ختان الذكور.. هل هو أمر مرغوب فيه؟

جدال طبي يدور حول فوائده

TT

قبل أن تلد ابنها الأول منذ 3 سنوات، فكرت أليسون مانلي التي تبلغ من العمر 40 عاما كثيرا في عملية الولادة، حيث أرادت أن تتم من دون مخدر وكذلك فكرت في الحفاظات واللقاحات، وكذلك في الرضاعة الطبيعية التي كانت من أنصارها، لكنها لم تفكر في أمر ختانه، لكنها اتبعت نصيحة طبيب النساء الذي يتولى حالتها بأن تجري له عملية ختان (circumcision).

لكن في السنوات الأخيرة أصبح ختان الذكور المعتاد غير العلاجي للأطفال الرضع أمرا مطروحا للنقاش المجتمعي وللجدال، واقترح البعض سن تشريع له. ويقول المعارضون إن الختان عملية لا لزوم لها لأن من غير الضروري اقتطاع أجزاء سليمة من الجسد، حتى إن كثيرا منهم يطلقون على ذلك «تشويه للأعضاء التناسلية».

وفي الوقت ذاته تشير الأدلة الطبية الجديدة، وأكثرها من أفريقيا، إلى أن ختان الذكور قد يحد من احتمال انتقال الأمراض التناسلية المعدية، ومنها الإيدز، إلى الرجل من المرأة أثناء المعاشرة الزوجية. لذا ما الذي ينبغي على الآباء عمله؟ منذ 3 أسابيع وبعد إنجاب أليسون ابنها الثاني، كانت هي وزوجها في حيرة من أمرهما.

وقالت أليسون، صاحبة شركة تصميم في شيكاغو ويشاركها فيها زوجها: «لقد أثار هذا الأمر حيرتنا كثيرا». وقرر الزوجان في النهاية ختان الطفل الثاني مثل الأول، لكن لم يبدد هذا كل الشكوك. وأضافت: «إذا عاد الزمن إلى الوراء لكنا سنميل إلى الاعتقاد أنه كلما قلت نسبة التدخل الطبي كان الأمر أفضل».

ختان الأولاد

* ويزداد عدد الآباء الذين بدأوا يفكرون بجدية في ختان أطفالهم الذكور حديثي الولادة. ويرى الكثير منهم أن هذا سؤال إجابته ليست باليسيرة، على الأقل بسبب التباس الإرشادات المقدمة من قبل الكثير من المنظمات الطبية الرائدة. ورغم انخفاض تكلفة العمليات على مدى السنوات الأخيرة، خضع نصف الذكور من الأطفال حديثي الولادة في المستشفيات الأميركية إلى تلك الجراحة. ولا تنصح الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بعملية الختان المعتادة لحديثي الولادة، حيث تشير إلى قلة فوائدها الطبية ومنها الحد من احتمالات الإصابة بالتهاب بسيط في المسالك البولية (urinary tract infections) في مرحلة مبكرة من العمر وكذلك مرض سرطان القضيب (penile cancer) والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي.

ويقول الدكتور دوغلاس ديكيما، أحد أعضاء فريق عمل الختان في الأكاديمية: «لا يوجد سبب قوي يدفع إلى إجراء مثل هذه العملية. كذلك لا يوجد سبب قوي يدفع الآباء إلى العزوف عن إجراء هذه العملية لأبنائهم. هناك بعض الفوائد المحدودة التي تعود على الطفل من هذه العملية، ويجب أن يتم موازنتها مقابل المخاطر». وتعمل الأكاديمية على تحديث توصياتها الخاصة بهذا الموضوع منذ سنوات عدة.

على الجانب الآخر، لا يزال الجدل دائرا حول هذه القضية، حيث يقول المعارضون لها إنه يجب إخطار الآباء بأن أي إجراء طبي له خطورته رغم أن الجراحة تعد آمنة. ويمكن أن تضر هذه الجراحة بأجزاء من العضو الذكري أو تؤدي إلى بترها. كذلك لا يتم استخدام المخدر دائما ويتوفى الأطفال في حالات نادرة، حيث يبلغ عدد الأطفال المتوفين سنويا من جراء الجراحة نحو 117 طفلا بحسب أحد التقديرات.

ختان الذكور «ليس ضروريا ويتضمن جراحة ومخاطر»، على حد قول جورجان تشابين، المديرة التنفيذية لـ«إنتاكت أميركا»، إحدى جماعات الضغط في تاري تاون بولاية نيوجيرسي. ويعد هذا ضد الختان التقليدي، حيث أشارت إلى ارتباط القلفة (foreskin) الحساسة بالأعصاب والأوعية الدموية، ويحمي ذلك رأس القضيب.

