سبل جديدة.. للتكيف مع مرض السكري من النوع الأول

مراقبة متواصلة وخطط غذائية للحد من عواقب المرض على الصحة

TT

في ظل كل المخاوف المتعلقة بمرض السكري من النوع الثاني المنتشر في كل أنحاء أميركا، من السهل أن نتجاهل مرض السكري من النوع الأول الأقل انتشارا والأكثر خطورة.

يصيب مرض السكري المعروف باسم «سكري الأطفال» (السكري الشبابي) نحو مليون أميركي وعادة ما يظهر في الطفولة المبكرة رغم أنه يظهر في بعض الأحيان لدى البالغين. وهو غير قابل للشفاء، كما أنه يتطلب اهتماما شبه مستمر بمستويات السكري في الدم والعلاج بالإنسولين للحفاظ على الحالة الطبيعية للمرضى. وعادة ما يكون للإخفاق في تحقيق ذلك عواقب وخيمة.

* «سكري الأطفال»

* عادة ما ينجم كلا النوعين من مرض السكري عن عجز هرمون الإنسولين عن أداء وظيفته، ولكن لأسباب مختلفة. بصفة عامة، يعمل الإنسولين على نقل السكري أو الغلوكوز من تيار الدم إلى خلايا الجسم التي تستخدمه كوقود.

في النوع الثاني من السكري الذي يمكن أن يصيب المرء في أي عمر، عادة ما ينتج البنكرياس القدر الكافي من الإنسولين، ولكن أنسجة الجسم تقاوم تأثيره نظرا للوزن الزائد أو البدانة في أغلب الأحوال. وعادة ما يخفف نقصان الوزن من المشكلة.

من جهة أخرى، ربما يواجه المصابون بالسكري من النوع الأول صعوبة في الحفاظ على الوزن اللازم حول عظامهم. فهي حالة من حالات المناعة الذاتية حيث تدمر خلايا الدم البيضاء خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين. ومن دون الإنسولين، لا يستطيع الغلوكوز دخول الخلايا التي توفر الطاقة المطلوبة لتمثيل المواد الغذائية والحفاظ على الحياة.

* ممارسة الحياة الطبيعية

* مما لاشك فيه أن السكري من النوع الأول يفرض تحديات عديدة على المرضى به، ولكن تلك التحديات تقلصت في الآونة الأخيرة بفضل التقدم التكنولوجي الذي سهل اختبار مستوى السكري في الدم ووفر سبلا جديدة لتلبية احتياجات الجسم من الإنسولين.

وكما أثبت طفلان من أسرة غوستن في مدينة دنفر، فإن ذلك المرض يجب أن لا يمنع الناس عن ممارسة حياة طبيعية. فقد كان إيدان غوستن (16 عاما حاليا)، يبلغ 11 عاما عندما تم اكتشاف ارتفاع مستوى السكري في دمه لأول مرة. وكان قد خضع عند الولادة لفحص بجامعة كولورادو للبحث عن آثار الإصابة بالنوع الأول من مرض السكري في الدم في الحبل السري. وفي ظل وجود دلالات مؤكدة على إصابته، تم اعتبار إيدان معرضا بنسبة كبيرة للإصابة بالسكري، وبالتالي، خضع لمتابعة طوال مرحلة الطفولة. وعن ذلك، قالت والدته في حوار أجري معها: «نظرا لأننا قمنا بفحوصات مبكرة، فعندما اكتشفنا أنه مصاب بالفعل لم نتعرض لصدمة بالغة. فقد كان رد فعلنا: حسنا، ما الذي يحتاجه لكي يبقى على ما يرام؟». وأضافت: «كما أن إيدان لم يكن ليترك السكري يؤثر على حياته، فهو يلعب الهوكي ويتزلج، ويحمل حقيبته كلما ذهب في رحلة نهرية مؤخرا مع والده. وهو يمارس التزلج حاليا في الضواحي. وعلى الرغم من أنه ينتوي الالتحاق بالجامعة، فإن هدفه الأساسي هو أن يصبح متزلجا محترفا».

* عوامل جينية وبيئية

* ندرك منذ وقت بعيد أن مرض السكري من النوع الأول له أسباب جينية تتفاعل على نحو ما مع العوامل البيئية، وهناك شكوك قوية حول فيروسات محددة، مما يسفر عن الهجوم على خلايا بيتا المنتجة للإنسولين بالبنكرياس.

وبالتالي عندما تم اكتشاف إصابة فيونا ابنة آل غوستن بالمرض أيضا في سن التاسعة، كان أبواها يدركان أن ذلك ليس مجرد مصادفة مشؤومة. وتقول السيدة غوستن: «حاولنا أن نتقبل الأمر. فليس هناك ما نخجل منه. لقد تحدثنا إلى مدرسها، الذي شرح المرض لفصلها. وينظر الأطفال حاليا إلى فيونا باعتبارها تجربتهم».

وعلى غرار أخيها الأكبر، تمارس فيونا طفولة نشطة، حيث تلعب كرة السلة والكرة الطائرة وكرة القدم بالإضافة إلى التزلج. وخلال الصيف الحالي، انضمت إلى معسكر لمرضى السكري، الذي تمكنت عبره، بالإضافة إلى الاستمتاع بالرياضات المائية، من تعلم المزيد حول حالتها وكيف يمكنها التعامل معها وحدها.

