تطورات في جراحة المناظير.. للغدة النخامية

للتخلص من الأورام فيها

TT

إن الخبرة العملية تثبت لنا يوما بعد يوم أن ثورة جراحة المناظير تتطور بغير حدود وتتسع لتشمل معظم العمليات الجراحية التي كان يعد إجراؤها في السابق بهذه الكيفية ضربا من الخيال. وكان إجراء أول عملية لاستئصال المرارة بواسطة المنظار سنة 1987 في أوروبا وأميركا قد أحدث ثورة عارمة في ميدان الجراحة لم يسبق لها مثيل.

وأمام هذا التقدم بات حتميا أن تصبح لهذا النوع من الجراحة وحدات متخصصة وأقسام مستقلة وكتب وأبحاث متعددة، وأن تعقد له مؤتمرات عالمية تناقش ما يطرأ عليه من التطور والتجديد، وامتدت لتشمل كثيرا من العمليات الجراحية في مختلف فروع الجراحة، ومنها جراحة المخ والأعصاب. وأضحى نحو ثلثي العمليات الجراحية من مختلف التخصصات الجراحية تقريبا تجري أو يمكن إجراؤها عن طريق المنظار.

أورام الغدة النخامية

* ولمزيد من الإيضاحات في حالات جراحة الغدة النخامية، التقت «صحتك» الدكتور سقاف السقاف استشاري ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى الملك فهد بجدة، الذي أوضح في البداية أنه منذ 35 عاما بدأ العلاج الجراحي لأمراض الغدة النخامية والأنسجة المحيطة، يلعب دورا كبيرا في جراحة الأعصاب، وأن ما يقرب من 80 في المائة من العمليات يتم إجراؤها في حالة أورام الغدة النخامية مثل عدم نشاط هرمون الغدة النخامية ومرض فرط نشاط قشر الكظر والعرطلة أو مرض غدد المناعة الذاتية.

وتتعلق الـ20% الباقية من العمليات بأمراض أخرى مثل الورم القحفي البلعومي أو نقيلات الأورام. ويتم، من الناحية التقنية، استخدام المدخل الأنفي للجراحة على المريض عن طريق المنظار، لأن هذه التقنية تمكن من الحصول على نتائج أفضل ومخاطر أقل. ويتم بتزايد مطرد استخدام جراحة قاع الجمجمة عبر المدخل الأنفي الموسع، وذلك في حالة أمراض قاع الجمجمة المتمدد.

إن نسبة نجاح استئصال الورم بالكامل أو الشفاء في الأورام الغددية (<1 سم) تبلغ أكثر من 90 في المائة، أما في حالة الأورام الغددية الدقيقة فإنها تصل إلى 65 في المائة، وتبلغ المخاطر الجراحية للمضاعفات الحادة أقل من 1 في المائة.

تحضير العملية

* التقت «صحتك» د. إسلام أبو الفتوح، استشاري جراحة مخ وأعصاب، الذي أضاف أنه بالتعاون مع قسم طب الغدد الصماء يتم رعاية المريض قبل وبعد الجراحة من التخصصات المشاركة. ومن خلال ذلك يتم ضمان تقديم رعاية مناسبة للمريض أثناء الإقامة الداخلية بالمستشفى، إذ لا بد من توافر جميع الأجهزة التقنية الحديثة اللازمة للعلاج مثل أجهزة قياس الهرمونات والتخطيط بالرنين المغناطيسي والقسطرة الشريانية وتخطيط الصدى بالدوبلر أثناء الجراحة والجراحة الميكروسكوبية والتنظير والتوجيه العصبي والباثولوجية العصبية والتخدير العصبي.

ويتم رسم الخطة العلاجية الجراحية وتوضيحها من جراح المخ والأعصاب وطبيب التخدير، بالإضافة إلى ذلك يتم إجراء فحص جسماني وأخذ عينة دم.

الجراحة بالمنظار بدأ استخدام أحدث تقنيات المنظار في عمليات الغدة النخامية عن طريق الأنف، ويعتمد هذا النوع من العمليات على التصوير بجهاز الرنين المغناطيسي في خلال العملية للوصول إلى الاستئصال الكامل للأورام.

