الدهون البنية والبكتيريا المعدلة وراثيا.. من أجل الرشاقة

أبحاث جديدة للتخلص من السمنة

TT

وصلت المحاولات العلمية لحل مشكلة السمنة والبدانة، التي أصبحت أقرب ما يكون إلى الوباء العالمي، إلى درجة دراسة أسباب انقراض الديناصورات، وقد يتعجب البعض من مثل هذا التوجه، إلا أن ما نشره باحثون بكلية الطب التابعة لجامعة نيويورك عام 2008 يجيب عن هذا التعجب المثير، فقد كشف فريق الباحثين النقاب عن أن الاختلاف الرئيسي بين الطيور وباقي الثدييات (اللبائن) يكمن في عدم احتواء أجسام الطيور على أنسجة متخصصة في إنتاج الطاقة الحرارية، ويرى الباحثون أن الديناصورات لم تمتلك تلك الأنسجة، وربما كان ذلك أحد أسباب انقراضها.

* شحوم بيضاء وبنية

* كما أشار الباحثون إلى أن الإنسان، كباقي الثدييات، لديه في جسمه نوعان من الشحوم أو الدهون: النسيج الدهني الأبيض White fat والنسيج الدهني البني Brown fat.

ويقوم النسيج الدهني الأبيض باختزان الطاقة لتزويد الجسم بحاجته من الوقود اللازم في حالات نقص الوقود الأساسي، متمثلا في الغلوكوز، بينما يقوم النسيج الدهني البني بإنتاج كميات كبيرة من الحرارة، كناتج أساسي لعملية الاحتراق، أي أنه يشبه في عمله جهاز التدفئة الداخلية للجسم، ويلعب دورا مهما في عمليات إطلاق الطاقة بدلا من اختزانها بالجسم.

لذلك اهتم الباحثون في الآونة الأخيرة بدراسة النسيج الدهني البني، واعتبروه بمثابة عضو جديد بالجسم يمكن استهدافه بالعقاقير الطبية لتحفيزه وتنشيطه من أجل إنقاص الوزن، ومعالجة بعض الأمراض مثل السكري، وفك شفرة بعض المشكلات الطبية مثل متلازمة الأيض (التمثيل الغذائي) Metabolic syndrome.

* النسيج الدهني البني

* دراسات النسيج الدهني البني استحوذت على اهتمام العلماء خلال النصف الثاني من القرن العشرين لتفسير فسيولوجية البيات (السبات) الشتوي لدى بعض الحيوانات. وأكدت الدراسات التشريحية تميز هذا النسيج بوفرة الأوعية الدموية، وهو السبب في لونه البني المائل إلى الحمرة، بالإضافة إلى احتوائه على ألياف عصبية تابعة للجهاز العصبي السمبثاوي (وهو الجهاز ذو العلاقة الوثيقة بزيادة النشاط الفسيولوجي أثناء التعرض للحالات غير الطبيعية)، وارتباطه بأحد أجزاء منطقة تحت المهاد «هيبوثالامس» بالدماغ (وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم عمليات تناول الطعام وحرارة الجسم).

كما أثبتت الدراسات احتواء خلايا النسيج الدهني البني على كميات كبيرة من الميتوكوندريا (محطات توليد الطاقة الخلوية)، التي تختلف عن مثيلاتها في خلايا الجسم الأخرى. فالميتوكوندريا الموجودة داخل خلايا الجسم تقوم باستخدام الوقود لإنتاج مادة ATP كمنتج رئيسي لعمليات الأكسدة، وينتج عن هذا التفاعل انبعاث كميات بسيطة من الحرارة، بينما تقوم ميتوكوندريا خلايا الدهن البني باستخدام الوقود لإنتاج كميات كبيرة من الحرارة، تنطلق إلى باقي أعضاء الجسم من خلال الدورة الدموية.

* أبحاث الدهون البنية

* كما استطاع فريق من الباحثين بمركز روزلين لأبحاث السكري في بوسطن عام 2009، التلاعب بخلايا الدهن البني عند الفئران، وإجبار أنواع أخرى من الخلايا على إنتاجها، وذلك بعد التعرف على المفتاح الرئيسي المسؤول عن استثارة عملية بناء وإنتاج خلايا شحمية من النوع البني، وهو عبارة عن مركب كيميائي يسمى BRDM - 16، له القدرة على توجيه الخلايا البدائية غير الناضجة من الخلايا العضلية نحو التحول إلى خلايا دهنية بنية، بدلا من الاستمرار في عملية النضج الطبيعي.

