مشاكل النطق والصوت.. وطرق الوقاية منها

سمات الصوت العذبة الجميلة تظهر أكثر عند قلة استخدامه

TT

لا شك أن للموهبة دورا فعالا في بناء مستقبل الإنسان وتوجيهه ورسم طريقه ومستقبله في الحياة. والصوت الحسن في سماعه، المتقن في إخراجه وفصاحته، نعمة لصاحبه تحتاج إلى صقل وتمرين وممارسة للمحافظة عليها أولا، ثم لاستثمارها والاستفادة منها بعد ذلك.

وتبث حاليا القنوات الفضائية برامج تختص باكتشاف وإظهار الأصوات الجميلة، ويتم من خلالها توجيه بعض الملاحظات وإطلاق بعض المصطلحات في علم الصوت والنطق وتكون مبهمة بالنسبة للمشاهدين، وتحتاج إلى إيضاح علمي.

مشاكل صوتية

* التقت «صحتك» أحد المتخصصين في النطق والصوت واللغة باعتباره الشخص المؤهل للتعامل مع مشكلات الصوت على اختلافها وإبقاء الصوت صحيا وسليما، الدكتور ياسر نعمان الصعبي، استشاري أمراض النطق واللغة رئيس وحدة البحوث الإكلينيكية بمركز جدة للنطق والسمع، لإلقاء الضوء على جملة من القضايا المتعلقة بمشاكل الصوت وتقديم أهم النصائح التي تقي من هذه المشاكل وتساعد في الحفاظ على سلامة الصوت.

أوضح في البداية أن المشاكل الصوتية أكثر ما تكون منتشرة ومألوفة عند الأشخاص الذين يستخدمون أصواتهم لفترات طويلة من الوقت ويعتمدون بشكل رئيسي على صوتهم للقيام بمهامهم الرئيسية أو حتى بمواهبهم، وعلى رأس هؤلاء الأشخاص يأتي المدرسون، أئمة المساجد والخطباء، المذيعون، المطربون، الممثلون، والمندوبون الذين يعملون في أسواق الملابس أو في مرأب السيارات، ومنهم أيضا مشجعو الكرة ورؤساء فرق التشجيع وغيرهم.

وتكون هذه الصورة أكثر وضوحا عند المتنافسين على اللقب الأول للغناء في برامج المسابقات على القنوات الفضائية مثل برنامج محبوب العرب Arab Idol، نجم الخليج، ستار أكاديمي، وسواها.

عناصر النطق السليم

* أولا: سلامة الأوتار الصوتية؛ فالأوتار الصوتية يجب أن يتم فحصها للتأكد من عدم وجود التهابات أو نزيف مثلما وجد عند المتنافس محمد طه في برنامج محبوب العرب (دم تحت الوتر الصوتي الأيسر) الذي نصحه طبيبه المعالج بأخذ راحة صوتية تامة وعدم إجراء أي تمارين صوتية على الإطلاق، على الرغم من حساسية التوقيت والحاجة الماسة لإجراء تلك التمارين الصوتية، حتى لا تتفاقم المشكلة مستقبلا وتتطور وتنتقل لوضع أشد، وقد تنتج عنها مشكلة أخرى كتكوين حبيبات على الأوتار الصوتية وعندها تصبح مشكلة حقيقية قد تبعد المتنافس عن الغناء الذي يعتبر مستقبلا له. وتعتبر مشكلة الحبيبات من المشاكل الشائعة جدا عند كثيري استخدام الصوت، كالمطربين بشكل خاص.

ومن النصائح التي تفيد في مثل هذه الحالة: الراحة التامة للأوتار (الحبال) الصوتية، إجراء تدليك (مساج) لعضلات الحنجرة (ومن أهمها المساج الحراري)، والابتعاد عن الشد الحنجري والإرهاق العضلي للأوتار الصوتية والحنجرة، التي تعرف بصندوق الصوت، اختيار الطبقات الصوتية الملائمة للإمكانات الصوتية للشخص، زيادة كمية شرب الماء، والابتعاد عن تناول التوابل والبهارات.

