التدخين السلبي ومخاطره على الأطفال

يؤدي إلى أمراض تنفسية واحتمال حدوث السرطان

TT

لا تتوقف الأبحاث والدراسات التي تكشف عن مخاطر التدخين، التي لا تنتهي عند المدخن نفسه فحسب؛ بل وتشمل أيضا المحيطين بالمدخن؛ خاصة الأطفال.. وتتسبب ظاهرة التدخين «السلبي» أو «اللاإرادي»، في حدوث مشكلات صحية خطيرة قد تهدد الحياة نفسها على المدى البعيد؛ بل والقصير أيضا، إذ يمكن أن يتسبب التدخين السلبي في حاله تسمى «الموت المفاجئ للطفل» sudden infant death.

وربما كان التصور الأكبر لدى معظم الناس أن التدخين السلبي يمكن أن يسبب بعض المشكلات الصحية البسيطة المتعلقة بالجهاز التنفسي مثل السعال، ولكن الحقيقة أنه ومنذ بداية عام 2006 تم تصنيف الدخان المنبعث من السجائر أو السيجار على أنه من «ملوثات الهواء السامة»، وذلك بناء على المعلومات الطبية المؤكدة لتأثيره على الجهاز التنفسي وأمراض القلب وأيضا السرطان.

مواد ضارة

* من المعروف أن دخان السجائر يحتوي على آلاف من المواد الضارة، وتعتبر 50 ماده من هذه المكونات على الأقل من المسببات لسرطان الرئة، حيث إنه يحتوي على مكونات ضارة كثيرة مثل أول أكسيد الكربون وسيانيد الهيدروجين والفورمالدهيد. وهذه المكونات وغيرها ترتبط باحتمالية نشوء ونمو سرطان الرئة، ومن الثابت أن الطفل الموجود في محيط التدخين سواء الناتج عن السجائر أو السيجار أو الشيشة يكون عرضه للتأثر بهذه المواد الكيميائية.

وأشارت دراسة حديثة نشرت في النسخة الإلكترونية من «المجلة الأميركية لعلم وظائف الأعضاء» American Journal of Physiology، إلى أن مخاطر التدخين السلبي قد تصل إلى الإصابة بالسرطان، حيث وجدت مادة في الدخان الناتج من السجائر يمكنها أن توقف النشاط الطبيعي والوظيفي لخلايا جسم الإنسان عن طريق منع عمل بروتين تم اكتشافه.

وهو بروتين ضروري للوظائف الطبيعية للخلية، حيث وجد في الدراسة أن عاملا مسببا للسرطان يسمى (الأكسجين التفاعلي reactive oxygen species) أو اختصارا (ROS)، موجود في الدخان المنبعث من السجائر ولديه القدرة على وقف النشاط الطبيعي للخلية. وأوضحت الدراسة أن التدخين السلبي لسيجارتين فقط قادر على وقف نشاط «مضخة الصوديوم» sodium pump في الخلية تماما خلال عدة ساعات.

ومن المعروف أن الخلية العادية في جسم الإنسان تتمكن من القيام بوظيفتها الطبيعية من خلال ما يشبه ممرات أو مضخات تسمح بدخول البوتاسيوم إلى داخل الخلية، وتسمح بخروج الصوديوم خارجها، وأن عدم قدرة الخلية على التحكم في الصوديوم يكون مؤشرا على مدى عدم كفاءتها، وبالتالي يمهد لنهايتها.

وتعتبر هذه المعلومة التي توصلت إليها الدراسة شديدة الأهمية، حيث أشارت إلى أن مجرد الوقوف بجوار أحد المدخنين كفيل بحدوث عواقب صحية وخيمة خاصة على الأطفال الذين يتعرضون لكميات كبيرة من دخان السجائر على فترات طويلة تمهد لإمكانية حدوث سرطان الرئة لديهم.

أخطار متزايدة

* وتزيد أخطار التعرض لدخان السجائر بوصفه مسببا للسرطان في المنزل أو الصف الدراسي 100 ضعف عن أخطار التعرض للمواد الملوثة للجو. وتزيد فرص الإصابة بالسرطان في الأشخاص غير المدخنين، ولكنهم يعيشون مع شخص مدخن من 20 إلى 30% تقريبا عن الأشخاص الذين لا يتعرضون للتدخين السلبي.

