أفكار جديدة حول الآثار المؤذية للعلاج الوهمي

العلماء يدرسون تأثيراته السيئة

TT

شرع العلماء في دراسة أسرار ظاهرة معاكسة تماما لظاهرة استجابة المرضى الجيدة للعلاج الوهمي، وهي دراسة الاستجابات السيئة أو المؤذية لذلك العلاج.

إن جميع العقاقير تتسبب، لدى تناولها، في حدوث آثار جانبية. وقد ظهر حديثا أن حبوب العلاج الوهمي placebo يمكنها أن تتسبب في ذلك أيضا! وهذا أمر محير فعلا، لأن حبوب العلاج الوهمي تصنع عادة من مواد سكرية، أو أخرى خاملة، ولذا فإنه لا يوجد لها أي تأثير بيولوجي ألبتة من الناحية النظرية. والأمر المحير أكثر، هو أن الأبحاث تفترض أن أشكال الآثار الجانبية التي تنجم عن تناول العلاج الوهمي تتغير، وفقا لنوع العقار النشيط المستخدم (الذي يعطى العلاج الوهمي باسمه).

* نتائج محيرة

* وعلى سبيل المثال فقد قام باحثون بتحليل نتائج 69 تجربة إكلينيكية عشوائية قارنت بين مختلف فئات عقاقير علاج الصداع النصفي (الشقيقة)، مع الحبوب الوهمية. وكانت كل تلك الدراسات مصممة بحيث تكون «معماة»: أي أن الباحثين في أي دراسة، وكذلك المشاركون فيها كانوا لا يعرفون الأشخاص الذين يتناولون الحبوب الوهمية.

وفي بعض الدراسات التي توجهت لتقييم تناول العقاقير غير الستيرويدية المضادة للالتهاب (NSAIDs)، أفاد المشاركون المتناولون لحبوب وهمية بحدوث آثار جانبية مثل الغثيان، التقيؤ، ومشكلات هضمية أخرى، وهي الآثار التي تظهر بعد تناول العقاقير الحقيقية، بينما أفاد متناولو الحبوب الوهمية في الدراسات الخاصة بتقييم العقاقير المضادة للتشنجات بتعرضهم في الغالب إلى فقدان الشهية، مشكلات في الذاكرة، والتعرض للعدوى في الجهاز التنفسي العلوي، وهي كلها آثار جانبية لتناول العقاقير المضادة للتشنجات.

ولم ترصد هذه الظاهرة في الدراسات على عقاقير الصداع النصفي فقط. فقد أشارت دراسة تحليلية لتجارب مراقبة حبوب وهمية أخرى، إلى أن 23% من المرضى أفادوا بحدوث آثار جانبية سيئة.

إن ظهور هذه الآثار الجانبية للحبوب الوهمية هي شهادة على وجود ما يسمى بـ«الآثار السيئة للعلاج الوهمي» nocebo effect، وهذا هو الجانب المظلم من التأثيرات الجيدة للعلاج الوهمي (placebo effect) الموثقة جدا. وتعني كلمة nocebo باللاتينية «سألحق الضرر» I will harm، بينما تعني كلمة placebo باللاتينية «سأمنح السرور» I will please.

وبمقدور التأثير الإيجابي للحبوب الوهمية تعزيز عملية الشفاء أو تخفيف الألم، بينما يقود التأثير السلبي للحبوب الوهمية إلى آثار معاكسة، وشعور المرضى بسوء حالتهم.

* آليات متعددة

* تساهم مجموعة من العوامل في حدوث «الآثار السيئة للعلاج الوهمي»، كما تساهم أيضا في حدوث «الآثار الجيدة للعلاج الوهمي».

* الوضع النفسي: إذ يزيد القلق، الكآبة، و«اضطراب توهم المرض» hypochondria من حساسية الإنسان تجاه حدوث «الآثار السيئة للعلاج الوهمي». ولا يعرف سبب لذلك. إلا أن إحدى النظريات تشير إلى أن الحالة النفسية قد تسبب اضطرابات جسدية - نفسية (أمراض جسدية ذات منشأ نفسي) somatization، أي ظهور الاضطرابات العاطفية على شكل أعراض جسدية.

