إرشادات جديدة حول جراحة إعتام عدسة العين والعدسات البديلة

حوار مع جراح عيون بارز حول أهم التطورات الحديثة فيها

TT

إن إجراء جراحة إعتام عدسة العين (تراكم المياه البيضاء في عدسة العين) باستخدام أشعة الليزر ذات السرعة العالية ربما يجعل العملية أكثر دقة.. ولكن هل تستحق العملية التكلفة الإضافية؟

توجد في كل عين من عينينا عدسة مثبتة خلف بؤبؤ العين، الذي يركز الضوء على الشبكية الواقعة في مؤخرة العين. وفي الصغر، تكون تلك العدسات على درجة عالية من الوضوح، ولكن مع التقدم في العمر والتعرض للضوء وغير ذلك من العوامل الضارة، تصبح تلك العدسات معرضة لظهور عتمة أو غشاوة عليها، نتيجة لتجمع البروتينات الموجودة في المزيج الدمعي داخل العدسات. ويطلق على هذا الإعتام اسم إعتام عدسة العين cataract (أو «المياه البيضاء»).

وعادة ما تكون المياه البيضاء صغيرة في بدايتها وتتركز في منتصف العدسات، ومن الممكن أن تؤثر في كلتا العدستين، وإن كانت إحداهما في الغالب تكون أكثر إعتاما من الأخرى. ومن أعراض المياه البيضاء عدم وضوح الرؤية وصعوبة التحديق ليلا.

وفي كثير من الحالات، تكون هناك زيادة في قصر النظر قبل حدوث أي إعتام ملحوظ في العدسات، وهذا «التحول في قصر النظر» يمكن علاجه بوصفة جديدة لارتداء نظارة أو وضع عدسات لاصقة تعمل على تصحيح ذلك التغير في الرؤية.

الجراحة خيار شائع

* تزداد المياه البيضاء سوءا في الغالب، ومن الممكن أن تؤدي إلى العمى إذا تركت بدون علاج. وفي البلدان الأشد فقرا في العالم، تعتبر حالات المياه البيضاء التي تتعرض للإهمال سببا رئيسيا في العمى، بينما في المناطق الأخرى، حينما تصبح العدسات أكثر إعتاما وتزداد مشاكل الرؤية، يعمل التدخل الجراحي على الحيلولة دون حدوث ذلك. وتتضمن الجراحة عادة إزالة العدسة المعتمة وإحلال عدسة أخرى محلها مصنوعة من البلاستيك الشفاف.

وقد أصبحت جراحة المياه البيضاء من أكثر العمليات الجراحية شيوعا وأمانا وفعالية في الولايات المتحدة، وهي لا تتطلب في العادة احتجاز المريض في المستشفى، ويستخدم فيها مخدر موضعي. وطبقا للإحصاءات الصحية الحكومية، يعاني نحو 20 مليون أميركي (أي 17 في المائة ممن يبلغ سنهم 40 سنة فأكثر) من المياه البيضاء في إحدى العينين أو كلتيهما، وهناك نحو 6 ملايين (5.1 في المائة من هذه الفئة العمرية) سبق لهم إجراء جراحة المياه البيضاء.

حوار مع جراح عيون

* يعمل د. برادفورد شنغلتون أستاذا إكلينيكيا مشاركا بكلية طب هارفارد، وهو جراح عيون بارز في بوسطن، متخصص في المياه البيضاء. قمنا بالترتيب معه من أجل معرفة نبذة عن جراحة المياه البيضاء والجديد الذي طرأ في هذا المجال.

* هل تستحق جراحات الليزر الاهتمام؟

- إن العدسة محاطة بغشاء رفيع يشبه الغلاف، ومعظم جراحات المياه البيضاء حاليا تتضمن إحداث شق في ذلك الغشاء، باستخدام الطاقة فوق الصوتية، لتفتيت العدسة إلى قطع صغيرة، ثم شفط تلك القطع حتى يمكن وضع عدسة اصطناعية جديدة داخل الغشاء.

وقد ظل أطباء العيون لبعض الوقت يستخدمون أشعة الليزر عالية السرعة في إجراء جراحات «الليزك» LASIK التي تستخدم لإعادة تشكيل القرنية، حتى يمكن للناس الاستغناء عن ارتداء النظارة. وقد بدأ البعض الآن في استخدام تقنية مشابهة بهدف إجراء جراحة المياه البيضاء، حيث يتم استخدام أشعة ليزر «فيمتو ثانية» سريعة للغاية (والفيمتو ثانية تعادل جزءا واحدا من مليون مليار جزء من الثانية) لفتح الغشاء وتفتيت العدسة.

ويقول مؤيدو هذه التقنية إن أشعة الليزر هذه، التي يتم توجيهها بواسطة أجهزة الكومبيوتر، سوف تجعل جراحة المياه البيضاء أكثر أمانا بكثير، وذلك لسببين هما أن الشق الذي يحدث يكون أكثر دقة ويحتاج إلى مستويات أقل من الطاقة فوق الصوتية لتفتيت العدسة، لأن الليزر يعمل على إضعافها وجعلها أكثر هشاشة. ويشير د. شنغلتون إلى أن هذه الأشعة الليزرية التي تدار بالكومبيوتر يمكنها إحداث شق كامل الاستدارة في الغشاء لا تستطيع يده المدربة أن تضاهيه.

ولكن حتى الآن، ما زالت هذه مجرد افتراضات تفتقر إلى قدر كاف من الأدلة القوية التي تدعمها، ولن يكون هناك شيء مؤكد سوى بعد الوصول إلى نتائج تجربة إكلينيكية كبيرة ومحكمة. غير أن د. شنغلتون يقول إن جراحة الليزر ربما تكون إحدى التقنيات التي تزيح الأساليب والأجهزة القديمة التي تستخدم في إجرائها.

ولكن هناك سؤال حول ما إذا كانت التحسينات الفنية التي يتم إدخالها على العملية ستترجم إلى نتائج أفضل بدرجة كبيرة. ويقول د. شنغلتون إنه لا يوجد مجال كبير إلى هذا الحد للتحسين، مضيفا: «العملية دقيقة بالفعل، وكل ما يمكنك أن تضيفه هو قدر ضئيل من الدقة».

ولكن افترض أن هناك نتائج أفضل، إذن فسوف يصبح السؤال عما إذا كانت تلك النتائج تستحق التكلفة الإضافية أم لا. يصعب في هذه اللحظة تحديد كم ستزيد تكلفة جراحة المياه البيضاء بالليزر عن جراحة المياه البيضاء التقليدية، لكن أجهزة الليزر مكلفة، وسوف تضطر مؤسسات العيون التي تقوم بشرائها إلى تعويض الاستثمارات التي أنفقتها.

وهناك علامة استفهام كبيرة أخرى تتعلق بما إذا كان نظام الرعاية الصحية وغيره من أنظمة التأمين سيوفر تغطية مالية لتلك الجراحات. وفي الوقت الحالي، لا يستطيع الجراحون تحميل نظام الرعاية الصحية بمزيد من التكاليف لإجراء جراحة المياه البيضاء باستخدام الليزر. وإلى أن يكون ذلك ممكنا، ربما تظل جراحة المياه البيضاء بالليزر بطيئة في انتشارها.

قلل خطر الإصابة

* في ما يلي عوامل تساهم في خطر الإصابة بالمياه البيضاء، وأمور يمكنك فعلها لتقليل الخطر:

* عامل السن هو العامل الرئيسي في احتمالات تراجع الحالة الصحية، وبالتالي فإن خطر الإصابة بالمياه البيضاء هو جزء بسيط من الثمن الذي ندفعه مقابل العمر الطويل، غير أن هناك الكثير مما يمكنك أن تفعله لتقليل خطر الإصابة بالمياه البيضاء.

* لا تمارس التدخين أو أقلع عنه إذا كنت مدخنا، فالتدخين يضاعف من خطر الإصابة بالمياه البيضاء. وفي حالة الإقلاع عن التدخين، يتراجع الخطر ولكنه قد لا يختفي تماما.

* احترس من تعاطي الكحوليات، إذ إنها تزيد من خطر الإصابة بالمياه البيضاء، ويزداد هذا الخطر مع الإفراط في تعاطيها. وقد توصل باحثون سويديون إلى أن النساء اللاتي يتناولن مشروبات كحولية مرة واحدة أو أكثر يوميا كن أكثر احتمالا بنسبة 11 في المائة ممن لا يتعاطين المشروبات الكحولية في الحاجة إلى إجراء جراحة المياه البيضاء، كما احتجن إلى إجرائها قبل الأخريات بعامين كاملين.

* احم عينيك من أشعة الشمس. إن تعريض عينيك للأشعة فوق البنفسجية بي ultraviolet B (UVB) light، هو ذلك الجزء من طيف الضوء الذي يسبب حروق الجلد نتيجة أشعة الشمس، يزيد من خطر تكون المياه البيضاء. وتعمل نظارة الشمس على حجب الأشعة فوق البنفسجية بي. وبشكل عام، كلما كانت العدسة داكنة بدرجة أكبر، كانت أكثر فعالية في حجب الأشعة فوق البنفسجية بي. كما أن ارتداء قبعة ذات حافة عريضة يساعد أيضا على وقاية عينيك من الأشعة فوق البنفسجية بي.

* تناول كميات وافرة من الفواكه والخضراوات. من الناحية النظرية، تعمل الفيتامينات والمعادن ذات الخصائص المضادة للأكسدة على الوقاية من المياه البيضاء. أما للمكملات الغذائية فإن نتائج الدراسات التي أجريت عليها ليست مقنعة. وربما تكون مواد الـ«لوتين» والـ«زيكسين» وأشباه الـ«كاروتين»، التي توجد في الخضروات ذات الأوراق الخضراء (مثل الكرنب والسبانخ) وصفار البيض، ترتبط بخفض خطر الإصابة بالمياه البيضاء، وإن كانت هناك شواهد أقوى على تأثيرها الواقي من التنكس البقعي، وهو مرض آخر من أمراض العيون المرتبطة بالسن. وتشير الكثير من الدراسات إلى أن خطر الإصابة بالمياه البيضاء يقل عن طريق اتباع نظام غذائي جيد وصحي، وهو ما يتضمن كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات.

