طفلة ضئيلة الحجم.. لا تنمو

اضطراب جيني نادر ينجم عن وجود جين متضرر لدى الوالدين

TT

أدرك طبيب التوليد على الفور أن هناك أمرا بالغ الخطأ، فقد كان وزن مورغان ماكلهني لا يكاد يتجاوز الخمسة أرطال (الرطل 453 غم تقريبا)، وكان رأسها طويلا ونحيفا بشكل غير طبيعي. وكانت عضلاتها مرنة بشكل مقلق، وبكاؤها ضعيفا على نحو غير عادي. وقد سمح أطباء مستشفى فريدريك ميموريال، لليزا سايمنسون ماكلهني بحمل وليدتها لفترة وجيزة قبل نقلها إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة.

وتقول ماكلهني: «ظللت بضعة أيام لا أراها كثيرا». وهي تتذكر ما حدث في الفترة التالية مباشرة لولادة طفلها الرابع، في يونيو (حزيران) 2002. وبعد نحو أسبوع في المستشفى تم إرسال الطفلة لمنزلها، على الرغم من أن أحدا لم يستطع تشخيص الحالة. كما لم توضح الاختبارات الأولية أي سبب واضح، كوجود اضطراب في التمثيل الغذائي على سبيل المثال.

وقالت ماكلهني، التي تعمل كمديرة للمباني السكنية في فريدريك «كنا خائفين. وقد حاولت أن أكون متفائلة وقلت لنفسي ربما لم تكن طفلتي بهذا السوء، وربما أنها ولدت مبكرا حقا، وسوف تنمو بشكل طبيعي لتصبح سليمة تماما. وحتى الأطباء أنفسهم حاولوا أن يكونوا متفائلين في البداية».

* حمل غريب

* وانقضت أكثر من خمس سنوات قبل أن تعرف ماكلهني وزوجها براد، السبب وراء المشكلات الصحية التي تعاني منها ابنتهما. وقد جلبت تلك المعرفة موجة جديدة من الحزن التي هزت ماكلهني وجعلتها توجه جهودها لمسعى جديد يهدف إلى مساعدة غيرها من الأسر.

وكانت أول علامة تدل على أن هناك شيئا ما خطأ، كما تقول ماكلهني، التي تبلغ من العمر الآن 46 عاما، هو ما حدث قبل أن تلد مباشرة، عندما تغير وضع الجنين من وضع الأقدام أولا إلى الوضع الصحيح، وضع الرأس أولا.

وبدا هذا غريبا، حيث لم تكن هناك مساحة كافية للجنين لكي يغير من وضعه بهذا الشكل الدرامي في هذا الوقت المتأخر من الحمل. ولكنها اعتقدت أنها قد تلد مبكرا عن الموعد المتوقع بشهر، بدلا من الأسبوعين اللذين قدرهما الطبيب. ومن ثم فلم تنزعج، خاصة وأنها كان لديها ثلاثة أطفال كبار من زواج سابق تتراوح أعمارهم ما بين 7 و16 عاما، كما لم يحدث خلال هذا الحمل، مثل الثلاثة السابقين له، أمر غير عادي.

وكانت الصدمة الأولى، كما تقول ماكلهني، التي يبلغ طولها 5 أقدام و10 بوصات (نحو 175 سم)، التي بلغ وزن كل طفل من أطفالها الكبار نحو ثمانية أرطال عند الولادة، في وزن الطفلة المنخفض عند الولادة، والذي بلغ 5 أرطال و10 أونصات (الأونصة 28 غراما تقريبا).

* أطراف لينة

* ولكن بعد بضعة أشهر، كان من الواضح أن مشكلات مورغان الصحية كانت أكثر جدية مما كان أي شخص يتوقع. وتتذكر ماكلهني قائلة: «كل ما كنا نفعله هو أننا كنا نقوم بتغذيتها وتغيير حفاظتها. ولكنها لم تكن تستجيب لنا. وكانت أطرافها لينة مثل الجيلي». وكانت ماكلهني وزوجها خائفين من أن ابنتهما قد تكون مصابة بداء التوحد، وهو الخوف الذي تزايد مع نمو الطفلة وقيامها بتكرار حركات لا إرادية بيديها.