وأضاف د. إسلام أبو الفتوح أن لتقنية الجراحة بالمنظار فوائد كثيرة، منها ملاحظة الأورام بوضوح، وإمكانية الوصول إلى مناطق بالمخ لا يمكن الوصول إليها في العمليات الأنفية من دون المنظار. كما لا يتبين الجرح على الجلد في عمليات المنظار للغدة النخامية، ولا يتم المساس بنسيج المخ ذاته. لهذا فباستطاعة المرضى الخروج من المستشفى وممارسة نشاطاتهم العادية بعد 7 إلى 10 أيام من العملية.

مهمة الغدة النخامية

* تعتبر الغدة النخامية pituitary gland من أهم الغدد في الجسم ويسميها البعض سيدة (مايسترو) الغدد، لأنها المنظمة لباقي الغدد، وهي تقع في تجويف عظمي في جمجمة الإنسان أسفل الدماغ يسمى السرج، ولها 3 فصوص: فص أمامي (النخامة الأمامية) وفص خلفي (النخامة الخلفية) وفص أوسط. يقوم الفص الأمامي والأوسط، المعروفان بالجزء الغدي، بإفراز هرمونات وهي FSH، LH، ACTH، هرمون الحليب «برولاكتين» وهرمون النمو GH والهرمون المحفّز للدرقية TSH والهرمونات المنبهة للأعضاء التناسلية. بينما يخزن الفص الخلفي الهرمونات التي يفرزها الجزء العصبي من الخلايا الموجودة تحت منطقة تحت المهاد (الهيبوثلامس) وينظم إفرازها؛ فهو يفرز (ADH) وهو الهرمون المضاد للإدرار والأوكسيتوسين. وهذه الغدد سواء الفص الأمامي أو الخلفي تفرز هرموناتها بتنظيم وإدارة دقيقة جدا من منطقة تحت المهاد.

وإذا زاد إفراز هذه الغدة من هرمون النمو مثلا تحدث ضخامة غير طبيعية في الجسم (مرض اكروميجالى) ضخامة النهايات. والعكس صحيح، أي أن قلة إفراز تلك الغدة يؤدي إلي بطء النمو وقصر القامة (قزامة). وتؤدي زيادة إفراز هرمون الحليب إلى العقم وكذلك التثدي عند الذكور. وسوف نتطرق هنا للاضطرابات التي يتعرض لها هذا الأخير لأهميته.

هرمون الحليب وتأثيراته

* أوضح د. إسلام أبو الفتوح أن هرمون البرولاكتين يفرز من خلايا لاكتوتروبيك الموجودة بالغدة النخامية تحت تأثيرات مختلفة إما فسيولوجية طبيعية وإما مرضية أو دوائية.

ويوجد أكثر من مصدر لهرمون البرولاكتين منها وأهمها الغدة النخامية وغيرها، على سبيل المثال الغشاء المبطن للرحم، الورم الليفي بالرحم، العضلات الرحمية، وهو يوجد بنسب ومستويات معينة في الدم ما بين 3 - 30 نانوغراما / ملليلتر، ويستمر في الدم لمدة تتراوح بين 50 إلى 60 دقيقة مع ملاحظة أن نسبة هذا الهرمون متغيرة في الدم لخضوعه تحت نظام صارم لتنظيم ارتفاعه وانخفاضه من قبل هرمونات أخرى مثل الدوبامين (يخفض نسبة الهرمون) والاستروجين (يرفع نسبة الهرمون) وتزيد نسبة إفراز هذا الهرمون بشكل طبيعي خلال فترة الحمل والولادة.

من المعروف أن الأنشطة الحيوية للجسم يقع معظمها تحت سيطرة الهرمونات التي تفرز من الغدة النخامية بقاع المخ بفصيها الأمامي والخلفي تحت تأثير المراكز الرئيسية العليا بالمخ. ويوجد هرمون الحليب عند الرجل والمرأة ضمن نسب معينة مختلفة، لذا فإن ارتفاع نسبة هذا الهرمون يمنع الغدة النخامية من إنتاج الخصيتين للحيوانات المنوية وقد يكون السبب إصابة الغدة النخامية بورم أو تأثر الغدة النخامية بدواء معين.

