جهاز طبي لاسلكي صغير يعيد شحن نفسه.. في مجرى الدم

يصمم لإيصال الدواء أو تفتيت الجلطات أو تدمير الترسبات في الشرايين المتصلبة

TT

عرض مهندسون في جامعة ستانفورد جهازا طبيا لاسلكيا يتم تزويده بالطاقة به من خارج الجسم، وهو قادر على دفع نفسه خلال مجرى الدم، بطريقة تذكرنا بفيلم «الرحلة الرائعة» (Fantastic Voyage) الذي تم إنتاجه عام 1966، حيث تم حقن غواصة مجهرية بداخلها فريق علمي في مجرى الدم لأحد الأشخاص.

وتسعى الأستاذة المساعدة والمهندسة الكهربائية أدا بون، التي تترأس «مجموعة بون للأبحاث» في كلية الهندسة بجامعة ستانفورد، بالاشتراك مع فريقها للبحث عن طرق لاستخدام الاتصالات اللاسلكية وتقنيات الدوائر المتكاملة في مجال الطب.

وأمام حشد من زملائها في المؤتمر الدولي لدوائر الحالة الصلبة، المعروف اختصارا بـ«آي سي سي إس إس» الذي عقد في وقت سابق من العام الجاري في سان فرانسيسكو، قامت بون بعرض دراسة تشير إلى اليوم الذي سنقوم فيه بـ«ابتلاع الطبيب الجراح» كجزء من اختبار تشخيصي الذي قد يحدث في وقت أقرب مما كنا نتصور.

وقالت بون في مؤتمر عقد في ستانفورد في شهر مارس (آذار) الماضي: «هناك مساحة كبير للتطوير ولا يزال هناك الكثير من العمل قبل أن تكون تلك الأجهزة جاهزة للاستخدام الطبي، ولكن للمرة الأولى منذ عقود، يبدو احتمال حدوث هذا الأمر أقرب من أي وقت مضى».

أجهزة مزروعة

* يوجد الكثير من الأجهزة الطبية الصغيرة التي يمكن زرعها ولكنها تواجه مشكلات تتعلق بالطاقة حيث إنها تصمم ببطاريات كبيرة الحجم وثقيلة ويجب استبدالها بين الحين والآخر وتمثل هذه البطاريات نصف حجم الجهاز.

يقوم مختبر بون بتطوير نوع جديد من الأجهزة يمكن زرعها أو حقنها في الجسد ويتم تزويدها بالطاقة لاسلكيا عن طريق موجات كهرومغناطيسية يتم بثها من على بعد من خارج الجسم، ولا تتطلب بطاريات أو أسلاكا مما يعني أنها قد تكون صغيرة وخفيفة.

وتقول تريسا مانغ إحدى المشاركات في الدراسة وأستاذة الهندسة الكهربائية وعلوم الكومبيوتر بجامعة ستانفورد إنه في الوقت الذي أصبحت فيه تقنية الزرع أكثر كفاءة في تصغير حجم القطع الإلكترونية والميكانيكية، تم إهمال تطوير وسائل تخزين الطاقة وأضافت: «يعوقنا ذلك عند تحديد مكان الزرع في الجسم، بالإضافة إلى خطر الصدأ أو تحطم الأسلاك، وضرورة تغيير البطاريات».

تقول بون في حديث نقله موقع «ميديكال نيوز توداي» الطبي الإلكتروني إن تلك الأجهزة قد تحدث «ثورة في مجال التقنيات الطبية» حيث توفر خدمات من التشخيص حتى العمليات الجراحية الصغيرة، وتضم الأنواع الثابتة أجهزة مثل أجهزة ضخ العقاقير، زراعة الحلزون وجهاز تنظيم ضربات القلب وجهاز تخطيط القلب ومجسات استشعار الضغط. إن العديد من الأجهزة التي يقوم بتطويرها مختبر بون تم تصميمها لتعبر في مجرى الدم. وتوفر تلك الأجهزة استخدامات كثيرة تشمل إيصال الدواء وتحليل الأماكن المستهدفة أو بهدف تفتيت الجلطات أو تدمير اللويحات في الشرايين المتصلبة.

