ارتفاع الإصابات بالنوع الثاني من السكري.. بين صغار السن

عشرات الآلاف من الحالات سجلت خلال العقد الأخير بسبب السمنة

TT

فكرت آني سيندر في أنها ستكون خارج عيادة طبيب الأطفال خلال 30 دقيقة، على أحسن تقدير. وبعدها، ستتجه توا إلى المنزل وستطوي التصريح الطبي الخاص بالمعسكر الصيفي لجمعية الشبان في حقيبة يدها وتنتهي من حزم حقائبها.

غير أن ذلك الاختبار الذي خضعت له في الصيف الماضي، لم يكن كأي اختبار آخر خضعت له خلال حياتها التي امتدت 16 عاما، والتي كانت حياة صحية في الأساس. فخلال دقائق من معرفتها نتائج اختبار للبول، حصلت على نتيجتين متطابقتين من تحليلين للدم، الأمر الذي أدى إلى إرسالها إلى مستشفى إنوفا فيرفاكس. وأثناء استلقائها على العربة ذات العجلات في غرفة الطوارئ، سمعت الشابة آني كلمة «مرض السكري» عدة مرات، وعلمت من رد الفعل الطبي العاجل أن ذلك أمر سيئ. وفي خضم حالة الخوف والذعر والانخراط في البكاء الشديد التي انتابتها، حدثت نفسها قائلة: «ما الذي فعلته بنفسي؟».

إصابات الشباب

* لقد اكتشف الأطباء أن آني مصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، ذلك المرض الذي عادة ما يتم ربطه بالوزن الزائد. ولم تستطع الذهاب إلى المعسكر الصيفي. وحينما عادت إلى منزلها قادمة من المستشفى بعد أسبوع، علمت كيف تحقن نفسها بالأنسولين، كما أدركت أنها ستظل مصابة بمرض السكري لبقية حياتها. حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين، كانت الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري تقتصر بدرجة كبيرة على البالغين. ومن الواضح أنه نتيجة انتشار حالات البدانة بين الأطفال، فإن حالات الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري بين الأفراد دون سن العشرين قد ارتفعت من الصفر تقريبا إلى عشرات الآلاف من الحالات في الولايات المتحدة، في فترة تربو بقليل على عقد من الزمان. ويطرح الأطفال المصابون بهذا المرض قضية علمية جديدة، إذ لا يمتلك أحد أي فكرة عما سيقومون به على مدار حياتهم. وتقول آني إنها كانت «بدينة بالتأكيد» وقت أن تم تشخيص حالتها، وقد قامت بالفعل بإجراء تغييرات جوهرية على أسلوب حياتها للتحكم في المرض. ومن خلال ممارسة التمرينات الرياضية وتقليل مقدار الكربوهيدرات التي تتناولها، تمكنت من خفض وزنها بمقدار 12 رطلا (الرطل يساوي 453 غراما تقريبا) حتى الآن. وقللت حاجتها للأنسولين من عدة جرعات كل يوم إلى جرعة واحدة كل ليلة، وتأمل أن تتمكن سريعا من الاستغناء عن الإبرة والاكتفاء باستخدام عقار «ميتفورمين» الذي يتم تناوله عن طريق الفم. نمط حياة صحي

* وعلى الرغم من أنها كانت الشخص الوحيد المصاب بمرض السكري بين أفراد أسرتها، فإن تشخيص حالة آني قد أثار رد فعل من جانب أسرتها. فقد تخلص أبواها من مائدة الطعام وحولوا تلك المساحة إلى غرفة لممارسة التمرينات الرياضية، بها صحن مملوء بالتفاح وزجاجات مياه مرتبة بشكل فني عند باب الغرفة.

ويمارس الجميع التمرينات الرياضية، بمن فيهم أخوها ستيفن، البالغ من العمر 15 عاما. وتوقف جميع أفراد الأسرة عن تناول المياه الغازية والوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسية، وأصبح كل منهم يتناول كميات أقل من الطعام. وتقول آني: «عندما أشاهد أبي يمارس التمرينات الرياضية، أدرك أنني قد ساعدت في تحفيزه». وتستطرد قائلة: «في ما سبق، كانت ممارسة التمرينات الرياضية روتينية. وكنت أجلس وأشاهد التلفزيون وأتناول وجبات خفيفة بين الوجبات. أما الآن، فبمجرد أن أصل إلى المنزل، أرتدي ملابس التمرين».

