حرر العقل.. وتحكم في البدن

وسائل ذاتية للتوصل إلى اليقظة الكاملة وتخفيف التوتر

TT

زحام الطرقات، مشكلات العمل، زيارات غير مستحبة، كلها تجعل الحياة ملأى بالتوتر الذي يشعر به الإنسان عقليا وبدنيا. ورغم أن استجابات الجسم للتوتر تبدأ في الدماغ، فإن هذه الظاهرة تشمل كل أنحاء الجسم. فعندما يواجه الإنسان تهديدا ما - سواء كان حقيقيا أو وهميا - يأخذ الدماغ في تحفيز جملة من هرمونات التوتر، وتزداد سرعة ضربات القلب، وتتشنج العضلات، ويتسارع التنفس.

وتتمثل إحدى وسائل مجابهة التوتر في الاهتمام بما يجري حولنا. ورغم أن هذا الأمر يبدو مضادا للإحساس الغريزي، فإن الاهتمام بالواقع الفعلي المحيط هو أولى الخطوات لبناء اليقظة الذهنية الكاملة (أو الوعي الكامل - mindfulness)، وهو تلك الوسيلة العلاجية لنطاق من مشكلات الصحة العقلية، والبدنية أيضا! لا لتعدد المهمات

* لقد أصبح تعدد المهمات (أي تنفيذ أعمال متنوعة في آن واحد - multitasking) من أهم وسائل حياة الإنسان اليوم، إذ غدا الناس يتحادثون بهواتفهم الجوالة أثناء تنقلاتهم في وسائل النقل، وينظرون إلى الأخبار بينما يكتبون رسالة بالبريد الإلكتروني. ولكن الناس وأثناء ركضهم اللاهث لتنفيذ المهمات الضرورية غالبا ما يفقدون تواصلهم مع اللحظة الراهنة. وبذلك فإنهم يتخلون نهائيا عن كونهم مخلوقات يقظة وواعية لما ينفذونه وما يشعرون به.

إن اليقظة الكاملة (mindfulness) هي عملية مضادة لتعدد المهمات، وإن ممارسة اليقظة الكاملة التي تنطلق ينابيعها من الديانات القديمة في الهند، تعلم الناس معايشة كل لحظة من الزمن أثناء حلولها. وتتمثل فكرتها في تركيز الانتباه على ما يحدث في الزمن الراهن والقبول به كما هو، من دون الحكم عليه.

وكان الدكتور ميكابات-زين البروفسور السابق في الطب في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس قد طور برنامجا لتخفيف التوتر يستند إلى اليقظة الكاملة، للمصابين بالكآبة (تم توظيفه لاحقا لعلاج الاضطرابات الأخرى). كما تم تكييف وسائل العلاج السلوكي المعرفي المستند إلى اليقظة الكاملة لاستخدامها في التطبيقات الإكلينيكية، وهي تحتوي على وسائل التوصل إلى اليقظة الكاملة ووسائل العلاج السلوكي المعرفي.

ومهما كان شكل طرق التوصل إلى اليقظة الكاملة فإنها تمثل أداة علاجية قوية جدا. وقد وجدت الدراسات مثلا أن وسائل اليقظة الكاملة بمقدورها المساعدة في درء عودة الحالات إلى الأشخاص الذين أصيبوا في الماضي بنوبات من الكآبة الشديدة. وتفترض أبحاث أخرى أن وسائل اليقظة الكاملة يمكنها أن تساعد في تخفيف القلق وتقليل الأعراض البدنية مثل الآلام أو الهبات الساخنة.

وسائل ذاتية

* يتمثل أحد أفضل جوانب اليقظة الكاملة في قدرة أي إنسان على ممارستها بنفسه. وإليكم ما يجب أن تكون عليه بدايات تلك الممارسة:

* ركز الانتباه. اجلس على كرسي له مسند مستقيم للظهر، أو اجلس ورجلاك متقاطعتان (القرفصاء) على الأرض. ركز على عملية التنفس، مثل الإحساس بتدفق الهواء عبر منخري الأنف وخروجه من الفم، أو ركز على ارتفاع وانخفاض البطن أثناء التنفس.

* تفتح ذهنيا. بعد التركيز على نطاق ضيق جدا، ابدأ بتوسيع تركيزك. حاول أن تنصت إلى الأصوات وتشعر بالأحاسيس والأفكار. «احتوِ» كل هذه الجوانب وتأملها جميعا من دون إصدار أية أحكام عليها. وإن حدث وشردت أفكارك فحاول أن تعاود التركيز على عملية التنفس.

* راقب الأمور. قد تلاحظ وجود مؤثرات خارجية مثل الأصوات والمشاهد والأفكار التي تشكل جزءا من تجربتك التي تعايشها في تلك اللحظة الزمنية. ويتمثل التحدي في عدم الانسياق مع أية أفكار أو أحاسيس أو مشاعر معينة أو الشروع في التفكير في الماضي أو المستقبل. وبدلا من ذلك عليك مراقبة ما يأتي وما يخرج من ذهنك، واكتشاف أي من الحالات الذهنية التي تولد مشاعر المعاناة أو السعادة.

* حافظ على الاستمرارية. في أوقات ما، يمكن أن لا تشعرك الممارسة بالاسترخاء نهائيا، ولكن ومع الزمن فإنها تقدم المدخل لسعادة عظيمة وإلى الوعي الذاتي، بعد أن تصبح مرتاحا لدى قيامك بتجارب على نطاق أوسع.

كما يمكنك أيضا تجربة المنطلقات الأقل شكلية للحصول على اليقظة الكاملة، وذلك بمحاولة التوصل إلى الوعي بما يجري أثناء قيامك بالنشاطات التي تحبها. فالعزف على البيانو مثلا، والقيام بألعاب بهلوانية مثل قذف عدة كرات في الهواء والتقاطها بخفة، والمشي، كلها يمكن أن تكون جزءا من تجربتك للتوصل إلى اليقظة الكاملة ما دمت تنتبه إلى ما يجري في اللحظة الراهنة. أنصت إلى أنغام الموسيقى، اشعر بثقل كرة البهلوان وهي تسقط في يديك، أو أن ترى فعلا المشاهد التي تمشي قربها.

كمال التجربة

* إن الوصول إلى اليقظة الكاملة أمر يجب تنميته وممارسته دوما وباستمرار.

* التزم. توجه لممارسة اليقظة الكاملة لفترة تتراوح بين 20 و45 دقيقة، في أغلب أيام الأسبوع (إن بدا ذلك كثيرا لك، فتذكر أن الجانب الرئيسي من اليقظة الكاملة يعني أن عليك التخلص من التوقعات المقبلة. حاول فقط الالتزام بممارسة اليقظة الكاملة قدر الإمكان).

* لا تغير إلا قليلا. من الأفضل البدء بالممارسة ببطء والبناء على ذلك تدريجيا. وعليك الممارسة لفترات قصيرة تتدرج إلى فترات أطول.

لا ينبغي أن تتحول ممارسة اليقظة الكاملة إلى ممارسة معقدة، فهي ليست سوى وسيلة للتعلم على الانتباه لما يجري حولك. ولكن هذه النصيحة البسيطة غالبا ما يصعب تنفيذها في عالم مليء بالشواغل. حاول أن تبذل جهدك كي تكون متمتعا أكثر باليقظة الكاملة، وستجد أن النتيجة تستحق ذلك الجهد.

* رسالة هارفارد للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا».