مشكلة طبية تحير الأطباء.. أب يفقد قواه من دون سبب

نتائج التحاليل الطبية لم تقد إلى تشخيص الحالة

TT

* قصة المريض

* عند منتصف الليل، استغاث رجل يبلغ من العمر 52 عاما بابنه من غرفة النوم المجاورة له. وعندما ظهر الابن النائم الذي يبلغ من العمر 21 عاما، على مدخل الباب، وجد أباه ممددا على الأرض، دون جراح لكنه غير قادر على النهوض، حيث كان قد سقط عندما كان يحاول الذهاب إلى الحمام.

وقال الوالد بهدوء عندما ظهر ابنه: «هل يمكنك أن تساعدني على العودة إلى السرير؟». وقام الشاب بالإيماء بصورة غير مناسبة، حيث كان معاقا ذهنيا ونادرا ما يتحدث. وأخبر الوالد ابنه الخطوات الضرورية ليقوم بجره إلى السرير، ثم قام بالاتصال بصديق له حتى يأتي في الحال ليمكث مع ابنه المعاق. وعندما تأكد من أن ابنه لن يبقى بمفرده، قام بالاتصال برقم الطوارئ.

* فحص قسم الطوارئ

* عندما وصل الرجل إلى قسم الطوارئ، أخبر الطبيب أنه كان بصحة جيدة حتى يومين عندما بدأت قدماه في إيلامه. كان الألم شديدا للغاية في الصباح، لكنه كان يشعر بألم شديد في وركيه وركبتيه عندما يمشي نهارا أو ليلا. وذكر أنه كان هناك ألم مشابه يأتي ويذهب في السابق، لكن الألم أصبح لا يحتمل منذ يومين. كما أن كتفيه تؤلمانه أيضا.

وفي وقت مبكر من الأسبوع، عندما كان يقوم بزيارة ابن آخر له في المستشفى دفعه الألم إلى الذهاب إلى قسم الطوارئ. لكنه بعد أن انتظر رؤية الطبيب لعدة ساعات، اضطر إلى أن يغادر ليأخذ ابنه من مركز رعاية الأطفال.

ثم عاد في اليوم التالي حيث التقي الطبيب الذي أخبره أن هذا الألم قد يكون التهاب مفاصل، وأعطاه وصفة لعقار مضاد للالتهاب. لكنه لم يكن لديه فرصة لاقتناء العقار المقترح على الإطلاق، حيث سقط هذه الليلة ولم يستطع النهوض، ليجد نفسه عائدا إلى قسم الطوارئ يتحدث إلى طبيب آخر. لكن ألم المفاصل قد تلاشى الآن، غير أنه شعر أن قدميه وذراعيه ضعيفة ومخدرة وثقيلة على نحو غريب.

وأمر الطبيب بعمل سلسلة من فحوصات الدم، وتخطيط قلب وأشعة مقطعية للرأس للتأكد من أنه لا يعاني من جلطة دماغية.

* نتائج الفحص

* وكانت نتائج كل من تخطيط القلب والأشعة المقطعية طبيعية. كما أظهرت فحوص الدم عددا من الاضطرابات. كذلك كان مستوى سكر الدم لدى المريض مرتفعا؛ وهناك عدد كبير من أفراد أسرته مصابون بالسكري. كما أظهرت النتائج أن عدد كرات الدم البيضاء والصفائح الدموية لدى المريض منخفض. وأظهر فحص الغدة الدرقية أن المريض لديه عدد كبير للغاية من هرمونات الغدة الدرقية.

وقد أوضح فحص الدم سبب ضعف المريض، حيث كان معدل البوتاسيوم، الذي يعد مكونا أساسيا للدم وضروريا لوظائف العضلات، منخفضا للغاية. وكذلك كان معدل كل من المغنسيوم والفسفور.

ولم يقم طبيب قسم الطوارئ بالربط بين نتائج الفحوصات، ولكن نظرا لأن معدل البوتاسيوم المنخفض لدى المريض كان يشكل تهديدا للحياة، فقد قام بتحويل المريض لوحدة العناية المركزة وقام بالاتصال بالطبيب المقيم في وحدة العناية المركزة.

* فحص الطبيب المقيم في وحدة العناية المركزة: كانت ليلة الدكتورة كاثلين صامويلز حافلة، فقد قامت الطبيبة المقيمة، التي تقضي عامها الثاني من التدريب، بتسجيل دخول 6 مرضى إلى وحدة العناية المركزة التابعة لمستشفى ووتربيري في ولاية كونيتيكت عندما ردت على المكالمة التي تخبرها عن الرجل متوسط العمر يعاني من ضعف مفاجئ. قامت بإنهاء آخر تصريح دخول ثم أسرعت لرويته.

واستمعت الدكتورة صامويلز إلى المريض الذي شرح تاريخه الطبي. وكانت مفاصل وركيه وركبتيه وكتفيه ضعيفة. وخلاف ذلك فقد بدا وكأنه ليس مريضا على الإطلاق. ولم يكن يشكو من أي مشاكل طبية أخرى، كما لم يذهب لرؤية طبيب منذ سنوات. ولم يتعاط أي علاج ولا يدخن أو يشرب الكحول، كذلك فهو لم يتعاط المخدرات يوما.

وقد حدث شيء كهذا مرة واحدة قبل عامين، حيث شعر بضعف وكان لديه مشاكل في السير، لكن هذا قد زال بعد يوم أو ما شابه ولم يلق له بالا بعد ذلك، حتى الآن.

