أشعة الشمس الحارقة في الصيف.. السلامة أولا

فهم أعمق لتأثيرات الأشعة فوق البنفسجية

TT

السلامة من أشعة الشمس إحدى القضايا الطبية الساخنة المرتبطة في أذهان الكثيرين بفصل الصيف وحرارة أنواع الأنشطة فيه، كالنزهات والرحلات إلى المناطق الجبلية المرتفعة أو الاستجمام بقضاء الأوقات الطويلة في المسابح أو على رمال الشواطئ أو المشي في الأسواق، ولكنها لدى الوسط الطبي قضية مرتبطة بحماية الإنسان منها في فصول السنة كلها.

وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أصدرت في يونيو (حزيران) 2010 كتيبا حول التعريف بكيفية التعامل مع أشعة الشمس في الصيف، بعنوان «السلامة من الشمس.. تحمي جلدك!» Sun Safety: Save Your Skin!. وتقول فيه: «الحاجة إلى معرفة السلامة من الشمس أصبحت أكثر وضوحا خلال الـ30 سنة الماضية، وذلك نتيجة للدراسات الطبية التي أظهرت أن التعرض لأشعة الشمس هو أحد مسببات الإصابة بسرطان الجلد». والأضرار التي تصيبنا من أشعة الشمس، أو من «مصابيح الشمس» sunlamps أو أسرة سمرة البشرة tanning beds، لا تتسبب في سرطان الجلد فقط، بل قد تتسبب في اضطرابات عدة في عمل العينين وإضعاف قوة جهاز مناعة الجسم وظهور البقع على الجلد أو نشوء ترهل تجاعيد الجلد wrinkles أو بشرة الجلد المدبوغ leathery skin.

حقائق طبية ودعونا نراجع بعض الحقائق العلمية مما تذكره حديثا الهيئات الحكومية الصحية بالولايات المتحدة، خاصة جمعية السرطان الأميركية، حول سرطان الجلد في الولايات المتحدة وحدها دون بقية أرجاء العالم. والحقائق العلمية الثماني هي:

نصف إصابات السرطان بالولايات المتحدة هي من نوع سرطان الجلد.

واحد من بين كل خمسة أشخاص بالولايات المتحدة سيصاب بسرطان الجلد خلال فترة حياته.

هذا العام 2011، سيتم تشخيص إصابة أكثر من مليوني إنسان بسرطان الجلد في الولايات المتحدة.

في كل ساعة يموت شخص بالولايات المتحدة بسبب سرطان الجلد.

معدل الإصابات الحالي في الولايات المتحدة بنوع سرطان «ميلانوما» (الأورام القتامية)، أحد أشرس أنواع سرطان الجلد، هو 20 ضعفا عما كان عليه الحال في عام 1930، مما يعني أن ثمة تغيرات بيئية ما في كوكب الأرض أو الشمس، تساهم في ارتفاع الإصابات وتتطلب مزيدا من الاهتمام بالوقاية وبالكشف المبكر وسرعة بدء المعالجة.

الإفراط في التعرض للأشعة ما فوق البنفسجية هو العامل الأقوى والممكن منعه من بين عوامل خطورة الإصابات بسرطان الجلد. ولذا فإن خفض التعرض لتلك النوعية من الأشعة الشمسية هو الخطوة الأهم والأبسط في خفض الإصابات بسرطان الجلد.

من نتائج غالبية الدراسات الطبية، ثمة علاقة قوية بين إصابات الأطفال بحروق الشمس في صغرهم وبين إصابتهم بسرطان الجلد في مراحل تالية من حياتهم.

من المهم إفهام الأطفال موضوع أشعة الشمس، وذلك عبر البرامج المدرسية بشكل رئيسي، لأن معظم فترات التعرض لأشعة الشمس خلال حياة الإنسان تحصل في مرحلة الطفولة والمراهقة، ثم تقل بعد ذلك.

