الوخز بالإبر الصينية.. ما فائدته لعلاج الضعف الجنسي؟

دلائل قليلة على نجاحه في علاج مشكلة شائعة

TT

أحدث طرح عقار «سيلدينافيل» (فياغرا) عام 1998 ثورة في علاج الضعف الجنسي لدى الرجال. وكنتيجة وحيدة منفردة، فقد أدى ذلك الحدث إلى خروج المناقشات حول هذه المشكلة المهمة والشخصية البحتة إلى العلن، وبهذا أخذ الرجال في التعامل مع الضعف الجنسي بوصفه مسألة طبية بدلا من اعتباره إخفاقا شخصيا. أما النتيجة الثانية فإن هذه المشكلة الشائعة أخذت تحمل اسما أكثر دقة وهو «ضعف الانتصاب» erectile dysfunction - ED))، الذي حل محل الاسم السابق وهو «العنّة» (العجز الجنسي - impotence).

وإضافة إلى كل ذلك فقد وفر عقار «سيلدينافيل - sildenafil» (فياغرا - (Viagra، والعقاران الآخران المنافسان له «فاردينافيل - vardenafil» (ليفيترا - Levitra) و«تادالافيل - tadalafil» (سياليس - Cialis) علاجا فعالا وآمنا لنحو 70% من الرجال المصابين بالضعف الجنسي.

وهذا التقدم مشجع، إلا أن هناك نحو 6 ملايين من أصل 18 مليون رجل أميركي من المعانين من الضعف الجنسي لا يستجيبون لمفعول تلك العقاقير الموجهة لعلاج هذه المشكلة. فالرجال الذين يتناولون أدوية النترات لعلاج أمراض القلب لا يمكنهم تناول حبوب علاج الضعف الجنسي، كما تظهر لدى أشخاص آخرين مضاعفات سيئة بسببها، بينما لا ترغب فئة ثالثة منهم في تناولها.

وتوجد علاجات عصرية أخرى غير تلك الحبوب. وما دام الضعف الجنسي مشكلة ترتبط بتقدم العمر فإن بعض الأشخاص المعانين منها يفضلون اللجوء إلى العلاجات القديمة بدلا من الجديدة. ويعتبر وخز الإبر الصينية وسيلة قديمة بالتأكيد، يعود تاريخها إلى نحو 2500 سنة مضت. وقد وصف مبادئها الأساسية هوانغ داي في كتابه «المصدر الداخلي للإمبراطور الأصفر» (The Inner Classic of the Yellow Emperor). والآن يطرح الباحثون التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الوسيلة الآسيوية العريقة في القدم تقدم الفوائد للرجال المعانين من الضعف الجنسي.

* ما هو وخز الإبر؟

* إن وخز الإبر طريقة للشفاء تعتمد على تحفيز مواقع خاصة معينة في الجسم، بإدخال الإبر الرفيعة. والهدف منه هو تغيير حالة الشعور بالألم، وكذلك تغيير وظائف الجسم بغرض علاج مختلف المشكلات الصحية، أو درء حدوثها.

وفي الطب الصيني التقليدي يقوم المختص أولا بالكشف على المريض، ثم يقوم بشمه أو الاستماع إليه، وأخيرا يشرع بجس نبضه في كل من الرسغين بهدف رصد الخصائص في 40 نبضة. وبعد الانتهاء من خطوات التشخيص هذه يتوج العلاج بإدخال إبر صلبة رفيعة جدا بسمك الشعرة في كل أو بعض من المواقع الـ360 التقليدية الموزعة على امتداد 14 من خطوط الطول (meridians). وفي الحالات النموذجية يعتبر استخدام 6 إلى 10 إبر كافيا.

ووفقا للمعتقدات التقليدية فإن «تشي» (تكتب «Qi» وتلفظ «chee») الموجودة في الجسم هي قوة (طاقة) حيوية تتدفق على مدار خطوط الطول. وعند تحفيز نقاط معينة بالإبر فإن الهدف المخصص للعلاج هو إعادة توجيه تدفق طاقة «تشي» لدى الشخص المعالج، وبذلك يتم إعادة التوازن بين «ين» (yin) و«يانغ» (yang)، وهما القوتان المتضادتان اللتان تحددان المرض أو الصحة.

