تعديل نمط الحياة وزراعة خلايا البنكرياس.. للسيطرة على داء السكري

تخفض الإصابة بالمرض وتعزز وسائل علاجه

TT

داء السكري هو مرض مزمن، يحتاج مرضاه إلى عناية متعددة معقدة تتطلب منا بذل الكثير من الوقت، مثل الرعاية الطبية المستمرة المتواصلة، والتعليم والتثقيف الصحي للمريض حول التحكم الذاتي في المرض لمنع حدوث المضاعفات الحادة والحد من خطر هذه المضاعفات بعد حدوثها على المدى الطويل.

وضمن برامج التعاليم الطبي المستمر عقد مؤخرا بمدينة الطائف مؤتمر الطائف السادس لداء السكري الذي نظمه مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي. ووفقا للدكتور زكريا الدويك، استشاري الغدد الصماء، فإن أهم أهداف المؤتمر اطلاع الأطباء الاختصاصيين والممارسين العموميين وغيرهم من الأفراد المهتمين بهذا المجال على أحدث التطورات العالمية في علاج المرض والوقاية منه مستندين إلى نتائج دراسات عالمية، ومن أهم الأهداف التعريف بعناصر رعاية مرضى السكري، أهداف العلاج العام، أدوات التقييم لجودة الرعاية. وقد ركز المؤتمر على سكري الأطفال، سكري الحوامل، والأشخاص المهيئين للإصابة بداء السكري، وعلاقة السكري بالسمنة (البدانة في منطقة البطن بصورة خاصة)، ارتفاع نسبة الدهون في الدم (dyslipidaemia) ارتفاع الشحوم وانخفاض الكولسترول الحميد، وارتفاع ضغط الدم.

خفض الإصابة بالسكري

* يضيف د. الدويك، أن بإمكان الأفراد الواقعين في «منطقة خطر الإصابة بمرض السكري بدرجة كبيرة» أن يساهموا في خفض معدل الإصابة بالمرض ببعض التدخلات البسيطة من قبلهم، مثل تعديل نمط الحياة. فقد وجد أن برامج تعديل نمط الحياة لها تأثير كبير في خفض معدل الإصابة بداء السكري (انخفاض نحو 58 في المائة بعد 3 سنوات)، أما استخدام بعض المركبات الدوائية، فقد كان له تأثير في خفض الإصابة بدرجات مختلفة.

واستشهد بعدد ثلاث دراسات عالمية كبيرة أجريت لمعرفة تداخلات نمط الحياة على المرض فوجد أن هناك خفضا مستمرا في معدل التحول إلى داء السكري من النمط الثاني، أوضحت الدراسة الأولى (Da Qing study) أن هناك خفضا بنحو 43 في المائة بعد 20 سنة، وأوضحت الدراسة الثانية (the Finnish Diabetes Prevention Study DPS) أن هناك خفضا بنحو 43 في المائة بعد 7 سنوات، أما الدراسة الثالثة (the U.S. Diabetes Prevention Program Outcome Study DPPOS) فوجد فيها أن الانخفاض كان نحو 34 في المائة بعد 10 سنوات.

زراعة خلايا البنكرياس

* وحول الأبحاث الجديدة حول خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين، تحدث في المؤتمر الأستاذ الدكتور فؤاد قنديل رئيس قسم الأبحاث في مدينة الأمل بلوس أنجليس - الولايات المتحدة، وأشار إلى أن النوع الأول من السكري يعتبر من الأمراض الوراثية والمناعية التي تؤدي في النهاية إلى فقدان البنكرياس القدرة على إفراز الإنسولين ومن ثم يمكن الاستعاضة باستعمال حقن الإنسولين يوميا، حيث أنه يؤدي في معظم الأحيان إلى ضبط مستوى السكر في الدم كما كان قبل المرض ومنع مضاعفات السكري المعروفة مثل الفشل الكلوي والقدم السكري وغيرها وكذلك وقف التفاعلات المناعية.