الوقاية من الإيدز

* لكن المسؤولين في مجال الصحة العامة ينظرون في ما إذا كان عليهم تشجيع إجراء عملية ختان الذكور حديثي الولادة في إطار استراتيجية طويلة المدى للحد من انتشار مرض الإيدز في الولايات المتحدة. وتعتزم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إصدار توصيات جديدة بشأن عملية الختان المعتادة للذكور في «القريب العاجل»، على حد قول متحدث رسمي باسمها. وستضع التوصيات الجديدة في الاعتبار بيانات خاصة بتجارب عملية في جنوب أفريقيا وكينيا وأوغندا التي أوضحت أن نسبة البالغين ممن خضعوا لعملية ختان وكانوا عرضة لانتقال مرض الإيدز إليهم من المرأة أثناء العلاقة الجنسية انخفضت بين 55 و76 في المائة على مدى العامين الماضيين. كذلك اكتشف الباحثون أن نسبة الرجال الذين خضعوا لهذا العملية في الصغر وتسببوا في نقل فيروس الورم الحليمي البشري (papillomavirus) (HPV) للسيدات الذي يؤدي إلى إصابتهن بسرطان عنق الرحم (cervical cancer) كانت أقل.

وقالت ماريا واوير، الأستاذ بكلية الصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز بلومبرغ: «لقد اكتشفنا أن ختان الذكور يقي من عدد كبير من الأمراض المعدية أكثر مما كنا نظن، حيث يحد من احتمال الإصابة بمرض الصدفية البثرية (herpes) رغم أنه لا يقي منها بنسبة مائة في المائة. وتعد الطبقات المخاطية التي توجد تحت القلفة الهدف الأساسي للفيروسات، خصوصا الإيدز»، لكن يقول النقاد إن مرض الإيدز الوبائي في أفريقيا يختلف كثيرا عنه في الولايات المتحدة. وأصيب أكثر الرجال الأميركيين بمرض الإيدز من خلال الاتصال الجنسي برجال آخرين لا نساء، ولا يبدو أن الختان يحد من احتمالات الإصابة بهذا المرض في حالة ممارسة تلك العلاقات الجنسية مع رجال لا نساء.

ويقول روبرت فان هوي، أستاذ طب الأطفال الممارس في جامعة ولاية ميتشيغان: «انتقال المرض عن طريق الاتصال الجنسي المثلي ليس سوى غيض من فيض في الولايات المتحدة». وأشار إلى أن نسبة ختان الرجال البالغين في الولايات المتحدة هي الأعلى مقارنة بالدول الغربية الأخرى. وهناك كذلك جانب يتعلق بالتكلفة، ففي الوقت الذي يغطي التأمين الخاص عادة ختان الذكور، تخلى نحو 20 برنامج رعاية صحية للولايات عن دفع تكاليف هذه العملية في محاولة لخفض النفقات. وتشمل الرعاية الصحية نحو نصف المواليد في الولايات المتحدة.

وتتراوح تكلفة ختان حديثي الولادة في المستشفى بين 200 و400 دولار وهي منخفضة نسبيا، لكن ربما يمثل هذا عبئا على الآباء الشباب أو ذوي الدخل المحدود. وتقول أرلين ليبويتز، الأستاذة الفخرية للشؤون العامة في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس: «إنها فترة في الحياة لا يمتلك فيها الناس الكثير من المال، لذا يؤثر تحمل تكاليف هذه العملية عنهم تأثيرا كبيرا على اتخاذهم للقرار». أما بالنسبة للآباء الذين ربما يتخذون قرارا بإجراء عملية الختان، إليكم بعض النصائح:

نصائح للمستقبل

* التخطيط المسبق. ينبغي أن يكون اتخاذ قرار بشأن ختان الذكور جزءا من خطة الإنجاب، لذا فكر لدقيقة في عيوبه ومزاياه بحيث تستطيع اتخاذ قرار غير عاطفي والتأكد من أنك وشريكتك متفقين على القرار. فكر بحرص قبل إعلان القرار لأفراد الأسرة والأصدقاء، حيث ربما تكون هناك آراء قوية بشكل مفاجئ حول هذا الموضوع.

* الامتناع عن إجراء عملية ختان الذكور. إذا كنت تشذ عن القاعدة في عائلتك، ينبغي أن تستعين بطبيب أطفال ليقدم لك المشورة عن الصحة ويعرف عن تطور القلفة ولديه خبرة في التعامل مع الأمراض المعدية والالتهابات، ولن ينصحك بإجراء الختان فورا في حال حدوث مثل هذه المشكلات. من الطبيعي أن لا ترتد القلفة عند الصبي بالكامل حتى يكبر الطفل، وأن من المحتمل أن تصاب نسبة محدودة من الأطفال بالتهاب فيها يسمى التهاب حشفة القضيب (balanitis)، على حد قول الدكتور إدموند غونزيلز، كبير أطباء المسالك البولية للأطفال في مستشفى أطفال تكساس في هيوستن. ويوضح أن القلفة ربما تخرج إفرازات زيتية تثير قلق الآباء، لكنها ليست أمرا غير عادي.

* اختيار الجراح. تعامل مع تلك الجراحة كما تتعامل مع أي جراحة أخرى، واسأل عن خبرة الجراح في إجراء عمليات ختان للذكور وما إذا كان سيتم استخدام مخدر أم لا، وعن كيفية علاج الألم الذي يعقب العملية. يمكن تأجيل عملية ختان الذكور في حالة ضعف المولود أو إذا كان من المبتسرين (الخدج). احرص على اتباع إرشادات الرعاية الطبية خلال فترة ما بعد العملية الجراحية واطلب المشورة الطبية في حال حدوث نزيف غزير أو مضاعفات.

* خدمة «نيويورك تايمز»