حالة فواق متواصل غريبة.. لم يتمكن الأطباء من فك أسرارها

هاجمت رجلا أميركيا في أوسط العمر

TT

* التحدي: هل تستطيع حل لغز طبي حول رجل في منتصف العمر يعاني من حالة فواق لا تنتهي؟ والمشكلة المطروحة هي: رجل عمره 46 عاما يأتي إلى غرفة الطوارئ لأنة يعانى من فواق «Hiccups» مستمر منذ يومين.

وفي ما يلي ملخص لحالة جديدة غريبة. وعلى الرغم من أن الأبطال الذين حلوا هذا اللغز يكونون عادة من الأطباء، فإن البطل الذي اكتشف التشخيص هذه المرة كان يعمل مساعد طبيب. وتمنح هذه الحالة القراء فرصة فريدة للاطلاع على التحديات التي تواجه الأطباء في غرف الطوارئ عندما تعرض عليهم مشكلة غير عادية لمريض لا يرعاه طبيب خاص.

* قصة المريض

* رقد الرجل ذو الـ46 عاما على الفراش في سكون، محاولا أن لا يوقظ زوجته، منتظرا. وسرعان ما جاءت نوبة التشنج التالية في موعدها، وارتفع صدره للأعلى، واهتز الفراش، إلا أن زوجته لم تتحرك، ولم يستطع أن يصدق أنها ظلت نائمة خلال هذه العاصفة من الفواق، ولكنها كانت نائمة بالفعل. وبينما هو في انتظار النوبة التالية، قام الرجل بإرخاء حنجرته بحيث يمر الهواء المستنشق بلا صوت. لقد كان الرجل يمر بنوبة فواق بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات في الدقيقة لمدة ما يقرب من 24 ساعة.

وكانت المشكلة قد بدأت في صباح اليوم السابق، حين استيقظ في موعده المعتاد، وتناول وجبة الإفطار مع زوجته وأطفاله الـ4، ثم قام بفتح متجره الصغير للأمتعة في الطابق السفلي من منزله، الذي يقع في حي صغير من أحياء مدينة نيويورك. وفي لحظة معينة في صباح ذلك اليوم، بدأ يعاني من الفواق. ولم يكن الفواق بالحدث الجلل، ولكن الأمر تغير عندما استمرت نوبات الفواق.

* علاجات اعتيادية

* تناول الرجل كل أنواع العلاج المعتادة، حيث حبس أنفاسه، وشرب كوبا من الماء البارد تلو الآخر، وأخذ يستدعي أفكارا مخيفة. ولكن مهما فعل، فقد ظل صدره يرتفع بعنف كل 20 إلى 30 ثانية، وتنسد حنجرته، قاطعة بشكل فجائي شهقة الهواء اللاإرادية.

ولم يشكل الأمر في الحقيقة سوى مجرد إزعاج بسيط، وموضوعا للدعابة بين زبائنه، لأن حالات الفواق تلك كانت تنتابه أثناء حديثه الترويجي عن الحقائب التي كان يبيعها. وقد استمر الفواق طوال اليوم، وخلال تناول الرجل طعام العشاء، حيث ذهب بعد ذلك إلى الفراش في موعده المعتاد. ولكن نوبات الفواق ظلت عنيفة خلال ساعات الليل، وأخذ الرجل يتقلب في فراشه محاولا الحصول على قسط من النوم.

وعندما استيقظ في صباح اليوم التالي كان الفواق لا يزال مستمرا على حاله. وفي تلك اللحظة بدأ الرجل يشعر بالقلق، واتصل، في فترة ما بعد الظهر، بغرفة الطوارئ، ليسأل: هل من الطبيعي أن يعاني المرء من الفواق لمدة يومين كاملين؟ فما كان من ممرضة ترتيب الحالات المرضية بحسب الخطورة سوى أن حثته على المجيء إلى المستشفى.

* فحص طبي

* وصل المريض إلى مستشفى «متروبوليتان»، الواقعة في حي آبر إيست سايد في مانهاتن، في نحو الساعة الثالثة، وكانت غرفة الطوارئ مزدحمة وتعج بالنشاط، ولكن في النهاية ظهر شاب ذو شعر داكن، وبذقنه طابع الحسن، إلى المحفة الموجودة في الردهة، التي يرقد فوقها المريض. وقدم الشاب نفسه وقال إنه يدعى ستيف فيرانتي مساعد الطبيب المكلف فحصه.

وبمجرد أن نظر إلى المريض، أدرك فيرانتي أنه موفور الصحة إلى حد كبير، حيث كان يبدو على المريض النشاط والصحة بقدر غير مألوف في كثير من الحالات المرضية التي تأتي إلى غرفة الطوارئ. وقد شك فيرانتي في أن يكون هناك طبيب يتولى حالة هذا الرجل، فهو لم يكن بحاجة إلى طبيب، حتى تلك اللحظة.

ولم يكن المريض يدخن، أو يشرب الخمر، أو يتناول أي دواء. ولم يخضع سوى لعمليتي فتق، واحدة قبل 3 سنوات، والأخرى في بداية الأسبوع الحالي.

