ألغاز طبية : تورم كاحل مراهقة.. حير الأطباء

ناجم عن «التهاب المفاصل الرثياني الشبابي»

TT

بعد عيد الشكر عام 2009 بفترة قصيرة، بدأت آبي بيكارد، التي تبلغ من العمر 14 عاما، تشكو من ألم في كاحلها الأيمن. ولم يهتم والداها بهذا الأمر معتقدين أنه ناجم عن ولعها بالأحذية الرياضية ذات النعل الرقيق وحقيبة الظهر الثقيلة. وقالت ميشيل بيكارد، مديرة برنامج التعليم في مرحلة الطفولة والتعليم الأساسي بمقاطعة أرلينغتون: «لم نعتقد أن الأمر مثير للقلق».

وفي منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) وبعد تورم كاحل الفتاة وزيادة الألم ذهبت إلى طبيب الأسرة التابع للرعاية الصحية الأولية في شمال فيرجينيا. ولم تظهر صور أشعة إكس على الكاحل وجود أي كسر. وبدا أن السبب هو الغرن العظمي «osteosarcoma»، وهو نوع من سرطان العظام حسب نتائج تحليل الدم.

وقالت ميشيل: «لقد اتصل الطبيب وأخبرني أنها تعاني من التهاب في الحلق، وأنه يهاجم كاحلها، وأن علي أخذ الأمر على محمل الجد وإلا قد تصاب بحمى روماتيزمية». وبعد دهشتها من النبرة الحاسمة في حديث الطبيب، تساءلت ميشيل كيف يمكن لالتهاب الحلق أن يستقر في الكاحل. تناولت آبي مضادا حيويا ودواء ستيرويديا وصفهما لها الطبيب، لكن حالتها لم تتحسن، بل ازدادت سوءا.

وفي غضون شهرين لم تستطع طالبة الثانوي هذه أن تصعد سلالم المنزل، وكان أبوها يحملها صعودا وهبوطا. كذلك أصيبت بالأرق وتغيبت عن المدرسة لأسابيع وأصبح مرضها المحير محور اهتمام الأسرة. ومثل الأمر تحديا لعدد من الأطباء واستغرق تشخيص المرض من طبيب أطفال ثلاثة أشهر. وقالت ميشيل: «لقد كان الأمر مؤثرا بالنسبة لي كأم. فهي لم تكن تنام أو تذهب إلى المدرسة.. عندما تشاهد طفلك يتعذب تنتابك حالة من البؤس».

* الاشتباه في مرض لايم

* وبنهاية شهر ديسمبر 2009 ازداد تورم كاحل آبي بشكل كبير ووصل الألم إلى ردفها الأيمن وركبتها اليمنى وكتفها الأيمن. وأشار طبيب آخر إلى تناولها «نبروكسين» ودواء مضادا للالتهاب. وإذا لم يجدِ نفعا، نصحهم باستشارة طبيب عظام. و«فحص طبيب العظام التي ذهبت إليه في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2009، كاحلها»، وقال إن المشكلة ليست في العظام، وأحالها إلى طبيب أمراض روماتيزمية ومتخصص في أمراض المفاصل.

وقال لهم طبيب الأمراض الروماتيزمية التي زارته ثلاث مرات إنه نادرا ما يعالج الأطفال أو المراهقين. وأخذ عينة سوائل من كاحلها لتحليلها واستمع إليها وهي تروي الأعراض التي تعاني منها وهي الشعور بالوهن وتقلب المزاج ومرحلة متقدمة من الإكزيما التي كان العلاج عادة ما يحد منها. وقالت والدتها: «لقد كنا في غاية القلق. لقد كانت تعاني من آلام مبرحة».

في نهاية يناير اتصل طبيب الأمراض الروماتيزمية ليخبرهم أن كمية السوائل التي استخرجها ليست كافية للتحليل ويحتاج إلى سحب المزيد من السائل. وكانت نتائج تحليل الدم غير صحيحة على حد قول الطبيب الذي أشار إلى أن أحد التحاليل أوضح وجود مرض لايم «Lyme disease». لكن جاءت نتيجة تحليل اللطخة (البقعة) الغربية، الذي يحدد وجود مرض لايم من عدمه، سلبية مرتين. وأوصى الطبيب آبي بعدم تناول العقار المضاد للالتهاب حتى يتمكن من استخلاص كمية أكبر من السائل خلال أسبوع وأسبوعين.

وقال ميشيل: «لقد بدا مقتنعا أنه مرض لايم»، مشيرا إلى عدم رغبته في بدء العلاج قبل التيقن. كذلك أشار الطبيب إلى احتمال إصابتها بمرض التهاب المفاصل، لكنه ركّز على مرض لايم، على حد قول ميشيل.

وفي نهاية يناير ازداد الألم وعادت آبي لزيارة عيادة طبيب الأسرة حيث استشارت طبيبا ثالثا لعدم وجود الطبيب السابق. وقالت ميشيل: «لقد كنا خائفين لاقتناعنا أنها تعاني من مرض لايم ولم تتلقَّ علاجا بعد». وبناء على إلحاح والديها، وافق طبيب الأسرة على وصف برنامج علاجي مدته 21 يوما من المضادات الحيوية لعلاج مرض لايم الذي افترضوا إصابتها به.

ساعد المضاد الحيوي آبي على النوم كثيرا، لكنه لم يخفف الألم أو التورم. وقالت آبي: «ظللت أنتظر العودة إلى المدرسة الأسبوع التالي لكن حالتي كانت تزداد سوءا». ورغم وهنها أصبح الأرق مشكلة وازداد ألم كاحلها بحيث لا تبرح الفراش لأيام.