ومصدر أضرار أشعة الشمس على الجسم هو وجود نوع من الأشعة غير المرئية من فئة «الأشعة فوق البنفسجية» ultraviolet (UV) radiation. وعلى سبيل المثال، فإن تغير لون البشرة نحو اللون الأسمر هو نتيجة لتفاعلات بين خلايا الجلد والأشعة فوق البنفسجية الضارة، التي تؤدي إلى إنتاج خلايا الجلد لمزيد من بقع الصبغات. وخلايا الجلد حينما تفعل ذلك، إنما تحاول أن تكون طبقة وقاية تحمي بها نفسها من تغلغل تلك النوعية من الأشعة خلال الجلد وطبقاته، وبالتالي منع تسببها في حروق الشمس sunburn وفي تغيير الحمض النووي في خلايا الجلد وغيرها من أضرار تلك الأشعة على الجلد.

* طبقات الجلد

* ودائما ما تذكرنا كتب التشريح بأن الجلد هو أكبر «عضو» في الجسم. ويتكون الجلد من ثلاث طبقات، هي:

1- طبقة البشرة Epidermis، وهي الطبقة الخارجية للجلد التي تتصل بشكل مباشر مع العوامل البيئية المحيطة بنا التي نعيش فيها. ولا توجد في طبقة البشرة أي أوعية دموية.

2- طبقة الأدمة Dermis، وهي الطبقة المتوسطة من تراكيب الجلد. وتوجد فيها بصيلات الشعر والغدد الدهنية الملتصقة بسيقان الشعر والغدد العرقية والشعيرات الدموية والنهايات العصبية وغيرها.

3- طبقة ما تحت الأدمة hypodermis، وهي الطبقة العميقة. وتوجد فيها الشرايين والأوردة والشحوم وغيرها من مكونات الأنسجة تحت الجلدية.

وبالتشريح الميكروسكوبي، تقسم طبقة البشرة الخارجية إلى خمس طبقات، يختلف سمك كل طبقة منها حسب منطقة الجلد في الجسم. ويتراوح السمك العام لطبقة البشرة في مناطق الجسم المختلفة ما بين 15 إلى 350 شريحة من الخلايا الجلدية المصفوفة بعضها فوق بعض. وهناك أربعة أنواع من الخلايا في طبقة البشرة، إحداها خلايا «ميلانوسايت» melanocytes الموجودة في الجزء العميق من طبقة البشرة. وتحتوي خلايا ميلانوسايت على صبغات ميلانين melanin الجلدية التي تحدد لدى الشخص نوع اللون الطبيعي الدائم للجلد وقزحية العين والشعر. وتشكل هذه الخلايا نسبة 5 إلى 10% من خلايا الأجزاء العميقة من طبقة البشرة. وتحديدا، يوجد ما بين 1000 إلى 2000 خلية ميلانوسايت في المليمتر المربع الواحد من الجلد.

ولا يعود اختلاف ألوان بشرة الناس إلى اختلاف عدد خلايا ميلانوسايت في البشرة، بل إلى اختلاف نشاط تلك الخلايا في إنتاجها لصبغة مادة ميلانين. ومادة صبغة ميلانين يتم إنتاجها من الأحماض الأمينة البروتينية بمساعدة إنزيم يدعى تايروسينيز Tyrosinase. والأشخاص المصابون بمرض المهق أو الألبينو albinism، يفتقرون إلى الجينات الوراثية اللازمة لصنع هذا الأنزيم في خلايا ميلانوسايت الجلدية لديهم. ويختلف إنتاج خلايا ميلانوسايت لصبغة ميلانين melanogenesis. ذلك أن لدى ذوي البشرة الفاتحة مستوى منخفضا من إنتاج هذه الصبغات، بينما يرتفع الإنتاج بشكل متفاوت لدى ذوي الدرجات المختلفة من البشرة الغامقة. وهناك عدة عوامل ترفع من إنتاج هذه الصبغات لدى ذوي البشرة الفاتحة، من أهمها زيادة التعرض لنوع بي من الأشعة ما فوق البنفسجية UV-B radiation.

فهم الأشعة فوق البنفسجية الأشعة فوق البنفسجية واحدة من أشكال الطاقة الكهرومغناطيسية التي تنتشر حولنا، بعضها نراها، والكثير منها على شكل أمواج لا ترى بالعين. وتتكون الأشعة من كميات من الطاقة، تدعى الفوتونات، يتم تحميلها على نظام من الأمواج التي تنطلق بسرعة كبيرة. ويتم تقسيم أنواع الأشعة حسب مستوى نشاطها وطاقتها وحجم موجاتها.