ويضيف أن آخر الأبحاث تتركز على عاملين، هما وقف التفاعلات المناعية واستعادة خلايا البنكرياس. ثم تحدث عن «زراعة خلايا البنكرياس» التي تتم عن طريق الوريد الكبدي والتي تعمل علي على عودة إفراز الإنسولين وتنظيم مستوى السكر في الدم. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة إمكانية الاستغناء الكامل عن حقن الإنسولين في 70 في المائة من المرضى اللذين عولجوا بزراعة خلايا البنكرياس في السنة الأولى وكذلك المرضى الذين استعملوا حقن إنسولين استعملوها بكميات أقل من السابق أي قبل الزراعة. وكذلك فإن نسبة هبوط السكر كانت بنسبة اقل. وبالنسبة للمضاعفات الناتجة عن داء السكري فقد تحسنت أو لم تزدد بالإضافة إلى تحسن وظائف القلب والأوعية الدموية وكذلك نقص في نوبات انخفاض السكر.

مصاعب طبية

* لكن توجد الكثير من العقبات أمام الانتشار الواسع لزراعة خلايا البنكرياس، بسبب:

* عدم كفاية الخلايا أو انعدام الوظائف بعد عدة سنوات.

* الحاجة إلى استعمال الأدوية المثبطة للمناعة.

* عدم توفر كميات من الخلايا من المتبرعين.

ولهذه الأسباب فإن الفئة المستهدفة من المرضى هم مرضى السكري من زارعي الكلى والمعالجين أصلا بالأدوية المثبطة للمناعة وكذلك مرضى السكري الذين يعانون نوبات هبوط في السكر مع وجود فقدان للوعي متكرر.

وتجرى الكثير من الأبحاث عالميا التي تتناول التحسين من تجميع خلايا البنكرياس وزراعتها وكذلك استعمال أنواع جديدة من مثبطات المناعة واستعمال مضخات الإنسولين مباشرة بعد زراعة الخلايا للحد من ارتفاع السكري والذي يؤثر على فعالية الخلايا المزروعة.

إن استعمال الأدوية الحديثة المثبطة للمناعة أسهم في بقاء المرضى من دون استعمال الإنسولين لمدة تقارب 5 - 6 سنوات بعد الزراعة في نحو 41 في المائة - 61 في المائة من المرضى، وهذه الأبحاث جارية بشكل مستمر.

الخلايا الجذعية

* كما أن استعمال الخلايا الجذعية يشكل اتجاها جديدا في العلاج بالخلايا والتي يمكن بواسطتها الاستغناء عن خلايا البنكرياس والبنكرياس الكامل.

وتعتبر الخلايا الجذعية اكتشافا جديدا وثورة علمية حيث بدأت في البداية (مارتين - إيفان - وكوفمان) وطورت سنة 1988 (توسمون). وتوجد عدة عقبات تواجه نجاح زراعة الخلايا في الوقت الحاضر، منها وجود كميات قليلة ونقية بدون شوائب من الخلايا الجذعية في الأنسجة وعدم التمكن من إنتاج كميات تجارية في المعامل حتى الآن بالإضافة إلى عدم التأكد من سلامة وعدم تكوين خلايا مشتبهة أو متسرطنة. والأبحاث مستمرة من أجل العمل على تحسين نوعية الخلايا والتأكد من سلامتها.

الكولسترول والسكري

* إن احدث التوصيات الصادرة من الجمعية الأوروبية والأميركية للقلب وكذلك بالتوازي مع توصيات الجمعية الأميركية للسكري تؤكد أن مرض السكري يزيد من نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين ومن ثم تزيد احتمالات حدوث الجلطات القلبية بمدى السيطرة على مستوى السكر بالدم.

ومما يزيد ويضاعف الإصابة بأمراض القلب والشرايين ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، ويرتبط ذلك بمستوى ونوع الكولسترول في الدم، حيث إن ارتفاع الكولسترول غير الحميد (الضار) لأكثر من 100 مللغرام يزيد من حدوث الجلطات القلبية.

ووجد من دراسات علمية وطبية حديثة أن تزامن السكري مع ارتفاع الكولسترول لأكثر من 100 مللغرام يعني احتمالا وشيكا للإصابة بتضييق الشرايين ولذلك يعتبر الآن معدل الكولسترول السابق عاليا، وغير مناسب، لمرضى السكري وخاصة ممن كانوا يعانون جلطات قلبية سابقة.

لذلك أصبحت التوصيات الحديثة لمن هم مصابون بالسكري ولديهم عوامل أخرى للإصابة بأمراض القلب كالسمنة، ارتفاع ضغط الدم، أو لا يمارسون أي نشاط بدني بأن معدل الكولسترول غير الحميد يجب أن يصل إلى 70 مللغراما أو أقل.

بل إن هذه الدراسات أوصت باستخدام الأدوية المخفضة للكولسترول مثل أدوية الستاتين (Statins) مثل «سمفاستاتين» أو «أتورفاستاتين» أو «روزوفاستاتين» لكل مرضى السكري حتى قبل قياس مستوى الكولسترول في الدم.

أثبتت هذه الأدوية فعاليتها بالوصول للمستوى المطلوب من الكولسترول وكذلك نجحت في الحد من الجلطات القلبية لمرضى السكري. وينصح باستخدامها لكل مرضى السكري حيث تتعدى فوائدها الطبية إلى الحد من ضيق الشرايين واستقرار الجلطات في الشرايين وتساعد على استقرار الجلطات الحديثة.

هشاشة العظام والسكري

* من المعروف أن نسبة الإصابة بهشاشة العظام تزداد لدى مرضى السكري أكثر من الآخرين، ويؤكد على ذلك الدكتور سعود نفاع السفري، استشاري ورئيس أقسام الغدد الصماء والسكري المشرف على مركز السكري والغدد الصماء التخصصي بمستشفى القوات المسلحة بالهدا والطائف، مشيرا إلى أن ذلك ربما يرتبط بمستوى السيطرة على السكر في الدم. وقد أثبتت الدراسات أن هشاشة العظام ربما لا يتم تشخيصها إلا بعد الإصابة بكسر في العظام لسبب غير مألوف عنه أنه يتسبب في ذلك الكسر لدى غير المصابين بهشاشة العظام، كالانزلاق أو السقوط من أقل من مترين.

ويعتبر الكشف المبكر عن مرض هشاشة العظام وعلاجه الإجراء المناسب لمن لديه عوامل تساعد على هشاشة أو لين العظام. وعادة يتم ذلك بقياس كثافة العظم في جزأين، هما مفصل الفخذ والفقرات السفلية من العمود الفقري.

ويقول د. السفري إنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار وجود عوامل أخرى مثل نقص فيتامين «دي» وهو منتشر بين مجتمعنا بنسبة عالية أو أخذ أدوية تؤدي إلى الهشاشة مثل الكورتيزون، ولا بد من استبعاد احتمال وجود أمراض غدد أخرى تساعد على الهشاشة مثل فرط نشاط الغدة الدرقية.

وقد أثبتت الدراسات الطبية المستمرة بأن العلاج المبكر لهشاشة العظام وذلك عن طريق أدوية مختلفة تعطى عن طريق الفم يوميا أو أسبوعيا أو تعطى عن طريق الوريد أو تحت الجلد مرتين أو مرة واحدة في السنة، أن باستطاعتها منع حدوث كسر في العظام.

النوع الأول للسكري

* هل من الممكن الوقاية من داء السكري - النوع الأول؟ يقول الدكتور عبد العزيز التويم، استشاري الغدد والسكري عند الأطفال، بالحرس الوطني بجدة إن داء السكري النوع الأول من الأمراض المزمنة المناعية، التي تتمثل في وجود مضادات الأجسام التي تدمر خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين.

وفي العقدين الأخيرين تضاعفت نسبة داء السكري: النوع الأول وخاصة في الأطفال الذي تقل أعمارهم عن خمس سنوات. وقد أدى توسع معارف العلماء بمرض السكري النوع الأول، إلى إمكانية التدخل لمنع تقدم المرض وكذلك منع ارتفاع السكر بالدم.

إن الأشخاص المعرضين للإصابة بمرض السكري النوع الأول يمكن التعرف عليهم عن طريق دراسة المناعة والدراسة الجينية والعضوية. ويعطى العلاج بأدوية المناعة والأدوية الجينية والأدوية الأخرى إما منفصلة أو مع بعضها، لتقليل تلف خلايا «بيتا» الموجودة في البنكرياس المسؤولة عن مرض السكري.

ومن الجدير بالذكر أنه يوجد الكثير من الأبحاث والدراسات لمنع حصول داء السكري النوع الأول وما زالت هذه الوسائل تحت الدراسة ولذا لا ينصح بتعاطيها.