البيئة السعوديــة.. بيئة مسمنة وخطيرة

قلة النشاط البدني وتناول الأغذية غير الصحية

TT

* جينات وبيئة

* تشير الدراسات والأبحاث إلى ارتفاع نسبة السمنة وزيادة الوزن في المجتمع السعودي إلى أكثر من 60 في المائة لدى الأطفال والشباب، وأن زيادة الوزن عند الإناث هي أكثر منها عند الرجال.

في حديثه إلى «صحتك» يقول الدكتور عائض ربيعان القحطاني المشرف على كرسي السمنة بجامعة الملك سعود ورئيس «المؤتمر الدولي الثاني لبدانة الأطفال في السعودية» الذي عقد في مدينة جدة يوم الثلاثاء الماضي بتنظيم من شركة «دانون - نيوتريشيا بيبي نيوتريشن»، إن الزيادة الحاصلة في الأوزان تتضح عند الإناث أكثر من الذكور، لأسباب كثيرة، لعل من أهمها انعدام النشاط البدني داخل وخارج مدارس البنات.

* ويضيف د. القحطاني: «نحن ننظر إلى السمنة على أنها قابلية جينية مع بيئة غير صحية، وهذه البيئة هي السبب في الزيادة الخطيرة في أعداد المصابين بالسمنة، وخاصة لدى الأطفال والشباب والذين يمثلون أكثر من 60 في المائة من المجتمع السعودي».

وبشكل مباشر هناك قلة شديدة في النشاط البدني في كل مناحي الحياة للأطفال، فلا رياضة ذات قيمة في المدارس، حيث إن حصص التربية البدنية يجب ألا تقل عن ساعة يوميا خلال خمسة أيام في الأسبوع، بينما لا تتجاوز حصة واحدة أسبوعيا في كثير من المدارس، ولا يستطع الطالب المشي من وإلى المدرسة بأمان ولا يستطع أيضا ركوب الدراجات عندما يذهب إلى مدرسته، ولا يوجد في المدينة أماكن كافية لممارسة الأنشطة البدنية المختلفة.

أما في البيت فقد ساعدت الأجهزة الحديثة إلى زيادة الحياة الخاملة فأصبح الطفل يجلس لأكثر من 6 ساعات على هذه الأجهزة مع العلم بأن الوقت يجب ألا يتجاوز ساعتين يوميا. ثم يضاف إلى ذلك الغذاء غير الصحي، فالمطاعم السريعة ذات المشهيات والهدايا والإعلانات المغرية، إن لم يذهب إليها الطفل أوصلت هي الأكل للمنزل مع العلم أن الخيارات الصحية في هذه المطاعم شبه معدومة. وكذلك الأكل المقدم في المدارس، سيئ من الناحية الصحية بالإضافة إلى أسلوب حياة غذائي غير جيد لدى الأسر السعودية. وكل هذا يدل على أننا نعيش في «بيئة مسمنة بشكل خطير».

ويضيف الدكتور عائض القحطاني أن السمنة في السعودية باتت تهدد المجتمع، فإذا عرفنا أن 80 في المائة من الأطفال البدناء يستمرون بدناء بعد سن الثلاثين، أدركنا أننا نتعامل مع كارثة بشرية، فماذا نتوقع من جيل مريض، نعم هو مريض لأن 90 في المائة من المصابين بالسكري النوع الثاني لديهم وزن زائد، وأكثر من 50 في المائة منهم يمكن شفاؤهم بنقص الوزن. كما أن أكثر من ثلثي الأشخاص المصابين بالسمنة معرضون للإصابة بارتفاع ضغط الدم ومضاعفاته الخطيرة التي دعت لتسميته بالقاتل الصامت.

