التعلم أثناء النوم.. بين الحلم والواقع

الإغفاءة تحسن الذاكرة وتسهل حل المشكلات

TT

أن يحظى المرء بنوم ليلة هانئة لهو شيء مهم، فهو يجدد نشاط العقل والجسم، ويُعدّ كليهما لمواجهة التحديات التي تنتظرهما، بينما يؤثر عدم الحصول على القسط الوافر من النوم سلبا على المزاج والتركيز والأداء العقلي. ويعد الحرمان من النوم أحد الأسباب الرئيسية لوقوع حوادث السيارات وغيرها من الحوادث الأخرى، كما أنه قد يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم، والسمنة، وداء السكري، وأمراض القلب، وضعف الانتصاب، وربما حتى سرطان البروستاتا.

ولا يعد المهتمون بالصحة والعلماء النوم أمرا مسلما به. وتشير الأبحاث إلى أنه حتى الغفوة القصيرة قد تساعد على تقوية القدرة على التعلم، والتذكر، وإيجاد الحلول للمشكلات.. وكل هذا في الوقت الذي يضع فيه المرء رأسه على الوسادة.

وتشير أربعة تقارير إلى قدرة النوم على تحسين الوظائف الإدراكية، لكن لكي نتمكن من فهم نتائج هذه الأبحاث، يجب أن نستعرض مراحل النوم.

مراحل النوم

* ينقسم النوم إلى مرحلتين رئيسيتين؛ مرحلة حركة العين السريعة rapid-eye- movement (REM)، ومرحلة حركة العين غير السريعة non–rapid-eye-movement (NREM).

ويبدأ النوم بمرحلة حركة العين السريعة، التي تمر بدورها بأربع فترات: البداية (فترة 1)، والنوم الخفيف (فترة 2)، والنوم العميق (الفترتان 3 و4). وتبدأ مرحلة حركة العين غير السريعة بعد فترة تتراوح بين 60 و90 دقيقة؛ وتستمر لنحو 20 إلى 30 دقيقة، ثم تعود مرحلة حركة العين السريعة مرة أخرى لبدء دورة جديدة من النوم. ويدخل الشخص البالغ الذي يتمتع بصحة جيدة، في ليلة نوم عادية، في مجموعة متتالية من دورات النوم، يتراوح عددها بين 4 و6 دورات.

وتتبع مرحلة حركة العين السريعة، ومرحلة حركة العين غير السريعة كل منهما الأخرى، وكلتاهما مهمة للصحة، لكن هناك اختلاف كبير بينهما، فالجسم يستمر في التحرك أثناء مرحلة حركة العين غير السريعة، بينما تتوقف العين عن الحركة أو تقل حركتها. كذلك يصبح التنفس أبطأ وينخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتتناقص كمية الدم المتدفقة إلى المخ، ويوضح جهاز قياس موجات الدماغ تباطؤ النشاط في الدماغ.

وتعد مرحلة حركة العين السريعة، في نواح كثيرة، حالة معاكسة لمرحلة حركة العين غير السريعة، فالجسم يكون خامدا، وتستمر حركة العينين السريعة في كل الاتجاهات رغم أن جفن العين يظل مغلقا. ولا يكون ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، ومعدل التنفس ثابتا، ويحدث انتصاب للرجال الأصحاء. ويزيد تدفق الدم إلى المخ بشكل حاد، ويظهر مخطط كهربائية الدماغ ارتفاعا في نشاط المخ. وتحدث الأحلام غالبا أثناء مرحلة حركة العين السريعة، لكنها قد تحدث أيضا في بداية مراحل حركة العين غير السريعة.

الأحلام والتعلم

* وأشارت دراسة أجريت في جامعة هارفارد عام 2010 إلى أن عملية الحلم من الممكن أن تؤدى إلى تنشيط وإعادة تنظيم المواد التي تم تعلمها مؤخرا، وتحسين قدرات الذاكرة، وتعزيز الأداء. وقد تم إجراء الدراسة على 99 طالبا جامعيا من الأصحاء الذين وافقوا على الامتناع عن شرب الكحول، والكافيين، والمخدرات لفترة لا تقل عن 24 ساعة قبل التجربة. وكان جميع المتطوعين يحظون بنوم طبيعي قبل المشاركة في الدراسة.

وقد قضى كل واحد من هؤلاء الطلبة ساعة في تعلم كيفية التنقل عبر متاهة تشبه لغزا معقدا ثلاثي الأبعاد. وتم السماح لنصف الطلاب، بعد فترة التدريب، بغفوة لمدة 90 دقيقة، بينما كان الآخرون يقرأون أو يسترخون. وقد شرع جميع المتطوعين في تجربة المتاهة المجسمة مرة أخرى بعد استراحة الغداء. وكان الطلاب الوحيدون الذين تحسن أداؤهم كثيرا هم القلة التي حلمت بالمتاهة خلال الغفوة التي حظيت بها. وعلى الرغم من أن الأحلام لم تمدهم في حقيقة الأمر بتصور لكيفية حل الغز، فإن الباحثين يعتقدون أن هذا الأمر قد أوضح كيف يمكن أن يقوم المخ من خلال الحلم بإعادة تنظيم وتعزيز الذكريات، مما يؤدي إلى أداء المهام التي يتم تعلمها بشكل أفضل. وقد حدثت كل هذه الأحلام المذهلة في بداية مرحلة حركة العين غير السريعة.

