مكملات حمض الفـــوليك.. فوائدها وأضرارها

مناقشات علمية حول تأثيراتها.. على الرغم من التأكد من وقايتها من التشوهات الجنينية

TT

في ظل ما تؤكده الإحصائيات الحديثة، من تزايد تعرض الأجنة، خلال العقد الأخير، لمكملات حمض الفوليك، ارتفعت، بالتبعية، نسبة الجدل العلمي حول الفوائد والأضرار المحتملة من جراء تناول تلك المكونات، التي يتم وصفها حاليا بطريقة روتينية للنساء، قبل وأثناء الحمل، للوقاية من حدوث التشوهات الخلقية بالأنبوب العصبي للجنين، بالإضافة إلى إقبال نحو 40 في المائة من الأشخاص على تناول مكملات حمض الفوليك، بهدف الحصول على فوائد صحية لم تؤكدها الأبحاث العلمية.

كما أكدت توصيات الجهات الصحية بالولايات المتحدة الأميركية وكندا وبعض دول أوروبا منذ عام 1998، على ضرورة إضافة حمض الفوليك إلى الدقيق الأبيض والخبز والمعجنات التجارية، لتوفير أطعمة مدعمة بحمض الفوليك Folic acid fortified foods، وأوصت بوضع «دائرة حمراء» على الملصقات الغذائية تحمل حرف F اختصارا لكلمة Folate لتمييز الأغذية المدعمة بحمض الفوليك.

وقد أثارت الإحصائيات والتوصيات السابقة فضول العلماء للتنقيب عن الفوائد المؤكدة، والأضرار المحتملة، لتناول مكملات حمض الفوليك، والأغذية المدعمة بحمض الفوليك، وتباينت نتائج الدراسات وآراء الخبراء.

* أغذية مدعمة بحمض الفوليك

* في دراسة نشرت خلال شهر يونيو (حزيران) 2011 بالمجلة الأميركية للصحة العامة، أوصى الباحثون بضرورة إضافة حمض الفوليك إلى أحد أنواع دقيق الذرة شائع الاستعمال في الولايات المتحدة، استنادا إلى الإحصائيات التي تؤكد تناقص معدلات الإصابة بمرض «شق الأنبوب العصبي (أو الصلب المشقوق) Spina bifida» بأكثر من الثلث منذ عام 1998، نتيجة لتوصيات منظمة الغذاء والأدوية FDA والجهات الصحية، بتوفير الأغذية المدعمة بحمض الفوليك. كما أكد باحثون بمعهدDuetsches Artzeblatt international بألمانيا في دراسة نشرت خلال شهر أبريل (نيسان) 2011، ضرورة توفير الأغذية المدعمة بحمض الفوليك، باعتبار أن ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية معاناة من حدوث العيوب الخلقية بالأنبوب العصبي للأجنة. كما أكد الباحثون أن الاتهامات الموجهة ضد الأغذية المدعمة بحمض الفوليك، وافتراضات تسببها في زيادة مخاطر الإصابة بسرطان القولون، لا تعتمد على أدلة علمية قوية. يذكر أن دراسة لباحثين بالمعهد القومي للتغذية بالنرويج، نشرت بالمجلة الطبية البريطانية خلال عام 2007، أكدت أن تناول الأغذية المدعمة بحمض الفوليك يؤدي إلى تشبع الكبد وعدم التمثيل الغذائي الكامل لحمض الفوليك، مما يؤدي إلى تراكم كميات كبيرة منه بالدم والجسم، ويزيد نسبة المخاطر الصحية للمسنين الذين يعانون من نقص غير ظاهر بفيتامين بي12، ومرضى سرطان (لوكيميا) الدم والتهابات المفاصل، وانسداد الأوعية الدموية، والنساء اللائي يعانين من تكرار الحمل خارج الرحم والخاضعات للحقن المجهري والإخصاب الصناعي، وكذلك الأشخاص ذوو التاريخ العائلي للإصابة بسرطان القولون.