وحسب إحصاءات عام 2002 فإن 40 في المائة من سرطان النساء و14 في المائة من سرطان الرجال له علاقة بالسمنة. ويشمل ذلك سرطان الثدي والرحم والقولون والكلى والغدة الدرقية والبروستاتا والمريء والمرارة. وقد لا يحتاج الشخص أكثر من فقد 10 في المائة من وزنه والمحافظة عليه لكي يتخلص من الأمراض المصاحبة بالسمنة.

وقد بينت الدراسات أنه بسبب السمنة والأمراض المصاحبة لها يفقد الإنسان 20 سنة من عمره بسبب الوفاة المبكرة. وستكون السمنة المسبب الأول للوفيات في هذا العام. بل إنها ستؤدي إلى وفاة مليونين ونصف المليون كل عام بداية من 2015. كما أن السمنة تؤدي إلى أكثر من 280 مليون يوم غياب عن العمل أو عدم القدرة.

* وقاية الأطفال من السمنة وحول الطريقة الصحيحة لخفض وزن طفل سمين يقول الدكتور القحطاني لا يوجد جواب سهل لهذه المشكلة، لأن السمنة ليست مشكلة فرد بل مشكلة مجتمع، فلا بد من إيجاد استراتيجية وطنية لمحاربة السمنة على كل الجهات.

كيف نقي أطفالنا من السمنة؟ استنادا إلى التوصيات الصادرة من الخبراء المشرفين على كرسي جامعة الملك سعود لأبحاث وعلاج السمنة، هذه أحدث التوصيات:

* أساليب العناية الصحية، وتشمل:

- إنشاء مراكز تعنى بالسمنة من حيث العلاج والوقاية والتثقيف الصحي، تبدأ من جامعة الملك سعود بالرياض إلى جميع الجامعات والكليات ثم المراكز الطبية المتقدمة في جميع المناطق بالسعودية. وتضم هذه المراكز عيادات متعددة التخصصات مثل: جراحة إنقاص الوزن، استشاري أطفال، غدد أطفال، اختصاصي تغذية علاجية، نشاط بدني ونفسي، حل المشاكل عن طريق العلاج الإكلينيكي، التثقيف الصحي لكل حالة وأسرتها، إعداد الأبحاث الطبية والإحصاءات.

- يجب أن يكون الغذاء المقدم في المستشفيات والمراكز الطبية صحيا.

- يجب على جميع مقدمي الرعاية الصحية استخدام الرسم البياني لكتلة الجسم وتشخيص فرط الوزن والسمنة وإخبار الأهل بذلك وتقديم النصائح لهم.

* برامج خدمة المجتمع، وتشمل:

- تثقيف المجتمع بأخطار السمنة وجعل نمط الحياة الصحية جزءا من ثقافة المجتمع.

- إشراك الأشخاص المؤثرين اجتماعيا والمشاهير لتشجيع الأنشطة البدنية وكذلك الأكل السليم.

- اجتماع شهري لاختصاصي التغذية مع الأمهات والأطفال لتقديم النصائح.

- وضع مواقع على الإنترنت تكون جاذبة للأطفال تختص بالمعلومات والألعاب التعليمية عن الصحة والغذاء والنشاط البدني.

* التعليم والتدريب، ويشملان:

- إدخال مواد ومواضيع ذات صلة بالبدانة في مناهج الدراسات العليا والتعليم المستمر للعاملين في مجال الصحة.

- تثقيف أصحاب القرارات والمسؤولين بالسمنة وأنها المهدد الأول لصحة المجتمع وبأضرارها الصحية والاقتصادية ومدى التعامل معها بجدية.

* استراتيجيات العمل

* تعزيز السياسات والاستراتيجيات العامة، ويشمل:

- تعزيز النشاط البدني في المجتمع من خلال توفير ممرات للمشاة في أماكن متعددة وصحية، وتحسين الطرق إلى المدارس وأن تكون آمنة ومناسبة للطلاب، مع توفير المواصلات وإنشاء أماكن مجانية أو بأسعار رمزية لممارسة الرياضة والمشي وركوب الدراجات ولعب الكرة بأنواعها.