اتجاه مقلق

* يتم سنويا، في وقتنا الحاضر، تشخيص حالة نحو 3700 أميركي في سن العشرين بالإصابة بالمرض المعروف باسم «سكري البالغين»، وفقا لمراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها. وهذا العدد الصغير نسبيا يجعل حالات الإصابة بهذا المرض نادرة بين الأطفال، غير أنه يمثل اتجاها سائدا له عواقب أكبر.

يقول لاري ديب، اختصاصي الغدد الصماء للأطفال والرئيس السابق لقسم الطب والعلوم بجمعية السكري الأميركية: «في مدة تزيد بقليل على 10 سنوات، بدأت تظهر حالات إصابة بمرض السكري بين الأطفال. وهذا أمر يثير القلق». ويتابع قائلا: «يمكن أن يسبب السكري الإصابة بالكثير من الحالات المرضية الخطيرة، مثل أمراض القلب والفشل الكلوي وبتر الأطراف والعمى، وهو يكبد نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة 174 مليار دولار سنويا، طبقا لما ذكرته معاهد الصحة الوطنية».

وتعد هذه إحصاءات مروعة بالدرجة الكافية حينما يكون المرضى في سن الستين. وحينما يتم تشخيص الإصابة قبل تلك السن بعقود، تثار مخاوف جديدة، ممثلة في تساؤلات مثل: هل سيعاني هؤلاء الأطفال أزمات قلبية في العشرينات؟ وهل سيكونون بحاجة إلى غسل كلى في سن الثلاثينات؟ أو هل سيصابون بالعمى قبل أن يروا أبناءهم وقد أنهوا دراستهم الثانوية؟ ونظرا لأن 80% من المرضى المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري يعانون السمنة أو البدانة، فليس من الغريب أن يتساءل مرضى مثل آني عما إذا كانوا هم من قد أدوا بأنفسهم إلى هذه النتيجة. غير أن هناك عوامل خطر أخرى لا يمكن لأي أحد السيطرة عليها: تاريخ الأسرة، الأصل العرقي (ترتفع معدلات الإصابة بمرض السكري بين السود والأميركيين ذوي الأصول اللاتينية والهنود الأميركيين) أو العوامل الوراثية أو الأم التي قد أصيبت بالسكري أثناء فترة حملها. وبدلا من استسلام المرضى للشعور بالحزن الذي يتملكهم، يوصي الأطباء بأن يستغل المرضى الشباب وآباؤهم الفرصة للخضوع لبرنامج عاجل حول كيفية تحسين حالتهم الصحية. يقول فران كوغين، مدير برنامج السكري للأطفال/البالغين بمركز الصحة الوطنية للأطفال: «لقد اعتدت أن أحمل شعار (تخلص من الشعور بالذنب)». ويضيف قائلا: «أحاول أن أقنع المرضى المصابين بالسكري بأنه لم يتسبب أحد في إصابتهم بهذا المرض. وأؤكد لهم على أن بإمكانهم إحداث تغييرات الآن». ويوجد شعور بالقلق لدى من يدرسون حالات الإصابة بمرضى السكري عند الأطفال، بسبب ما لديهم من معلومات عن شكل المرض عند البالغين. ويعاني ما يزيد على 25 مليون أميركي من مرض السكري (أكثر من 90% منهم مصابون بالنوع الثاني منه)، وذلك وفقا للمعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى – غير أن 79 مليون أميركي مصابون بحالة مرضية معروفة باسم «ما قبل السكري»، التي تتسم بارتفاع مستويات سكر الدم عن المستويات المعتادة، ولكنها لا تصل إلى المستوى الذي تكون عليه في حالة الإصابة بمرض السكري.