واتصلت ميشيل بدافع قلقها المتزايد بصديقة لها تعمل ممرضة. ونصحتها صديقتها قائلة: «استشيري طبيب أطفال متخصصا في الأمراض الروماتيزمية». وتم تحويل آبي إلى بيتا أرباشاي، وهي من طبيبات الأطفال المعدودات المتخصصات في الأمراض الروماتيزمية في واشنطن. فنصحت بيتا التي تعمل في مستشفى «إينوفا فيرفاكس» آبي وشكّت في إصابتها بالتهاب المفاصل الرثياني الشبابي المتزامن مع التهاب الأوتار الذي يسبب التهاب الأنسجة الرابطة في العظام. لذا كانت هناك حاجة إلى إجراء المزيد من التحاليل للتأكد من ذلك التشخيص. وقالت ميشيل: «التهاب مفاصل؟ كيف ذلك؟ إنها في الرابعة عشرة من العمر».

* لغز محير

* إن التهاب المفاصل الرثياني الشبابي هو من أمراض المناعة الذاتية، وهو مرض يقوم فيه جهاز المناعة في الجسم بمهاجمة أنسجته. ويصيب هذا المرض، الذي يسبب تيبس والتهاب في المفاصل، من هم في السادسة عشرة ومن هم دون ذلك. ونسبة الإصابة بهذا المرض بين الإناث أكثر منها بين الذكور. وعلى عكس التهاب المفاصل الرثياني لدى البالغين الذي يكون مزمنا، يتجاوز بعض الأطفال هذا المرض.

وحسب موقع المركز الطبي «إن واي يو لانغون»، يُعتقد أن هذا المرض له عدة أسباب تتضمن عوامل بيئية غير معروفة وقابلية وراثية يوضحها تاريخ العائلة المرضي الذي يوضح الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وتؤكدها نتائج تحليل الدم الخاص بالجين المضاد «HLA B - 27».

ولا يوجد تحليل محدد يكشف عن الإصابة بمرض التهاب المفاصل الرثياني، لكن من الأعراض الأساسية لهذا المرض التهاب المفاصل لمدة تصل على الأقل إلى ستة أسابيع، وتيبس، خصوصا خلال فترة الصباح. وكان هذا هو الألم الذي كانت تشعر به آبي في المفاصل فضلا عن الوهن. وقالت بيتا إن الأرق والمرحلة المتقدمة من الإكزيما يرتبطان بالتوتر على الأرجح.

كذلك من المعتاد أن يذهب مرضى التهاب المفاصل الرثياني إلى الكثير من الأطباء قبل أن يتم تشخيص المرض بشكل صحيح، على حد قول بيتا، حتى إن بعضهم يخضع لعمليات جراحية غير ضرورية. في حالة آبي، تم تشخيص المرض بناءً على أشعة الرنين المغناطيسي وتحليل الجين المضاد «HLA B27» الإيجابي وتاريخ العائلة المرضي، حيث أصيب عدد من أقاربها بأمراض المناعة الذاتية.

وقالت بيتا: «عندما يعاني المرء من تورم في المفاصل يستمر لمدة ستة أسابيع على الأقل يجب أن ينظر الأطباء في احتمال الإصابة بمرض التهاب المفاصل الرثياني الشبابي، خصوصا عندما لا يوجد تاريخ مرضي يوضح الإصابة بصدمات نفسية». وأضافت أنها عالجت شباب آخرين تلقوا تشخيصا خاطئا للمرض. وأوضحت قائلة: «أعتقد أن بعض الأطباء لا يمارسون الطب بناء على الأدلة».

وحسب مراكز مراقبة المرض وخبراء آخرين، تعد النتيجة السلبية لتحليل اللطخة الغربية «المناعية» دليلا قاطعا على عدم الإصابة بمرض لايم. وتنفست آبي الصعداء بعد معرفة أنها مصابة بالتهاب المفاصل الرثياني الشبابي رغم خطورة المرض، حيث قالت: «على الأقل يعرفون الآن ما هو المرض». لقد استغرقت عملية وصف الدواء المناسب أسابيع. ونظرا لتغيب آبي عن المدرسة مدة طويلة تلقت دروسا في المنزل وعادت إلى المدرسة خلال آخر أسبوعين من العام الدراسي للخضوع لاختبارات نهاية العام في يونيو (حزيران).

وقالت آبي حديثا: «أشعر أنني في أحسن حال». ورغم تعرضها لاحتمال اشتداد المرض تم تصنيف حالتها بأنها متوسطة على حد قول بيتا. وحتى هذه اللحظة لآبي حرية عدم تناول عقاقير عن طريق الحقن، والتي تستخدم عادة في علاج الحالات الأكثر خطورة.

وقالت ميشيل إنها، بالنظر إلى ما مضى، تتمنى لو أنها كانت قد أصرت على أن يقوم طبيب عادي بفحص آبي. وأوضحت قائلة: «نحاول بصفتنا والديها التنسيق واتخاذ القرارات دون الحاجة إلى تنسيق من جانب طبيب الرعاية الأولية. إنني نادمة على عدم الذهاب إلى طبيب أطفال مبكرا. عندما يعاني طفلك الآلام فهذا يؤثر على حياتك. كم هذا قاسٍ. نحن تحت رحمة الإخصائيين».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»