- التوجيه إلى استخدام المراكز الصيفية لتعزيز الصحة وإدارتها من قبل متخصصين من الصحة والتغذية والنشاط البدني بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.

- الاستفادة من المراكز الرياضية والمدارس ووضع أنظمة وبرامج صيفية بحيث يشترك بها الأطفال والشباب في العطل الصيفية فيخضعون لبرامج مكثفة في التغذية والنشاط البدني من قبل المتخصصين في المجالين وذلك بالتعاون مع الصحة المدرسية ورعاية الرياضة والشباب.

- تنظيم حملات إعلامية تشجع السلوك الإيجابي للأكل الصحي والنشاط البدني.

- توظيف كل الوسائل المساعدة بما يتناسب مع الأطفال والشباب والحد من الحملات الإعلامية المنافية لذلك.

* إقامة حملات علمية وطنية متكررة للتركيز على:

- مشاكل السمنة في المملكة، الأكل الصحي، استخدام التصنيف الغذائي، وتثقيف المجتمع لقراءته ومعرفة المعلومات الغذائية للمنتجات الغذائية قبل شرائها.

- توعية المجتمع ومحاضرات علمية وورش عمل للتثقيف الجماعي بحيث يزداد الوعي لدى الأفراد فيساعدون في وضع الحلول للمشكلة وتنفيذها، وتقام هذه الورش في المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمدارس والجمعيات من خلال فرق متخصصة يتم تدريبها وإعدادها إعدادا جيدا.

- تحديد العوائق ضد ممارسة النشاطات البدنية في المجتمع وإزالتها، وذلك من خلال عمل دراسة للمجتمع السعودي وإيجاد الحلول المناسبة.

* الطفل والخيارات الغذائية

* وزن الطفل وخياراته الغذائية، وتشمل:

- عمل فحص دوري لوزن وطول الطفل، وجعله فحصا روتينيا دوريا لكل طفل أو طفلة لتتبع الوزن بشكل منتظم وتمكين المتخصصين والمعنيين بالصحة من كشف المشكلة ومتابعتها منذ البداية، وإرسالها إلى المسؤولين في القطاع الصحي وإبلاغ الأهل بذلك.

- استبدال أجهزة بيع المشروبات الغازية والحلويات بأجهزة بيع مواد صحية كالماء والحليب قليل الدسم. ونشر أجهزة تحتوي على أغذية ومشروبات صحية مثل الحليب قليل الدسم والعصير غير المحلى والمياه ولبن الفواكه وغيرها من الوجبات الصحية الخفيفة وتقديمها بشكل مغر للأطفال والشباب.

- توفير خيارات لوجبات صحية في المقاصف بدلا عن الأكلات غير الصحية وعدم السماح بوجودها في المدارس، وتجهيز مقاصف المدارس ضمن مقاييس معينة كتلك التي طبقت في الدول المتقدمة، حيث توفر الخيار الصحي للطفل وبأسعار معقولة ثم تعميم ذلك على جميع المدارس.

- الحد من الإعلانات لمنتجات الأطعمة العالية السعرات الحرارية التي تستهدف الأطفال.

- الحد من تلك الإعلانات في أوقات برامج الأطفال، وأماكن لعبهم وتجمعاتهم.

- إلزام كل القاعات التي يتوفر فيها الغذاء بوضع قائمة المكونات الغذائية والسعرات الحرارية عليها.

- أن تحتوي قائمة الطعام في المطاعم بند السعرات الحرارية والدهون لكل صنف غذائي، لكي يتمكن الفرد من الاختيار الصحي السليم له ولأطفاله.

- أن تلتزم كل المطاعم السريعة بقسم للأطعمة الصحية من حيث الكم والنوع، وتسن قوانين تشريعية بذلك.