وتضيف السيدة غوستن لأطفالها: «كلما تعاملنا مع الموضوع ببساطة، كان التعامل معه أسهل». ربما تكون القضية الأكثر تحديا هي التكلفة المادية التي يرزح تحت وطأتها الوالدان. فلكاري وإيان غوستن طفلان آخران وتأمين صحي عبر وظيفة السيد غوستن. ولكن مع ذلك، ما زالت هناك التكلفة الشهرية لأسرة تتكون من ستة أفراد (3000 دولار لكل فرد أو 6000 دولار للأسرة)، بالإضافة إلى المشاركة في دفع تكلفة مضخات الإنسولين التي يستخدمها كلا الطفلين، والأدوية، وشرائط الاختبار لقياس سكر الدم وبالطبع الاستخدام المنتظم للإنسولين.

ولتغطية التكلفة، تقول السيدة غوستن: «كان علينا أن نتخلى عن خيارات أخرى في الحياة. فنحن لا نذهب لحديقة الحيوان، والمتاحف، أو متاحف الأحياء المائية. ومن النادر أن نتناول الطعام بأحد المطاعم، كما أننا لا نطلب الطعام الجاهز. فنحن نذهب فقط إلى دور السينما التي تعرض الأفلام بدولار واحد ونقضي عطلاتنا في العادة في زيارة الأقارب. وقد اعتاد الأطفال سماع كلمة (لا). ويظل التزلج هو التسلية الأساسية للأسرة ونعمل على تخفيض التكلفة من خلال المشاركة في المعدات». بالإضافة إلى محاولة ممارسة حياة طبيعية، فإن هدف أولاد غوستن وغيرهم من المصابين بالسكري من النوع الأول هو المحافظة على مستويات سكر الدم قريبة من المستوى الطبيعي بقدر الإمكان لمنع، أو على الأقل لتأخير، التداعيات التي يمكنها أن تهدد الحياة.

* منع التداعيات

* عندما يظل مستوى السكري في الدم مرتفعا، تصبح هناك فرص مرتفعة للإصابة بأمراض القلب، والكلى، والإصابات العصبية والجلطات، فعلى سبيل المثال، نشرت مجلة «لانسيت» على موقعها الإلكتروني دراسة لنحو 21 ألف مريض بمرض السكري من النوع الأول الذين كانوا في البداية لا يعانون من مشكلات في القلب. وخلال متابعة استمرت تسع سنوات، كان المرضى الذين لم يحافظوا باستمرار على مستويات طبيعية للسكر أكثر عرضة أربع مرات من غيرهم للعلاج بالمستشفيات بسبب قصور في القلب.

وربما يتطلب الأذى الذي تتعرض له الأعصاب والأوعية الدموية الناجم عن ارتفاع سكر الدم في النهاية بتر الأطراف السفلية، أو يتسبب في العمى نظرا لإصابة الشبكية.

وقد أصبح بالإمكان الآن قياس مادة في الدم يطلق عليها «الهيموغلوبين السكري» glycosylated hemoglobin (HbA1c) تشير إلى كيف كان يتم السيطرة على سكر الدم، حيث يعد المستوى من 6% أو أقل طبيعيا، ولكنه إذا ما زاد على 7%، فإنه يمثل خطرا متزايدا. ويوصي الاختصاصيون في مرض السكري بأن يجري المرضى بالنوع الأول من السكري اختبار قياس الهيموغلوبين السكري كل ثلاثة إلى ستة أشهر لكي يروا إذا ما كانت هناك حاجة لإجراء تعديلات على طريقتهم في إدارة مستوى السكري بالدم.

* خطط غذائية

* وخلال الأربعين عاما الماضية، أسفر التحسن في التحكم بمستوى السكري بالدم عن زيادة في العمر يزيد متوسطها على 15 عاما بالنسبة للمصابين بالسكري من النوع الأول. وعلى الرغم من أن معدل الوفاة المرتبط بذلك المرض ما زال أعلى من معدل الوفاة بين الشباب غير المصابين بالسكري، فإن هناك إمكانية لرفع نسبة الاستمرار في الحياة مع الإصابة به إذا ما تمكن المرضى من الحصول على الرعاية المناسبة والتزموا بالعلاج.

ويستطيع خبراء التغذية ذوو الخبرة في علاج السكري تصميم خطط غذائية أقل تحديا، حيث يتعلق الأمر برمته بموازنة جرعة الكربوهيدرات مع متطلبات الإنسولين، وفي الوقت نفسه، تناول وجبات غذائية متوازنة، حيث لم تعد القيود الصارمة على تناول الكربوهيدرات التي كانت موجودة خلال العقود الماضية قائمة، خاصة إذا ما كان معظم تلك الوجبات يتكون من الحبوب الكاملة وتم الحد من السكري البسيط.

ومن الضروري أيضا مقارنة احتياجات الإنسولين بقدر الطاقة التي يخسرها المريض في الأنشطة العضلية، حيث إن الإفراط في الإجهاد دون تقليل تعويضي في الإنسولين يمكن أن يسفر عن صدمة إنسولين خطرة. وبالتالي، ينصح مرضى السكري دائما بالاحتفاظ بمصدر للسكر يسهل الوصول إليه، مثل الحلوى الصلبة، المشروبات الغازية، أو عصائر الفاكهة، لاستخدامه إذا ما تعرضوا لأعراض انخفاض السكري مثل الارتعاش، والإعياء، والعرق، والدوار، والرؤية الغائمة، والجوع، أو تسارع ضربات القلب.

*خدمة «نيويورك تايمز»