* التهيؤ المسبق conditioning: إن حدث ومر المرضى بتجربة سلبية سابقا أو ظهرت لديهم آثار جانبية في الماضي أثناء العلاج، فإنهم قد يمرون بنفس الآثار عندما يرون أو يسمعون أو يحسون بأي شيء مرتبط بذلك العلاج. فمثلا، يشعر نحو ثلث المرضى بالغثيان عند دخولهم غرفة كانوا قد تناولوا فيها العلاج الكيمائي.

* السياق context: قد تتصف الأدوية ووسائل العلاج الأخرى بصفات تؤدي إلى حدوث «الآثار السيئة للعلاج الوهمي». فمثلا، فإن ألوان الحبوب الحمراء، البرتقالية، والصفراء ترتبط بمهمات التحفيز، بينما تفترض الألوان الزرقاء والخضراء، التهدئة. وقد وجدت الدراسات أن المشاركين الذين تناولوا الحبوب الزرقاء يقولون على الأكثر إنهم يشعرون بالدوار بعد تناولها أكثر من الذين يتناولون الحبوب البنفسجية.

* الافتراضات الكلامية suggestion: ربما تؤدي الكلمات التي يستخدمها الأطباء، أو تلك الواردة في استمارات موافقة المشاركين الطبية، إلى توليد شعور بتوقع حدوث أمور أو نتائج معينة. ففي إحدى التجارب على تناول الأسبرين للمصابين بالذبحة الصدرية غير المستقرة (التي تتسم بآلام في الصدر) قدم الباحثون للمشاركين استمارتين مختلفتين، عددت الاستمارة الأولى أنواع «الإزعاجات في الجهاز الهضمي» التي يمكن أن تظهر كآثار جانبية محتملة، بينما لم تشر الاستمارة الثانية إلى ذلك. وقد ظهر أن متناولي الحبوب الوهمية الذين وقعوا الاستمارة الأولى لم يكونوا من أكثر المتعرضين لتلك الإزعاجات في الجهاز الهضمي فحسب، بل إنهم كانوا من أكثر الذين تركوا الدراسة نهائيا. وقد أظهرت أبحاث أخرى على مشاركين أصحاء أن استخدام كلمات معينة، مثل تنويه الباحثين بأن الصدمة الكهربائية قد تؤذي كثيرا، قد زاد من شدة الألم لدى المشاركين المتعرضين لها.

* تساؤلات كثيرة

* ولا تزال الجوانب البيولوجية لظاهرة «الآثار السيئة للعلاج الوهمي» مجهولة إلى حد كبير. وتشير إحدى النظريات إلى أن تلك الآثار تنجم، مثلها مثل آثار تحفيز الحبوب الوهمية للأندروفينات في المخ مما يساعد على تخفيف الألم، عن تحفيز مستقبلات أخرى في المخ تحفز بدورها على إفراز هرمونات التوتر مثل «الكورتيزول» cortisol، وقد تؤثر بطرق أخرى على جوانب التحسس بالألم.

وبمقدور عقاقير «بنزوديازيبين» benzodiazepines التي تستخدم لعلاج القلق، علاج «الآثار السيئة للعلاج الوهمي» على الألم، وهذا ما يفترض أن اختلال التوازن الكيميائي الذي يساهم في حدوث القلق، ربما يتسبب أيضا في حدوث «الآثار السيئة للعلاج الوهمي».

ورغم وجود تساؤلات كثيرة حول هذه الآليات، فإن وجود «الآثار السيئة للعلاج الوهمي» يعتبر مسألة مهمة تدعو إلى إعادة النظر في السياق الذي يتم العلاج في إطاره. وعلى الأطباء أن يعملوا على خلق أجواء من الثقة بينهم وبين المرضى لتفهم مخاوفهم وتبديدها قبل البدء بالعلاج.

* رسالة هارفارد للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا»