الوصمة تلاحق ملايين المصابين بداء السكري في المجتمعات الحديثة

الأميركيون يلقون باللوم على كبار السن الفقراء البدناء الكسولين

TT

يصيبني الذعر دائما فجأة، حيث يبدأ شعور من عدم الارتياح في التسرب إلى داخلي، ثم أجد نفسي غير قادرة على الاستمرار في الحديث، أو أبدأ في الدخول بلا وعي في جدال عقيم، ويصبح نطاق رؤيتي ضيقا، وتتسارع ضربات قلبي بحيث تكاد تشبه ضربات القلب العنيفة لشخصية تقع في الحب، باستثناء عدم كوني متيمة بحب شخص ما مثله.. ولكن لكوني مريضة. وعلى الرغم من أنني قد مررت بهذا الموقف مرات كثيرة من قبل، فإنني ما زالت أستغرق بضع دقائق لأدرك أنني بحاجة ماسة إلى تناول شيء من الطعام.

ولكن هذا ليس جوعا عاديا، بل هو جوع ناتج عن انخفاض نسبة الغلوكوز في دماغي، والمعروف أيضا بمرض نقص السكر في الدم، وكان انخفاض نسبة السكر في دمي يعني أن علي أن أغذي جسدي بما يكفي من الغلوكوز بسرعة، وإلا أصبت بالإغماء. وهذا هو حالي بعد عشر سنوات من إصابتي بداء السكري من النوع الثاني.

إصابات السكري

* ووفقا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، يبلغ عدد الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بداء السكري في الولايات المتحدة 18.8 مليون شخص، بينما هناك 7 ملايين شخص إضافيين مصابون به بالفعل، ولكنهم لا يعلمون ذلك. والغالبية العظمى منهم مصابون بداء السكري من النوع الثاني، حيث يستطيع البنكرياس إنتاج بعض الأنسولين ولكن الجسم لا يستطيع استخدامه بشكل صحيح (في حالة الإصابة بداء السكري من النوع الأول، وهو النوع الرئيسي الآخر من داء السكري، فإن الجسم لا يستطيع أساسا إنتاج أي قدر من الأنسولين على الإطلاق).

والأنسولين هو الذي يمكن الجسم من معالجة الغلوكوز، الذي يعد بمثابة مصدر الوقود الرئيسي بالنسبة لجسم الإنسان.

ولا يقلل داء السكري من طول مدة العمر المتوقع للمرء فقط، بل إن التعايش مع مثل هذا الداء يشكل تحديا يوميا.

ويمكن أن يؤدي الإهمال في السيطرة على داء السكري إلى تدمير الكلى والعيون، وبتر الأعضاء، والإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، حيث يجب على المريض بداء السكري الحفاظ على مستويات ضغط الدم، والكولسترول، والدهون الثلاثية، وهو ما يتم غالبا عن طريق تناول الأدوية، وممارسة التمارين الرياضية، والحد من تناول الملح والدهون. والأهم من ذلك أن المرء ينبغي عليه أن يظل يقظا دائما إزاء مستويات السكر في الدم، حيث إن انخفاض مستوى الغلوكوز يؤثر على تغذية الدماغ بشكل صحيح، بينما قد يؤدي ارتفاع مستوى الغلوكوز إلى إتلاف خلايا الجسم، وكلا السيناريوهين من الممكن أن يؤدي إلى وقوع إصابات، آو الإصابة بالإغماء، أو السقوط في غيبوبة، أو حتى إلى الوفاة.

وعلى الرغم من أن داء السكري يعد من الأمراض السيئة، فإن النوع الثاني منه يعاني من مشكلة إضافية تتعلق بمظهره، حيث غالبا ما يكون مرضى داء السكري من النوع الأول من الشباب الوسيمين والشابات الجميلات، من أمثال ماري تايلر مور، وجوليا روبرتس، في فيلم «ستيل ماغنوليا»، بينما يتم تصنيف مرضى داء السكري من النوع الثاني على أنهم من كبار السن الفقراء البدناء الكسولين، الذين لا يستطيعون العناية بأنفسهم.

لوم المرضى

* وفي حين أن من الصحيح أن الأشخاص الذين يعانون من داء السكري من النوع الثاني يكونون في العادة من كبار السن الأقل ثراء والأكثر عرضة لزيادة الوزن أو السمنة، من المرضى المصابين بداء السكري من النوع الأول، فإنه من الصحيح أيضا أن بعض الأطفال يصابون بالنوع الثاني، بينما يصاب بعض البالغين بالنوع الأول، كما أن النوعين قد يصيبان أي شخص، مهما يكن مستوى دخله.

وعلى الرغم من أن الوزن الزائد يمكن أن يعجل من ظهور وتقدم الإصابة بالنوع الثاني، فإنه ليس كل المصابين بالنوع الثاني من البدناء، كما لا يصاب كل الذين يعانون من زيادة الوزن أو البدانة بداء السكري. ويبدو أن الوراثة تلعب دورا كبيرا، حيث يصاب عدد كبير من أقليات بعينها بداء السكري.

لقد قوض أسلوب إلقاء اللوم على المريض هذا من الجهود الرامية إلى إعطاء أفضل رعاية ممكنة للمصابين بداء السكري، حيث ينبغي أن يركز نظام الرعاية الصحية الموجود لدينا على الوقاية المبكرة، والتشخيص، وتقديم أكثر علاج فعال متاح للمصابين بداء السكري، وذلك من أجل دعمهم في سعيهم للحفاظ على صحتهم في صورة جيدة. ولكننا نصم المرضى، بدلا من ذلك، بالعار ونحملهم الأعباء، على الرغم من أنهم لا يريدون سوى أن يتمتعوا بصحة جيدة.

وغالبا ما يشعر الكثير من الخبراء بالإحباط من أن مثل هذا العدد الكبير من الناس يعانون ويموتون من جراء مرض من الممكن الوقاية منه والسيطرة عليه.

وهم يختزلون نصيحتهم للوقاية من الإصابة بداء السكري في عبارة بسيطة، يكررونها في وسائل الإعلام: «مارسوا القليل من التمرينات الرياضية، وخففوا من تناول الحلويات، ولن تصابوا بداء السكري»! ولكن ما أسهل أن تنقلب هذه النصيحة رأسا على عقب لتصبح اتهاما كالتالي: إذا لم يستطع المرء أن يقي نفسه من إصابته بداء السكري أو مضاعفاته، فعليه أن يتحمل نتيجة خطئه. وأحد الأفكار التي تحظى بشعبية بين بعض المشرعين وأصحاب العمل، هي رفع قيمة المبالغ التي يخصمونها من أجور العاملين لتغطية نفقات التأمين الصحي، في حالة عدم سعي أولئك العاملين إلى تحقيق مستويات معينة تتعلق بوزن الجسم ومستوى السكر في الدم، إلى جانب الحفاظ على هذه المستويات بعد ذلك، مما يؤدي بالتالي إلى معاقبة الكثير من الناس الذين يحاولون بالفعل تحسين صحتهم، أو الحفاظ عليها في حالة جيدة، وهذا على الرغم من وفرة الأدلة على أنه من الصعوبة بمكان إحداث مثل هذه التغييرات، ومن أن بعض الناس قد يكون لديهم استعداد جيني وراثي، بحيث يصبح من المستحيل بالنسبة لهم القيام بمثل هذه التغييرات.

تمارين رياضية

* وتوجد مشكلة مماثلة تتعلق بواحدة من أفضل أدوات السيطرة على داء السكري المتاحة حاليا، وهي التمارين الرياضية. فعلى الرغم من أن ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن تساعد في السيطرة على نسبة السكر في الدم وتسارع فقدان الوزن، فإن الأشخاص الذين لم يعتادوا ممارسة التمارين الرياضية قد لا يعرفون كيفية قيامهم بممارسة تلك التمارين، كما أن المرضى المعرضين لاحتمال انخفاض نسبة السكر في دمائهم قد يكون لديهم الحق في الخوف من القيام بممارسة التمارين الرياضية، لأن ممارستها قد تؤدي إلى انخفاض مستوى الغلوكوز لديهم، وبالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من الناس ليس لديهم مكان آمن ذو أسعار معقولة لممارسة الرياضة.

والشيء نفسه ينطبق على الأكل الصحي، وفقدان الوزن، وهما اثنان من العناصر الرئيسية لمنع داء السكري والسيطرة عليه.

والسبب في رواج صناعة إنقاص الوزن في هذا البلد هو أنه من الصعب أن يفقد المرء عدة أرطال من وزنه بسهولة، فلو أن المشكلة كانت قاصرة على إقلال الناس من تناولهم للسعرات الحرارية - التي يحتاج الكثير من الناس بلا شك إلى الإقلال من تناولها - لكان من السهل أن يتناول الناس ببساطة شديدة كميات أقل من السعرات الحرارية، ولكن الحقيقة هي أن فقدان الوزن، بالنسبة لمعظم الناس، يعد عملية صعبة، سواء من الناحية البدنية أو النفسية، وما زال البحث جاريا حتى هذه اللحظة لتحديد السبل الكثيرة التي يعيق بها جسم الإنسان تقدم هذه العملية وتحقيقها لأهدافها.