وبشكل تقريبي في الوصف لتصور الأمر في ذهن أحدنا، لو قلنا إن حجم حزمات من موجات الراديو بحجم البناية، فإن حجم حزمات من موجات الميكروويف تكون بحجم النحلة. وحجم الأشعة تحت الحمراء بحجم رأس الدبوس، وحجم أشعة الضوء المرئي بحجم الميكروبات، وحجم الأشعة فوق البنفسجية بحجم جزيئات السكر المكونة من عدة ذرات، وحجم أشعة إكس للفحوصات الطبية بحجم الذرة، وحجم أشعة غاما بحجم نواة الذرة، وهكذا.

وكلما زاد حجم الموجات تدنى مقدار الطاقة التي تحملها الفوتونات، وهذا أمر بديهي لأن الموجة الكبيرة تستطيع نقل الفوتون مسافة أطول ولا يحتاج إلى طاقة أعلى، بينما الموجة الصغيرة تتطلب أن يحمل الفوتون طاقة أكبر كي ينتقل.

وسبب ذكر هذه الحقيقة العلمية في هذا العرض الطبي الصحافي، هو كي نعرف أن الأشعة فوق بنفسجية تكون عالية الطاقة، وبالتالي عالية الضرر متى ما اخترقت البشرة وصلت إلى نواة خلايا الجلد؛ أي إن تأثيراتها على سلامة الحمض النووي أكبر، وبالتالي ترتفع احتمالات أن تتسبب باضطرابات في انقسام الخلايا، تبعا للتغيرات في الحمض النووي لها، وعليه، ارتفاع احتمالات حصول الأورام السرطانية.

* أنواع ومصادر الأشعة

* هناك ثلاثة أنواع من الأشعة فوق البنفسجية، وهي مرتبة وفق طول الموجة، نوع «إيه» UVA أطولها، ثم نوع «بي» UVB، ثم نوع «سي» UVC. وتنتقل جميعها قادمة من الشمس مع حزمة الأشعة الشمسية. وتعمل طبقة الأوزون ozone layer المغلفة لكوكب الأرض على صد كل أشعة نوع «سي» ومعظم أشعة نوع «بي». وحينما يحتفظ كوكب الأرض بغلافه الطبيعي والصحي من طبقة الأوزون، فإن ما يصل إلينا كبشر هو كل أشعة «إيه» وبعض أشعة «بي». ولأن طول موجة أشعة «بي» أقصر، فإنها تصل فقط إلى طبقة البشرة ولا تستطيع تجاوزها للوصول إلى طبقة الأدمة التي تحتها. بينما نوع أشعة «إيه» من الأشعة فوق البنفسجية لديه موجة أطول، وبالتالي فإنها قادرة على اختراق طبقة البشرة والوصول أعمق في طبقة الأدمة. والتعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية ولمدة قصيرة يؤدي إلى حروق الشمس وتغير لون الجلد نحو لون أغمق، والتعرض لها لمدد زمنية أطول وبشكل متكرر يؤدي إلى شيخوخة الجلد وترهله والإصابات بسرطان الجلد.

وتجدر ملاحظة أن أشعة الشمس ليست المصدر الوحيد لتعرض جلدنا للأشعة فوق البنفسجية، بل هناك مصادر أخرى. منها حجيرات تسمير البشرة Tanning booths في صالونات التجميل أو صالات الألعاب الرياضية المغلقة. والأضواء التي فيها أبخرة الزئبق Mercury vapor lighting والموجودة في الأضواء القوية المستخدمة في إنارة استاد ملاعب الكرة أو مضمار سباق الخيل أو سباق السيارات أو ملاعب المدارس أو غيرهم. وأيضا أضواء بعض أنواع مصابيح الهالوجين أو الفلوريسنت أو إنكانديسنت، وبعض أنواع أشعة الليزر.

ويمكن بسهولة قياس كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تتعرض لها منطقة جغرافية ما، عبر استخدام مؤشر قياس الأشعة فوق البنفسجية Ultraviolet Index (UVI). ويتراوح المؤشر ما بين قيمة 1 إلى 11. ويذكر كثير من نشرات أخبار الطقس في الدول الغربية قيمة المؤشر المتوقعة في ظهيرة اليوم التالي ضمن فقرات النشرات الجوية، وكلما ارتفعت القيمة، زادت كمية الأشعة التي تصل لجلد الشخص الذي يتعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر.

كما تتبنى منظمة الصحة العالمية نظاما من الألوان للإشارة إلى مستوى الأشعة فوق البنفسجية، وتوضع على خرائط مناخ المناطق في الأوقات المختلفة من السنة، أي خرائط الطقس. واللون الأخضر يرمز لنسبة 0 إلى 2، أي منخفض. والأصفر لنسبة 3 إلى 5، أي متوسط. والبرتقالي لنسبة 6 إلى 7، أي مرتفع. والأحمر لنسبة 8 إلى 10، أي عالي جدا. والبنفسجي لنسبة ما فوق 11، أي مرتفع بشكل مطلق.

* أضرار الأشعة فوق البنفسجية

* شير منظمة الصحة العالمية WHO والأكاديمية الأميركية لأطباء الأمراض الجلدية ADA، إلى أن التعرض القصير للأشعة فوق البنفسجية، نحو 10 دقائق، مرتين في الأسبوع، ولمساحة من الجلد توازي مساحة جلد الأنف، هو شيء مفيد صحيا لتسهيل إنتاج الجسم ما يحتاجه من فيتامين «دي» D. ولكنها تضيف أن هناك عدة عوامل تؤثر على هذا، مثل منطقة العيش والوقت من اليوم والوقت من السنة. كما تستخدم تلك الأشعة ضمن العلاج الضوئي phototherapy لمعالجة حالات مرضية مختلفة. مثل حالات الكساح Rickets والصدفية Psoriasis وإكزيما الجلد Eczema والبهاق Vitiligo والثعلبة Lupus.

ومع هذه الفوائد المحدودة جدا للأشعة فوق البنفسجية، هناك أضرار واسعة لتعريض الجسم لها على صحة الإنسان. ووفق ما تذكره إصدارات منظمة الصحة العالم وإدارة الغذاء والدواء الأميركية ووكالة حماية البيئة، هناك سبعة أضرار رئيسة وعدد كبير من الأضرار الفرعية؛ وهي حروق الشمس، وتغيرات تسمير البشرة، وشيخوخة الجلد الضوئية، وسرطان الجلد، والبقع الشمسية، وتلف أجزاء من العين، وتدهور قوة مناعة الجسم.

وحروق الشمس، حالة شائعة جدا، ولذا سيكون الحديث عن كل ما يتعلق بها في مقال مستقل خلال الأسابيع المقبلة. وحول لجوء البعض، خاصة النساء، إلى زيادة سمرة الجلد بحمامات الشمس Sun Tan تجمع المصادر الطبية على أنه لا توجد وسيلة آمنة لزيادة سمرة البشرة، سواء من خلال حمامات الشمس أو الاستلقاء داخل حجيرات التسمير التي تستخدم الضوء الصناعي. وببساطة، تقول المصادر تلك إن تعرض البشرة للأشعة فوق البنفسجية يزيد من إنتاج خلايا ميلانوسايت لصبغات ميلانين، وبالتالي تزيد درجة غمق لون الجلد خلال الـ48 ساعة التالية. أي إن الأمر في الحقيقة هو علامة على أن تلفا أصاب الجلد جراء التعرض للأشعة الشمسية. وخلافا للاعتقاد الشائع بين الناس، كما تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن زيادة سمرة البشرة ليست وسيلة لحماية الجلد من التأثر بأشعة الشمس لاحقا، أي إنها لا تقلل من احتمالات الإصابة بحروق الشمس أو أي أضرار أخرى لها.

