«الخوف من الموت».. شعور شائع خلال نوبة الجلطة القلبية

العلماء يعثرون على أسباب مرضية له

TT

يتولى أطباء القلب مباشرة مسؤولية معالجة المرضى الذين أُصيبوا للتو بنوبة الجلطة القلبية myocardial infarction أو نوبة الذبحة الصدرية غير المستقرة unstable angina. وهما يجمعهما وصف المتلازمة الحادة للشرايين التاجية Acute coronary syndrome. وهي الحالة المرضية الأعلى خطورة والأشد فتكا في تهديد سلامة حياة الإنسان، دون أي مجاملات لتلطيف الكلمات التي تصف الحقائق، لأن فيها يحصل سدد في مجرى أحد شرايين القلب. وتشير إحصائيات وزارة الصحة الأميركية صراحة إلى أنه في كل 25 ثانية يُصاب شخص بهذه الحالة القلبية في الولايات المتحدة، وفي كل دقيقة يموت شخص فيها بسببها. ناهيك عن العدد الفعلي في كل أرجاء العالم.

وعلى الرغم من معرفة الأطباء بهذه الحقيقة القاسية، وعلى الرغم من توقعاتهم معرفة كثير من الناس بها، فإن ثمة سؤالا طالما احتار أطباء القلب في تفسيره، وهو: حالتا الحزن الشديد والخوف من الموت، اللتان يُعاني من الشعور بهما كثير من الذين يمرون بأوقات ذروة أزمة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية أو الذبحة الصدرية غير المستقرة، هل هما بسبب التفاعل النفسي مع هذه الأزمة الصحية، أم أن هناك أسبابا عضوية مرضية تُثير الشعور بالخوف من الموت والحزن الشديد؟

وهناك أسباب عدة لحيرة الأطباء هذه، ولكن من أهمها ثلاثة أسباب؛ الأول أن بعضا من أولئك المرضى تسيطر عليهم تلك المشاعر دون معرفتهم بتشخيص إصابتهم بالنوبة القلبية وقبل مقابلتهم الأطباء، بل وبعضهم ربما لا يعرف ما هي النوبة القلبية ولا أعراضها ولا درجة خطورة تهديدها لحياة الإنسان. والثاني، ملاحظة الأطباء أن التوتر النفسي الشديد، متمثلا في الحزن الشديد والخوف من الموت، يرفع من خطورة استقرار الحالة الصحية للمصابين بالنوبة القلبية، وبالتالي يرفع من احتمالات تدهور حالتهم وتهديد سلامة حياتهم المستقبلية، وعليه، يكون من المفيد جدا لو أمكنت السيطرة على تلك المشاعر السلبية. والثالث، وهو الأهم، أن الشعور بالخوف من الموت لا علاقة له بكبر حجم الجلطة القلبية، بل ربما يطغى على شخص مُصاب بجلطة صغيرة ولا يُلاحظ لدى المُصاب بجلطة كبيرة.

الباحثون البريطانيون من لندن طرحوا نتائج دراستهم حول هذا الأمر في عدد أول يونيو (حزيران) الحالي من المجلة الأوروبية للقلب European Heart Journal، ولاحظوا لأول مرة أن سيطرة هذه المشاعر المتعلقة بالخوف من الموت والحزن الشديد ربما لها أسباب بيولوجية حيوية ذات صلة باضطرابات عضوية مرضية، وليست ناتجة فقط عن المعرفة والتوقعات الشخصية عن تداعيات الإصابة بنوبات الجلطة القلبية، وأن هذه التغيرات البيولوجية الحيوية المُصاحبة لنوبة الجلطة القلبية مرتبطة بعمليات بيولوجية حيوية أخرى، لها تأثيراتها السلبية المباشرة على نوعية الحالة الصحية التي يمر بها المصاب خلال الأسابيع التالية لإصابته بالنوبة القلبية. وبالتالي، يُمكن من خلال فهم هذه التغيرات، معرفة من مِن أولئك المرضى ستكون الحصيلة والنتيجة الصحية المستقبلية لديهم، جراء إصابتهم، هي أسوأ من غيرهم.

واكتشف الباحثون أن ثمة علاقة بين شدة تلك المشاعر السلبية وارتفاع نسبة مادة كيميائية في الدم، تُدعى «ألفا تي إن إف» TNF alpha، ذات علاقة بمستوى عمليات الالتهابات في الجسم. ومعلوم أن خلال الإصابات القلبية الشريانية، تكون ثمة مستويات عالية من تفاعلات الالتهابات في بطانة جدران الشرايين القلبية.

وعلق البروفسور أندرو ستبتو، المتخصص في الطب النفسي والقلبي والباحث الرئيس بالدراسة، بالقول: «وجدنا أولا وقبل كل شيء أن الخوف من الموت شعور شائع بين المصابين بالنوبة القلبية، وعلى الرغم من التقدم الطبي في إنقاذ حياة المصابين بها، فإن الكثير منهم يشعر بذلك الخوف من الموت. والنتيجة الثانية، أن الخوف من الموت ليس شعورا ناتجا عن فقط عن تفاعل نفسي، بل هناك ارتباط بينه وبين تغيرات بيولوجية حيوية تحدث خلال مراحل الإصابة بالنوبة القلبية.

وبالمقارنة بين من يشعرون بدرجات متدنية من الخوف من الموت، ومن يشعرون بدرجات عالية منه، وجدنا أن هناك فرقا في ارتفاع نسبة مادة «ألفا تي إن إف» في الدم بمقدار أربعة أضعاف. والمثير للدهشة أن هذا الارتفاع لم يكن ذا صلة مباشرة بالاختلافات الديموغرافية للناس أو بدرجة شدة الحالة المرضية لإصابات الشرايين القلبية. وثالثا، أن الخوف من الموت وارتفاع مستوى عمليات الالتهابات في الجسم، يتركان أثرا بيولوجيا حيويا على التوقعات المستقبلية لسلامة حياة أولئك المصابين». والحقيقة أن الحكمة هي «تفاءلوا بالخير تجدوه» حتى في الظروف التي يصعب على الكثيرين فيها التفاؤل. وسيطرة المشاعر السلبية كالخوف من الموت والحزن الشديد حال الإصابة بالحالات ذات الأحداث الشديدة والمؤلمة والمخيفة، هو أمر سلبي ضار حتى لو كانت ثمة مبررات منطقية للشعور بها. والمفيد هو التحلي بالتفاؤل، وعدم الاعتقاد بأن هذا التفاؤل لن يكون ذا تأثيرات إيجابية مفيدة على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد.

والدراسة البريطانية هذه تناولت جانبا مهما وخطرا من الأمراض، وأثبتت أن سيطرة الشعور السلبي، حتى في وجود ما يبرره عقلا وواقعا، لن يكون مفيدا، بل على العكس، سيطرة الشعور الإيجابي على الرغم من كل شيء، هو الشيء المفيد لصحة الإنسان وسلامته.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]