غذاء صحي

* كما تسبب صعوبة الحصول على المواد الغذائية الطازجة عالية الجودة، التي تعد الأساس الذي تبنى عليه النظم الغذائية الصحية، بالنسبة للكثير من الناس مشكلة أيضا، فالناس لن يقبلوا على تناول السلطات والفواكه غير الطازجة والذابلة، ولذا فنحن بحاجة إلى فعل ما هو أكثر من مجرد التشدق بأهمية الغذاء الصحي، ومحاولة القيام، بدلا من ذلك، بجعل هذا النوع من الغذاء متاحا على نطاق أوسع.

والإصابة بداء السكري تعني قيام المريض بزيارات منتظمة لمجموعة متنوعة من الأطباء المتخصصين، مثل أطباء باطنية، وأطباء غدد صماء، وأطباء عيون، وإخصائيي تغذية، وصيادلة، والكثير من هؤلاء المتخصصين يكونون، للأسف، غير ملمين بالمسألة كما ينبغي.

وعلى سبيل المثال عندما أصبحت حاملا في عام 2004 قدم لي المسؤول عن تعليمي كيفية السيطرة على داء السكري، وهو متخصص معتمد في إدارة رعاية مرضى السكري، نصيحة تتعلق بالناحية الغذائية، حيث قال لي: «لا تذهبي لتناول الطعام في مطاعم (ماكدونالدز)، ولكن إذا قمت بذلك فتأكدي من احتواء شطيرة الهمبرغر الخاصة بك على الخس والطماطم».

ولكن نصيحته هذه لم تفدني كثيرا، فبغض النظر عن سوء النصيحة التي قدمها لي (شرائح الخس والطماطم الرفيعة الشاحبة التي تقدم مع شطائر الهمبرغر لا يمكن أن يكون بها أي قيمة غذائية)، فإنني لست ممن يذهبون لتناول الطعام في مطاعم (ماكدونالدز).

وتكمن المشكلة في أن معلمي، الذي كان رائعا في كل شيء بخلاف هذا الأمر، لم يتعامل معي باعتباري حالة مرضية متفردة، بل باعتباري نموذجا نمطيا لأحد مرضى السكري من النوع الثاني العاديين. وقد كان لي تجربة مماثلة مع أحد أطباء التخدير الذي كان مترددا في تخديري تخديرا كاملا قبل إجراء إحدى العمليات الجراحية، وكذلك مع أحد أطباء النساء والتوليد، الذي قدم لي نصيحة سيئة حول استخدام الأنسولين، ومن ثم ينبغي أن يحصل هؤلاء الأطباء المتخصصون على تدريب إضافي لتلبية احتياجات المصابين بداء السكري، والذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم، ولفهم مدى تنوع وتفرد تلك الاحتياجات.

ولقد سألت نفسي، مثل الكثيرين غيري من الذين يعانون من داء السكري من النوع الثاني، عن مدى كوني مسؤولة عن إصابتي بهذا المرض، حيث علمت، بعد أن تم تشخيص حالتي، أن هذا المرض يمكن أن يكون وراثيا، وأن يكون قد انتقل لي عبر عدة أجيال من أسرتي. وربما كان هناك أيضا دور لعدد من العوامل الأخرى الخارجة عن إرادتي، مثل فترة طفولتي المجهدة، وحياتي العملية المليئة بالضغوط (ارتبطت الإصابة بداء السكري في بعض الحالات بارتفاع ضغط الدم)، والتهاب اللثة الذي أصبت به في سن المراهقة (ترتبط الإصابة بداء السكري بأمراض اللثة)، واضطراب النوم المزمن، الذي يمتد لفترات طويلة (سبب آخر من الأسباب المحتملة للإصابة بداء السكري).

