عقار جديد.. لعلاج مرض الذئبة

ردود فعل متباينة إزاءه

TT

بالنسبة إلى جانيس فيتزغيبون، فإن العقار الجديد هو معجزة، فقبل عامين، عندما جاءت إلى مستشفى أمراض الروماتيزم بشمال ولاية فيرجينيا للحصول على أول جرعة من دواء تجريبي لمرض الذئبة lupus، كانت تعاني من شعور بالارتباك بسبب حالة الألم مع الخوف التي ظلت فيها على مدار ثلاثة أعوام.

وتقول فيتزغيبون: «ربما مرت أيام كنت لا أستطيع فيها أن أغادر فراشي. وعندما كانت حالتي تتحسن، كنت أشعر بالخوف لأنني لم أكن أعرف متى ستأتيني هذه النوبة مجددا». وتضيف: «كان عالمي ضيقا جدا. وفي إحدى المرات قضيت ثمانية أيام على الأريكة أشاهد قناة (ترونر كلاسيك موفيز). ولم يفهم أحد ما الذي أصابني».

والآن، على حد ما تقوله، فهي امرأة طبيعية في الرابعة والخمسين من عمرها. وتقول: «أستطيع أن أمشي ثلاثة أميال في اليوم. وأرفع الأثقال».

عقار جديد

* وتقول فيتزغيبون إن الاختلاف هو عقار «بيليموماب» belimumab أو «بنليستا» Benlysta، الذي حصل على إجازة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية هذا العام كأول عقار يعد خصيصا لمكافحة أعراض وأسباب الذئبة.

وبالنسبة إلى آرثر وينستن، رئيس قسم أمراض الروماتيزم في مركز مستشفى واشنطن، فإن عقار «بنليستا» قد مر عبر عملية الموافقة داخل إدارة الغذاء والدواء ولكن هناك قدرا كبيرا من الضبابية بشأن قيمته في النهاية. ويقول: «أشعر بالسعادة لأن الدواء حصل على موافقة، وآمل يجد مكانا له. وسنعرف لاحقا ما إذا كان سيبقى».

ويقدر وينستن أن ما بين 10 إلى 20 في المائة من مرضى الذئبة ربما يستفيدون من دواء «بنليستا»، وليس لديه معلومات عن مقدار النفع الذي سيعود به العقار على هذه الأقلية على المدى الطويل. وفي هذه الأثناء، من المتوقع أن يتكلف العقار 35000 دولار مقابل 12 جرعة شهرية.

وفي الدراسات التي سبقت الموافقة على الدواء، كانت النسبة المئوية للمرضى الذين تحسنوا من خلال تناولهم عقار «بنليستا» أعلى بنسبة قليلة ممن تحسنوا من خلال العلاج بالحبوب الوهمية. ونتيجة لذلك، يشعر بعض أطباء أمراض الروماتيزم بالحذر بشأن التكلفة العالية لتجربة ذلك.

ويقول جون كوش، وهو متخصص في أمراض الروماتيزم داخل دالاس: «بناء على البيانات المتوافرة، لا يبدو عقارا وكأنه عقار. ولست متأكدا ممن سيستفيد منه».

وهذه هي المأساة التي تواجه من يعانون من الذئبة. وللمرة الأولى على مدار 50 عاما، يوجد علاج محتمل لمرضهم المخيف وغير المتوقع والمؤلم بدرجة كبيرة. ولكن ربما لا يفلح هذا الأمر بالنسبة إليهم، ولكن ربما لا يحصلون على الدواء يوما ما بسب السعر المرتفع.

صعوبة تشخيص الذئبة

* ويعد مرض الذئبة من أمراض المناعة الذاتية، وهو اضطراب يؤدي إلى إثارة الجسم، وذلك لأسباب غير معروفة في الأغلب. ويمكن أن يهاجم أي عضو بدءا من الجلد وصولا إلى العظام والكليتين والقلب والمخ. وتمثل النساء أكثر من 90 في المائة من المرضى.

وتقول فيتزغيبون: «يبدو وكأن أعراضي تتغير بصورة مستمرة، ففي يوم كانت المشكلة في مفاصلي وبعد ذلك ظهرت قرح في فمي وبعد ذلك كان هناك طفح جلدي. كنت أحدث نفسي قائلة: حسنا أيتها الذئبة، ما سيكون هدفك الثاني في جسمي؟».