وفي عام 2007 نفسه أكد باحثون في دراسة نشرت بمجلة الصحة العامة البريطانية، أمان الجرعات المضافة من حمض الفوليك إلى الأغذية، وهي توفر نحو 100 ميكروغرام من حمض الفوليك يوميا، طبقا لتوصيات الجهات الصحية بالولايات المتحدة وكندا. وأشار الباحثون إلى إمكانية مضاعفة الجرعات وعدم التعرض لارتفاع مستويات حمض الفوليك، أو التسبب في مشكلات صحية.

وفي عام 2009 أكد باحثون بجامعة دبلن في دراسة نشرت بدورية BMC - public health ارتفاع مستويات حمض الفوليك، بين متبرعي الدم والنساء والأطفال حديثي الولادة، الذين أجريت عليهم الدراسة، وأكدوا ضرورة توخي الحذر بشأن الإسراف في تناول الأغذية المدعمة بحمض الفوليك، وإعطاء مكملات حمض الفوليك من دون قياسات سابقة للدم.

كما نادى الخبراء في دراسة نشرت خلال عام 2010 بدورية الجمعية الطبية الكندية، بضرورة توخي الحذر بخصوص استهداف الأطعمة الخاصة بالنساء، بمضاعفة كميات حمض الفوليك المضافة إليها، تحسبا لاحتمالات متوقعة بتزايد مخاطر الإصابة بسرطان القولون، وزيادة تعرض عامة الأشخاص لجرعات مرتفعة من حمض الفوليك، قد تسبب لهم مشكلات صحية كثيرة.

* مكملات حمض الفوليك والسرطان

* وتباينت الآراء والنتائج بخصوص علاقة مكملات حمض الفوليك بالسرطان، ففي دراسة نشرت خلال شهر مايو (أيار) 2011 في الدورية العلمية Gut أكد الباحثون أن تناول مكملات حمض الفوليك، بالجرعات الموصوفة خلال فترات الحمل والرضاعة (400 ميكروغرام يوميا)، تقي الذرية من مخاطر الإصابة بسرطان القولون، بنسبة تصل إلى 64 في المائة، وفسر الباحثون نتائج الدراسة باعتبار أن حمض الفوليك يساعد على استقرار المادة الوراثية DNA للخلايا، بالإضافة إلى تثبيط تضخم خلايا القولون وتكاثرها، مما يساعد على الوقاية من الإصابة بالسرطان فيما بعد.

وفي المقابل أشارت دراسة نشرت في مجلة أبحاث السرطان خلال شهر فبراير (شباط) 2011، إلى ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي بنسبة الضعف لدى إناث فئران التجارب، اللائي تم إعطاء أمهاتهن مكملات حمض الفوليك، مقارنة بأخريات لم يتم إعطاء أمهاتهن مكملات حمض الفوليك أثناء الحمل والرضاعة.

ويرى الباحثون أن الاختلاف في نتائج الدراسات يشير إلى التأثيرات المختلفة، بصورة واضحة، لحمض الفوليك في نشوء وتطور الأورام بأعضاء الجسم المختلفة، التي تختلف احتياجاتها لمادة فولات (الشكل الطبيعي لحمض الفوليك)، كما تختلف قدرتها على التمثيل الغذائي لحمض الفوليك ذاته. لذلك أكد الباحثون على ضرورة إجراء المزيد من التجارب على الإنسان، وعدم إثارة الذعر والفزع لدى النساء الحوامل، فعلى الرغم من وجود تشابه كبير في آلية حدوث سرطان الثدي لدى الإنسان والفئران، فإن هناك اختلافا كبيرا في عمليات الأيض المتعلقة بحمض الفوليك بينهما.

* الإصابة بالربو الشعبي

* كما تضاربت أيضا نتائج الدراسات التي تناولت العلاقة بين مكملات حمض الفوليك وإصابة الأطفال بالحساسية الصدرية، ففي دراسة نشرت خلال شهر فبراير (شباط) 2011، أكد الباحثون بالمعهد النرويجي للصحة العامة، وجود علاقة طردية بين ارتفاع مستويات حمض الفوليك أثناء الحمل، وإصابة الأطفال بالحساسية الصدرية (الربو الشعبي)، خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، بعد استبعاد عوامل الخطورة الأخرى، مثل قياس معدل كتلة الجسم والتدخين والتاريخ المرضي لإصابة الأم بالحساسية الصدرية.