اضطرابات إفراز البرولاكتين

* نقص إفراز البرولاكتين. ويحدث لعدة أسباب منها: عوامل فسيولوجية طبيعية مثل عملية الولادة، وعوامل مرضية، مثل استئصال الغدة النخامية، والأدوية التي تحث على إفراز هرمون الدوبامين.

* ارتفاع نسبة البرولاكتين. ويحدث لأسباب فسيولوجية كالنوم والحمل (لارتفاع هرمون الاستروجين والبروجستيرون) والرضاعة، القلق والاضطراب النفسي، النصف الثاني من الدورة الشهرية، والاتصال الجنسي. وهناك أسباب مرضية كاضطرابات الغدة النخامية وأورامها المختلفة، متلازمة تكيس المبيض، اضطرابات الغدة الدرقية ونقص إفراز هرمون الثيروكسين، الفشل الكلوي، الفشل الكبدي.

وتشمل أعراض الاضطرابات على:

- عند الرجال: تدني القدرة الجنسية، نمو خلايا الثدي وظهوره مع خروج الحليب منه سواء بالحث اليدوي أو بشكل طبيعي عفوي.

- عند النساء: تظهر زيادة أو نقص هرمون البرولاكتين عن المعدل الطبيعي بسبب اضطرابات في الطمث وبالتالي اضطرابات التبويض، حيث إنه يؤدي إلى نقص البروجستيرون. كذلك يؤثر تأثيرا مباشرا على إخصاب المريضة التي تعاني من مشكلات عدة مثل انقطاع الدورة الشهرية أو نقصانها أو نزيف مهبلي غير وظيفي، كما تعاني المرأة من فقدان الرغبة الجنسية، جفاف القناة التناسلية، استمرار تدفق الحليب من الثديين، ويحدث أيضا تأخر أو توقف البلوغ للمصابين بالمرض قبل سن البلوغ.

وهناك أعراض مشتركة: كالشعور بالصداع الشديد، الضغط على الأعصاب البصرية مما يحدث خللا في المجال البصري.

التشخيص والعلاج

* عند ظهور تلك الأعراض يجب إجراء بعض الفحوصات الطبية لتشخيص وتحديد العلاج المناسب للحالة. ومن ذلك:

* قياس نسبة هرمون البرولاكتين بالدم بعد ساعتين من استيقاظ المريض.

* إجراء أشعة على الرأس لبيان وضع الغدة النخامية وتحديد وجود أي أورام من عدمه. ويمكن معرفة وجود ورم في الغدة من عدمه عن طريق قياس نسبة البرولاكتين في الدم، كما يجب فحص العينين والساحة البصرية.

ويعالج ارتفاع هرمون الحليب ببعض العقاقير مثل (بروموكربتين) الذي يؤخذ على شكل أقراص بالفم ثلاث مرات يوميا بعد تشخيص المرض ويصرف العلاج من قبل الطبيب وبمتابعته. وهناك أدوية أخرى تعمل على التقليل من إفراز الهرمون كما تفيد أيضا في تقليص حجم الورم في الغدة النخامية، ويحتاج المريض لتناولها لسنوات.

أما في حال عدم الاستفادة من العقاقير الطبية في التقليل من حجم تورم الغدة أو حال ظهور أعراض موضعية أو كان حجم الورم كبيرا فإن خيار الجراحة يكون هو الأفضل، حيث تتم إزالة جزء من الغدة عبر عملية جراحية دقيقة.

وأضاف الدكتور سقاف السقاف أن ندوة علمية تبحث آخر المستجدات في جراحة المخ والأعصاب يشارك فيها أساتذة وجراحون عالميون ستقام في مدينة جدة على مدى ثلاثة أيام في الفترة 11 إلى 13 يونيو (حزيران) 2012. وسوف تتضمن الندوة التي يترأسها الدكتور السقاف نفسه ورشة عمل لجراحة مناظير المخ، بجانب تقديم مناظرة حالات أورام الغدة النخامية، وأورام بطينات المخ، وحالات أورام قاع الجمجمة.