ووفقا لما تفيد به مؤسسة مرض الذئبة الأميركية، يعاني 1.5 مليون أميركي من الذئبة أو أمراض ذات صلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن عدد الأفراد الذين شخصهم اختصاصيو الروماتيزم المتخصصون في الذئبة لأن المرض يهاجم في الأغلب مفاصل المرضى، يبلغ 325000 شخص. ويوضح هذا التباين الغموض وصعوبة تشخصين الذئبة، حيث لا يوجد اختبار دم واحد أو عرض يحدد المرض. وعادة لا يذهب الأفراد الذين لديهم أعراض أقل إلى اختصاصي الروماتيزم.

وبنفس مقدار صعوبة تشخيص الذئبة، نجد صعوبة أكبر في معالجة المرض بصورة فعالة. ومن المعتاد لمرضى الذئبة الذين يبلغون من العمر 25 عاما أن يأخذوا خمسة أو ستة أدوية في المرة الواحدة تتنوع ما بين منشطات إلى مواد علاج كيميائي إلى أدوية مضادة للملاريا في سعي إلى الحد من المرض وغيرها من الأعراض. ومن الآثار الجانبية الشائعة فقدان الخصوبة وفقدان الأسنان وفقدان جزء من العظام أو نوبات مرضية مفاجئة. وفي الأغلب تجعل العقاقير من المرضى وكأنهم يعانون من الذئبة وحدها. ولا يوجد علاج للذئبة، ولن يغير دواء «بنليستا» الذي طرح في السوق في مارس (آذار) من ذلك.

ويقول باري لابنغر، نائب رئيس التسويق في شركة «هيومان جينز ساينس»، وهي شركة مقرها في غيثرسبرغ تصنع الدواء: «هذا الدواء معد من أجل المرضى الذي يستخدمون دواءين آخرين على الأقل وما زالوا عاجزين عن التعرف على آثار مرضهم». وتعتقد الشركة أن ما يصل إلى 200000 من بين 325000 شخصهم اختصاصيو الروماتيزم كمرضى الذئبة سيكونون في هذه الشريحة، بحسب ما ذكر لابنغر.

ويعد الدواء «بنليستا» شيئا بارزا بالنسبة للشركة التي يبلغ عمرها 19 عاما، وبالنسبة لمرضى الذئبة، حيث إنه الدواء الأول الذي حصل على موافقة من إدارة الغذاء والدواء من هذه الشركة.

ويشعر لابنغر بالتفاؤل وأن هذا الدواء سيكون علاجا مهما لمرض الذئبة. ويعمل الدواء من خلال التشويش على استجابة في خلايا «بي»، وهي خلايا دم بيضاء تصنع أجساما مضادة. ويمنع دواء «بنليستا» عمل بروتين يجعل الخلايا تتكاثر عندما ترتبط بمستقبلات في خلايا «بي». وفي الواقع يضعف «بنليستا» من استجابة المناعة، ولا سيما الجزء الذي يسبب ردود فعل مناعية ذاتية.

ويقول لابنغر إن سعر «بنليستا» يأتي متماشيا مع الأجسام المضادة أحادية النسيلة الأخرى، وهي فئة جديدة نسبيا من الأدوية تتكلف كثيرا لإنتاجها. ويقول إنه حتى الآن لم تظهر شركات التأمين ترددا بشأن الدفع مقابل الدواء.

وبالنسبة إلى بني فليتشر، رئيس فرع مؤسسة الذئبة الأميركية داخل واشنطن، فإن الدواء «بنليستا» يعني الأمل. ويقول فليتشر، في إشارة إلى فيتزغيبون: «أعرف جانيس عندما كانت تمر بهذه التجربة العيادية، وهي الآن امرأة مختلفة». وأضاف: «لقد ساعدها على تجنب النوبات، ومكنها من التمتع بصحة مستقرة مع مقدار أقل من الألم والخوف». ويضيف: «بالنسبة إلى المرضى، فهو شيء مفيد، وهو رائع لكافة المرضى الذين يعانون من الذئبة» لأنه من الممكن أن يؤدي إلى أدوية أخرى للذئبة.

وخلال العقود الأخيرة، فشلت الكثير من الأدوية المرشحة لعلاج الذئبة، والتي بدت فعالة، وستشجع موافقة إدارة الغذاء والدواء على «بنليستا» شركات أخرى لتظل في سعيها، بحسب ما قاله كينيث كالونيان، الذي يدير فرع اتحاد تجارب الذئبة العيادية في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو. وتضم هذه الشركات «غينينتك» و«مديمويون» و«أسترا زنيكا» و«إلي ليلي».

أعراض الذئبة

* وليس هناك شيء سهل دائما مع مرض الذئبة، مثلما تظهر تجربة الشركة المصنعة له، حيث تأتي أعراض الذئبة وتروح، كما أنها تختلف من مريض لآخر. وعلى ضوء العدد القليل من الاختبارات الخاص بتطور المرض، فقد ابتكرت الشركة نظام تشفير لقياس تأثير المرض على أعراض المشاركين في التجربة.

وفي مرحلة مبكرة من التجربة، بدا الأميركيون من أصل أفريقي - الذين أصيبوا بالمرض بصورة متفاوتة لأسباب غير معروفة - تكون استجابتهم جيدة عند استخدام هذا العقار، ولكن في مرحلة أخرى متأخرة وأوسع لم تحظ هذه المجموعة بأي تميز يذكر. ووفقا للإحصائيات لم يكن أي من هذه النتائج مؤثرا، لكنها كانت كافية لجعل شركة «لوم الجينوم البشري» تعد بتجربة أخرى منفصلة تتضمن المرضى الأميركيين من أصل أفريقي فقط.

تعيش جانيس فيتزغيبون، النحيفة للغاية، وذات الشعر القصير الأشقر والملامح الحادة، في شارع هادئ تنتشر فيه الأشجار بمقاطعة ماكلين. وقبل خمس سنوات، أي عندما كان عمرها 49 عاما، بدأت مفاصل اليد والقدم تؤلمها، ثم بعد ذلك آلمها مرفقاها ورقبتها وركبتاها. وظلت تتساءل عما حل بها. وكان أسوا من الألم هو الشعور بالتعب الشديد. تقول: «دائما ما كنت أنام جيدا. ولكني الآن أستيقظ متعبة. وأشعر أنني كسمكة القرش علي أن أتحرك باستمرار حتى لا أنام».

وفي المرة الأولى التي أصابها فيها الألم الشديد، وانتشر في النهاية بجسدها بالكامل، باتت غير قادرة على صعود درجات السلم، حصلت فيتزغيبون على جرعات من منشطات الستيرويدية، الذي تسبب في أرقها الدائم وأفكار غريبة تترد على عقلها. «هذا المرض غدار ومتقلب. لا تستطيع أن تضع خططا ولا يمكنك أن تتوقع في أي يوم ستحدث النوبة. من الصعب أن يفهم الناس ذلك».

وتعتبر حالتها بسيطة. فهي لم تفقد بصرها ولم تعان من الصرع ولا تحتاج إلى استبدال أحد أعضائها. وذكرت: «عندما كنت أقابل سيدة تعاني من هذه الأشياء كنت أشعر بأنني مخادعة». تتسلل أعراض مرض الذئبة إلى المريض وتتسبب في ألم متزايد وتدهور الطاقة. وفي حالة فيتزغيبون كان الشعور بالتحسن مسألة تدريجية. «بعد مرور شهرين أو ثلاثة على الجرعة العلاجية (كجزء من تجربة (بنليستا) قلت إن هذا لا يجدي نفعا ولا بد أنه جزء من محاولة العلاج بالحبوب الوهمية ولكن زوجي قال لي لا بد أنك تمزحين لقد اختفت علامات الشيب نهائيا ولا تنامين عند الساعة السادسة عصرا على الأريكة. وبعد مرور ستة أشهر علمت أنه فعال. كنت أمكث لوقت متأخر وأنام جيدا. وأتمشى مع كلبي. ولم أكن أتذكر أنني مصابة بالذئبة في بعض الأيام».

ولا تزال فيتزغيبون تتناول العقار منذ عامين وتستمر في الحصول على الجرعة الشهرية مجانا في ظل التجربة الإكلينيكية. ويبدو باحثو الشركة متواضعين نسبيا فيما يتعلق بقدرة عقار «بنليستا». وتذكر الشركة أن قيمة العقار على المدى الطويل لم تظهر بعد.

ويقول لابنغر: «يتعلم أطباء الروماتيزم باستمرار، وعليهم أن يجروا تجاربهم الخاصة لبيان مدى جدواه فلا توجد نتائج متواضعة بالنسبة لمرض الذئبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»