ولا تعتمد مهارات المختص التقليدي على اختيار المواقع الصحيحة، بل وعلى إدخال الإبرة بزاوية صحيحة، ودفعها نحو العمق الصحيح، الذي يبلغ مقداره عادة ربع بوصة (البوصة = 2.5 سم تقريبا). ويدير المختص الإبرة أو يبرمها حتى تظهر الأحاسيس بالتنميل، والدفء، أو الوخز، وهي الأحاسيس التي تسمى «استجابة دي تشي» (De Qi response). وفي أغلب الحالات تحتاج العملية إلى ما بين 2 و30 دقيقة.

وبينما توصف عملية واحدة لعلاج مشكلة بسيطة فإنه يوصى عادة بإجراء سلسلة من العمليات قد تصل إلى 10 أو أكثر لعلاج الحالات المزمنة.

* تلاقي الغرب والشرق

* رغم أن الغرب عرف وخز الإبر الصينية لعدة مئات من السنين، فإن هذه الطريقة لم تصبح شعبية إلا مؤخرا. وقد انتشرت في الولايات المتحدة خصيصا بعد أن أعلن جيمس ريستون الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» أنها خففت من آلامه بعد إجرائه لعملية إسعاف طارئة لاستئصال الزائدة الدودية في بكين عام 1971.

وبينما يؤمن بعض الأطباء الغربيين بطريقة وخز الإبر الصينية، فإن القليل منهم يتفقون مع التفسير الصيني التقليدي لعملها. وقد طرح العلماء مختلف النظريات التي تدعم الوخز بالإبر، مفترضين في أغلب الأحوال أن الإبر تحفز على إفراز مواد «الإندورفين» (endorphins)، وهي مواد مخففة للآلام مماثلة للمورفين، يفرزها جسم الإنسان، بينما تطرح نظريات بديلة فرضية إفراز النواقل العصبية، أي المواد الكيميائية التي تحمل الرسائل بين نهايات الأعصاب. ورغم أن هذه الاحتمالات تبدو جذابة للعقل العلمي الغربي، فإنها لا تزال بحاجة إلى البراهين.

* فاعلية وخز الإبر

* من الصعب تحديد فاعلية الوخز بالإبر الصينية غالبا، لأنها توظف عادة لعلاج أعراض ذاتية مثل الألم، أو لعلاج حالات مزمنة تقوى وتخفت لحالها. وحتى إذا شعر المريض بتحسن حالته بعد الخضوع للوخز بالإبر فإنه لا يمكن للعلماء معرفة ما إذا كان التحسن الظاهري لحالته قد تم في الواقع بفضل هذه الوسيلة أو بفضل عزيمة المريض نفسه للشفاء، أو أن التحسن يعكس حدوث تغيرات سريعة في حالته المرضية نفسها.

والسبيل الوحيد للتعرف حقا على فاعلية طريقة الوخز بالإبر هو دراستها على غرار دراسة تأثير الأدوية. وهذا هو ما يجري حاليا في التجارب التي تستخدم فيها مجموعات مراقبة يخضع أفرادها لعلاج وهمي بينما يخضع آخرون لعلاج حقيقي، في الوقت الذي لا يعرف الباحثون أو المشاركون في التجارب نوع العلاج المقدم إلا بعد انتهاء التجارب.

وإن كان من السهل طبعا صنع حبة خاملة (خالية من أية مواد دوائية) لكي تبدو وكأنها حبة دواء نشطة في الشكل والطعم، فإن من الصعب إجراء عملية مزيفة من وخز الإبر.

وقد قارنت أغلبية التجارب التي اعتبرت مقبولة علميا، بين وخز الإبر وعلاج مزيف استخدمت فيه إبر وضعت في مواقع خاطئة بدلا من مواقع الوخز الصحيحة.

وبعد تقييم مئات الدراسات في عام 1997 توصلت هيئة من الخبراء في معاهد الصحة الوطنية إلى استنتاج مفاده أن هناك «دلائل واضحة» على أن الوخز بالإبر فعال في ثلاث حالات: الألم الناجم عن جراحة الأسنان، الغثيان والتقيؤ بعد إجراء عملية جراحية، والغثيان والتقيؤ المصاحب للعلاج الكيميائي. ومنذ ذلك الحين سجلت طريقة الوخز بالإبر مسارا متفاوتا تخلله النجاح والفشل، بهدف علاج حالات مرضية تتراوح ما بين ارتفاع ضغط الدم وآلام أسفل الظهر وآلام ذراع لاعب كرة المضرب (التنس)، وأنواع الصداع، والإدمان، والربو، وآلام المفاصل، وآلام العضلات والأنسجة المحيطة بالمفاصل، وآلام الأنسجة الرابطة، وآلام متلازمة النفق الرسغي، وللمساعدة في وقف التدخين، وفي تأهيل المصابين بالسكتة الدماغية.