والشيخوخة الضوئية photoaging هي تعبير طبي عن الظهور المبكر لعلامات الترهل والبقع وخشونة الجلد على الإنسان جراء تكرار وطول التعرض للأشعة ما فوق البنفسجية عبر السنوات. والتعرض المتكرر لهذه الأشعة يؤدي إلى تحلل ألياف كولاجين collagen وألياف إلاستين elastin. وقوة هذه الألياف وترابطها مع مكونات نسيج طبقات الجلد، هي السر وراء النضارة المتماسكة والمفعمة بالشباب للجلد لدى صغار السن، وذوي البشرة البنية والداكنة على وجه الخصوص. ولذا، يظهر الترهل والخشونة على بنية ملمس الجلد. كما أن ذلك التعرض للأشعة يؤدي إلى ظهور بقع داكنة على المناطق الجلدية المتعرضة بشكل أكبر للأشعة تلك.

أضرار العين وهناك نوعان شائعان من الضرر في العين جراء التعرض للأشعة فوق البنفسجية؛ الأول هو حروق القرنية Photokeratitis. والقرنية هي الطبقة الشفافة في مقدمة العين، أي التي تحتها حلقة قزحية العين الملونة. وعند تعرض القرنية للأشعة فوق البنفسجية من نوع «بي» و«سي»، سواء من أشعة الشمس أو من أضواء الزئبق المتوهجة في الملاعب وغيرها، تظهر علامات الحروق في العين، كزيادة إفراز الدموع وألم العين وتورم الجفون والشعور بوجود رمل أو خشونة في العين وضبابية وعدم وضوح الرؤية.

والضرر العيني الآخر هو نشوء الماء الأبيض في عدسة العين، مما يؤدي إلى تدني قدرات الإبصار. وهناك أضرار عينية أخرى، كسرطان ما حول العين وتلف أجزاء مهمة من شبكية العين وظهور ظفر العين pterygium.

سرطان الجلد وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن جميع الناس، وبغض النظر عن لون جلدهم، معرضون لضعف مؤقت في قوة مناعة الجسم جراء التعرض المفرط للأشعة ما فوق البنفسجية. وتتعدد مظاهر هذا الضعف، كارتفاع احتمالات الإصابة بنزلات البرد أو التهابات الأذن أو الإسهال أو تهييج التهابات الهربس الجلدية أو زيادة الحساسية الجلدية لأشعة الشمس أو سهولة ظهور الالتهابات الجلدية الميكروبية وغيرها.

وهناك نوعان من سرطان الجلد، الأول «ميلانوما» Melanoma والثاني «غير ميلانوما» Non-melanoma. و«ميلانوما» سرطان يبدأ من خلايا ميلانوسايت المتخصصة في إنتاج صبغات لون الجلد، وهو نوع شرس من السرطان، ولكن جمعية السرطان الأميركية تؤكد تماما أنه قابل للشفاء دائما إذا ما تم اكتشافه في مرحلة مبكرة. ونوع «غير ميلانوما» ينشأ إما من الخلايا الحرشفية للبشرة squamous cell أو خلايا قاعدة البشرة basal cell.

وإضافة إلى العوامل الجينية الوراثية، هناك عدة عوامل بيئية ترفع من احتمالات ظهور أنواع سرطان الجلد، والأدلة العلمية قوية لتأكيد تسبب التعرض المزمن والمفرط للأشعة فوق البنفسجية في الأمر. وذلك إما عبر تسببها في تلف وتغيرات في برمجة وتركيب الحمض النووي لخلايا الجلد، مما يعني تحولها إلى خلايا سرطانية، وإما عبر إضعاف تلك النوعية من الأشعة لقوة جهاز مناعة الجسم، مما يحرم الجسم من قدرة السيطرة على الخلايا السرطانية والقضاء عليها في مهدها.

* علامات السرطان التحذيرية

* ويعتبر إجراء فحص ذاتي منتظم للجلد، وسيلة جيدة للحماية من عدم التنبه المبكر لظهور سرطان الجلد. والعلامات التحذيرية على تغيرات الجلد المشكوك فيها تشمل:

- أي تغيرات على سطح الجلد، كحجم أو لون الشامات mole أو علامات الولادة الغامقة اللون birthmark أو أي بقع داكنة أخرى على الجلد.

