أغرب قصة طبية لصبي أصيب فجأة بصعوبة التنفس

حار الأطباء في تشخيص حالته بين الربو وحرقة المعدة وتشنج الأحبال الصوتية

TT

كان الوقت في أوائل شهر مايو (أيار)، وكانت ليلة جمعة حارة ورطبة أقيمت فيها مباراة كرة القدم للأولاد دون سن 11 سنة، وفجأة خر ابني واسمه «إيان» البالغ من العمر 10 سنوات على أرض الملعب وهو غير قادر على التنفس، فاختطف المدرب منشقة (أداة استنشاق) لطفل آخر واستخدمها مع إيان، الذي تمكن بعد 6 نفخات (بدلا من نفختين كالمعتاد) من تمالك أنفاسه والنهوض على قدميه.

لم أكن موجودة في المباراة، لذا فقد سمعت عن الحادث من زوجي، الذي يحافظ على هدوئه حتى في أصعب اللحظات، فقد أخبرني في تلك الليلة بينما كنا متجهين إلى السرير «بالمناسبة، لقد تعرض إيان لنوبة ربو أثناء المباراة، لكنه أصبح بخير». ولم أعلم بالقصة المخيفة كاملة سوى لاحقا من المدرب.

وقبلها بسنوات قليلة، إثر الإصابة بعدوى في القصبات التنفسية العليا مباشرة، تم تشخيص حالة إيان على أنها حالة ربو، وظل لعدة أشهر يستعمل منشقة بين الحين والآخر، لكن بعدها توقفت النوبات تماما ولم نعد نحمل المنشقة معنا. والآن، نخشى أن نكون قد عدنا من جديد إلى تشخيص الربو.

وفي صباح يوم السبت، أخذناه إلى الممرضة الممارسة في عيادة طبيب الأطفال، وشخصت الحالة بأنها تشنج في الشعب الهوائية، وجعلت إيان يحتفظ بالمنشقة معه أينما ذهب (حيث يأخذ نفختين قبل كل تمرين أو مباراة) إلى جانب مضادات الهستامين لمنع تعرضه لأي حساسية. ولم نتصور أن الحالة بها أي شيء خطير، حيث بدت كغيرها من الحالات التي يتعايش معها ملايين الأطفال والبالغين كل يوم.

أزمة ليلية

* لذا فقد كنت غير متأهبة لما حدث ليلة الأربعاء، فقد كان إيان يلعب كرة القدم من دون أي مشكلات، وظل مستيقظا حتى وقت متأخر يشاهد فيلم «المعجزة» على جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بي، بينما كنت مستلقية على الأريكة. وفي نحو الساعة 10:30 مساء (وكان وقت النوم قد مضى منذ زمن، لكن زوجي كان خارج البلدة، وكنا منطلقين على سجيتنا)، أيقظني إيان قائلا بصوت ضعيف وهو ممسك بحلقه «لا أستطيع التنفس. لا أستطيع التنفس». فأحضرت المنشقة وأعطيته نفختين منها حسب العلاج الموصوف له، لكنه لم يشعر بالراحة، فمنحته نفختين أخريين، وسالت الدموع على خديه وهو يهمس «لا أستطيع التنفس». وقد كانت قدرته على الهمس دليلا على أنه يستطيع التنفس، لكن لون شفتيه كان يتحول إلى اللون الأزرق، فاتصلت برقم النجدة.

وصل رجال الإسعاف إلى المنزل في دقائق، ووضعوا له قناع أكسجين وأعطوه رذاذا طبيا، ثم وضعوه على محفة وانطلقوا بنا إلى المستشفى. وهناك، استمع أحد الأطباء جيدا إلى رئتيه، لكنه لم يستطع سماع أي لهاث متحشرج، وهو الصوت المميز لنوبات الربو، ومع ذلك، كان يبدو أن الأعراض الأخرى لديه تدل على أنه يمر بنوبة ربو، وأن الذعر الذي يشعر به يزيد الأعراض سوءا. ووصف له طبيب قسم الطوارئ جرعة كبيرة من السترويدات عن طريق الفم، ورذاذا آخر.