وفي ذات العام، استطاع فريق بحثي آخر من جامعة هارفارد التوصل إلى نوع آخر من المركبات البروتينية يدعى BMB7، يمكنه استثارة إنتاج الخلايا الشحمية البنية من الخلايا العظمية البدائية غير الناضجة.

وفي عام 2009، اقترح علماء ألمان أسلوبا جديدا لعلاج السمنة باستخدام الخلايا الدهنية البنية كوسيلة لحرق الدهون غير المرغوب فيها داخل الجسم. وأكد الباحثون أن نحو 50 غراما من خلايا الدهن البني كافية لخفض الوزن، بمقدار خمسة كيلوغرامات سنويا.

وأشار فريق البحث إلى دور إنزيم «بروتين كاينيز» (Protein kinase) في تحويل خلايا الدهون البيضاء إلى خلايا دهون بنية، وأطلق العلماء على هذا الأسلوب الجديد لقب «مكافحة الدهون بالدهون».

* أسرار الدهون البنية

* وفي إطار الدراسات الكثيرة لاكتشاف المزيد من إسرار نسيج الدهن البني، تمكن فريق بحثي بجامعة بوسطن الأميركية في عام 2008، من تحويل خلايا عضلات غير ناضجة إلى خلايا دهنية بنية بالمختبر، الأمر الذي رجح مماثلة وتشابه خلايا الدهون البنية مع خلايا العضلات، الحارقة للطاقة بدرجة أكبر من خلايا الدهون البيضاء التقليدية الخازنة للطاقة.

ولذلك أكد العلماء أن منشأ الخلايا الدهنية البنية يختلف تماما عن الخلايا الدهنية البيضاء، وكانت المفاجأة اكتشاف أن خلايا النسيج الدهني البني، إنما هو أصلا خلايا عضلية! وفي معهد غوتنبورغ للطب الحيوي بالسويد عام 2009، تمكن فريق من الباحثين من الكشف عن استخدام أجسام البالغين لخلايا الدهن البني لتحويل الطاقة إلى حرارة، التي اعتقد علماء البيولوجيا لعقود طويلة أنها توجد في الأطفال حديثي الولادة وتختفي بعد ذلك مع النمو.

وأكد الباحثون وجود الدهون البنية بنسبة أعلى في أجسام الأشخاص الأكثر نحافة، مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من البدانة والسمنة، كما توجد بنسبة أكبر لدى النساء عن الرجال. وتكون خلايا الدهن البنية أقل نشاطا، أو منعدمة النشاط، لدى الأشخاص البدناء، مقارنة بأصحاب الوزن المعتدل.

وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات السابقة أكدت وجود أنسجة الدهن البنية بصفة غير قابلة للشك في معظم الثدييات حديثة الولادة، بما فيها الإنسان، ولكن بنسب متفاوتة، حيث تبدأ في النمو والتطور مباشرة بعد الولادة، أو خلال عدة أسابيع أو عدة أشهر.

ويعتقد أن وظيفة الدهون البنية في هذه المرحلة هي تزويد جسم الحيوان الوليد بالحرارة، التي افتقدها بانتقاله من المرحلة الجنينية إلى البيئة الخارجية، التي غالبا ما تكون أكثر برودة.

* أسرار جديدة

* وتواصلت الدراسات المستفيضة حول أسرار النسيج الدهني البني، ونشرت خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2010، في مجلة المعهد القومي للعلوم بالولايات المتحدة، دراسة أكدت اكتشاف الباحثين لخلايا أولية بين خلايا الدهن الأبيض والخلايا العضلية، يمكنها أن تتحول إلى خلايا دهن بني.

وأكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يفتح المجال للمزيد من الدراسات للتعرف على آليات تنشيط تلك الخلايا الأولية وإمكانية تحويلها إلى خلايا دهن بني، كما اكتشف الباحثون أن معدلات تحول خلايا الدهن الأبيض إلى خلايا الدهن البني تزداد عند تعرض خلايا الدهن الأبيض لعقار «روزيجليتازون» (Rosiglitazon)، أحد العقاقير المستخدمة لعلاج مرض السكري، الذي أشارت دراسات سابقة إلى دوره في عملية تباين أنسجة الدهن البني.

كما كشف الباحثون عن نتائج مثيرة، نظرا لاكتشافهم وجود تلك الخلايا الأولية في النسيج الدهني تحت الجلد، مما يزيد من فرص الحصول عليها بسهولة.

وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات أشارت سابقا إلى وجود الدهون البنية بشكل أعمق في الجسم حول العمود الفقري وأعضاء الجسم الداخلية، على عكس الخلايا الدهنية البيضاء التي توجد تحت الجلد مباشرة، خاصة حول الأرداف والفخذين والبطن، وتمثل أكثر من 90 في المائة من الدهون بالجسم.

* مكملات «البروبايوتيك» وإنقاص الوزن

* الكثير من الدراسات العلمية أشارت إلى الدور المهم للتوازن البكتيري بالأمعاء في عمليات التمثيل الغذائي بالجسم.. وأكد الباحثون أن اختلال هذا التوازن يتسبب في حدوث سلسلة من التفاعلات الالتهابية المسؤولة عن حدوث الكثير من الأمراض، مثل السكري والسمنة وزيادة تراكم الدهون في منطقة البطن.

كما أشارت دراسات كثيرة إلى الدور المهم لمكملات «بروبايوتيك» (Probiotics)، المحتوية على البكتيريا الصديقة في إعادة التوازن البكتيري بالأمعاء، للوقاية وعلاج السمنة وزيادة الوزن وتراكمات الدهون بالجسم.

وقد أكدت دراسة أجراها باحثون بجامعة توركو الفنلندية، نشرت خلال شهر مايو (أيار) 2009 في مجلة الجمعية الأوروبية، فائدة تناول مكملات البروبايوتيك خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل ولمدة عام كامل بعد الولادة، لوقاية الأمهات من الإصابة بزيادة الوزن والسمنة وتراكمات الدهون بالبطن بعد الولادة.

وأجريت الدراسة على 256 امرأة حامل، حيث قام الباحثون بإعطاء الأمهات مكملات البروبايوتيك أو عقار وهمي مع أنظمة غذائية موصى بها طوال فترة الحمل وبعد الولادة لمدة عام كامل. وأظهرت النتائج انخفاض نسبة الدهون الإجمالية بالجسم وتراكمات الدهون بمنطقة البطن بعد الولادة بين الأمهات اللائي تناولن مكملات البروبايوتيك، مقارنة بالأمهات اللائي تناولن العقار الوهمي.

* بكتيريا معدلة وراثيا مضادة للسمنة

* أشارت دراسة نشرت خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2010 في مجلة «مايكربيولوجي» إلى تمكن العلماء بمركز أبحاث البروبايوتيك بجامعة كورك بآيرلندا، من تعديل البرمجة الجينية لبكتريا «لاكتوباسلس» (Lactobacillus)، أكثر أنواع البكتيريا الصديقة التي تعيش وتتكاثر بالأمعاء، وتتوافر في الكثير من مكملات البروبايوتيك.

واستطاع الباحثون انتقاء الجين المسؤول عن إفرازات بكتيريا Probionibacterium acne، الموجودة على جلد الإنسان والمسببة لظهور بثور الوجه «حب الشباب» (Acne vulgaris)، التي تنتج أصنافا محددة من أحماض لينوليك الدهنية Linoleic fatty acids.

وعندما قاموا بنقل هذا الجين إلى بكتيريا لاكتوباسلس، تمكنوا من الحصول على بكتيريا معدلة وراثيا تستطيع إنتاج أحماض لينوليك الدهنية بكميات كبيرة، وصلت إلى أربعة أضعاف إنتاج البكتيريا التقليدية غير المبرمجة من هذه الأحماض، التي أشارت الكثير من الدراسات إلى ارتباطها بزيادة معدلات التمثيل الغذائي للأنسجة الدهنية في جسم الإنسان وحيوانات التجارب، بالإضافة إلى دورها في تثبيط نمو خلايا القولون السرطانية وحثها على الموت المبرمج Apoptosis.

واكتشف الباحثون أن إطعام فئران التجارب ببكتيريا لاكتوباسلس المعدلة وراثيا أدى إلى ارتفاع مستويات أحماض لينوليك في الخلايا الكبدية، وتنشيط قدرة هذه الخلايا على حرق المزيد من الدهون، وزيادة معدلات التمثيل الغذائي للأنسجة الدهنية.. الأمر الذي يؤدي إلى إنقاص الوزن والتخلص من الدهون المتراكمة، التي ترتبط بالمزيد من العمليات الالتهابية، وتعتبر أحد عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المختلفة ومنها السرطان.

وما زالت عمليات البحث والدراسة مستمرة للبحث عن أسرار السمنة والحصول على الرشاقة.

* استشاري الجهاز الهضمي والكبد والتغذية العلاجية في كلية الطب بجامعة القاهرة