خيارات العدسات

* بعد إزالة المياه البيضاء، يمكن استخدام الكثير من الأنواع المختلفة من العدسات الاصطناعية كي تحل محلها، وفيما يلي بعض الخيارات المتاحة:

* العدسات أحادية البؤرة Monofocal lenses: كما هو واضح من الاسم، فإن العدسات أحادية البؤرة مصممة بحيث تضبط البؤرة على مسافة واحدة محددة. ويقول د. شنغلتون إنها بلا جدل الاختيار الأمثل لمرضى المياه البيضاء الذين يتمثل همهم الأول في الحصول على رؤية واضحة وحادة. ويمكنك أن تجرب طريقة الرؤية الأحادية، وفيها يتم زرع عدسة بديلة تم ضبطها على الرؤية البعيدة في إحدى العينين، وزرع عدسة أخرى تم ضبطها على الرؤية القريبة في العين الأخرى، وسوف يتعلم المخ كيف يعالج المعلومات البصرية بحيث لا تعود بحاجة إلى ارتداء نظارة. لكن هذا يحتاج إلى فترة للتكيف، وبعض الناس تظل لديهم بعض الصعوبة، وبالتالي فإن الرؤية الأحادية لا تصلح مع الجميع.

وتعتبر العدسات أحادية البؤرة الاختيار الأقل تكلفة بين العدسات، ويغطي نظام الرعاية الصحية تكاليف جراحة المياه البيضاء، لكنه يضع حدا أقصى لتغطية العدسات، ولا يغطي بالكامل سوى العدسات أحادية البؤرة.

* العدسات المحدبة Toric lenses: يتم تشكيل العدسات المحدبة بحيث تعوض اللابؤرية، أو «الاستجماتيزم»، والتكور الذي تسببه في القرنية. صحيح أنها قد لا تصحح اللابؤرية تماما، مما يجعل الناس يظلون بحاجة إلى ارتداء نظارة، إلا أنها تقوم بقدر كاف من التصحيح، بحيث يلاحظ معظم الناس أنه بإمكانهم الرؤية بصورة أفضل بكثير بدون نظارة. ويقول د. شنغلتون إنه من أشد المؤيدين لاستخدام العدسات المحدبة، ويرى أنها تقدم كبير في جراحة المياه البيضاء.

* العدسات المتكيفة Accommodating lenses: التكيف هو المصطلح المستخدم في طب العيون للتعبير عن قدرة عدسة العين على تغيير شكلها، بحيث يمكننا تغيير البؤرة ما بين الرؤية القريبة والبعيدة، وهذا التكيف يقل في الغالب مع السن. وفي عام 2003، أقرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية العدسات البلورية «كريستالينز» البديلة، التي يفترض أنها تحاكي العدسات الطبيعية المتكيفة بالعين الأصغر سنا. وهذه العدسات البلورية بها مفصلات على جانبيها، بحيث يتغير موضع العدسة مع انقباض وارتخاء العضلات الموجودة في الجسم الهدبي للعين.

ويوضح د. شنغلتون أن هذه العدسات البلورية تمنح المرضى رؤية ممتازة للمسافات البعيدة، ولكنها لم تثبت نفس القدر من الكفاءة بالنسبة للرؤية القريبة، وبالتالي ينتهي الحال ببعض المرضى الذين تزرع لهم هذه العدسات إلى الاضطرار لارتداء نظارة قراءة.

الكلفة هي من الأمور المهمة، إذ يزيد سعر عدسة الـ«كريستالينز» بنحو ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار عن سعر العدسة أحادية البؤرة، ولا يغطي نظام الرعاية الاجتماعية تلك التكلفة الإضافية.

* العدسات متعددة البؤر Multifocal lenses: على غرار العدسات ثنائية البؤر أو المتدرجة التي تستعمل في النظارة، فإن بعض المناطق في العدسة متعددة البؤر يكون مخصصا للرؤية البعيدة، والبعض الآخر مخصصا للرؤية المتوسطة والقريبة. ولكن على عكس عدسات النظارة، فإن المناطق المختلفة تنتظم في هيئة دوائر متحدة المركز، وليس من أعلى إلى أسفل. ومن الماركات الرئيسية منها في السوق «روستر» و«تكنيز»، وأكبر عيب في العدسات متعددة البؤر هو أنها أحيانا تسبب صعوبة في الرؤية ليلا، حيث إن الحواف الدقيقة الموجودة في العدسات قد تؤدي إلى تحريف الضوء الساطع، وبالتالي يحدث وهج وما يسمى بـ«تأثير الهالة». غير أن د. شنغلتون يقول إن عين معظم الناس (وكذلك المخ) تتكيف بحيث لا يجدون أي مشكلة إلى حد كبير، ويقول إن جودة الرؤية بشكل عام مع العدسات متعددة البؤر لا تكون بنفس الحدة التي توفرها العدسات أحادية البؤرة.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا«