فحص الجينات.. لاكتشاف أمراض القلب

الاختبارات الوراثية تتيح تشخيص حالاتها

TT

إنه أمر معقد، لكنه واعد. سنستعرض في ما يلي ما يمكن أن تخبرنا به الجينات اليوم. ما رأيك في قدرة تحليل دم بسيط على كشف مدى استعدادك الوراثي للإصابة بمرض خطير في القلب بشكل مؤكد؟ هل تخضع لهذا التحليل؟ ماذا إذا كان هذا التحليل قادرا على اكتشاف تعرضك لاحتمال الإصابة بنوبة قلبية بنسبة 50%؟ هل ترى أن هذا الأمر جدير بالمحاولة؟

تمثل المعرفة المسبقة باحتمال إصابتك بمرض قلبي والقرارات التي ستواجهها عندما تعلم بذلك، شقين أساسيين من الاختبار الوراثي اليوم. ويعمل الباحثون بجد من أجل تحديد الجينات الوراثية أو المتغيرات الجينية التي قد تلعب دورا في تشخيص أمراض القلب والتنبؤ بها وعلاجها.

أغراض الاختبار الوراثي

* يقول الدكتور سيكار كاثيريسان، مدير علم أمراض القلب الوقائي في مستشفى ماساتشوستس العام والأستاذ بكلية الطب جامعة هارفارد: «يستخدم الاختبار الوراثي لثلاثة أغراض على الأقل. الأول هو تحديد احتمال إصابتك بمرض شائع مثل النوبة القلبية، والثاني هو معرفة ما إذا كان لديك متغير جيني يمكن أن يؤكد لك أنك ستصاب بمرض وراثي نادر، والثالث هو تحديد استجابتك لعقار معين أو الآثار الجانبية له عليك».

مع ذلك، ينصح بإجراء هذا الاختبار فقط إذا كانت المعلومات المتوافرة تفيد في المساعدة على اتخاذ قرارات تتعلق بالعلاج. ويقول الدكتور سيكار: «تعتمد قيمة الاختبار الوراثي على أهدافك. ولا أنصح بشكل روتيني بهذا الاختبار من أجل تقييم احتمالات الإصابة بمرض شائع مثل النوبة القلبية، لأنه لم تتضح بعد قدرته على المساعدة في اتخاذ قرارات عملية في الوقت الحالي».

متغيرات جينية

* تبحث الاختبارات الجينية عن متغيرات جينية في تسلسل جيني تدل على وجود احتمال كبير للإصابة بالمرض. قد لا يكون لديك أي متغير جيني أو قد تكون لديك نسخة أو نسختان منه، وكلما زاد عدد النسخ زاد احتمال الإصابة. على سبيل المثال، ينظر إلى نحو 30 موقعا في الشريط الوراثي باعتباره عاملا في زيادة احتمالات التعرض لنوبة قلبية.

وإذا كنت تحمل متغيرا واحدا أو أكثر، فقد تكون احتمالات الإصابة بنوبة قلبية ضعف احتمال أو قوع هذه الإصابة لدى الأشخاص الذين يحملون عددا أقل من المتغيرات الجينية. ماذا تفعل بهذه المعلومات؟ هل تقلل من كميات الطعام التي تتناولها؟ هل تمارس التمرينات الرياضية بشكل أكبر؟ هل تمتنع عن التدخين؟

يقول الدكتور سيكار: «نحن نخبر الناس بضرورة القيام بهذه الأمور في كل الأحوال. ولم يتضح بعد ما إذا ما كانت معرفة احتمال الإصابة بمرض في القلب تدفع الناس إلى الاهتمام بصحتهم على نحو أكبر أم تساعد الأطباء على تحديد علاجك بشكل مختلف».

الاستجابة للعقاقير

* ربما يفيد الاختبار الوراثي في تحديد مدى استجابة المريض للعقاقير. وتتضمن واحدة من قصص نجاح الاختبار الجيني مدى استخدام عقار «الكلوبيدوغريل» (البلافيكس) الذي يتم وصفه لمنع تكون الجلطات داخل الدعامة الشريانية. فقد ظهر أنه يوجد لدى نحو 30% من الأشخاص، متغير جيني يمنع الكبد من تفعيل هذا العقار، وهو ما يزيد نسبة تعرضهم لخطر تكون جلطة تتسبب في إصابتهم بنوبة قلبية. لذا، يمكن للاختبار الجيني أن يكشف ما إذا كان المريض لديه هذا المتغير أم لا. ويقول الدكتور سيكار: «إذا كنت تحمل هذا المتغير، فينبغي إما زيادة الجرعة التي تتناولها من (عقار الكلوبيدوغريل)، أو تناول عقار آخر مضاد لتجلط الدم مثل (التيكاغريلور «بريلينتا»)».

ويتم إجراء اختبار مشابه من أجل اكتشاف متغير جيني يمنع المرء من الاستفادة من العلاج بأدوية الستاتين إلى أن يثبت عدم فاعليته. مع ذلك، ربما يكون للاختبار، الذي يكشف عن زيادة احتمال حدوث ألم خطير موهن في العضلات نتيجة تناول هذا النوع من العقاقير، قيمة. ويتساءل دكتور سيكار: «هل ينبغي أن يخضع الجميع لهذا الاختبار؟».

معرفة التركيب الجيني

* نظرا لأن اكتشاف وجود مرض وراثي في القلب يسببه جين واحد، وهو ضمن أمراض تسمى «أمراض مينديليان» Mendelian diseases، فربما تكون لمعرفة التركيب الجيني أهمية. هناك علاقة كبيرة بين الإصابة بالمرض ووجود المتغير الجيني في بعض هذه الأمراض.

في مركز جينات الأوعية الدموية التابع لمركز بيت إسرائيل الطبي، يفحص الدكتور ساوميا داس وزملاؤه الأشخاص الذين عادة ما يكونون شبابا لديهم تاريخ مرضي يظهر وجود حالات وفاة مفاجئة أو أمراض وراثية مثل متلازمة مارفان Marfan syndrome أو اعتلال عضلة القلب التضخمي hypertrophic cardiomyopathy أو اعتلال عضلة القلب التوسعي dilated cardiomyopathy في سن صغيرة أو الخلل الإيقاعي المصاحب للتشوه النسيجي للبطيــن الأيمـن arrhythmogenic right ventricular dysplasia. وكثيرا ما يكون تخطيط القلب لهؤلاء الأشخاص غير عادي، وغالبا يكونون قد تعرضوا لحالات إغماء بلا سبب أو يعانون رجفانا أذينيا في القلب atrial fibrillation لا يمكن أن تفسره عوامل طبيعية.

ويقول الدكتور داس: «أحيانا، نرى عامل (مينديليان) واضحا في أمراض مثل متلازمة كيو - تي الطويلة long Q - T syndrome، ومتلازمة بروغادا Brugada syndrome المرضين اللذين يؤديان إلى مشاكل في التوصيل الكهربائي الذي يزيد من احتمالات الموت المفاجئ الذي يكون أوضح ما يكون في السن المبكرة».

ويضيف داس الذي يعمل أستاذا بكلية الطب جامعة هارفارد: «إن معرفة وجود هذا الجين لدى شخص لا تعني أن طريقة التعامل مع المرض ستتغير، لكن ذلك سيزيد فحص الأقارب لاكتشاف وجود هذا المرض من عدمه. ولا تعتبر الاختبارات الجينية حاليا إضافة كبيرة للفحوص المختبرية الشائعة. مع ذلك، نحن نشعر بأن هذا قد يتغير؛ فربما يتيح لنا علم الجينوم في المستقبل معرفة الشباب الذين يواجهون خطر الموت المفاجئ. وربما يسمح لنا أيضا بالتدخل للحيلولة دون وقوع ذلك».

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».