وكان عدم زيادة وزن مورغان مدعاة أخرى للقلق وسببا لطلب استشارة أول طبيب متخصص في سلسلة من الاختصاصيين الكثيرين الذين تلوه، والذين لم يكن يملك أي إجابة. وعندما لم تبدأ مورغان في الميل على أحد شقيها في سن الـ7 أشهر، الذي يقوم به بعض الأطفال في عمر بضعة أسابيع، دخلت في جلسات علاج تدخل مبكر تحت رعاية أحد البرامج الحكومية.

وفي نفس الوقت تقريبا، ارتفعت آمال ماكلهني لفترة وجيزة. فقد اكتشف الأطباء أن مورغان تعاني من قصر نظر شديد. وقالت ماكلهني «إن الرؤية شيء مهم للغاية لتنمية الطفل، لذلك كنا نأمل في أنها إذا ما ارتدت نظارات فإن هذا سيساعد كثيرا». ولكن الرؤية بشكل جيد لم يبدو أنها قد أحدثت فرقا كبيرا.

وبعد ذلك بفترة قصيرة، أخذ والدا مورغان طفلتهما إلى طبيب أعصاب في مستشفى جونز هوبكنز. وقد استبعد الطبيب الشلل الدماغي، أو حدوث إصابة أثناء الولادة أو وجود مشكلة هيكلية في دماغ مورغان. وكان تشخيصه للحالة أنها «تأخر شامل في النمو»، وهو ما بدا أشبه بوصف منه تفسيرا.

وقالت ماكلهني، التي كانت تشعر بالقلق من أن سبب المشكلات التي تعاني منها مورغان هو أن شيئا ما قد حدث أثناء الولادة، أو أنها كانت إلى حد ما مسؤولة: «كنت محبطة للغاية، ولكن على الأقل كنت أعرف أن المستشفى لم يفعل شيئا خاطئا. ولكن عندما لا تعرف تشخيصا للمرض، فأنت لا تعرف ما يمكن أن تتوقعه، أو ما هي أفضل السبل للتعامل معه».

وكانت الزيارة الثانية لطبيب الأعصاب، عندما كان عمر مورغان 15 شهرا وكانت قد بدأت للتو في الجلوس من دون مساعدة - متأخرة عاما تقريبا عن معظم الأطفال - غير مفيدة مثل سابقتها. وقد استبعد الأطباء إصابتها بالتوحد أو بأمراض الكروموسومات النادرة، ولكنهم لم يستطيعوا تحديد المشكلة الأساسية.

وقالت ماكلهني: «كنا نحاول بشكل أساسي مساعدتها على النمو، من خلال برنامج التدخل المبكر». وكان هذا هو أفضل ما يمكن عملة، ما دامت مورغان كانت تحرز تقدما بطيئا، وخاصة أن الأزمة التي طال أمدها كانت تتطلب من الأسرة قدرا كبيرا من الاهتمام والموارد.

واستكملت قائلة: «إنه وضع بالغ الصعوبة. فأنا أعمل في وظيفة بدوام كامل ولدي ثلاثة أطفال آخرين». ولذا فقد قررت هي وزوجها تكريس طاقاتهما للتأكد من أن مورغان تحصل على المساعدة التي قال الأطباء أنها في حاجة إليها وأن يضعوا جانبا بحثهم عن تشخيص.

ولكن في خريف عام 2007، عندما كانت مورغان في سن الخامسة، اقترح طبيب الأعصاب، الذي كانت تذهب إليه، أن تقوم الأسرة باستشارة متخصصين في معهد كينيدي كريجر في بالتيمور، الذي يعالج الأطفال الذين يعانون من اضطرابات النمو.

