الدهون.. هل تصبح حاسة التذوق الأساسية السادسة؟

أبحاث جديدة تشير إلى احتمالات تمييز اللسان لها

TT

اتفق العلماء منذ قرون على أن لسان الإنسان قادر على التمييز بين أربع حاسات تذوق أساسية؛ هي الحلو والحامض والمالح والمر. وفي عام 2002 أطلق على ميزة تذوق أخرى اسم «يومامي» umami -» كان أول من اقترحها صيدلي ياباني عام 1908، وشاع وصفها بـ«محب اللحم» أو «النكهات الطيبة»، وقبلت على نحو شائع بوصفها طعما أساسيا خامسا.

منذ ذلك الحين، وضع علماء البيولوجيا الجزيئية نظرية تقول: «ربما يكون لدى البشر 20 مستقبلا مميزا لحواس التذوق مثل الكالسيوم والكربونات والنشا، وحتى الماء. إلا أن البيانات التي تدعم كلا منها تختلف إلى حد كبير. لكن الشيء المتنافس على حاسة التذوق السادسة بدأ في التميز على البقية.. ألا وهو الدهون».

الأدلة الآخذة في الازدياد تثير اهتمام العلماء ومطوري الغذاء، الذين عبروا عن أملهم في أن يقود الفهم الأفضل لمستقبلات الدهون لدينا، إلى تطبيقات على الصحة والتعامل مع السمنة، لكن هذا لا يزال حلما بعيد المنال.

في الوقت الحالي لا يزال النقاش حول ما إذا كانت الدهون تعتبر حاسة تذوق، ويتوقع بشكل كبير أن تؤكد الدراسات ذلك.

طعم الدهون

* في 2010، على سبيل المثال، وجد باحثون في جامعة ديكن بأستراليا أن الأفراد تمكنوا من التعرف على طعم الأحماض الدهنية. وقال الباحثون في مركز التغذية البشرية في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس إنهم وجدوا أن بعض الأفراد ربما يكونون أكثر حساسية لوجود الدهون في الطعام أكثر من آخرين.

وفي الدراسة الأخيرة التي نشرت في شهر مارس (آذار) في دورية «جورنال أو ليبيد ريسيرش»، قام 21 شخصا أصحاب كتلة جسم بمؤشر 30 أو أكثر - سمنة خفيفة (سمنة من الدرجة الأولى) - بتذوق ثلاثة محاليل لزجة الملمس وطلب منهم تحديد الشيء المختلف بينها.

كان أحد المحاليل يحتوي على قدر قليل من الزيت الدهني، وكان المشاركون الذين تنتج أجسادهم قدرا أكبر من البروتين الذي يدعى «سي دي 36» عادة ما يختارون ذلك المحلول من بين المحاليل الثلاثة، وهو ما يشير إلى أنهم كانوا أكثر حساسية تجاه الأحماض الدهنية.

ويشير الباحثون إلى أن بروتين «سي دي 36» يجعل الأفراد أكثر حساسية تجاه طعم الدهون، ولذا فإنهم يتعرفون عليها حتى ولو كانت بقدر ضئيل. إذا صح ذلك، فإنه يشير إلى وجود أسس جينية لميل بعض الأفراد إلى الدهون أكثر من آخرين.

وتقول ندى أبو مراد، التي شاركت في وضع الدراسة وأستاذة الطب وأبحاث السمنة بجامعة واشنطن في سانت لويس: «أيقنا الآن بوجود مكون لتذوق الدهون، ولا يمكننا استبعاده، فهو موجود في البشر، لكن كيفية تأثيره على السلوك وتناول الدهون، لا يزال غير معروف بالنسبة لنا».

تحسس الدهون

* عادة ما كان العلماء ينظرون إلى الدهون باعتبارها شيئا يميزه الإنسان عبر التعرف على نسيجها أو رائحتها أكثر من طعمها.

وفي هذا السياق، يعبر التذوق عما نحسه عبر اللسان وحده، وعن نكهة ما ندركه من خلال التذوق والشم. فعلى سبيل المثال، في ما يخص اللسان وحده يكون طعم الآيس كريم على الأغلب حلوا، ولكن عندما يشارك الأنف في العملية، فإنه يمكنك اختبار النكهات - الشوكولاته والفراولة، وهذا يفسر أيضا السر في رفض الشخص الأطعمة التي لا يحبها عندما يسد أنفه، أو عدم الاستمتاع بطعام العشاء عند الإصابة باحتقان الجيوب الأنفية أثناء الإصابة بنوبة برد.

لكننا نختبر الطعام أيضا عبر نظام ثالث يعرف باسم «التحسس الكيميائي» chemesthesis، الذي يعتمد على التلامس ويظهر عبر العصب ثلاثي التوائم في الوجه، الذي تمتد أفرعه إلى العيون والأنف واللسان والأسنان التي تشعر بالألم وتهيج البشرة ودرجات الحرارة. وهذا يتضمن الشعور بالحرقة من الفلفل الحريف والإحساس بالبرودة من منظف الفم الذي يحتوي على طعم النعناع. (وقد أكد بعض الأفراد على أن هذه الأنواع من الإحساس يجب أن تصنف على أنها مذاقات أساسية).

تتم معرفة الدهون من خلال العصب ثلاثي التوائم الذي يرسل إشارات إلى المخ بأن الفم يجرب شيئا لزجا وزلقا (كما في حال الآيس كريم) أو دسما.

ويقول ريتشارد ماتيس، أستاذ علوم التغذية في جامعة بوردو الذي قام بأبحاث موسعة في هذا الموضوع: «إذن السؤال هو: هل تشعر بالدهون أم هل تتذوق الدهون؟».

