نتائج فحص رصد سرطان البروستاتا .. تسبب دوامة من الحيرة

مناقشات طبية حول فائدة إجرائه أو استبدال مرحلة «الانتظار اليقظ» به

TT

أصبحت الأنباء التي تشير إلى أن ضرر اختبار مستضد البروستاتا (أو اختبار مولد المضادات الخاص بالبروستاتا) «prostate-specific antigen» (PSA) أكثر من نفعه، مثيرة للحيرة في نفوس الرجال الذين يعانون من سرطان البروستاتا. فقد كان هذا الاختبار في النهاية، هو الذي ساعد في بادئ الأمر على تشخيص حالتهم وخضوعهم في أغلب الأحيان لعلاج مؤلم.

والآن يقول الخبراء إن هذا العلاج ليس جيدا! فحص دون فائدة يقول رجل يبلغ 78 عاما من بوسطن يشعر بالوهن والضعف ويعاني من سلس البول وذلك بعد استئصال غدة البروستاتا الخاصة به قبل أحد عشر عاما: «سوف تجدون آراء متباينة من قبل أشخاص مثلنا اضطروا إلى التعامل مع هذا الأمر. لا أشعر بالغضب الآن، بل أشعر بالحزن لأني قد أكون قمت بالاختيارات الخاطئة وكانت نتائج ذلك سلبية وغير متوقعة في الوقت نفسه». (وقد طلب هو ورجل آخر سيأتي ذكره في هذا المقال عدم ذكر اسميهما).

وقد أعلنت اللجنة الأميركية للوقاية عن تحذيرها من الفحص الدوري لمستوى مستضدات البروستاتا في الدم، وهو البروتين الذي قد يكون مؤشرا على الإصابة بسرطان البروستاتا. وذكرت اللجنة أن الأبحاث توضح أن النتيجة العامة تشير إلى أن الفحص لم ينقذ حياة أشخاص، كما يؤدي إلى الخضوع لجراحة غير ضرورية والعلاج بالإشعاع بالنسبة لأنواع السرطان التي تنتشر ببطء والتي لا تسبب أي ضرر على الإطلاق. أما بالنسبة لأنواع السرطان سريعة الانتشار، فليس هناك أي دليل يشير إلى فائدة فحوص مستضد البروستاتا والعلاج المبكر بوجه عام.

مع ذلك لا يزال العديد من الرجال مقتنعين أن هذا الفحص أنقذ حياتهم لأنه ساعد أطباءهم على الكشف عن السرطان في مراحله المبكرة، بينما تشكك آخرون في صحة قرارهم وفي نظام طبي دفعهم ليس لإجراء فحص فقط، ولكن للخضوع أيضا لعلاج قاس بمجرد اكتشاف وجود سرطان.

قبل عشر سنوات، حث العديد من الأطباء ويليام لويس من واشنطن، الذي يبلغ عمره الآن 69 عاما، على استئصال البروستاتا الخاصة به بعد اكتشاف ارتفاع في مستوى مستضدات البروستاتا، الأمر الذي دفع الأطباء إلى أخذ عينة وفحصها، مما كشف عن وجود سرطان، بينما قاده بحثه الخاص إلى برنامج «انتظار يقظ» في كلية جونز هوبكنز للطب، حيث يخضع الآن لفحص دوري وأخذ عينات للتأكد من عدم تطور السرطان المصاب به.

وقال لويس: «لقد قال لي اختصاصي جراحة المسالك البولية الخاص بي إنني يجب أن أجري عملية استئصال للبروستاتا كما فعل آخرون. لكن لم يظهر شيء يوضح أن هذا العلاج كان مناسبا، فالعديد من الأشخاص يعيشون وهم مصابون بسرطان البروستاتا ولا يعلمون أنهم مصابون به. إن الأمر بمثابة حقيقة ثابتة من حقائق الحياة بالنسبة للرجال».