واستجوب فيرانتي الرجل بدقة، حيث سأله عما إذا كان لديه أي أعراض أخرى بجانب الفواق؟ فأجابه بالنفي، حيث لا يعاني أي آلام في الصدر، أو أي ضيق في التنفس، أو حمى، أو قشعريرة، أو سعال أو غثيان، أو قيء.. لا شيء إطلاقا. وبخلاف نوبات الفواق المجنونة، كان المريض يشعر أنه بخير، حيث كانت نوبات الفواق السريعة تقطع كل جملة ينطق بها. ولكن بخلاف ذلك، لم يسفر الفحص عن شيء خطير.

* أسباب الفواق

* الفواق، المعروف علميا باسم «سنغولتوس» (singultus) (وهى كلمة لاتينية تعني، التقاط الأنفاس أثناء النشيج)، هو عبارة عن انقباضات سريعة تصيب الحجاب الحاجز وتتزامن مع رد فعل عكسي متمثل بإغلاق لسان المزمار في الحلق، وهذه النوبات هي في معظمها نوبات عابرة وحميدة. ونوبات الفواق التي تدوم لأكثر من 48 ساعة تعتبر دائمة. ولو استمرت لفترة أطول من شهر، تعتبر مستعصية على العلاج. وقد استمرت أطول نوبة فواق مسجلة لمدة 60 عاما.

والفواق له أسباب كثيرة، فأي شيء يمكنه أن يهيج الأعصاب التي تتحكم في الحجاب الحاجز قد يؤدى إلى حدوث هذه التشنجات الصغيرة. كما يمكن أن يحدث نتيجة شيء حميد، مثل الإفراط في تناول الطعام، حيث تهيج المعدة الحجاب الحاجز المجاور لها، أو نتيجة شيء أكثر خطورة، مثل وجود خراج أو ورم ينشأ بالقرب من الأعصاب التي تمتد من الدماغ إلى الحجاب الحاجز.

ويُعتقد أن الفواق الذي يصيب المريض بعد عملية جراحية يكون نتيجة لإصابة بسيطة في هذا العصب (ويسمى «العصب المبهم» vagus nerve) يسببها الأنبوب الذي يستخدم لمساعدة المريض على التنفس أثناء الجراحة. كما قد تتسبب إصابات في أجزاء معينة من الدماغ - سواء عن طريق الصدمة أو المرض - في حدوث الفواق. ويمكن للسموم، التي يعد الكحول أكثرها شيوعا، أن تتسبب أيضا في حدوث الفواق. وكذلك الإجهاد.

* علاج غير مفيد

* وحيث إن المريض لم يبد عليه أي أعراض أخرى، اعتقد فيرانتي أن الفواق ربما يكون نتيجة للعملية الجراحية التي أجراها المريض قبل ذلك ببضعة أيام. وأعطى فيرانتي المريض حقنة من أنجع الأدوية المستخدمة على نطاق واسع لعلاج الفواق، وهو دواء مضاد للذهان يسمى «ثورازاين» (Thorazine). وبعد لحظات توقف الفواق. وظل فيرانتي، الذي كان يشعر بتفاؤل حذر، يراقب الرجل لبعض الوقت. وعندما توقفت حالة الفواق، سمح للرجل بالعودة إلى منزله.

وخرج المريض من غرفة الطوارئ، ليعود بعد لحظات، هو والفواق.

* أعراض جديدة

* تم إعطاء المريض جرعة ثانية من دواء «ثورازاين». وفي غضون دقائق بدأ المريض يشعر بالضعف والدوار، ورقد على المحفة من جديد، حيث كان ضعيفا جدا، لدرجة أنة لم يستطع أن يظل ثابتا على قدميه. وبينما كان الرجل يرقد هناك، بدا وكأن الفوضى المضطربة التي كانت تملأ قسم الطوارئ قد بدأت تبتعد وبدت وكأنها قادمة من غرفة أخرى. ثم بدأ يشعر فجأة أن ساقيه تنتفضان وتتحركان، كما بدأت ذراعاه أيضا في التحرك، وبدا وكأنه قد أصبحت لهما إرادة خاصة بهم. وشعر بأنه لا يستطيع السيطرة عليهما.

وقام فيرانتي سريعا بقياس ضغط دم الرجل، فقد كان ضغط الدم طبيعيا، ولكنه بات منخفضا بدرجة تنذر بالخطر. وتم تعليق أكياس محاليل وحقنها في وريد الرجل في محاولة لرفع ضغط دمه، كما تم أخذ عينة من دمه وإرسالها إلى المختبر، وعمل صورة بالأشعة السينية لصدره، لكن لم توضح نتائج التحاليل أي أمر ذي بال.

* طلب للقراء

* ولذلك طلب العمود الصحافي الخاص بتشخيص الأمراض بصحيفة «نيويورك تايمز» الذي يقدم بشكل منتظم الألغاز الطبية، من قرائه الأصحاء يوم 13 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن يدرسوا هذه الحالة المرضية الصعبة والغريبة، ويحاولوا فك اللغز والعثور على التشخيص الصحيح، بالتعرف على نتائج التحاليل المختبرية التالية.

*خدمة «نيويورك تايمز»