الضحك مفيد للصحة... إنها ليست دعابة

وصفة معقولة للقلب والصحة عموما

TT

بوصفي طفلة، عندما كنت أسقط فيه أو تصاب ركبتي بخدش ما، كانت والدتي تساعدني على التغلب على هذا الأمر في الحال، حيث كانت تدغدغني قائلة إن «الضحك هو أفضل دواء». ولا تزال هذه الحيلة تؤتي ثمارها بشكل ملحوظ مع أولادي، وحتى الآن لا تزال فيديوهات الأطفال الضاحكة أو القطط التي تعبث بأجهزة الطباعة على موقع «يوتيوب» لديها القدرة على أن تجعلني أشعر بتحسن عندما أصاب بسوء.

غير أنه في الوقت الذي تعتبر فيه القهقهة مصدر إلهاء شديد عندما نتأذى أو نشعر بالاستياء، لا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان المثل القديم حقيقة بالفعل أم لا: «هل حقا يؤثر الضحك بصورة إيجابية على الصحة؟».

* دراسات الضحك

* هناك كثير من الأبحاث التي تشير إلى أن القهقهة الجيدة تحسن وظائف جهاز المناعة كذلك تساعد في خفض ضغط الدم وتعديل المزاج وتقليل الشعور بالضغط والاكتئاب. وعلى الرغم من ندرة الدراسات طويلة المدى والأكثر دقة في ذلك المجال، فإن هذه النتائج تقدم تفسير مقنعا، حسب مايكل ميلر، طبيب القلب والأستاذ بكلية الطب في جامعة ميريلاند، الذي بحث في هذا الموضوع.

ويوضح ميلر أنه ليس لدينا أي دليل على وجود نتائج سريرية توضح أن الضحك يقلل حدوث الأزمات القلبية أو يعمل على تحسين مدة البقاء على قيد الحياة عموما. بيد أن لدينا بعض الدراسات التي أوضحت أن هناك ميزة محتملة، من حيث الفوائد بالنسبة للأوعية الدموية والصحة العامة أيضا. ويضيف: «وبالتأكيد فإن هذه النتائج تدعم القول بأن الضحك وصفة معقولة لصحة القلب والصحة عموما، خاصة مع عدم وجود جوانب سلبية حقيقية له».

كما تدعم الدراسة الجديدة التي أجرتها جامعة أكسفورد النظرية القائمة منذ أمد بعيد بأن الضحك يحفز إفراز مادة الإندروفين، وهي مادة كيميائية يفرزها المخ تساعدك على الشعور بالتحسن، وإلهائك عن الشعور بالألم وقد تؤدي إلى مزايا صحية أخرى.

وذكرت الدراسة تقارير عن ستة اختبارات قام المشاركون فيها بمشاهدة مسلسلات تلفزيونية، أو مشاهدة أداء فكاهي مباشر، بمفردهم أو بصحبة أشخاص، ثم خضعوا بعد ذلك إلى إجراءات متنوعة تثير إزعاجهم، من بينها ارتداء أكمام مزودة بالثلج أو وضع قيد محكم يسبب ضغط دم أو الجلوس أمام الحائط لفترات طويلة. وفي جميع الحالات، فقد أدى الضحك بصحبة أصدقاء لمدة خمس عشرة دقيقة فقط إلى زيادة القدرة على تقليل معدل الشعور بالألم بنسبة 10 في المائة. كما وجدوا أن الشعور بالسعادة دون الضحك بصوت مرتفع، لم يكن له تأثير ملحوظ على الشعور بالألم.

* الضحك الحقيقي

* ووفقا لروبين دونبار، المؤلف البارز للدراسة وعالم الإنسانيات، فإن هذه النتائج تدعم بحثا مسبقا يؤكد أن الأشخاص الذين يضحكون يحتاجون إلى علاج أقل للألم بعد العمليات الجراحية. وهي توضح أن الضحك «يحفز الإندروفين، بعد ذلك قد يسبب مزايا صحية مباشرة، لأن هناك احتمالية لأن يساعد الإندروفين في تحسين أداء نظام المناعة».

لكننا لا نتحدث عن ضحكة غير مكتملة هنا وضحكة غير مكتملة هناك. المهم هو أن الضحك الحقيقي والمخلص والعفوي يعد نشاطا حيويا ومرهقا يحفز جميع الأنظمة الفسيولوجية لدينا.. ويتضمن الحديث القوي، وزيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم وانقباض العضلات في جميع أنحاء الجسم»، حسب روبرت آر بروفين، عالم أعصاب بجامعة ماريلاند بالتيمور كونتي ومؤلف كتاب «الضحك.. تحقيق علمي».

ويفسر أن الضحك الحديث من شاكلة «ها ها» تطور من أشكاله البدائية منذ القدم، وهو ما يقول عنه إنه يشير إلى «صوت التقلب الحضاري، وقد وجدت دراسة أكسفورد الجديدة أن الإندروفين يتم إفرازه فقط عندما (نضحك حتى نشعر بالألم)»، وهو ما يعني أن لا نستطيع أن نتنفس، أو نشعر بالتعب، حسب دونبار، الذي أضاف أن «الضحك القوي هو ما يفعل هذا، وليس الضحك على نحو نصف مكبوت».

لكن قبل أن نثير أسلوبا جديدا للضحك، يشير بروفين إلى أن الضحك لا علاقة له بالنكات. وأضاف: «الضحك الحقيقي يكون لا إراديا، فلا تقرر أن تضحك، وهذا يحدث فحسب، وإذا نظرت إلى ما يفعله الناس قبل أو أثناء الضحك، فهو يكون في العادة غير مرتبط بالنكات».

وقال دونبار إن الميزة الأكثر أهمية للضحك قد تكون أنه يجمع الناس معا، وهو شيء جيد للصحة الانفعالية. «عندما تضحك، يحدث ذلك في أغلب الأحيان أثناء حضور شخص آخر، وإذا كان موجودا بصورة مادية أو تصويرية في الراديو أو التلفاز»، بحسب بروفين الذي أوضح أن الضحك في المواقف الاجتماعية يكون أكثر حدوثا 30 مرة عنه عندما يكون الشخص وحيدا.

وذكر أن الأشخاص الذين يدرسون تأثيرات الضحك بحاجة إلى اكتشاف «إلى أي مدى تكون المزايا الصحية للضحك مرتبطة بالسياق الاجتماعي للضحك»، حيث يكون احتمال أن يقهقه الناس عندما يفعل الآخرون أكثر (وهو ما يفسر حدوث الضحك عند مشاهدة المسلسلات التلفزيونية)، وقال: «قد يكون التفاعل الهزلي مع الأصدقاء والعائلة والمحبين هو ما يحدث الفوارق في المعايير الصحية، وليس الفعل الجسدي للضحك نفسه».

إلى الآن، فإنني أعتزم أن أستمر في استخدام أسلوب الدغدغة مع أطفالي، ولم أعد أشعر بالذنب لدى رؤية مقاطع الفيديو التي توضح أطفالا يقهقهون على «يوتيوب». وفي الواقع، لن أشعر بالذنب حيال فرضها على الآخرين أيضا، فمن الذي يمكنه أن لا يطلق بضع ضحكات في حياته بغض النظر عن كيف؟ أو لماذا؟ أو حتى ما إذا كانت تجعلك أكثر صحة؟

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»