* اضطرابات النمو

* وفي يناير (كانون الثاني) 2008، أخذت ماكلهني مورغان وسجلاتها الطبية الضخمة وذهبت إلى كينيدي كريجر. وتقول وهي تتذكر ما حدث: «السؤال الذي كان يدور بذهني هو أوه، يا إلهي، هل سيقدر لي معرفة ما الذي أصاب ابنتي؟».

وقال طبيب تنمية الأطفال، بعدما عرف التاريخ التفصيلي للعائلة وقام بعمل بعض الاختبارات، وشيئا انتظرت ماكلهني خمس سنوات لتسمعه، حيث قال لها الطبيب: «أعتقد أننا قد عرفنا ما أصابها». ولكن التشخيص النهائي كان يتطلب تأكيدا من قبل علماء الوراثة في هوبكنز.

كانت أعراض حالة مورغان قريبة جدا من أعراض متلازمة كوهين Cohen syndrome، وهو اضطراب جيني نادر جدا تم توصيفه لأول مرة في عام 1973 من قبل طبيب كندي هو مايكل كوهين. وحتى الآن، لم يتم اكتشاف سوى نحو 1000 حالة من حالات هذا الاضطراب على مستوى العالم، على الرغم من اتفاق الأطباء على أن الكثير من الحالات لم يتم تشخيصها قط.

وتنشأ متلازمة كوهين من تحور الجين VPS13B، الذي قد يكون ضالعا في فرز بروتينات الخلايا، وفقا لما جاء في موقع «غنيتكس هوم رفرنس» على شبكة الإنترنت. ويعاني معظم الناس المصابين بالمتلازمة، والتي تتراوح في شدتها، من مشكلات في النمو، وتأخر في التنمية، وإعاقات فكرية، بما في ذلك التخلف العقلي، وضعف في قوة العضلات، ولديهم رؤوس أصغر من الرؤوس الطبيعية عند الولادة. ومن الممكن أيضا أن يعانوا من عيوب في القلب ومشكلات في شبكية العين، مما قد يؤدي إلى العمى. ويرث معظم المرضى نسختين من الجينات المتضررة، واحدة من كل من الوالدين.

ولا يوجد علاج للمتلازمة، التي توجد بنسبة أكبر في مجموعات معينة، لا تحبذ الزواج من الغرباء، وهو ما يسمح لهذه العيوب الوراثية النادرة بالاستمرار. وتتضمن هذه المجموعات الآميش، والأشخاص ذوي الأصول الفنلندية، ومجموعة من البدو الآيرلنديين المعروفين باسم الآيرلنديين الرحل، وسكان جزيرة يونانية معزولة.

وقالت ماكلهني، القادمة من أصول فنلندية خالصة: «لم تكن لدي فكرة عن هذا. وفكرت هل يمكن أن يكون هذا هو السبب حقا؟، فعائلتنا كانت فخورة جدا بنسبها، وشعرت كما لو أنني قد تلقيت ركلة في المعدة».

وقال فيناياك كوتور، خبير الوراثة الذي يتولى حالته مورغان، إن الأطباء لم يفكروا في متلازمة كوهين في البداية.

فهو يتذكر أن «مورغان كانت لديها أعراض أمراض وراثية نادرة أخرى، لذلك فكرنا على نطاق واسع، ولكن من المؤكد أن متلازمة كوهين كانت على رأس القائمة». وقد أصبحوا أكثر اقتناعا بعدما تصدرت المتلازمة القائمة التي نتجت عن قاعدة بيانات محسوبة لـ300 من الاضطرابات والحالات، والتي تم تغذيتها بالمعلومات الخاصة بحالة مورغان.

وقد أوصى كوتور، الذي يعمل حاليا مدرسا في مجال الطب في كلية طب جونز هوبكنز، بعمل اختبار لجين VPS13B. ولكن عندما رفضت شركة التأمين الخاصة بالعائلة دفع تكلفة الاختبار البالغة 5800 دولار، على أساس أن ذلك لن يكون له تأثير في علاج الطفلة، عثر كوتور على مختبر في غايثرسبيرغ يمكنه أن يجري اختبار لجزء من الجينات - مقابل 300 دولار، وهو مبلغ يمكن للأسرة أن تتحمله - يكون كافيا لعمل تشخيص مؤكد.

وقال كوتور، الذي ذكر أن مورغان تظل هي الحالة الوحيدة لمتلازمة كوهين التي شهدها: «إن التشخيص يعطي للأسرة هوية تستطيع أن تتعامل معها، كما أنها تزيد من احتمال الحصول على خدمات بشكل كبير، ويمكن أن توفر خيارات جديدة للعلاج مع تطور البحوث في مجال الأمراض الوراثية».

* «الطفرة الفنلدية»

* وفي يونيو 2008، كشفت الاختبارات أن مورغان لديها ما يسميه خبراء الوراثة «الطفرة الفنلندية» في جين واحد، يفترض أنها قد تلقته من والدتها، لأن بعض أجداد ماكلهني من بنسلفانيا الهولندية، وربما تكون مورغان قد ورثت جينيين متضررين، ولكن اختبار الـ300 دولار لم يبحث عن الطفرة الثانية.

وتفترض ماكلهني أنها وزوجها «قد تصادف أنهما هما الاثنان من حاملي المرض». حيث يعتقد الأطباء أن كلا منهما يحمل الجين المتضرر، على الرغم من عدم وجود حالات أخرى معروفة شبيهه بمتلازمة كوهين في أي من الأسرتين.

وكان الاكتشاف مريحا وصادما في نفس الوقت. فعدم وجود دواء، جعل العلاج يقتصر على معالجة الأعراض البدنية وتأخر النمو.

ويصف كتوتور مورغان بأنها قد تأثرت بشكل معتدل. فهي، وفقا لأمها، تبلغ من العمر 9 سنوات، ويبلغ وزنها 45 رطلا، وليست مدربة على استخدام المرحاض وتشبه طفلا طويل القامة. وعلى الرغم من أنها لا تتحدث، إلا أن مورغان عاطفية وتتواصل باستخدام جهاز مماثل للـ«آي باد». وتقول ماكلهني، إن لديها ذاكرة ممتازة، ويبدو أنها تفهم الكثير.

وأضافت قائلة: «لم أكن أدرك في البداية أن مورغان لن تتحدث. لقد كان هذا شيئا صعبا للغاية. وأنني أتساءل: ما الذي تفكر فيه؟».

وفي إطار سعيها الحثيث لمعرفة المزيد عن هذا الاضطراب والاتصال بآباء آخرين، اتصلت ماكلهني بعيادة «دي دي سي» في ميدلفيلد، بولاية أوهايو، المتخصصة في علاج الأمراض الوراثية النادرة. حيث قام الأطباء هناك بتشخيص أكثر من 20 حالة من حالات متلازمة كوهين في مجتمع الآميش الصغير القريب. وبعد بضعة أشهر من تشخيص حالة مورغان، حضرت ماكلهني ومورغان مؤتمرا في ولاية أوهايو، حيث التقت بعائلات أخرى.

وتتذكر ماكلهني اللقاء قائلة: «يشبه الأطفال بعضهم البعض، وعندما ترى كل هؤلاء الأطفال الذين يشبهون طفلك، فإنك تشعر بشعور لا أستطيع وصفه. أنه شعور من الارتياح يكاد يصل إلى الفرح. وكان هذا اللقاء أول مكان أشعر أن ابنتي ملائمة فيه».

في السنة التالية، ساعدت في إنشاء جمعية متلازمة كوهين، وهي مجموعة دفاع دولية على الإنترنت تهدف إلى رفع مستوى الوعي بهذا الاضطراب. وقالت ماكلهني، التي يتصل بها أسبوعيا عائلات تبحث عن المساعدة أو المعلومات: «نحن حقا ندعم بعضنا البعض، وقد لا يكون بإمكاني أن أمنع ما حدث لمورغان، ولكن بإمكاني مساعدة الأسر الأخرى».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»