشير جنيفر طبيب قلب أطفال بشأن هذا الأمر خلال زيارتها التي كانت مقررة في اليوم التالي. ظن الوالدان أن هناك خللا في جهاز مراقبة تنفس الطفل وأوقفوه لبضع ساعات.

* طبيب قلب الأطفال ف* ي 16 يونيو (حزيران)، قام طبيب القلب بعمل تخطيط قلب للطفل. ولم تظهر التحاليل السابقة أي مشكلات في القلب وأوضح رسم القلب أن معدل ضربات القلب طبيعي، لكن كانت هناك نظم غريبة. وحيث إنه تم رصد اضطراب بسيط في نظم دقات قلب جنيفر بعد إنجابها لطفلها الأول، أخبر طبيب القلب الأبوين بأن جيمس ربما يكون لديه المشكلة نفسها، فأعطاهما جهازا آخر لرصد معدل ضربات قلب الطفل عند إصدار جهاز مراقبة التنفس لإنذار.

وقالت جنيفر حينها: «القول أسهل من الفعل. فسوف يهتز جيمس ويتلوى ويبكي عند سماعه الإنذارين». وكان جهاز المراقبة الثاني عنيدا مثل الأول، فقد قامت جنيفر في إحدى المرات بعمل سبع محاولات متتالية لنقل البيانات، لكن الشركة أخبرتهم مرارا بأنه لا يمكن قراءتها نتيجة التدخل الزائد على الحد.

وبعد فترة قصيرة من إحضار الجهاز الثاني، استعدت جنيفر التي تتوق إلى اللقاءات الاجتماعية، للذهاب إلى منزل إحدى صديقاتها مصطحبة معها جيمس. وكانت أمام أحد فروع مقهى «ستارباكس» عندما بدأ جهاز مراقبة التنفس يصدر صوتا. فذعرت جنيفر لعدم تمكنها من رؤية جيمس الذي كان يجلس في المقعد الخلفي من السيارة وأسرعت بعيدا عن المقهى دون أن تحصل على المشروبات وكادت تصطدم بسيارة أخرى عندما أوقفت السيارة. وعندما انطلقت جنيفر نحو المقعد الخلفي، كان الإنذار قد توقف عندما أدركت أنها قد أحكمت إغلاق أبواب السيارة حماية للطفل ولذلك لا تستطيع فتح البابين الخلفيين.

* نقطة تحول

* في مساء 26 يونيو اتصلت جنيفر بطبيب قلب الأطفال بسبب إصدار جهاز رصد التنفس إنذارا مستمرا حتى عندما كان جيمس يبدو في حالة جيدة. وأخبرها الطبيب بأن عليها أن تنقله إلى أقرب غرفة طوارئ، وبوصولهما إلى هناك كان الإنذار قد توقف. وبعد مرور ساعات وعمل تحاليل مختلفة، تم إخراج الطفل من المستشفى، حيث لم يجد الطبيب أي مشكلة لديه.

وبعد ذلك ببضعة أيام، قال طبيب الأطفال لجنيفر إنه يريد أن يوضع للطفل جهاز «هولتر» Holter monitor لمراقبة تخطيط القلب الذي يرصد نشاط القلب على مدار اليوم. وقالت الوالدة حينها: «كان تغيير ملابسه في غاية الصعوبة» بسبب تثبيت ثمانية أسلاك خاصة بالأجهزة على جسده الصغير. وأخبر طبيب القلب الزوجين بأنه سيكون خارج البلاد وستتولى مارغريت، اختصاصية في الفسيولوجيا الكهربائية والمتخصصة في اضطرابات النظام الكهربائي للقلب تقييم البيانات التي يرصدها الجهاز.

وقالت مارغريت إن نظرة واحدة منها على بيانات جهاز «هولتر» أثارت قلقها على الفور، حيث أظهرت أن معدل ضربات قلب الطفل كان 360 ضربة في الدقيقة، في حين أن المعدل الطبيعي هو 150 ضربة في الدقيقة وأنه يعاني من حالات عدم انتظام إيقاع القلب. واعتقدت مارغريت أن هذا الخليط يمثل خطرا كبيرا قد يؤدي إلى قصور في القلب والوفاة. وأدركت أن جيمس يعاني الرجفان البطيني ومتلازمة تسرع القلب الأذيني وزيادة غير طبيعية في معدل ضربات القلب نتيجة ممر كهربي زائد أو دائرة كهربية زائدة في القلب.

وحسب جمعية القلب الأميركية، لا تظهر أي أعراض عند بعض المصابين بهذه المتلازمة، التي كثيرا ما تظهر عند الميلاد، في حين أن أول أعراض لهذا المرض تظهر في فترة المراهقة أو البلوغ.

من الصعب اكتشاف هذه المتلازمة، التي سميت باسم أول أطباء قاموا بتوصيفها عام 1930، لدى الأطفال الرضع، حيث تقول مارغريت: «لا اضطرابات في القلب. يمكن للطفل حديث الولادة أن يخبرك بأن ضربات قلبه سريعة». وأضافت أن هذه الحالة في بعض الحالات تسبب الهياج أو الخمول أو زيادة التعرق. لقد قضى جيمس خمسة أيام في مستشفى إينوفا فيرفاكس للأطفال، حيث تم إعطاؤه عقاقير لإبطاء سرعة ضربات قلبه واستمر في تناول العقاقير ثلاث مرات يوميا. ومن المرجح أن تجرى له عملية قسطرة تسمى «الاستئصال بالقسطرة» ablation قبل التحاقه بالفرقة الأولى في الحضانة لاستئصال الممر الكهربي غير الطبيعي. وقالت مارغريت إنه في 95 في المائة من الحالات تعالج عملية الاستئصال الحالة بحيث لا يكون هناك أي حاجة للعقاقير.

بعد بدء جيمس تناول العقاقير بفترة قصيرة، قالت والدته إن جلده لم يعد يتحول إلى لون البنجر شديد الحمرة ولم يعد ينام لفترات طويلة، بينما قالت مارغريت إن هذين الأمرين ربما كانا يشيران إلى الاضطراب سالف الذكر. وقالت جنيفر وزوجها إنهما شعرا «بالرعب الشديد» عندما تذكرا الأوقات التي كانا يغلقان بهما الجهاز لاعتقادهما أن به خللا. وقالت جنيفر متذكرة: «كنا بالطبع نأخذه للطبيب.. لكننا لم نكن نعتقد أن الإنذار كان يعني أي شيء لأنه كان يبدو في حالة جيدة. كان كلانا يتساءل ماذا لو، ماذا لو أننا تجاهلنا الأمر لمدة طويلة وأدى ذلك إلى إصابته بقصور حاد في القلب».

وقال والداه إنه إذا لم يصب جيمس بضيق تنفس الذي يحدث أحيانا في حالات الولادة المبكرة وهو الأمر الذي استدعى وضع جهاز لمراقبة تنفسه، لم يكونا ليعرفا أبدا إصابته بمشكلة خطيرة في القلب.

والآن لا يظهر على جيمس الذي بلغ سنة وثمانية أشهر من العمر أي مؤشرات مثل التي ظهرت خلال الأسابيع الأولى من عمره. وقالت مارغريت: «إنه في حالة جيدة وهو محظوظ للغاية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» Nermeen Samir