وعلى الرغم من نتائج الدراسة، فإن الباحثين أكدوا ضرورة استمرار التوصية بتناول النساء مكملات حمض الفوليك أثناء الحمل، طبقا للجرعات الموصى بها (400 ميكروغرام يوميا)، لحين إشعار آخر.

وفي المقابل أكدت دراسة نشرت في مجلة American journal of epidemiology خلال عام 2009 على أن أطفال النساء اللائي تناولن 400 ميكروغرام من حمض الفوليك قبل الحمل وأثناء الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أقل عرضة للإصابة بالحساسية الصدرية خلال السنوات الأولى من العمر، مقارنة بأطفال النساء اللائي تناولن مكملات حمض الفوليك خلال الفترات المتأخرة من الحمل.

كما أكدت الدراسة عدم وجود علاقة بين تناول مادة «الفولات الطبيعية» الموجودة في الخضراوات الورقية الخضراء وبعض الفاكهة والمكسرات، وحدوث الحساسية الصدرية بين الأطفال خلال مراحل العمر الأولى.

* مضاعفات الحمل

* وأكدت دراسة نشرت في المجلة الأوروبية لأمراض النساء والتوليد عام 2010، أن استمرار تناول مكملات حمض الفوليك بعد فترة الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، يقلل مخاطر الولادة المبتسرة (المبكرة) بنسبة نحو 7 في المائة.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة الجمعية الأميركية لطب النساء والتوليد عام 2008، اشتملت على تحليل إحصائي لقاعدة بيانات ثلاثة آلاف سيدة بمستشفيات جامعة أوتاوا الكندية، أكدت أن تناول مكملات حمض الفوليك يقلل مخاطر الإصابة بأعراض تسمم الحمل بأكثر من النصف، بعد استبعاد عوامل الخطورة الأخرى، مثل السن والتاريخ المرضي للإصابة بأعراض تسمم الحمل، مثل ارتفاع ضغط الدم، وزيادة إفراز زلال البول، واعتلال وظائف الكلى، وزيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية، والولادة المبكرة، وأحيانا الوفاة.

وأكد الباحثون أن أكثر من 92 في المائة من المشاركات بالدراسة تناولن 1000 ميكروغرام من حمض الفوليك، وهي جرعة تعادل أكثر من ضعف الجرعة الموصى بها (400 ميكروغرام) من حمض الفوليك يوميا. لذلك أوصت الجهات الصحية الكندية بضرورة اتباع الجرعة الموصى بها (400 ميكروغرام) لجميع النساء، مع الأخذ في الاعتبار احتمالات مراجعة الجرعات لبعض الحالات الاستثنائية من النساء الأكثر عرضة للإصابة بتسمم الحمل.

* مكملات حمض الفوليك والتوحد

* وفي دراسة نشرت خلال شهر مايو (أيار) 2011 في مجلة Epidemiology أجراها باحثون بجامعة كاليفورنيا، أكدت أن النساء اللائي لم يتناولن مكملات الفيتامينات قبل وأثناء الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أكثر عرضة، بمعدل الضعف، لولادة طفل مصاب بالتوحد، وترتفع هذه الخطورة إلى سبعة أضعاف في حالة وجود استعداد وراثي للإصابة بالمرض. لذلك أكد الباحثون ضرورة حصول النساء على 400 ميكروغرام من حمض الفوليك يوميا، للوقاية من حدوث نحو 70 في المائة من تشوهات الأنبوب العصبي أثناء المراحل الأولى لتكوين الجنين، والإقلال من مخاطر الإصابة بالتوحد، خاصة في وجود الاستعداد الجيني لولادة طفل يعاني من التوحد.