- إلزام المطاعم السريعة بمقاييس معينة لوجبة الأطفال من حيث كمية الوجبة ونوعيتها وذلك بإضافة العنصر الصحي للوجبة من مكملات غذائية. مثلا الحليب أو لبن الفواكه عوضا عن المشروبات الغازية أو العصير الصناعي. وإضافة الخضراوات والفواكه للوجبة.

- عدم إنشاء مطاعم سريعة قريبة من المدارس وإنما تنشأ على بعد كيلومترات معينة بعيدة عن أماكن تجمعات الأطفال والشباب وخاصة المدارس والجامعات.

- إلزام المستشفيات الحكومية والقطاعات الأقرب مثل الجامعات بأن يكون كل ما يقدم فيها صحيا من حيث المكونات الغذائية والكمية.

* سلوكيات التغذية السليمة.. حلول وقائية من السمنة

* حول الدور الأساسي الذي تمثله التغذية المبكرة في الوقاية من الإصابة بمرض السمنة أوضح لـ«صحتك» الدكتور دينيس أكتون المستشار في مركز أبحاث دانون - مركز التغذية المتخصصة في واجينينجن، هولندا، وأحد المتحدثين في المؤتمر، أن هناك الكثير من الاهتمام بفكرة إمكانية التحكم في خطر السمنة، على الأقل بشكل جزئي، وذلك من خلال توفير التغذية السليمة في مرحلة عمرية مبكرة. وقد أظهرت البيانات في العقود السابقة أن سلوكيات التغذية في المراحل العمرية المبكرة وأساليب النمو تمثل دورا جوهريا في أسباب الإصابة بمرض السمنة. كما أن العلاقة بين أنماط زيادة الوزن بعد الولادة وخطر الإصابة بالسمنة تشير إلى أن أول سنة عمرية هي المرحلة التي تتوفر فيها فرصة للتدخل والتحكم في التغذية المبكرة.

وأكد أن السمنة مشكلة كبيرة تداهم الصحة العامة للطفل وتتسبب في حدوث الكثير من الأمراض النفسية والصحية والجسدية التي تؤدي إلى ضعف الجسم. كما أنها عامل خطر مهم ينذر بحدوث الكثير من الأمراض المتعلقة بعملية التمثيل الغذائي. وبصفة خاصة يثير التسارع العالمي في زيادة معدلات سمنة الأطفال شعورا بالقلق نظرا لما يطرأ من مضاعفات صحية أشدّ وما يصاحبها من فعالية أقل في دور كل صور التدخل الطبي العلاجية، التي قد تزيد بدورها من خطورة السمنة في مرحلة البلوغ. لذا فإن الوقاية من مرض السمنة لدى الأطفال أمر شديد الأهمية.

وأشار د. دينيس إلى أن دراسات الأمراض الوبائية توصي بالرضاعة الطبيعية التي تعمل على الحد من خطر الإصابة بالسمنة وأمراض التمثيل الغذائي في مراحل العمر اللاحقة. وقد يُعزى ذلك إلى عدة أسباب، من بينها التركيبة الغذائية للبن الأم، وأيضا الخصائص السلوكية للتغذية خلال المراحل الأولى من العمر. وتتمثل مزايا الرضاعة الطبيعية طويلة الأجل في الاختلاف بين البروتينات والليبيدات الموجودة في تركيبة لبن الأم عن تلك الموجودة في لبن الأطفال الصناعي. وهناك محاولات لتحسين الخصائص النوعية لألبان الأطفال الصناعية الحالية، بحيث تصبح مشابهة لتلك الموجودة بلبن الأم، إلا أنه بالطبع لا تكون الخصائص النوعية للبن الأطفال الصناعي مماثلة بشكل كامل لخصائص لبن الأم. غير أن التعاون الوثيق بين صناعة أغذية الأطفال والمجتمع العلمي وأطباء الأطفال وعلماء التغذية على مدى عدة سنوات قد أسفر عن تحسن ملحوظ في جودة المنتجات.