ألعاب العنف الكومبيوترية.. تشل مشاعر الخوف عند اللاعبين

تؤدي إلى اختلاط الواقع والخيال وأضرار مستديمة في فص الدماغ الأمامي

TT

ازدادت في الفترة الأخيرة، وبشكل ظاهر، حوادث اعتداء الشباب على المارة، وعلى المسافرين في القطارات، وصارت البنات يشاركن في أعمال العنف بلا وجل يذكر بالجنس الناعم المعروف. والمهم في هذه الاعتداءات، هو الاعتداء الجسدي حد القتل، دون أي مشاعر بالخوف من العواقب الصحية والقانونية، التي تترتب عليه.

الشاب البرليني (16 سنة)، الذي اعتدى على متشرد في محطة قطار العاصمة، اعترف بأنه لم يكن يظن بأن الضرب على الرأس والصدر والبطن يمكن أن يؤدي إلى الموت. الأدهى من ذلك هو اعترافه بأنه، بقتله الرجل، «نفس» عن غضبه بسبب الخسارة في لعبة مصارعة حرة كومبيوترية، وذلك عن طريق المواجه غير المتكافئة مع المتشرد النحيل. واعترف أمام القاضي لاحقا، أنه كان يعتقد أن ضرب الناس في الواقع لا يختلف عن الضرب الافتراضي في اللعبة الكومبيوترية.

مثل هذه الاعتداءات دفعت علماء «الجملة العصبية» في جامعة بون إلى تقصي أسباب هذه الظاهرة من الجذور. وتوصل الباحثون إلى أن ألعاب العنف الكومبيوترية تنعكس سلبا على نشاط الدماغ الحيوي، وتضعف تقدير الإنسان لنتائج أعماله (العنف)، وتشل مشاعر الخوف بشكل مستديم.

اختلاط الواقع والخيال الدكتور كريستيان مونتاج، المتخصص في وظائف الدماغ من جامعة بون، قال إن نتائج البحث تكشف بلا شك أن ممارسة العنف على الكومبيوتر تنعكس تماما على الأفعال في العالم الواقعي. وهذه الحال تنطبق على مختلف ألعاب الكومبيوتر الممتدة بين المصارعة الحرة والكاراتيه واقتحام المواقع والقنص.. إلخ. ولا يتفاعل مدمنو ألعاب الكومبيوتر العنيفة مع الواقع كما يتفاعل الإنسان العادي، لأن الأمور اختلطت لديهم بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي.

مجموعة أساتذة، من المتخصصين في علم النفس ووظائف الدماغ وعلم الأعصاب، شاركوا إلى جانب الدكتور مونتاج في فحص أدمغة وردود فعل وتصرفات 21 متطوعا ممن يمارسون القتل على الكومبيوتر يوميا. كانت أعمار اللاعبين بين 20 - 30 سنة، وممن يمارسون هواية ألعاب العنف الكومبيوترية لفترة 15 ساعة أسبوعيا كمعدل.

استخدم العلماء «نظارات فيديو»، بمعنى أن عدسات النظارة هي الشاشة أيضا، لعرض وقائع عنف في ألعاب كومبيوتر وطلبوا من المتطوعين مقارنتها مع حوادث عنف حقيقية واعتداءات جرت في الشوارع والمحطات، على أرض الواقع. وكانت النتائج هي أن لاعبي الكومبيوتر كانوا يعتقدون أن الذي يتعرض للضرب أو القتل قد ينهض من جديد كما ينهض يوميا المضروب في ألعاب الكومبيوتر. كما كان حسن تقديرهم لنتائج الحوادث سيئا ولا ينطبق مع الواقع.

هذا ليس كل شيء، لأن الأطباء فحصوا نشاط الدماغ الوظيفي عند المتطوعين الـ21، وتوصلوا إلى أن اللعب اليومي على أعمال العنف ترك آثارا مستديمة على الدماغ نفسه. ويقول الدكتور مونتاج إن الفص الوسطي الأمامي كان أقل نشاطا من المعتاد عند كل المتطوعين. وهذه المنطقة بالذات هي المسؤولة عن السيطرة على المشاعر، خصوصا على مشاعر الخوف والسلوك العدواني.

تبلد العواطف

* بكلمات أخرى، حسب تعبير مونتاج، يمكن اعتبار ممارسي ألعاب العنف «متبلدي» العواطف حينما يتعلق الأمر بالخوف و«الرحمة» والتسامح وما إلى ذلك. وتم التأكد من ذلك عن طريق مقارنة نتائج فحص الدماغ مع نتائج فحص أدمغة مجموعة من الشباب، ممن لا يلعبون ألعاب العنف الكومبيوترية، وسبق للأطباء أن استخدموهم في التجربة كمجموعة مقارنة.

وأضاف مونتاج أن ردود فعل المتطوعين أثناء اللعب لا تقتصر على اللعب، وإنما تنتقل إلى عالم الواقع. واعتبر الباحث نتائج الاختبار تأكيدا لتحذيرات سابقة من تأثير العنف على الشباب. وتحدث عن تجارب أخر ستجرى لبحث الأسباب الوظيفية العصبية لظاهرة عدم انفصام الواقع الافتراضي عن العالم الواقعي لدى ممارسي ألعاب العنف الكومبيوترية.

وفي خطوة لاحقة أيضا سيعمل مونتاج وفريق عمله على فحص أدمغة شباب من عمر أصغر، بين 14 - 17 سنة، من البنات والبنين، وممن يلعبون أكثر من 20 ساعة في الأسبوع. ومن المتوقع أن تكون عواقب العنف الافتراضي على هذه المجموعة أكبر وأخطر.