- أي ظهور غير معلل لقشور أو رشح لسوائل أو نزف دموي على سطح الجلد.

- أي بقع أو كتل جلدية تصبح فجأة مثيرة للحك أو مؤلمة.

وملاحظة هذه الأمور تتطلب مراجعة طبيب الجلدية المتخصص لفحصها والتأكد من طبيعتها. ومن المهم ملاحظة أن سرطان الجلد لا يصيب فقط ذوي البشرة الفاتحة، بل حتى ذوي البشرة البنية الغامقة والسوداء.

والتقرن الأكتيني أو الشعاعي Actinic or Solar Keratoses هو النوع الثالث من التغيرات الجلدية المرتبطة بالأشعة باحتمالات التطور نحو سرطان الجلد؛ أي إنها تعتبر حالة ما قبل التحول إلى السرطان pre-malignant. ويتم سنويا تشخيص إصابة أكثر من 5 ملايين شخص في الولايات المتحدة سنويا بهذا النوع من التغيرات الجلدية التي تتميز ببروز كتلة ذات سطح خشن في مناطق الجلد التي تعرضت لحروق الشمس أو تسمير البشرة.

اختلاف ألوان الجلد سبب اختلاف درجة حروق أشعة الشمس يعبر أطباء الجلدية عن درجات تلوين الصبغات للجلد بالأنواع الستة للجلد، وهي:

* النوع الأول. الجلد الأبيض الباهت Pale white، لأن به كمية قليلة جدا من الصبغات. ويصاب هذا الجلد بسهولة بحروق أشعة الشمس، ولا يمكن أن تحدث فيه سمرة البشرة أو ما يعرف بـ«صن تان».

* النوع الثاني. الجلد الأبيض إلى البيج أو لون الصوف الطبيعي الخفيف White to light beige، أو ما يسمى الأبيض المشرب بحمرة. وبسهولة يصاب هذا الجلد بحروق أشعة الشمس، ويكتسب سمرة ضعيفة جدا عند التعرض للشمس لفترات طويلة.

* النوع الثالث. الجلد البيج Beige. أو ما يسمى الأبيض - الأصفر أو الحنطي. ويمكن أن يصاب بحروق الشمس، ولكنه يقاوم ذلك بدرجة أفضل من الأنواع المتقدمة. وبسهولة يمكن أن يكتسب سمرة البرونز عند التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة.

* النوع الرابع. الجلد البني الخفيف Light brown أو الجلد الزيتوني. ويصاب بالحروق بدرجات خفيفة ويكتسب سمرة البرونز بسهولة.

* النوع الخامس. الجلد البني المتوسط Moderate brown. أو الجلد البرونزي. ونادرا ما يتعرض لحروق الشمس، ويكتسب بسهولة السمرة البرونزية الغامقة عند التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة.

- النوع السادس. الجلد البني الغامق أو الأسود Dark brown or black. ومن النادر جدا أن يصاب بحروق الشمس، وهو في الأصل غامق بدرجة عميقة بالصبغات فيه.

عوامل تؤثر على درجة أضرار الأشعة فوق البنفسجية بغض النظر عن اللون الطبيعي للجلد، فإن كل الناس عرضة للإصابة بحروق الشمس وعرضة أيضا للإصابة بالأضرار الأخرى للأشعة فوق البنفسجية. وعلى الرغم من أن جميع الناس وفي أي عمر كانوا، بحاجة لاتخاذ وسائل الحيطة والحماية من التعرض لأشعة الشمس، فإن هناك من هم أشد حاجة لاتخاذ الوسائل تلك، وهم ذوو البشرة الباهتة، وذوو الشعر الأشقر أو الأحمر أو البني الفاتح، ومن سبق معالجتهم من الإصابة بسرطان الجلد، ومن أحد أقاربهم أصيب بسرطان الجلد.