وكانت دراسة نشرت في شهر مايو (أيار) من العام الماضي في الاجتماع السنوي للجمعيات العلمية لطب الأطفال الذي عقد في ولاية دينفر بالولايات المتحدة، قد أشارت إلى أن الطفل الذي يتعرض باستمرار لدخان السجائر حتى ولو تعرض لكميات صغيرة (حيث إنه ليس هناك معدل آمن للتعرض للدخان)، معرض للإصابة بارتفاع في ضغط الدم، وبالطبع، فإن الأطفال الذين يعانون من ارتفاع في ضغط الدم في الأغلب سوف يعانون من ارتفاع ضغط الدم وهم بالغون، وهو الأمر الذي يحمل مخاطر صحية مستقبلا. وفي تلك الدراسة، قام الباحثون بتجميع معلومات من أربعة مراكز بحثية في الفترة من عام 1999 وحتى عام 2006. وشملت 6421 مراهقا ممن يتعرضون للتدخين السلبي سواء في المنازل مع الأبوين أو مع الأصدقاء المدخنين. وأظهرت الدراسة أن الأطفال والمراهقين من الذكور من عمر 8 إلى عمر 17 ظهر لديهم ارتفاع في ضغط الدم عن بقية أقرانهم الذين لا يتعرضون للتدخين السلبي بشكل مستمر، وهو الأمر الذي يمكن أن يمثل مستقبلا مشكلة صحية كبيرة، حيث إن نسبه الأطفال الذين يعيشون في وجود أحد الآباء المدخنين في الولايات المتحدة تتراوح بين 50 و67% تقريبا.

ويتعرض نحو ثلث الأطفال على مستوى العالم بشكل منتظم للتدخين السلبي. وحتى الآن، فإنه من غير المعروف إذا ما كان هذا التأثير مؤقتا أم لا، بمعنى أن يعود ضغط الدم لمعدلاته الطبيعية حين يبتعد الأطفال عن خطر التدخين السلبي.

وفضلا عن تسبب التدخين السلبي في العديد من الأمراض، فإنه يزيد الأمراض التي يعانى منها الطفل، خاصة الربو الشعبي، سوءا، حيث يتسبب في زيادة مرات نوبات الأزمة وكذلك حدتها، وأيضا يزيد من فرص الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية، وزيادة مرات الإصابة بنزلات البرد وسيلان الأنف، والسعال، واحتقان الحلق. وكانت دراسة سابقة، قد أشارت إلى أن الطفل الذي يعيش مع أب يدخن نحو 10 سجائر يوميا، يكون عرضة ضعف أقرانه العاديين للحجز في المستشفيات جراء الالتهاب الرئوي ويمكن أن يتسبب في التهاب بالأذن حيث يؤثر التدخين على قناة «استاكيوس» ويجعلها تتورم وتغلق؛ وهو الأمر الذي يسبب ألما والتهابا للطفل. ومن الممكن على المدى الطويل ونتيجة لتكرار الإصابة بالتهاب الأذن أن يؤثر ذلك على سمع الطفل. وفضلا عن احتمالية الإصابة بسرطان الرئة، فإن التدخين السلبي يزيد من احتمالية الإصابة «باللوكيميا» وسرطان الغدد الليمفاوية وسرطان المخ في الأطفال.

«إدمان سلبي»

* وبعيدا عن الإصابة بالأمراض المختلفة، فإن تعرض الطفل أو المراهق باستمرار للتدخين السلبي يجعله يعتمد على النيكوتين، ويعانى من أعراض الانسحاب (إذا لم يتعرض للتدخين) مثل المدخن تماما، وقد تم رصد هذه النتائج في دراسة سابقة أجريت على 1800 من أطفال المدارس في كندا، تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما من كل الطبقات الاجتماعية، وتمت الإجابة عن أسئلة حول أعراض الاعتماد على النيكوتين والانسحاب منه عند التوقف عن التدخين، مثل الشعور بالتوتر والعصبية والصداع ومشكلات في النوم وصعوبة في التركيز واعتلال المزاج. وكانت النتيجة أن 5% من الأطفال الذين يتعرضون للتدخين السلبي سواء في السيارة أو المنزل، يعانون من الاعتماد على النيكوتين، مما يمهد مستقبلا لأن يصبحوا مدخنين.

وفى النهاية، يتضح أن مشكلة التدخين السلبي تحمل مشكلات صحية شديدة الخطورة، وهو الأمر الذي يستوجب أن يتم وضع تشريعات تضمن الحماية الصحية لغير المدخنين من أخطاره وتمنع المدخنين من التدخين في الأماكن العامة، خاصة في الأماكن المغلقة، وكذلك يلقى بالمسؤولية على كاهل الذين يتعاملون مع الطفل، سواء من المدرسين في المدرسة أو الحضانة أو الآباء المدخنين خاصة الأم المدخنة، حيث إن من واجبهم أن يحموا أطفالهم من المخاطر الصحية وعدم التدخين مطلقا بالمنزل ومحاولة الإقلاع عن التدخين بشكل نهائي.