ولم تركز أي من تلك الدراسات على علاج الضعف الجنسي. لكن دراسة واحدة منها دققت عميقا في هذه المشكلة الصحية.

الإبر لعلاج الضعف الجنسي وللتعرف على فاعلية طريقة الوخز بالإبر في تصحيح حالة الضعف الجنسي، راجع فريق من الباحثين من كوريا الجنوبية وبريطانيا 15 من قواعد المعلومات الإلكترونية بهدف انتقاء الأبحاث المناسبة من جميع أنحاء العالم. ورغم أن البحث الكومبيوتري أدى إلى رصد 80 دراسة، فإن 39 منها كانت في الواقع تقارير إكلينيكية، ثم وبعد تقييم دقيق اعتبر الباحثون 4 دراسات مقبولة لإدراجها في مراجعتهم.

وشملت دراستان اعتبرتا مناسبتين للتحليل 45 رجلا في المجموع، لم تقارن أي منهما بين طريقة الوخز الحقيقية بالإبر والطريقة المزيفة أو العلاج الوهمي. وأشارت كلتا الدراستين، اللتين لم تكونا من دراسات المراقبة، إلى وجود فائدة للطريقة. إلا أن نظرة فاحصة أثبتت أن النتائج كانت مخيبة للآمال، فقد ضمت إحدى الدراستين فقط الرجال المعانين من الضعف الجنسي لأسباب نفسية، بينما أشارت الأخرى إلى وجود فوائد لطريقة الوخز اعتمادا على تقديرات ذاتية للأشخاص الذين عولجوا بها حتى عندما قالت شريكات حياتهم إنهن لم يشعرن بأي تحسن.

أما الدراستان الأخريان فقد كانتا أكثر أهمية لأنهما كانتا من تجارب المراقبة العشوائية الإكلينيكية، إذ أفادت دراسة شملت 21 رجلا أن الوخز بالإبر كان أفضل من العلاج الوهمي، إلا أن دراسة أخرى على 60 رجلا لم تجد أي فائدة. وإضافة إلى ذلك فإن التفاصيل كانت أكثر إخفاقا لأن الرجال في

* نتائج غير حاسمة

* كلتا الدراستين كانوا يعانون من الضعف الجنسي لأسباب غير عضوية (أي نفسية)، وهي حالة يعاني منها نحو 15% فقط من الرجال الأميركيين المصابين بالضعف الجنسي.

ورغم الاهتمام الكبير بطريقة الوخز بالإبر فإن التحليلات لا تقدم إلا دلائل قليلة على فائدتها في علاج الضعف الجنسي. ولكن، ولأنها طريقة آمنة، فإن الرجال الراغبون في استخدامها أحرار في قراراتهم.

ولكن علينا أن نتذكر أن عمليات الوخز بالإبر تحتاج إلى الوقت والمال، كما أن على الرجال أن لا يتخلوا عن وسائل العلاج العلمية المساعدة لحالة الضعف الجنسي. كما أن على الرجال الذين لا يستطيعون تناول عقاقير علاج الضعف الجنسي التفكير في العلاج بحقن العضو الذكري بدواء «alprostadil penile injections»، أو تحاميل الحالب (urethral suppositories)، أو المضخة المفرغة من الهواء (vacuum pump)، وهي منطلقات غير طبية فعالة.

كما يمكن لجلسات الاستشارات تقديم الفائدة. وحتى إن كانت لا تصحح وظيفة الانتصاب فبمقدورها رفع الشعور الجيد بالنفس وتشجيع المريض على البحث عن طرق أخرى لإرضاء رغباته الجنسية.

وتحتاج طريقة الوخز بالإبر الصينية إلى دراسات أعمق للتعرف على فوائدها، كما يتطلب الضعف الجنسي ذلك أيضا. وعلينا الآن أن نوجه الرجال الباحثين عن الوسائل «الطبيعية» لعلاج الضعف الجنسي نحو اتباع نمط حياة صحي يمكنه أن يحافظ أو يقوي وظيفة الانتصاب، وذلك بالتوقف عن التدخين، والحفاظ على وزن طبيعي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. وليس من قبيل المصادفة أن هذه الأعمال تفيد القلب وعموم الصحة أيضا.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».