ابتكارات زهيدة الثمن.. ستحدث ثورة في الطب

أجهزة صغيرة لفحص القلب ودراسة مشكلات النوم تعوض عن معدات طبية غالية

TT

في تاريخ الابتكارات الطبية، كان التقدم التكنولوجي مرتبطا بصورة وثيقة بارتفاع التكلفة في المعدات وأطقم الاختبارات. ولكننا الآن نمر بلحظة فريدة يتم فيها اختراق عالم الطب المنعزل ببنية تحتية رقمية مميزة. لنفكر قليلا في تكلفة استخدام أجهزة الكومبيوتر، فعلى مدار العقدين الماضيين، انخفضت التكلفة كثيرا في حين زادت الكفاءة والأداء بدرجة كبيرة. كيف ومتى يمكن أن يصل هذا الاتجاه إلى ميدان الممارسة الطبية، الذي يشهد أحيانا ارتفاع التكاليف مع قليل من التحسن الحقيقي؟

سماعة الطبيب

* لنفكر مثلا في رمز المهنة - سماعة الطبيب التي تتدلى حول عنقه أو من جيب معطفه الأبيض. هذه الأداة التي اخترعها رينيه لينيك في عام 1816، ولكنها لم تشهد استخداما روتينيا في المجتمع الطبي طوال 20 عاما. وعكس هذا التأخر في استخدامها، الطبيعة المحافظة للأطباء، الذين عارضوا فكرة أن يكون عليهم تعلم أصوات القلب والسماح لجهاز ما بأن يكون وسيطا بين أيديهم المعالجة والمريض.

والآن بعد مرور نحو 200 عام، تزيد العوامل الاقتصادية كثيرا من بطء تبني الأطباء لبديل قوي لسماعاتهم في معالجة أمراض القلب. وبدلا من الاستماع إلى قلب المريض، يمكنهم الآن أن يشاهدوا القلب في جهاز لا يزيد حجمه على حجم الهاتف الجوال، وهو جهاز مصغر عال الدقة للكشف بالموجات فوق الصوتية. ويقول جراح القلب إيريك جيه. توبول في مقالة له في مجلة «تكنولوجي ريفيو» الصادرة عن معهد ماساتشوسيتس الأميركي للتكنولوجيا إنه لم يعد يستخدم سماعة لفحص قلب المريض في عيادته، منذ عامين! ويضيف متسائلا: «لماذا أستمع إلى صوت نبضات القلب في حين أن في إمكاني (رؤية) كل شيء متعلق بالقلب في وقته الفعلي»؟ ويمكن مشاهدة صور شديدة الدقة بالموجات فوق الصوتية لعضلة القلب - انقباضها وسمكها وحجم التجاويف والصمامات والغلاف المحيط بالقلب - في غضون ثوان من الكشف الروتيني.

ويقول توبول إنه يمكنه أن يطلع المريض على الصور ويناقشها معه وقت الحصول عليها، وأن يضيف تسجيلات بالفيديو في سجل طبي إلكتروني، ويرسلها إلى المريض أو الطبيب الذي أحال المريض له. وتبلغ تكلفة الدفع المقدم لجهاز الموجات فوق الصوتية المصغر نحو 7700 دولار، ولكن لا توجد تكاليف إضافية للحصول على عدد غير محدود من القراءات.

ملايين الاختبارات

* يتم كل عام في الولايات المتحدة إجراء 20 مليون فحص بالموجات فوق الصوتية على القلب، وذلك عدا الملايين من اختبارات فحص الجهاز الهضمي والأجنة بالموجات فوق الصوتية. وتتم كل تلك الإجراءات التشخيصية في إطار مختبري مخصص، إما في مستشفى أو في عيادة الطبيب، من خلال معدات باهظة الثمن، تبلغ قيمة التكلفة المهنية والتقنية من 1000 إلى 2000 دولار.

وبعملية حسابية بسيطة، يظهر أنه إذا تم إدخال جهاز الموجات فوق الصوتية المصغر في الفحص الروتيني بالطريقة التي نستخدم فيها سماعة الطبيب، فسيتم توفير عدة مليارات من الدولارات التي تنفق في تكاليف غير ضرورية سنويا.

وتكمن الصعوبة هنا - ومعها تفسير لعدم استخدام الكثير من الابتكارات الطبية منخفضة التكلفة في مجال الطب - في أن عملية التوفير ستوجه ضربة حاسمة لإيرادات الأطباء والمستشفيات في الولايات المتحدة، وليس لمجرد أن الأطباء، مثل أولئك الذين رفضوا استخدام سماعة الطبيب، متحفظون بطبيعتهم.

ويؤدي نموذج الرعاية الصحية الأميركي في قياس التكاليف إلى مثبطات اقتصادية للتكنولوجيا الموفرة للمال. وعلى النقيض، تم الاحتفاء بجهاز الموجات فوق الصوتية عالي الدقة صغير الحجم كإنجاز كبير في دول مثل الهند والصين والبرازيل التي تبنته سريعا.

ويشير ذلك إلى مثال واحد بسيط على كيفية تحقيق الابتكار الاقتصادي - بالجمع بين الإبداع الهندسي وانخفاض التكاليف - لو لم تكن الرعاية الصحية في الولايات المتحدة محددة بقوانين إعادة السداد.

أجهزة رخيصة

* لدينا الآن أجهزة استشعار لا سلكية يمكنها أن تساعدنا على تشخيص انقطاع التنفس أثناء النوم بجمع كل المعلومات المتعلقة في أبحاث النوم، معدل التنفس وتشبع الدم بالأكسجين. من الممكن الحصول على تلك المعلومات بمقابل يقل عن 100 دولار، وفي منزل المريض مباشرة. ولكن بدلا من ذلك، يستمر المجتمع الطبي في استخدام معامل النوم في المستشفيات التي تبلغ تكلفتها 3000 دولار في الليلة من أجل تشخيص المرض.

ويعتقد توبول أن هناك تغييرا كبيرا سيحدث في عالم الطب، إذ سيساعد التقدم في مجال التكنولوجيا أخيرا على التغلب على قضية إعادة السداد وسيطيح بالنماذج الاقتصادية التي ما زال الأطباء وشركات التأمين والمستشفيات متمسكين بها. ستأتي هذه اللحظة عندما ينفتح الطب على البنية التحتية الرقمية من أجهزة جوالة لا سلكية وانتشار الاتصال ومعدل نقل البيانات المتسع والإنترنت. يضاف إلى هذه القدرات الرقمية تلك المتعلقة بالرعاية الصحية؛ مثل التسلسل الجيني وأجهزة الاستشعار البيولوجي والتصوير المتقدم ونظم المعلومات الصحية.. سيؤدي كل ذلك إلى ما أطلق عليه «شخص عالي الوضوح»، حيث يوجد ملف شامل ودقيق للبيولوجيا الجزيئية الخاصة بالشخص ووظائف أعضائه وبنيته الجسمانية.

في إيجاز، يملك الميدان الطبي سعة كبيرة لتقبل تكنولوجيا أكبر بأسعار أقل بكثير، ولكن لا تنتظروا من أصحاب المهنة أو الحكومة التغير بمفردها، فإن التغيير سيأتي عندما يطلبه المستهلكون. وقد أظهرت أحداث «الربيع العربي» وحركة «احتلوا وول ستريت» نفوذ شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعبير عن مطالب المواطنين. فلا تفاجأوا إذا تم احتلال الرعاية الصحية في المرحلة التالية.