كيف تعالج شابة.. تعاني من مشية محنية؟

مرض وراثي يحدث نادرا في الكبار

TT

كنا قد تحدينا القراء في أحد أعدادنا الماضية لتشخيص حالة امرأة تبلغ من العمر 27 عاما تعاني من مشية غريبة وحالة متقدمة من الضعف في منطقة الورك والفخذين.. وقد كان التشخيص الصحيح هو: مرض «تاي ساكس» من النوع الذي يصيب البالغين Adult - onset Tay - Sachs disease.

مرض وراثي

* «تاي ساكس» هو مرض وراثي ينتج عن عدم قدرة الجسم على التخلص من الأجزاء التي تطرح من الغشاء الخلوي، مما يؤدي إلى موت خلايا عصبية معينة. وتوجد عدة أشكال لهذا المرض، والصورة الأكثر شيوعا منه تحدث بين الأطفال. ومن يولدون بهذا النوع من المرض يموتون عادة في سن الرابعة. وهناك نوع آخر من هذا المرض يؤثر على الأطفال في سن متأخرة، حيث يموتون عادة قبل أن يصلوا إلى سن البلوغ.

أما «تاي ساكس» المتأخر، وهو النوع الذي تعاني منه هذه المريضة، فهو لا يظهر حتى سن المراهقة أو بدايات البلوغ، ويسبب فقدانا بطيئا في القوة والتناسق العضلي. وفي حين أن النوع الذي يحدث لدى الأطفال تم توصيفه لأول مرة منذ ما يزيد على قرن، فإن هذا النوع لم يتم اكتشافه حتى السبعينات من القرن العشرين.

والمرضى المصابون بهذا النوع من المرض يمكنهم التخلص من بعض، ولكن ليس كل، العناصر الدهنية المكونة للجدار الخلوي، مما يجعل لديهم معدلا أبطأ كثيرا في موت الخلايا ويؤدي إلى إصابتهم بالعجز. وتتفاوت درجة العجز تفاوتا كبيرا في هذه المجموعة، وهناك مرضى يصابون بهذا المرض ولكن لا تبدو عليهم أي أعراض على الإطلاق. وبالنسبة لكثير من المصابين بهذا المرض، يكون متوسط العمر المتوقع هو المتوسط الطبيعي، لكن معظمهم ينتهي بهم الحال إلى استعمال كرسي متحرك.

ويغلب انتشار الصفات الوراثية لهذا المرض بين اليهود الأشكيناز، وإن كان يوجد في أجناس أخرى أيضا.

التشخيص

* بعد أن جاءت اختبارات الحثل العضلي والضمور العضلي الشوكي سلبية، اضطر د. جيمس غيلكريست، الاختصاصي الكبير الذي تم إرسال المريضة إليه، إلى الرجوع إلى السجلات وإعادة النظر في الاحتمالات. كان هناك عنصر في تاريخ هذه المريضة ظنه في البداية غير مرتبط بمشكلتها الحالية، حيث أجريت لها أشعة بالرنين المغناطيسي على المخ أظهرت وجود ضمور في المخيخ، وهو جزء من المخ يساعد الجسم على تنسيق الحركات، وأي خلل يحدث فيه لا يرتبط عادة بالضعف. ولكن هل يمكن أن يكون هذا له علاقة بالضعف الذي أصاب منطقة الورك والفخذين لدى هذه المريضة؟

فجأة تذكر د. غيلكريست بعض المقالات التي قرأها منذ ما يزيد على 30 عاما مضت، وكانت تصف نوعا من مرض «تاي ساكس» لوحظ وجوده لدى البالغين. وحينما قرأ تلك المقالات لأول مرة، في بداية حياته المهنية، كان يأمر بإجراء الاختبار لهذا النوع من المرض على أي شخص يأتي بحالة متقدمة من الضعف. غير أن أحدا ممن قام باختبارهم لم يكن لديه هذا المرض النادر، وشيئا فشيئا توقف عن التفكير في هذا التشخيص.

ولكن بعد رجوعه إلى تلك المقالات، توصل إلى هذا التشخيص: إن مرض «تاي ساكس» يتميز بحالة متقدمة من الضعف وضمور في المخيخ. واللافت للنظر أن الشكوى الأكثر شيوعا التي دفعت هؤلاء الأشخاص إلى الذهاب إلى الطبيب هي صعوبة صعود الدرج. وقد قام بإرسال المريضة لإجراء الاختبار، وتبين إصابتها بهذا المرض.

تمرينات رياضية

* نقل د. غيلكريست الخبر إلى المريضة ووالدتها في الزيارة التالية لهما، ورغم أن الخبر كان صادما، فإن الأم وابنتها شعرا بالارتياح للتوصل إلى إجابة. ومع أن الأمر استغرق بعض الوقت لتقبل ذلك التشخيص تماما، فإن أحد التغييرات التي قامت المريضة بها على الفور هي العودة إلى ممارسة التمرينات الرياضية. وقد ساعدها النشاط البدني على المحافظة على قدر كبير من قوتها، فأصبحت تمشي لمسافة 20 بناية يوميا من أجل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، حيث تقوم بأداء التمارين ورفع الأثقال. والآن بعد مرور نحو تسع سنوات على تشخيص حالتها، بدأت أخيرا في استعمال جهاز طبي مساعد على المشي، ليس لضعف تعاني منه، ولكن لأن اتزانها لم يعد على ما يرام. وحينما تستعمل جهاز المشي، تبدو مشيتها طبيعية لأي شخص عادي يراها. وأحيانا يأتي إليها أناس غرباء في الطريق يسألونها ما خطبها. تقول: «لا أبدو مريضة حقا. أحيانا لا أريد أن أدخل في هذا كله، لذا أخبرهم بأنني ممثلة أتمرن على دور شخصية تستعمل جهازا طبيا للمشي. ثم أسألهم: ما رأيكم في أدائي؟ هل يبدو صحيحا؟» وقد سمح لها الوقت بأن تكتسب نظرة فلسفية إلى حد ما تجاه مرضها الوراثي، إذ تقول: «كل منا لديه شيء ما. لا يمكن أن تدع هذا يحدد شخصيتك».

* خدمة «نيويورك تايمز»