* قصور الاختبار

* لكن الأطباء منقسمون حول متى يوصون بـ«الانتظار اليقظ». من الممكن أن يتم الوصول إلى هذا القرار من خلال معيار غليسون، وهو معيار يبين مدى شراسة السرطان الموجود في العينة، لكن هناك اختلاف في الغالب بشأن كيفية العناية بالرجال الذين يكون مؤشر المستضد في المنتصف؛ أي إن السرطان ليس شديد الشراسة ولا مسالما. علاوة على ذلك، فإن عملية أخذ العينة نفسها لا تتسم بالدقة؛ وذكر الدكتور إريك كلين من عيادة كليفلاند: «يقدم فحص 12 عينة رئيسية معلومات عن ثلاثة آلاف حالة فقط مصابة بسرطان البروستاتا. وقد قام بحث آخر أجري في كلية جونز هوبكنز للطب بتحديد وتصنيف الأخطاء التي حدثت في نحو 20 في المائة من العينات»، وأضاف: «لا يمكن أن تكون متأكدا حتى إذا وجدت نوع سرطان ليس شرسا ويبدو مسالما، من أنك قد أخفقت فعلا في رصد نوع سرطان أكثر شراسة. ويعد هذا هو وجه القصور الرئيسي الذي يؤدي إلى عدم تأكد المريض والأسرة علاوة على الطبيب ممن يجب أن يخضع للفحص والمتابعة ومن لا يحتاج إلى ذلك».

وقد خضع بيل مورين، 67 عاما، وهو أستاذ جامعي متقاعد من مدينة راسين، في ولاية ويسكنسون، لجراحة لاستئصال البروستاتا وذلك بعد ارتفاع مستوى مستضدات البروستاتا، الأمر الذي أدى إلى تشخيص الحالة بأنها سرطان عندما كان عمره 64 عاما. وذكر أن عملية شفائه كانت «مرضية»، وأنه كان قادرا على استعادة حياته الجنسية بمساعدة الفياغرا.

وأشار إلى أنه كان سيقوم بهذه الاختيارات نفسها إذا ما اضطر إلى القيام بذلك مرة أخرى. وأضاف: «لسوء الحظ، ليس هناك عالم مواز. ومن الناحية النفسية، عندما ينظر إليك شخص ما ويخبرك بأنك مصاب بالسرطان، سيكون رد الفعل المباشر الخاص بك هو أن تطلب منه التخلص من هذا الشيء. لست متأكدا مما إذا كنت أتمتع بقدر كاف من الشجاعة حتى أخضع لبرنامج (الانتظار اليقظ)».

* تعجل الأطباء

* على الجانب الآخر، ذكر مرضى آخرون أن المشكلة ليست في اختبار الفحص، ولكن في الأسلوب الذي يتعامل به بعض الأطباء.

وقال رجل يبلغ من العمر 48 عاما تم تشخيص حالته قبل عامين عندما ارتفع مستوى مستضدات البروستاتا لديه: «لا يزال هناك الكثير من الضغط للتخلص من هذا السرطان. كلما عرفت أكثر عن هذا المرض في العامين الماضيين، زاد شعوري بالصدمة من تعجل اختصاصي جراحة المسالك البولية السابق في دفعي نحو العلاج. إنني حقا غير سعيد بهذه الخطوة، وأعتقد أن هناك بعض المشكلات الرئيسية المتعلقة بالثقافة والضغط».

بدلا من ذلك، تم إدراج الرجل في برنامج «انتظار يقظ» في سياتل، كذلك قام بتغيير نظامه الغذائي وفقد بعض الوزن. وانخفض مستوى مستضدات البروستاتا لديه، ولم تكشف عينات تم أخذها بعد ذلك عن وجود سرطان.

وقال: «إن التفكير الحديث يتمثل في أن السرطان لا يسلك المسار نفسه دائما؛ فلا يكون شديد الشراسة في كل الأوقات. لماذا إذا نضع الرجال في وضع يحتم عليهم اتخاذ قرار بشأنه إذا لم يكونوا مضطرين لذلك؟». وقد قام تيموثي بارتيك، 57 عاما، خبير في الاقتصاد من مدينة كالامازو بولاية ميتشيغين، ببحثه الخاص، ويعتقد أن البيانات تدعم اختبار مستضدات البروستاتا، خاصة لدى الشباب. وكان تيموثي قد أجرى جراحة استئصال البروستاتا في مارس (آذار) الماضي بعد أن ظهر ارتفاع في مستوى مستضدات البروستاتا، تبعه أخذ عينة أوضحت أنه مصاب بالسرطان. وبعد الجراحة، علم أن السرطان كان أكثر شراسة مما أوضحت العينة.

وقال: «عليك أن تقارن بين الاحتمالات المختلفة. وعليك أن تقبل حقيقة أنه لا يوجد شيء مؤكد. إذا ما تخيلنا الأمر من الناحية المثالية، فسوف يكون لديك اختبار عظيم يخبرك بدقة كبيرة بما لديك من احتمالات».

*خدمة «نيويورك تايمز»