شحن لاسلكي

* وكمصدر للطاقة، تعتمد الأجهزة التي يقوم بتطويرها مختبر بون على جهاز إرسال لاسلكي خارج الجسم يرسل للجهاز الطبي إشارات أثناء وجوده داخل الجسم.

تصل الإشارات لسلك الهوائي المغلف في الجهاز الذي يتم ربطه مغناطيسيا بجسم الجهاز وعند حدوث أي تغير في تدفق التيار الكهربي لجهاز البث الخارجي ينتج عنه جهد في السلك الملفوف، ويتم إنتاج الطاقة اللازمة لاسلكيا لدفع وتشغيل الجهاز.

هذا الوصف البسيط يناقض التحديات التي تم اجتيازها من أجل صنع هذا الجهاز. وتشمل تلك التحديات القضاء على المعتقدات الراسخة حول نقل الطاقة لاسلكيا للجسد، حيث يوجد الكثير من الحسابات الخاصة بالنماذج التي تقوم باختبار إمكانية عمل الموجات الكهرومغناطيسية في الأجهزة المزروعة والتي تفترض أن نسيج الجلد البشري هو موصل جيد للكهرباء وبالتالي يقوم بتشتيت الترددات اللاسلكية قبل أن تصل إلى الجهاز داخل الجسم.

ولكن عندما أدخلت بون افتراضا جديدا، وهو إن النسيج البشري غير موصل للكهرباء، أو نوع من أنواع المواد العازلة، نجحت المعادلة.

وفي الحقيقة، كما تكشف فيما بعد، فإن النسيج البشري موصل ضعيف للكهرباء، ولكن لأنه ينتمي لفئة العوازل الكهربية فهو لا يزال يسمح بمرور الموجات اللاسلكية في الجسم.

اكتشف مختبر بون أن النسيج البشري يعمل كعازل كهربي قليل الفقد، مما يجعله كثير النفع لهم حيث يعني ذلك فقدان القليل من الإشارات الكهرومغناطيسية وهي في طريقها إلى الجهاز المزروع. وعندما قاموا بإدخال الافتراضات الجديدة بالمعادلة وجدوا اكتشافا مذهلا: أن الموجات اللاسلكية ذات الترددات العالية قد انتقلت في الجسم أكثر مما افترضته النماذج الأصلية.

لم تكن تلك الحالة استخداما لتكنولوجيا جديدة، ولكنها كانت تطبيقا للرياضيات في التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى ذلك اكتشفوا أن التردد الأمثل لإمداد الجهاز بالطاقة لاسلكيا هو أعلى 100 مرة من الاعتقاد السابق، ويبلغ نحو 1 غيغاهرتز.

كما توجد أيضا فائدة حقيقية لهذا الاكتشاف ألا وهي أن الهوائي قد يبلغ حجما أصغر 100 مرة مما كان يعتقد في السابق، ويظل قادرا على توليد نفس القدر من الطاقة للجهاز. ويبلغ حجم الهوائي الذي قامت بون وزملاؤها بعرضه في المؤتمر 2 ميليمتر مربع، مما يسمح له بالانتقال داخل مجرى الدم.

وابتكر فريق بون نسختين أوليتين: واحدة تتحرك نصف سنتيمتر في الثانية تعتمد على تمرير التيار الكهربي مباشرة عبر وسيط لدفع الجهاز؛ بينما يتحرك الآخر كأنما شخص يقوم بتجديف في قارب، جنبا إلى جنب كتيار كهربي يتولد للأمام والخلف في دائرة مكتملة من السلك مما يدفع الجهاز للأمام.