ولا تعد حالة ما قبل السكري مرضا يتطلب علاجا طبيا – ولكن مجرد تنبيه. وكشفت دراسة أجريت على مستوى البلاد عن أن البالغين المصابين بحالة «ما قبل السكري» الذين فقدوا 7% من وزنهم قد قلت لديهم احتمالات الإصابة بمرض السكري بنسبة 58%. ويخشى المسؤولون من أن التشخيص الفعلي لحالات عدد من الأطفال على أنها إصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، قد يكون مجرد جزء بسيط من مشكلة أكبر. وفي دراسة شملت مختلف أنحاء الولايات المتحدة أجريت على 2000 طالب بالصف الثامن من داخل مجتمعات معرضة بنسبة كبيرة لخطر الإصابة بمرض السكري، كان ما يزيد على نصفهم يعانون السمنة أو البدانة. وتبين أن 1% منهم فقط هم المصابون بمرض السكري – ولكن نحو ثلثهم كانوا يعانون حالة ما قبل السكري، وذلك وفقا لما ذكرته لوري لافيل، رئيسة قسم طب الأطفال والمراهقين والبالغين الشباب بمركز جوسلين للسكري في بوسطن وأحد الباحثين الرئيسيين في هذه الدراسة. وتقول إنه من المهم اكتشاف حالات هؤلاء الأطفال قبل أن تتطور إلى حالات إصابة بمرض السكري، بحيث يمكن مقاومتها عن طريق إدخال تغييرات في أسلوب حياتهم، دون تدخل طبي. مواجهة المرض

* إذا كانت ثمة أخبار سارة بشأن مرض السكري عند الأطفال، فهي أن أطباء الأطفال قد بدأوا في البحث عن حالات الإصابة به.

وتقول سوزان كونراد، إخصائية الغدد الصماء في الأطفال بمستشفى إنوفا فيرفاكس: «إنه خبر يحتل الصدارة بين الأخبار التي يتم تناقلها، وعلى مستوى جميع الأدبيات الطبية. ولقد بات هذا المرض تحت سيطرة أطباء الأطفال». على سبيل المثال، في بعض الأحيان، تظهر بقع داكنة وطفح جلدي خفيف حول رقبة الأطفال الذين بدأت أجسامهم تواجه مشكلات في تنظيم نسبة الأنسولين. ومنذ عقد مضى، كان من الممكن أن تتم إحالة مثل هؤلاء الأطفال إلى إخصائي في الأمراض الجلدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن توجيهات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها توصي بضرورة فحص أي طفل يكون لدى أسرته تاريخ إصابة بمرض السكري أو يكون وزنه أعلى من الشريحة المئوية الخامسة والثمانين المحددة للعمر والجنس، مع إجراء فحص للدم والبول، للكشف عما إذا كان مصابا بمرض السكري أم لا.

وقد جعلت التجارب الأسرية جون بيرون من مدينة وينشتر بولاية فيرجينيا واعيا بماهية مرض السكري والعواقب المترتبة على الإصابة به. وتعاني والدة جون، التي كانت قد أصيبت بسكري الحمل خلال مرات حملها الثلاث، الآن من النوع الثاني من مرض السكري. وقد كانت عمة والدته قد أصيبت بمرض السكري، وعندما توفيت في السبعين من عمرها، كانت تخضع لغسل كلوي وقعيدة وتعاني ضعفا في الإبصار وكانت قد أصيبت بسكتتين دماغيتين. لقد تم تشخيص حالة جون على أنه مصاب بالنوع الثاني من مرض السكري منذ أربع سنوات مضت، وقد عمل جاهدا منذ ذلك الحين من أجل إبقاء المرض تحت السيطرة. ويقول إنه قد تحول من شخص بدين في سن الحادية عشرة إلى شخص قوي البنية ويتمتع بلياقة البدنية في سن الخامسة عشرة. وقد تحسنت حالته، حيث لم يعد يحتاج إلى أخذ حقن أنسولين، بل بات علاجه بالدواء المأخوذ عن طريق الفم كافيا لإبقاء مستوى سكر الدم لديه تحت السيطرة، إلى جانب تناول غذاء صحي وممارسة كم أكبر من التمارين الرياضية. لقد ألم جون بقدر كبير من المعلومات عن هذا المرض، الأمر الذي جعله يرغب في تدريسها للأطفال المصابين به. وكمشروع قام بتصميم عرض «باور بوينت» موجه إلى البالغين.

وقد قام بترجمة مصطلحات طبية، مثل الغلوكوز والغلكومتر إلى كلمات أبسط يمكنهم فهمها، مثل السكر وقياسه. كما يرغب أيضا في تبسيط أساسيات خفض الوزن، التي تلعب دورا غاية في الأهمية في التحكم في مرض السكري، للأطفال الصغار. ويقول جون: «يتعلق الأمر بالمعارف والخبرات المكتسبة والأطعمة التي تتناولها وكم التمرينات الرياضية التي تمارسها. ربما إذا فهم الأطفال الأمر بشكل أفضل، يمكنهم النجاح في تلك المهمة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»