وبعد ذلك، قامت طبيبة أخرى بالاستماع إلى رئتي إيان وإلى ما يذكره من أنه ما زال يعاني من صعوبة في التنفس، وأنه يشعر بأن حلقه مسدود وأن صدره يؤلمه، إلا أن الفحص بأشعة «إكس» على صدره كشف أن الرئتين سليمتان. وأشارت الطبيبة إلى أن إيان يبدو قلقا إلى حد ما، ورجحت أن يكون هذا له دور في حدوث مشكلات التنفس، لذا فقد أعطته نصف ملليغرام من أحد الأدوية المضادة للقلق من أجل تهدئته. وفي نحو الساعة 4 صباحا، سمحوا لنا بالعودة إلى المنزل.

وجعلت إيان يتغيب عن المدرسة ويبقى في المنزل يوم الخميس، وذهبنا لزيارة طبيبة الأطفال التي نتعامل معها. وفي منتصف اليوم، بعد أن تناول كوبا من الماء مباشرة، بدأ يشكو مجددا من عدم قدرته على التنفس، ولم تفلح نفختان من المنشقة في تهدئة حالته، فاتصلت مرة أخرى بالنجدة.

حرقة المعدة

* وحينما وصل رجال الإسعاف كان إيان يلهث بصورة سريعة، وكان الخدر ينتشر في ساقيه وذراعيه. وفي قسم الطوارئ، قامت طبيبة أخرى بفحصه، وخلصت إلى أنه لا يبدو أنه يعاني من نوبة ربو، وقالت إنها ربما تكون نوبة قلق أو حصر نفسي، وإن من واجبي أن أقوم بتهدئته لا أن أتصل بالنجدة. وأظهر فحص بأشعة «إكس» للأنسجة اللينة في رقبته أن القناة الهوائية سليمة ولا توجد بها أي مظاهر تكوينية غير طبيعية.

وخلال الأيام القليلة التالية تكرر ذهابنا إلى قسم الطوارئ وخروجنا منه، وفي كل مرة كانت رئتا إيان تبدوان طبيعيتين، ولم يكن هناك أي دليل على الربو، وأصيب الأطباء بالحيرة ونحن بالخوف.

وفي غضون ذلك، رتبت ميعادا مع أحد إخصائيي الربو في الجوار، أجرى لإيان اختبارا تضمن إطفاء الشموع عبر النفخ في أنبوب، وقام الجهاز بقياس سعة رئتيه أثناء الشهيق والزفير. وفي سياق الاستفسار عن تاريخ إيان المرضي، ذكر إخصائي الربو شيئا عن ارتجاع الحمض أو الحرقة في الصدر (acid influx)، فأخبرته بأن إيان كان يعاني بالفعل من حرقة شديدة في الصدر وهو صغير، وظل لأكثر من عام يستعمل قطرة «بريلوزيك» (Prilosec).

وقال الإخصائي «كما تعلمين، فإنه لا توجد لديه أعراض ربو، إذ لا توجد حشرجة أو سعال، والرئتان سليمتان. أعتقد أنه يعاني من تشنجات في الحنجرة نتيجة لارتجاع الحمض، وهو ما قد يفسر كل هذه الأعراض». ونصحني بمناقشة هذا الاحتمال مع طبيب الأطفال الخاص بإيان، الذي كنا سنزوره لاحقا في اليوم نفسه. واتفق طبيب الأطفال مع إخصائي الربو، واقترح علينا أن نفكر في علاج إيان من ارتجاع الحمض، وهو علاج يستغرق بعض الوقت كي يأتي بمفعوله.

وفي صباح اليوم التالي مباشرة، عدنا إلى قسم الطوارئ، حيث شرحت تاريخ الحالة إلى طبيب آخر، وقد استمع هذا الطبيب إلى حلق إيان، وليس صدره أو رئتيه، وهناك اكتشف صوت الحشرجة.