وأجرت جامعة هارفارد دراسة أخرى عن الآثار المترتبة على التمتع بغفوة مدتها 45 دقيقة خلال ساعات النهار. وشملت الدراسة 33 طالبا جامعيا، حيث قضى كل واحد منهم 30 دقيقة أمام الكومبيوتر لإتمام مهمة لفظية ومهمتين تتعلقان بالفضاء وعلاقة الأشياء بعضها ببعض. وكانت الأولى هي حفظ 60 زوجا من الكلمات التي لا تربطها أي علاقة، عن ظهر قلب، والثانية حل أحد ألغاز المتاهات، والثالثة نسخ شكل معقد.

وقد تم إجراء اختبار لجميع الطلاب عن هذه المهام، وبعد ذلك سُمح لنصفهم بالإغفاء في حين سُمح للآخرين بالاسترخاء في هدوء. وقد كرر الباحثون كل الاختبارات في وقت لاحق في المساء، ووُجد أن إغفاءة مرحلة حركة العين غير السريعة - أي النوم لأقل من 90 دقيقة - قد عززت من أداء الطلاب الذين أثبتت الاختبارات الأولية قدرتهم الكبيرة على التعلم، ولكنها لم تساعد الطلاب الذي حصلوا على تقديرات «ضعيف» في الاختبارات في المرة الأولى.

فائدة القيلولة

* وقد لا يتمكن الرجال المنشغلون من تخصيص 45 دقيقة في اليوم للإغفاء، لكن في عام 2008، ذكرت مجموعة من العلماء الألمان أن قيلولة ما بعد الظهر لمدة ست دقائق يمكن أن تساعد على تحسين الذاكرة. وكان الطلاب الجامعيون الـ44 ممن شملتهم الدراسة والذين أتيحت لهم دقيقتان لحفظ قائمة من 30 كلمة، تم اختبار قدرتهم على استرجاع هذه الكلمات بعد ساعة، ولكن خلال تلك الساعة، ظل بعضهم مستيقظا، بينما غفت مجموعة أخرى لمدة ست دقائق، وغفت مجموعة ثالثة لوقت أطول يبلغ نحو 36 دقيقة. ولم يستطع الأشخاص الذين لم يسمح لهم بالإغفاء تذكر إلا عدد كلمات أقل من سبعة، بينما تذكر الطلاب الذين سُمح لهم بالإغفاء لفترة قصيرة مدتها ست دقائق أكثر من 8 كلمات، وتمكن الذين سمح لهم بإغفاءة أطول من تذكر 9 كلمات. قد تبدو الاختلافات ضئيلة، لكنها قد تكون مفيدة عندما ترغب في إخبار رئيسك في العمل بأن إراحة رأسك على مكتبك يعزز كفاءتك.

النوم والإبداع

* تشير الدراسات التي أجرتها جامعة هارفارد وأجريت في ألمانيا إلى أن الغفوة خلال ساعات النهار قد تحسن الذاكرة والتعلم. ويوضح تقرير صدر عام 2009 عن ولاية كاليفورنيا أن النوم قد يكون أفضل، على الأقل بالنسبة لإيجاد الحلول للمشكلات في الصباح. أعطى الباحثون 77 متطوعا سلسلة من المشكلات التي يتطلب حلها نوعا من الابتكار، وبعد ذلك طلبوا منهم قضاء فترة ما بعد الظهر للتفكير في الحلول قبل أن يخضعوا لاختبار في الساعة 5 مساء. استرخت إحدى المجموعات دون أن تنام، في حين سُمح للبعض بالإغفاء. وتمت مراقبة كل من أغفوا خلال تلك الفترة، وتبين أن الذين تمتعوا بوقت أطول في الإغفاء دخلوا مرحلة حركة العين السريعة التي تستغرق نحو 14 دقيقة من 73 دقيقة. لم يعزز دخول مرحلة حركة العين غير السريعة إيجاد حلول ابتكارية للمشكلات، في حين تمكن الذين حظوا بإغفاءة مكنتهم من الدخول في مرحلة حركة العين السريعة من تعزيز أدائهم بنسبة 40% مقارنة بالذين لم يحظوا بتلك الإغفاءة أو الذين دخلوا مرحلة حركة العين غير السريعة. وكان التحسن مقتصرا فقط على المشكلات التي تم عرضها قبل الغفوة، ولم يمتد إلى اليقظة والانتباه، ومكنت مرحلة حركة العين السريعة المخ من العمل على نحو ابتكاري إبداعي في حل المشكلات التي واجهها قبل الإغفاءة.

وجهات نظر

* للأسف لن تكفي غفوة أو اثنتان لجعلك إنسانا ذكيا أو ناجحا، لكن الأطباء يعرفون جيدا أن هناك علاقة بين النوم الطبيعي والصحة الجيدة. وقد خلص بحث يوناني إلى وجود صلة بين الإغفاء وانخفاض احتمالات الإصابة بأمراض القلب. وتشير أربع دراسات حاليا إلى أن الغفوة تعزز النشاط الذهني، على الأقل على المدى القصير. وتوضح الأبحاث أن الدخول في مرحلة حركة العين غير السريعة قد يحسن الذاكرة، بينما قد يعزز الدخول في مرحلة حركة العين السريعة القدرة على حل المشكلات. إنها طريقة تعتمد على مرحلتين تكمل إحداهما الأخرى.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»