يصعب التمييز بين نسيج الدهون ومذاقها، لأنه عند اختبار مادة كيميائية يجب أن تأتي من خلال الاتصال باللسان وذوبانها في اللعاب. وكذلك، فإن تمييز الدهون يصعب تقليده لأن الأفراد الرافضين للآيس كريم غير الدهني يمكن أن يشهدوا بذلك.

وفي الدراسة التي أجريت على بروتين «سي دي 36»، حاول الباحثون الحد من الإشارات الشمية والبصرية عبر إضاءة منطقة الاختبار بأضواء حمراء، وارتدى كل من المشاركين في التجربة مشبكا على الأنف. وقال ماتيس: «كانت هناك أدلة متزايدة على كون الدهون مذاقا، وحصلنا على أدلة تجريبية، لكننا في الوقت ذاته لم نستبعد الملمس بشكل كامل».

مذاقات متنوعة

* إن اكتشاف مستقبلات «يومامي» واحتمال مستقبلات الكالسيوم وحتى ثاني أكسيد الكربون أدى إلى التشكيك في المفهوم التقليدي للأذواق الأساسية. هذه السمات ليست بسيطة كالأذواق الأخرى مثل الحلو والمالح على سبيل المثال، فـ«يومامي»، على سبيل المثال (كلمة مشتقة من المرادف الياباني لكلمة «شهي») طعم معقد يوجد تأثيره الرئيسي في نكهة بعض الأطعمة مثل جبن البارميزان والفطر والطماطم.

ويقول مايكل توردوف، عالم الجينات السلوكية في مركز «مونل» للحواس الكيميائية في فيلادلفيا الذي تتركز أبحاثه على الكالسيوم: «ربما يكون السبب هو أننا جميعا لدينا هذه المستقبلات، لكن لا يوجد ما يصف هذه المستقبلات». وعندما طلب من المشاركين في الدراسة وصف مذاق الدهون، قال كثيرون منهم: «لا أعلم». والدهون ليست المذاق الوحيد الذي يجد الأفراد صعوبة في وصفه، فالكالسيوم على سبيل المثال موضوع شيق آخر بين علماء المذاقات الآخرين. ويقول توردوف إن الكالسيوم يمكن اعتباره طعما أساسيا كالحلو والمالح، والمشكلة هي أنه لا يوجد تعريف لماهية طعم الكالسيوم. ويقول توردوف: «لن تتمكن على الإطلاق من معرفة طعم الكالسيوم ما لم تكن على علم بماهية طعم الكالسيوم». وتقول جانين ديلوتشي، المتخصصة في العلوم الحسية وعلم النفس البدني في «فيرمينتش»، شركة سويسرية تصنع النكهات والعطور: «جزء من ذلك هو نتائج اللغة، فعلى سبيل المثال، يخلط كثير من الأفراد بين الطعم الحامض والطعم المر. أنت ترى ذلك كثيرا في القهوة وعصير الـ(غريب فروت). لا يوجد هناك انتظام كامل في الطريقة التي نستخدم بها هذه المصطلحات». وقد أدت مشكلات مثل هذه ببعض علماء البيولوجيا الجزيئية إلى الاعتقاد بأن الفكرة الكاملة للمذاقات الأساسية لم تعد مفيدة. وتقول ديلوتشي: «لا يوجد تعريف حقيقي للمذاق الأساسي، وهناك مشكلة في الاعتقاد بأن هناك تعريفا، لأنها تحد من تجربتنا. لم يكن لدينا نمط نموذجي لـ(يومامي)، حتى تم اشتقاقها من عشب بحري قبل أقل من 100 عام». وقارنت ذلك بوصف شعر بعض الأفراد بـ«الأحمر»، المصطلح الذي استخدمه الأوروبيون منذ أزمنة سحيقة. وقالت: «كان شعرهم برتقاليا فعليا»، لكن الأوروبيين لم يكن لديهم تعريف للون البرتقالي إلى أن تم استيراد الفاكهة من القارات الأخرى، «من دون نموذج لا يمكننا تشكيل كلمة من الفكرة. يشير علماء التذوق إلى أن رفض الفكرة التقليدية بشأن المذاقات الأساسية سيفتح المزيد من الاحتمالات بشأن اكتشافات التذوق. وأنا لست على يقين من أننا بحاجة إلى وضع قيود على تفكيرنا».

تداعيات صحية

* إن تمييز خصائص التذوق للدهون يمكن أن تكون له تداعيات على الصحة. ونظرا لأن الدهون مؤشر على الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، فربما يساعد بروتين «سي دي 36» في تفسير السبب في استهلاك المزيد من الدهون لدى البعض أكثر من آخرين. وتقول أبو مراد: «إذا تذوقت الدهون بشكل أفضل، ستقتنع بشكل أكبر من الشخص الذي يحتاج إلى مزيد من الدهون للحصول على هذا الشعور». ربما ينطبق ذلك على التعامل مع السمنة عبر العثور على وسيلة لزيادة الإحساس بالدهون. لكن الأمر لا يتعلق بخفض كمية الدهون التي نتناولها. ويمكن للبحث أن يساعدنا في فهم أفضل لدور الدهون في وجباتنا الغذائية. وتعتبر الدهون مكونا رئيسيا في نمو العقل لدى الأطفال الرضع والصبيان، كما يساعد الجسم بشكل أفضل في امتصاص الفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة الموجودة في الأطعمة الأخرى. وتقول يانينا بيبينو، مؤلفة دراسة مارس الماضي حول «سي دي 36»: «نحن نعيش في عالم تعرضت فيه الدهون لعملية تشويه، ونسينا أننا نعتمد على الدهون في حياتنا؛ في الخلايا العصبية والخلايا الأخرى، وأنها ركن أساسي في نمونا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بالـ«الشرق الأوسط»