طفرة في ميدان الجراحات الروبوتية الدقيقة

الروبوتات الطبية تعزز قدرات الجراحين في الرؤية والحركة

TT

في غرفة عمليات بمستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، تجري الدكتورة كولين فيلتميت جراحة استئصال رحم (hysterectomy) لسيدة مصابة بسرطان الرحم (Uterine Cancer). وأثناء إجراء الجراحة لا تقف الدكتورة فيتلميت بجوار المريضة، بل أمام شاشة ولوحة مراقبة. ولا تكون يداها هما اللتان تحملان الأدوات الطبية المستخدمة، بل يدا روبوت.

جراحة دقيقة

* تعتبر التقنيات الطبية المدعمة بالروبوتات الجيل القادم في «جراحة الشق المصغر» (Minimal Invasive Surgery). بإمكان الجراحين الآن إجراء جراحات بالمنظار بمساعدة أدوات، يتم التحكم فيها عن بعد، تكون مثبتة في ذراعي روبوت. وفي مستشفى بريغهام والنساء – إضافة إلى مستشفيات أخرى بمختلف أنحاء الولايات المتحدة - يستخدم الأطباء الروبوتات في القيام بجميع الجراحات، بدءا من استئصال الأورام الليفية في الرحم («استئصال الألياف الرحمية» - Myomectomy) إلى استئصال أورام الكلى («الاستئصال الكلي والجزئي للكلية» - Radical and partial nephrectomy).

وفي وقت تعلو فيه نداءات المطالبة باستخدام أجهزة على أعلى مستويات التكنولوجيا، تبدو الجراحة الروبوتية أحدث وأفضل تقنية. لكن، هل تقدم الجراحات المدعومة بروبوتات مزايا عن جراحات المناظير القياسية؟

مزايا الروبوتات

* يعزز النظام الجراحي المعتمد على استخدام الروبوتات اثنين من أهم المصادر لدى أي جراح: الرؤية والحركة. يأتي الروبوت مزودا بكاميرا تكبير، تسمح للدكتورة فيلتميت بالنظر داخل جسم المريض في ثلاثة أبعاد، مما يوفر لها رؤية أكثر عمقا من الرؤية ثنائية الأبعاد التي توفرها جراحات المناظير التقليدية.

وتوفر الأدوات المحمولة على 3 أذرع روبوتية 7 درجات من الحركة - قدرا أكبر من البراعة عما كان يمكنها تحقيقه باستخدام معصمها. تقول الدكتورة فيلتميت، مدير جراحة الشق المصغر بقسم طب أورام النساء بمستشفى بريغهام والنساء: «تتحرك الروبوتات إلى أعلى وإلى أسفل ومن جانب إلى جانب، وتلف».

إضافة إلى ذلك، فإن الروبوت يتكيف مع التقلبات الطبيعية في حركات يدي الجراح.

لكن، هل يستحق هذا النوع من الجراحات تكلفته؟ يتمثل السؤال المحوري في ما إذا كانت التطورات التقنية في مجال الجراحات الروبوتية تترجم في صورة نتائج أفضل تعود على المرضى. باستخدام حقن وأدوات أصغر حجما، عادة ما توفر أي جراحة باستخدام المنظار (بما فيها الجراحة الروبوتية) مزايا عن الجراحات المفتوحة؛ من بينها تقليل كمية الدم المفقود، والحد من خطر حدوث عدوى، وتقليل فترة الإقامة بالمستشفى، بحسب الدكتورة فيلتميت.

ولكن كون جراحة المناظير تجرى بمساعدة روبوت أو من دونه، ربما لا يشكل فارقا كبيرا في تعافي المريض، مثلما هو الحال مع قدرة الجراح على إجراء الجراحة. يقول الدكتور آدم ستيوارت كيبل، رئيس قسم جراحة المسالك البولية بمستشفى بريغهام والنساء: «المريض في واقع الأمر لا يلاحظ اختلافا بين الجراحة الروبوتية وجراحة المنظار». وأضاف: «من وجهة نظر الطبيب، تتمثل الفائدة التي تعود من استخدام الروبوت في إجراء الجراحة في أنه يصبح لدى معصميك القدرة على الحركة بقدر أكبر من الحرية». ويضيف أن هذا يسمح للجراح بإجراء العمليات الجراحية المعقدة بشكل أكثر سهولة.