ثانيا: فتح الفم بطريقة ملائمة؛ فهناك من لا يستطيع فتح فمه بطريقة كافية لإخراج الصوت بالكفاءة المطلوبة. ومن التمارين التي قد تفيد في هذه الحالة وتساعد على زيادة درجة فتحة الفم تمارين إرخاء الفكين عن طريق تطبيق تمرين يعرف بتمرين «الساندويتش» وتمرين «التثاؤب والتنهد». ويعد هذا التمرين أيضا مفيدا لاسترخاء عضلات البلعوم.

ثالثا: ضرورة وضوح مخارج الحروف. إن مما يساعد المتنافس الذي يحتاج إلى زيادة فتحة الفم ضرورة اختياره الأغاني التي لا تحتوي على مخارج الحروف التي تحتاج لفتح الفم كثيرا خلال نطقها مثل «آ، يا، لا، وا»؛ لأنها تزيد من تعقيد المشكلة لديه. ومن المسائل المهمة جدا، التي لا بد من مراعاتها هنا، ضرورة معرفة وصف الأصوات بشكل دقيق، وذلك من حيث مخارج الحروف وطريقة إخراجها، والوصف الصوتي لكل صوت.

إن كل صوت يتم وصفه بالاعتماد على معايير رئيسية محددة، هي: مكان نطق الصوت، طريقة نطق الصوت، وكون الصوت مهموسا أو مجهورا؛ فالوصف الصوتي لصوت الباء مثلا هو أنه صوت شفوي انفجاري شديد (مجهور)، «شفوي» لأن الصوت ينتج عن طريق ضم الشفتين مع بعضهما البعض، و«انفجاري» لأن الصوت ينتج عن انغلاق كلي للجهاز الصوتي ويتوقف تدفق الهواء لفترة بسيطة ثم يندفع الهواء المتجمع في آخر الحلق وينتج عن ذلك انفجار هوائي، و«شديد»؛ لأن الوترين الصوتيين يتذبذبان عند مرور الهواء بينهما. هذه المعرفة بالأصوات لا شك أنها ستزيد من ثقة كل من يعتمد عمله (كالمطرب) على صوته.

تأثيرات على الصوت

* أهمية الجانب النفسي: هنا يركز د. ياسر الصعبي على قضية غاية في الأهمية بالنسبة للمتنافسين على اللقب الأول في أي مسابقة تلفزيونية، وهي الجانب النفسي والحالة المزاجية للشخص؛ فالصوت يعرف على أنه انعكاس للحالة النفسية للإنسان، فلا بد من تأكيد تخفيف درجة التوتر والعصبية عند الغناء، والتحلي بالهدوء على المسرح والابتسامة للجمهور، فهذا بالتأكيد ينعكس إيجابيا على الأداء.

التأثيرات المناخية وتناول أقراص الحساسية: إن لحساسية الجو (الغبار والرطوبة) وتقلبات الطقس (اختلاف درجات الحرارة) تأثيرا واضحا على أداء المتنافسين. ومن المفيد في حالات الحساسية الإكثار من شرب الماء، وإجراء أنواع التدليك، وعدم تناول البهارات والابتعاد عن الأتربة والغبار وعن البيئة الملوثة بالدخان، وعدم التدخين على الإطلاق. وأيضا عدم تناول بعض الحبوب التي يظن الكثير من الناس أنها تساعد في تخفيض الحساسية في الحنجرة، فهو خطأ شائع؛ لأن مص مثل هذه الحبوب يزيد من درجة الجفاف في الحنجرة، وهذا يؤثر كثيرا على مرونة وحركة وليونة الأوتار الصوتية، وستكون النتيجة عكسية.

الارتجاع المريئي: إن الارتجاع من الأمور المهمة أيضا، فهو يؤثر كثيرا على سلامة الحنجرة ويعقد الأمور أكثر إذا ما اقترن مع مشكلة التحسس من الجو، فهنا لا بد من مراجعة الطبيب المختص لمعالجة هذه المشكلة طبيا إذا لزم الأمر. تجدر الإشارة إلى أن العلاج قد يستدعي أيضا استبعاد الأغذية التي تزيد من الارتدادات المريئية، وتفادي الأغذية والمشروبات التالية: الكافيين، الشوكولاته، الكحول، اللحوم التي تحتوي على نسبة دهون عالية مثل لحم العجل المفروم، والستيك، وشيبس البطاطا، وشيبس الذرة، والقائمة طويلة لا يتسع المقام لذكرها هنا.

