تعرض الحوامل للمواد الكيميائية يغير سلوك الأطفال

كثرة تعرض المرأة لها يحدث خللا في الانفعال العاطفي للمواليد.. خصوصا الفتيات

TT

أشارت دراسة حديثة تم نشرها في النصف الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، قام بها أطباء من عدة جامعات ومراكز بحثية منها جامعة هارفارد بالولايات المتحدة وكذلك جامعة سيمون فرايزر في كندا، إلى أن كثرة تعرض السيدة الحامل للمادة الكيميائية المستخدمة في صناعة البلاستيك، التي تستخدم لعمل الكثير من الأكياس أو الزجاجات البلاستيكية أو أوراق تغليف البضائع، يسبب تغيرا في السلوك والانفعال العاطفي للأطفال، وخصوصا الفتيات.

ويعود السبب إلى المادة التي تسمى «bisphenol A» أو اختصارا «BPA»، البيسفينول إيه، أو ثنائي الفينول إيه. وكانت نفس الجامعة قد قامت بدراسة سابقة لدراسة تأثير مادة ثنائي الفينول على التكوين العصبي النفسي للأطفال في عام 2009.

* مادة كيميائية شائعة

* ومن المعروف أن مادة «BPA» هي مادة عضوية تدخل في صناعة الكثير من المنتجات، وخصوصا أوراق التغليف أو الورق الحراري أو العبوات المستخدمة في حفظ الأغذية الجاهزة أو الساندويتشات (الشطائر) السريعة وغيرها، خصوصا في المدن الصناعية الكبرى، حيث إن هذه المادة تحتوي على ما يشبه هرمون الأنوثة «estrogenic»، لذلك بدأ الاهتمام بأثرها الصحي منذ منتصف الثلاثينات من القرن الماضي. وقد بدأ منذ فترة التشكك في إمكانية أن تسبب هذه المادة بعض المخاطر الصحية، حيث إنها تؤثر على النمو الطبيعي للحيوانات، وبالنسبة للبشر كان لها ارتباط واضح بزيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب وكذلك مرض البول السكري، وقد وجد الباحثون أن الشرب من زجاجات تحتوي على هذه المادة يزيد من نسبتها في البول.

* خطر على الأجنة والأطفال

* وفي عام 2010 الماضي حذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) من كثرة تعرض الرضع والأطفال لهذه المادة، ومن تأثيرها على تكوين المخ وتطوره في الجنين، وتم فرض حظر على بيع زجاجات الأطفال (الببرونات) وغيرها من الأغذية والمشروبات المصنوعة من مادة ثنائي الفينول، وكانت كندا من أوليات الدول التي أعلنت هذه المادة على أنها مادة سامة، وكذلك في الاتحاد الأوروبي يحظر من تصنيع الأغلفة والأكواب وعلب الشراب المصنوعة من مادة ثنائي الفينول.

وعقب هذه الدراسة وجد الباحثون أن تعرض الأم أثناء الحمل لمثل هذه المادة يكون له أثره البالغ على الأطفال في عمر 3 سنوات، خصوصا الفتيات، حيث قام الباحثون بتجميع معلومات من 244 سيدة في فترة الحمل وحتى بلوغ أطفالهم سن 3 سنوات في نفس الظروف الصحية والبيئية، وقد تم أخذ عينات من البول من الأمهات 3 مرات أثناء الحمل وعند الولادة، وبالنسبة للأطفال تم أخذ عينات من البول 3 مرات كل عام بداية من السنة الأولى وحتى السنة الثالثة، وتم البحث عن مادة «BPA» في عينات البول، وحينما أتم الأطفال عامهم الثالث تم سؤال الأمهات عن سلوك أطفالهن، لم يكن أي من الأطفال يعاني من تغير طبي أو إكلينيكي مرضي في السلوك، ولكن كان هناك تغير في السلوك. وقد وجدت مادة «BPA» في بول نحو 85% من الأمهات وأكثر من 96% من عينات بول الأطفال.

وقد وجد الباحثون أن نسبة تركيز المادة كانت ثابتة في بول الأمهات بالنسبة للعينة الأولى أثناء الحمل وحتى العينة التي تم أخذها عند الولادة، بينما قل تركيز المادة في الأطفال من عمر سنة وحتى عمر 3 سنوات، ولكنه كان في كل الأحوال أعلى من نسبة تركيز الأمهات.