تشنج الأحبال الصوتية

* وقال الطبيب «هذه ليست حالة ربو. إنها تسمى الحركة المتناقضة للأحبال الصوتية (paradoxical vocal cord motion)»، وفيها يقوم المخ بإرسال إشارات متضاربة إلى الأحبال الصوتية، فبدلا من الفتح حينما يقوم إيان بالشهيق فإن الأحبال الصوتية تغلق بقوة، مما يجعله يشعر بانحباس الأنفاس وضيق الحلق. وقام الطبيب على الفور بالاتصال بإخصائي أنف وأذن وحنجرة، وقد وافق على رؤية إيان في ذلك الصباح.

وظللنا منتظرين 3 ساعات في العيادة، استمر إيان خلالها في التعرض لتشنجات التنفس. وبمجرد أن رآنا إخصائي الأنف والأذن والحنجرة، لم يستغرق سوى لحظات معدودة لوضع المنظار داخل أنف إيان، وتبين أن القطرة المهدئة التي كان يستعملها تتسبب في تشنج بالحنجرة، كما ظهر في الكاميرا عن طريق المنظار. وكما كان متوقعا، فحينما يقوم إيان بالشهيق كانت أحباله الصوتية تغلق فجأة وتظل مغلقة، وهذه هي الحركة المتناقضة للأحبال الصوتية.

وقام إخصائي الأنف والأذن والحنجرة بتهدئته، مطمئنا إياه بأنه يستطيع التنفس، وأنه سيصبح على ما يرام. وشرح لنا الإخصائي أن أسباب هذه الحالة غير واضحة، وإن كان التوتر أو القلق قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقمه، وكذلك التمارين الرياضية والمهيجات البيئية. وسألته عما إذا كان عزف إيان على آلة الكلارينت قد سبب شيئا يحفز إصابته بهذه الأعراض، فأخبرني الطبيب بأنه في الحقيقة، رغم أنه يمكن لإيان استئناف نشاطاته الطبيعية قريبا، فإنه يتعين التوقف مؤقتا عن العزف على آلة الكلارينت.

وتضمنت خطة العلاج، التي بدأناها في اليوم التالي، العمل مع اختصاصية في النطق، التي علمت إيان أساليب التنفس لمساعدته على إدارة الأعراض التي تصيبه والتعامل معها. وفي أول لقاء لنا، شرحت له مدى أهمية تعلم التنفس من حجابه الحاجز، كي يجعل أنفاسا طويلة وثابتة من الهواء تنساب بسلاسة فوق أحباله الصوتية، كما ذكرته بأن يفكر، كلما أصابه تشنج، في أنه سيكون على ما يرام.

وقد أخبرتني بأن الحالة غامضة إلى حد ما، لكنها ليست نادرة الحدوث، بل إن بعض الأبحاث تشير إلى أن من لا يستجيبون للعلاج من أعراض الربو الظاهرية ينبغي تقييم حالتهم للتحقق مما إذا كانت لديهم حركة متناقضة للأحبال الصوتية أم لا.

وقد أصبحت الاحتمالات في صالح إيان، فمع حصوله على الشكل السليم من الدعم والاهتمام، يبدو أنه قد عاد إلى طبيعته الضاحكة والمرحة. وحينما يتعرض لنوبة تشنج، فإنه يؤدي تمرينات للتنفس العميق ويتخيل الأصوات المطمئنة لطبيب الأنف والأذن والحنجرة ومعالجة النطق.

وهذه التجربة التي امتدت لأسبوعين ونصف الأسبوع، تذكرني بمدى الشفقة والتماسك اللذين يتسم بهما العاملون في مجال الرعاية الصحية، ومدى الصعوبة التي يجدونها في عملهم من أجل تخفيف معاناة المرضى، ومدى صعوبة عالم الطب، الذي يبحث عن حلول غير متوقعة للمشكلات التي يعاني منها المرضى.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»