وكان زائرا مستديما للمستشفى لأن ابنه الأكبر الذي لديه إعاقة أيضا كان يتقيأ بشدة قبل أسبوعين. وكانت الأم قد تخلت عن ولديها قبل 10 سنوات، ومنذ ذلك الحين كرس والدهما حياته لرعايتهما.

قامت الدكتورة صامويلز بفحص المريض. لم يكن مصابا بالحمى، غير أن دقات قلبه سريعة، أقل قليلا من 100 دقة في الدقيقة، وكان ضغط دمه مرتفعا قليلا. كما كانت يداه ترتعشان، لكنه ذكر أنه مصاب بهذه الرجفة منذ سنوات.

وعند الراحة بدا أنه يشعر بارتياح، إلا أنه عندما يحاول أن يحرك ذراعيه وقدميه، وبخاصة التي تقع في الجانب الأيسر، يلتوي وجهه من الألم. وقد تمكن بالكاد من أن يرفع زراعيه وقدميه عن السرير. وهو لا يستطيع أن يرفعهما على الإطلاق إذا قامت الطبيبة بضغط على طرفه. وكان من المفترض أن يكون رجلا ذا عضلات كهذا قادرا على التغلب على هذا النوع من المقاومة بسهولة. إلا أنه لم يستطع.

ورغم أن الضعف أصاب جانبيه معا، فإن جانبه الأيسر أكثر ضعفا من الجانب الأيمن. لكن هل هو ضعيف إلى هذه الدرجة حقا، أم أن الألم كان جزءا مما أعاق حركته؟ لم تكن دكتورة صامويلز متأكدة، ولم يستطع المريض أن يخبرها.

وقد ساعدت دكتورة صامويلز والطبيب المقيم المريض في الوقوف على قدميه، لقد كان غير مستقر، لكنه كان قادرا على أن يأخذ خطوتين غير ثابتتين وكانت قدماه متباعدتين، وكان يشبه الطفل الذي يقوم بخطواته الأولى. وساعد الطبيبان المريض في العودة إلى السرير.

* تفسير النتائج

* وحاولت الدكتورة صامويلز الربط بين النتائج المختبرية. وكما ظهر أن أسرة المريض لديها تاريخ من الإصابة بالسكري. هل السكر المرتفع رد فعل على الضغط أم أنه مؤشر على السكري؟ وإذا كان مصابا بالسكري، فهل هناك أي طريقة يمكنها تفسير الاضطرابات متعلقة بالاضطرابات في المحاليل الإلكتروليتية «electrolyte abnormalities»؟

من الممكن أن تفسر زيادة هرمون الغدة الدرقية الرجفة التي تنتاب المريض، لكنها لا تسبب هذا الضعف. لقد أوضح فحص الدم أن كرات الدم البيضاء والصفائح الدموية لدى المريض منخفضة، وكان مصابا بفقر الدم أيضا، مما جعل الدكتورة صامويلز تتساءل ما إذا كان هناك شيء ما خاطئ في نخاع عظامه.

وكان معدل البوتاسيوم المنخفض لدى المريض أكثر المشكلات إلحاحا. بالتأكيد من الممكن أن يؤدي استبدال المحاليل الإلكتروليتية إلى استعادة المريض لقوته، لكن الدكتورة صامويلز أرادت أن تعرف لماذا كان معدل البوتاسيوم منخفضا للغاية. كما أن معدل الفسفور والمغنسيوم منخفض لدرجة خطيرة أيضا. وفي المعتاد تكون مكونات الدم هذه منظمة بإحكام من قبل الجسم، لكنها لا تعمل بشكل مناسب على الإطلاق في جسم هذا الرجل متوسط العمر.

من الممكن أن يسبب الإسهال انخفاضا في نسبة البوتاسيوم، وكذلك العديد من الأدوية. لكن هذا المريض ليس لديه أي أعراض معوية ولم يتعاط أي أدوية على الإطلاق. تعد مشاكل الكلية أحد المسببات الهامة لمعدل البوتاسيوم المنخفض، ورغم أن الفحوص المختبرية ذكرت أن كليتي المريض تعملان بشكل جيد، فمن الممكن أن تبحث الطبيبة عن أمراض كلى أخرى من الممكن أن تسبب هذا النوع من اختلال التوازن المتعلق بالمحاليل الإلكتروليتية.

* تقرير الطبيب المقيم * كان الوقت فجرا تقريبا، عندما قامت الدكتورة صامويلز بكتابة ملاحظاتها ووضعت الأوامر التي تقتضي بالسماح للمريض بدخول وحدة العناية المركزة. ورغم أن لديها خطة للتعامل مع اختلالات التوازن الكيميائية لدى الرجل، فقد ظلت هذه الاضطرابات المفاجئة المهددة للحياة لغزا. وفي الوقت الحالي، كل ما استطاعت فعله هو أن تعمل على استبدال ما فقده.

وفي السابعة والنصف صباحا من هذا اليوم ذهبت إلى اجتماع المقيمين وهو حدث يومي في تدريب الأطباء حيث تتم أغلب أساليب التفكير التشخيصي. ويجتمع الأطباء المقيمون والأطباء المعلمون صباحا 6 أيام كل أسبوع في قاعة للمؤتمرات للتفكير في حالات بعض المرضى المثيرين للاهتمام الذين دخلوا المستشفى. وقد قامت الدكتورة صامويلز يوم 28 سبتمبر (أيلول) الماضي بعرض حالة هذا المريض التي تعد لغزا غامضا على زملائها حتى يحاولوا حلها.

ولا يزال التحدي قائما: ما الذي حدث مع هذا الأب المخلص الذي عانى من ضعف مفاجئ؟

* خدمة «نيويورك تايمز»