ومع ذلك ما زلت أشعر أحيانا بالذنب لأنني لم أكن أكثر حرصا، وعلى الرغم من أن وزني لم يكن زائدا سوى بمقدار نحو 15 و20 رطلا (الرطل = 453 غم تقريبا) فقط عندما تم تشخيص إصابتي بداء السكري، وهو ما يعني أنني لم أكن أعاني من السمنة بأي شكل من الأشكال، إلا أن السؤال ظل يطاردني: ماذا لو كنت قد فقدت عدة أرطال أخرى؟

وعلى الرغم من أنني لا يمكنني الآن منع حدوث أي من العوامل التي أثرت علي في الماضي، لكن إذا كان هناك من يعتقد أن الناس المصابين بداء السكري من النوع الثاني هم أناس كسالى، فما عليه سوى أن يضع في اعتباره حجم المجهود الذي أقوم به للسيطرة على حالتي الآن وجعلها مستقرة.

ممارسات يومية

* أنا عادة ما أقوم بغرز عشرات الإبر والمشارط في جلدي كل يوم. ونظرا لأنني أستخدم الأنسولين من أجل المحافظة على بقاء مستوى الغلوكوز لدي عند الحد الطبيعي أو قريبا منه، فإنني أصاب بنوبات عرضية من انخفاض السكر في الدم، يكون بعضها مخيفا بحق، وهو ما يعني أيضا المزيد من وخز الأصابع، حيث إنني أقوم بعمل اختبار تقريبا في كل مرة أقوم فيها بقيادة السيارة، أو النزول في حمام السباحة، أو القيام بأي شيء من شأنه أن يعرضني أو يعرض غيري للخطر.

كما أقوم بإحصاء كمية الكربوهيدرات قبل كل وجبة، لمعرفة كمية الأنسولين التي ينبغي علي أن أحقن نفسي بها، كما أحاول أن يكون توقيت الحقن قبل 15 دقيقة من أول ارتفاع في نسبة الغلوكوز، بحيث يبدأ مفعول الأنسولين في العمل مع بداية حدوث الارتفاع تقريبا (وتخيلوا معي اضطراري إلى القيام بذلك في أحد المطاعم، حيث لا يكون لدى المرء عادة أي فكرة عن حجم الكربوهيدرات الموجودة في الطعام المقدم له، كما لا توجد لديه أي وسيلة لمعرفة موعد تقديم الطعام ووضعه على المائدة).

ولو أنني أخطأت في الحساب ولم آخذ ما يكفي من الأنسولين فإن نسبة الغلوكوز لدي قد ترتفع إلى مستويات قياسية، أما إذا ما أخذت كمية أكبر من اللازم من الأنسولين فقد تنخفض نسبة الغلوكوز لدي، مما يعرضني للإصابة بنوبة جديدة من الفزع والذعر، وهو ما يدفعني إلى عدم مغادرة المنزل تقريبا دون أن أحمل معي مقياسا لقياس نسبة الغلوكوز في الدم، وشرائط اختبار، وجهازا للوخز، وقلم أنسولين، وإبر أنسولين، وكمية احتياطية من الغلوكوز، وهاتفي الجوال، ورخصة القيادة الخاصة بي، حتى يتمكن أي شخص من تحديد هويتي في حالة انخفاض نسبة الغلوكوز لدي وفقداني للوعي.

وأقوم بزيارة الكثير من الأطباء، كما أنفق الكثير من المال على شراء الأدوية من الصيدليات، وذلك على الرغم من أن التأمين الصحي الخاص بي يقوم بتغطية جزء كبير من نفقات علاجي. وقد اضطرني مرضي إلى التخلي عن وظيفتي، وهو ما يعود في جزء منه إلى عدم استطاعتي القيام بكل الأشياء التي ينبغي أن أقوم بها من أجل الحفاظ على صحتي، إلى جانب قيامي بإدارة إحدى المجلات، وهكذا أصبحنا نعيش الآن براتب فرد واحد بدلا من راتب فردين، وإن كان هذا قد أتاح لي المزيد من الوقت لممارسة الرياضة، وإعداد وجبات صحية، والتمتع بوجودي مع عائلتي.

وأنا أعتبر نفسي محظوظة، حيث إنني ما زالت أتمتع بصحة جيدة، على الرغم من إصابتي بداء السكري، الذي لن أشفى منه أبدا، والذي ستصعب السيطرة عليه مع مرور الوقت، ولذا دعونا نتوقف عن جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى من هم على شاكلتي، من خلال إلقاء اللوم علينا لأننا لم نفعل ما كان يتوجب علينا فعله، والبدء في مساعدتنا، بدلا من ذلك، في تغيير الأشياء التي نستطيع تغييرها.

* سكلاروف هي رئيسة التحرير السابقة لمجلة «دايابتس فوركاست» أو «توقعات السكري»، والتي تنشرها جمعية السكري الأميركية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»