وإضافة إلى عامل نوع الجلد وعامل طول مدة تعرض الجلد للأشعة فوق البنفسجية، فإن هناك خمسة عوامل مهمة في ارتفاع احتمالات التأثر بهذه الأشعة وأضرارها، وهي:

* الوقت في اليوم؛ إذ تكون كمية الأشعة ما فوق البنفسجية التي تصل إلى الأرض، أعلى وقت الظهيرة، لأن الشمس تكون في أقل ارتفاعها في السماء، والأشعة ستقطع حينها مسافة أقصر للوصول إلى سطح الأرض. ولذا، من الحكمة تجنب التعرض لأشعة الشمس في فترة ما بين العاشرة صباحا والرابعة من بعد الظهر.

* العيش في المناطق الاستوائية المشمسة؛ ذلك أن الأشعة ما فوق البنفسجية تأتي مع أشعة الشمس مباشرة إلى الأرض بمسار متعامد، وتقطع مسافة أقل للوصول إلى الأرض، مقارنة ببقية مناطق الأرض الأخرى، وتخترق طبقة رقيقة من غلاف الأوزون، ومعلوم أن غلاف الأوزون * غير ثقب الأوزون - هو في الأصل رقيق في غلاف المناطق الاستوائية، وبالتالي، تصل كميات عالية من الأشعة فوق البنفسجية إلى المناطق الاستوائية، ولا يتم صد جزء كبير منها بغلاف الأوزون.

* العيش في المناطق ذات تضاريس خاصة، مثل المناطق الرملية الصحراوية أو المغطاة بالصخور أو المناطق المغطاة بالثلوج أو المسطحات المائية الكبيرة للبحار والبحيرات. وهنا يلعب عامل الانعكاس دورا مهما في إعادة تعريض الأرض لانعكاس الأشعة ما فوق البنفسجية على المسطحات العاكسة التي تعمل كالمرايا.

* العيش في مناطق المرتفعات الجبلية حيث تصل إليها كميات أعلى من الأشعة ما فوق البنفسجية.

* العيش في صيف المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة، نتيجة لتعامد الأشعة الآتية على المناطق في مداري الجدي أو السرطان، وبالتالي وصول كميات أعلى من الأشعة الشمسية.

* العمر؛ فجلد من هم فوق الخمسين سنة أو أقل من خمس سنوات، أكثر عرضة للضرر.

* المستوى العام لصحة الإنسان؛ فمن لديهم تدن في مستوى مناعة الجسم، مثلا نتيجة الإصابات المزمنة بالأمراض، كالسكري وضعف الكلى وضعف الكبد وتناول أدوية خفض المناعة، وحالات الإيدز، هم كذلك أكثر عرضة للتضرر.

* تناول بعض أنواع الأدوية، مثل أنواع من المضادات الحيوية أو حبوب منع الحمل أو استخدام بعض أنواع مستحضرات التجميل.

وسائل الوقاية من الإشعاعات الشمسية الضارة أولا: تقليل فترة التعرض لأشعة الشمس، وهذه أهم وسيلة ولا تحتاج إلى شرح مطول، خاصة تحاشي التعرض للأشعة الشمسية في الفترة ما بين العاشرة صباحا والرابعة عصرا، والبقاء ما أمكن في الظل خلالها. وحتى في الأيام التي تتلبد السماء فيها بالغيوم، ينفذ من خلالها أكثر من 80% من الأشعة ما فوق البنفسجية وتصل إلى سطح الأرض.

ثانيا: العناية بارتداء ملابس واقية، وتصرح إدارة الغذاء والدواء الأميركية بضرورة التنبه إلى أن المفيد هو ارتداء ملابس تغطي أكبر مساحة ممكنة من الجلد خلال الخروج تحت أشعة الشمس، سواء في الأيام المشمسة أو غير المشمسة. أي ذات الأكمام الطويلة والبناطيل السابغة، والحرص كذلك على وضع قبعة على الرأس ذات مظلة دائرية على الجوانب كافة، بحيث تغطي بظلالها الرقبة والوجه ومنطقة النحر.

ثالثا: الاهتمام الجاد بوضع مستحضرات حجب أشعة الشمس الكيميائية، أو «صن سكرين» sunscreen. والحرص على انتقاء الأنواع ذات المواصفات التالية:

* أن يكون «معامل الحماية من الشمس» sun protection factor (SPF) 15 أو أكثر. و«معامل الحماية من الشمس» يمثل درجة قدرة بلسم هذا الكريم على حماية الجلد من حروق الشمس، وكلما ارتفع الرقم، كان أفضل.

* أن يكون من النوع ذي «الطيف الواسع» broad spectrum للوقاية، أي الذي يقي من الأنواع المختلفة للأضرار الجلدية لأشعة الشمس.

* أن يكون من النوع «المقاوم للماء» water resistance كي يبقى فترة أطول حتى لو تبلل الجسم. و«مقاومة الماء» لا تعني أنها «ضد الماء» waterproof ولذا يتوجب تكرار إعادة دهن الجلد بعد السباحة.

ومن المهم ملاحظة العناصر التالية عند وضع هذه المستحضرات:

* دهن كل مناطق الجلد التي لا تغطيها الملابس، خاصة الشفاه والأنف والأذنين والعنق والأقدام.

* وضع بلسم الكريم قبل 15 دقيقة على الأقل من الخروج والتعرض لأشعة الشمس.

* من ليس لديهم شعر كاف على جلد الرأس، عليهم إما ارتداء القبعة الواسعة الجوانب أو وضع مستحضرات حجب أشعة الشمس.

* تكرار عودة دهن الجلد به على الأقل كل ساعتين في حال عدم السباحة، وفي فترة أقصر عند السباحة.

* الاهتمام بشكل خاص باستخدام المستحضرات تلك على جلد الأطفال كلما خرجوا من المنزل وتعرضوا لأشعة الشمس، واستشارة الطبيب بالنسبة للأطفال الأقل من عمر ستة أشهر.

رابعا: حماية العينين، من الضروري حماية العينين لأن الأشعة الشمسية تنعكس إليهما، خاصة حال الوجود بالقرب من المسطحات المائية أو الرمال أو الثلوج. ويجدر الحرص على ملاحظة العناصر التالية:

* عند شراء النظارات الشمسية تأكد من أنها تحمي بنسبة 99 أو 100% من الأشعة فوق البنفسجية.

* زيادة غمق لون العدسة للنظارة الشمسية لا يعني تلقائيا أنها تحمي من الأشعة فوق البنفسجية، وكذا التي لها سطح المرايا.

* من يرتدون عدسات لاصقة تحمي من الأشعة فوق البنفسجية عليهم أيضا ارتداء نظارات شمسية ذات قدرة على الحماية من تلك الأشعة.

* الأطفال خاصة عليهم ارتداء نظارات حقيقية ذات عدسات تحمي من الأشعة فوق البنفسجية فعليا، وليس الأنواع التجارية الرخيصة التي تشبه الألعاب. وهم أشد حاجة من الكبار لارتداء تلك النوعية حتى لو كانت مكلفة ماديا.

خامسا: مراقبة «مؤشر الأشعة ما فوق البنفسجية» الذي ضمن نشرات أخبار الطقس، والحرص على متابعة القنوات التلفزيونية التي تحرص على ذكر ذلك بشكل يومي.

* توعية بيئية حول أشعة الشمس

* في الولايات المتحدة، تتبنى الوكالة الأميركية لحماية البيئة Environmental Protection Agency EPA برنامجا عريقا وواسعا للوعي بأشعة الشمس، ومن أهم أفرعه «برنامج الوعي المدرسي بأشعة الشمس» The SunWise School Program. وهو برنامج تثقيفي صحي يهدف إلى تعليم أطفال المدارس، ومن يتولون رعايتهم والتدريس لهم فيها، كيفية الحماية من زيادة التعرض لأشعة الشمس، عبر إلقاء دروس صحية تثقيفية ضمن المناهج التعليمية للأطفال، وعبر تبني إرشادهم نحو سلوكيات حياتية صحية في المدارس وخارجها للسلامة من الشمس sun safety activities، وعبر بناء المدارس وبنيتها التحتية ومرافقها بطريقة تسهم في تقليل تعرض الأطفال لأشعة الشمس وحرارتها. وبدأ البرنامج خلال العام الدراسي 1999 - 2000 وشمل أكثر من 130 مدرسة في 38 ولاية في أول عام، وارتفعت المشاركة بشكل واسع وسريع في الأعوام التالية حتى اليوم.