نصائح عامة

* وأخيرا يقدم د. الصعبي مجموعة من النصائح التي تفيدنا جميعا في الحفاظ على سلامة أصواتنا وتساعدنا في تفادي كثير من المشاكل الصوتية، وهي كالآتي:

يجب أولا أن نتذكر دائما أن القليل من استخدام الصوت يعني الكثير؛ حيث إنه كلما كان الجهد في إصدار الصوت أقل كان الصوت الناتج أفضل.

إن معرفة طبيعة الصوت والجهاز الصوتي قبل تطور المشكلة الصوتية تعتبر من أهم الطرق الوقائية.

بالنسبة لمن يشكو اضطرابا في الصوت، عليه أن يستخدم التمارين الصحيحة اللازمة قبل إلقاء الكلام أو الغناء، وأن يتجنب التنفس عن طريق الفم فقط. وإذا كان مطربا، أن يستخدم أساليب غنائية تناسب طبقات صوته، وأن يحافظ على المستوى الجيد والأمثل لطبقة صوته.

في حال مواجهة أي مشكلات صوتية، يجب العرض على فريق طبي متخصص يتألف من طبيب أنف وأذن وحنجرة واختصاصي أمراض نطق ولغة، واختصاصي نفسي. وبالنسبة للمطرب، يضاف للفريق الفرقة الموسيقية والأصدقاء والأسرة.

تجنب التعرض للروائح الكيميائية، وعدم تدخين أي نوع من السجائر أو تناول أي عقاقير عن طريق الشم، وعدم تناول الكحوليات.

الحذر من تناول المنتجات التي تحتوي على الكافيين.

لا تمنع نفسك من العطاس، تجنب الوقفة أو الجلسة غير الصحيحة، كن على وعي بأساليب التعامل مع الضغوط النفسية والعاطفية.

غيِّر من عاداتك وأسلوب حياتك ونظامك الغذائي، وهذا يتضمن الابتعاد عن المأكولات التي تحتوي على التوابل والبهارات الحارة والتخفيف من أكل الشوكولاته وعدم تناول المشروبات التي تحتوي على نسب عالية من الكافيين والصودا.

التقليل من الكلام أثناء السفر جوا، وأخذ راحة تامة من عناء السفر بعد الوصول وقبل إلقاء المحاضرة بالنسبة للمحاضرين أو قبل الغناء بالنسبة للمطربين.

بالنسبة للمسافر، إذا شعر بأي اضطراب في السمع أثناء هبوط الطائرة، عليه أن يغلق الأنف وينفخ بالفم كي تفتح الأذنان.

بالنسبة للمطرب، فيعتبر السمع السليم أساسيا له للغناء الجيد المؤثر، وعليه أن يدرك أن المشاكل النفسية تؤثر على صوته، وعليه أيضا الحد من النحنحة قدر الإمكان، وأن يتذكر أن الكلام قد يكون أكثر إيذاءً وتأثيرا على الأوتار الصوتية من الغناء، وأن يتجنب الحديث في الأوساط العالية.

أثناء عمل التمارين، المحافظة على انسيابية الهواء وسلاسته أثناء التمرين (خاصة عند رفع الأثقال)، وأن يتجنب الإصدار الصوتي أثناء الشهيق، وأن يتجنب الشهيق أو الزفير المتكلف أثناء ممارسة الأنشطة الرياضية.

بعد العلاج، عدم استخدام الصوت مرة ثانية إلا بعد أن يسمح الطبيب أو اختصاصي الصوت والنطق واللغة بذلك، وأن يبدأ الكلام بسهولة، وعدم شد عضلات الحنجرة أو الرقبة والكتفين أثناء الكلام، وأن يتجنب الكلام بصوت أعلى من الضوضاء المحيطة، وأن يبقي مستوى العلو الصوتي منخفضا في أجهزة التسجيل.