وترجع أهمية هذه الدراسة، التي تعتبر أول دراسة لمدة 3 سنوات تقارن بين تركيز مادة «BPA» في الأمهات أثناء الحمل وتأثير ذلك على التغير في السلوك، إلى أن الدراسات التي أجريت لعدة دراسات من قبل لم تتناول تأثير فترة ما قبل الولادة على الأطفال، وفي هذه الدراسة وجد أن العلاقة قوية بين زيادة تركيز مادة «BPA» أثناء الحمل وتغير سلوك الأطفال، حيث كانت شكاوى الأمهات من زيادة حركة الأطفال والعدوانية والقلق وعدم التحكم في العواطف، خصوصا الفتيات، بمعنى آخر اقترب سلوكهن من الأولاد، ولم تلاحظ هذه العلاقة في الأولاد، وأوضحت أن التعرض أثناء الحمل، خصوصا في بدايته، أهم وأكثر تأثيرا من التعرض في أثناء الطفولة.

* مشكلات في التنفس

* وفي نفس السياق وفي دراسة أخرى تم نشرها في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، أشارت إلى أن زيادة التعرض لمادة «BPA» مبكرا أثناء الحمل يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في الجهاز التنفسي للأطفال، وخصوصا عرض الصفير «Wheezing»، حيث قام أحد الباحثون بدراسة 367 طفلا وكانت نسبة 99% من هؤلاء الأطفال لأمهات تم رصد وجود مادة «BPA» في البول أثناء الحمل، وتم سؤال الأمهات عن وجود عرض الصفير مرتين على الأقل كل عام لمدة 3 سنوات، وبعد مرور 6 شهور كانت نسبة الصفير في الأطفال الذين كانت نسبة مادة «BPA» زائدة في بول الأمهات سجلت ضعف حالات الأطفال الذين كانت نسبة مادة «BPA» في بول الأمهات أقل. ولكن التأثير كان يقل كلما تقدم الأطفال في العمر، وأيضا رصد الباحثون وجود نسبة مادة «BPA» في البول أثناء فترة معينة في الحمل ووجود عرض الصفير، وقد لوحظ أن ارتفاع مادة ثنائي الفينول «BPA» في البول في الأسبوع الـ16 من الحمل يرتبط بوجود عرض الصفير في الأطفال، بينما ارتفاع المادة في البول في الأسبوع الـ26 من الحمل لا يرتبط بوجود عرض الصفير. وهذا يوضح أن تأثير مادة البيسفينول إيه (BPA) يكون أكبر كثيرا في بداية مراحل الحمل في الأسابيع الأولى حتى قبل أن تدرك الأم أنها حامل، وهي الفترات التي يكون فيها الجنين أضعف وأقل نموا عن تأثيره في نهاية مراحل الحمل.

وفي دراسة حديثة أخرى نشرت في مطلع شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي في الاجتماع السنوي لجمعية الغدد الصماء بولاية بوسطن بالولايات المتحدة، وهذه الدراسة أجريت على ذكور الفئران التي تم حقنها بضعف الجرعة اليومية الآمنة من مادة ثنائي الفينول (BPA) التي حددتها (FDA)، أي 100 ميكروغم - كلغم لمدة شهرين مقابل ذكور تم حقنها بمحلول ملح، أوضحت التجارب أن الذكور التي تم حقنها بمادة ثنائي الفينول أنتجت حيوانات منوية أقل عددا ولديها ضعف في هرمون الذكورة، كما ظهرت كذلك عيوب تشريحية في تركيب الخصية، وكذلك كان حجم الحيوانات المنوية أصغر 50% من الطبيعي، وهو ما اعتبر ضعفا في الخصوبة ومؤشرا للإصابة بالعقم إذا استمر التعرض لمادة ثنائي الفينول «BPA» لفترات أطول، وهو أمر بالغ الخطورة حيث إننا نتعرض باستمرار لهذه المادة.

وعلى الرغم من أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لبحث تأثير مادة «BPA» على الصحة، فإن الباحثين ينصحون بتجنب المنتجات التي يستخدم فيها البلاستيك المصنوع من هذه المادة، وكذلك الورق الحراري والأغذية المغلفة بمثل هذه الأوراق، ومحاولة إيجاد بدائل لأوراق التغليف لا تحتوي على مواد كيميائية.