نظم باهظة الثمن

* غير أن تلك المرونة لا تأتي بثمن زهيد. فقد تنفق المستشفيات أكثر من مليون دولار مقابل نظام جراحات روبوتية. وقد توصل بعض الدراسات، من بينها دراسة أجراها الأطباء في قسم طب المسالك البولية بمستشفى بريغهام والنساء، إلى أن الجراحات الروبوتية المستخدمة في علاج البروستاتا والكلى ترتفع تكلفتها عن جراحات المناظير. وقد اكتشف الباحثون أن تكلفة عملية استئصال الكلى تبلغ 13900 دولار حينما تجرى بواسطة جراحة روبوتية، بزيادة قدرها 2700 دولار عن جراحة المنظار و1300 دولار عن الجراحة المفتوحة.

وتقول الدكتورة فيلتميت إنها لم تر أي زيادات في سعر الجراحات يتحملها المرضى، على الأقل بشكل جزئي نظرا لأن الجراحات الروبوتية تؤدي إلى تقليل فترة الإقامة بالمستشفى، التي توازي التكاليف الأعلى للعمليات. تقول: «عادة ما تؤدي الجراحة المفتوحة إلى الإقامة بالمستشفى لمدة ثلاثة أيام، أما في حالة جراحة المنظار، إما أن يعود المرضى إلى المنزل خلال 24 ساعة أو في الليلة نفسها. ومن ثم، فإن هذا يوفر كثيرا من المال».

توصلت دراسة كندية قارنت جراحات استئصال الرحم الروبوتية المستخدمة في علاج سرطان بطانة الرحم بجراحات المنظار المستخدمة في علاج المرض نفسه، إلى أن متوسط فترة الإقامة بالمستشفى قل بمدة أربعة أيام عنه في حالة إجراء الجراحات الروبوتية، مما أدى إلى توفير كبير في النفقات.

سوف يقرر الجراح الذي تتعامل معه ما إذا كان سيلجأ إلى الجراحة الروبوتية أم لا، اعتمادا على نوع العملية الجراحية التي تخضع لها ووزن المريض والجراحات الأخرى التي سيخضع لها في المستقبل، على حد قول الدكتور كيبيل. إذا ما كان طبيبك يسعى لإجراء جراحة روبوتية لك، فاسأل عن عدد الجراحات التي يجريها كل عام. يقول كيبيل: «تحتاج إلى الذهاب لمؤسسة تجري عددا كبيرا بالدرجة الكافية من الجراحات، وترغب في استشارة جراح ذي خبرة».

مستقبل الجراحة الروبوتية

* مع قليل من التعديلات، يمكن أن تصبح الأذرع الجراحية الروبوتية أكثر دقة وأقرب إلى الشكل البشري في المستقبل القريب. وتقول فيلتميت: «أعتقد أن الفائدة سوف تتحقق عندما يقل حجم الأدوات والكاميرا». فضلا عن ذلك، فإنها ترى مستقبلا سوف تهبط فيه الأذرع الروبوتية من السقف، بدلا من أن تكون مثبتة في عمود بجانب المريض، مثلما هي الآن. وهذا التغيير في الموقع من شأنه أن يمنح الجراح مزيدا من المرونة والقدرة على الوصول إلى المريض.

بإمكان كيبيل أن يتخيل فترة ما في المستقبل، بعد 10 إلى 15 عاما، قد تنهض فيها الروبوتات ببعض أجزاء الجراحة.

وبسبب التكوين المميز لجسم الإنسان، سيكون من الصعب وضع برامج جراحية تتوافق مع تشريح كل مريض، «لكن، هل يمكنك برمجة الروبوت للقيام بأجزاء معينة من الجراحة؟ بالطبع».

ابتكارات الجراحة الروبوتية في جامعة هارفارد

* من الصعب إجراء الجراحة على جزء متحرك - مثل قلب ينبض بسرعة. لقد تمثل الحل لجراحات القلب في وقف القلب، واستخدام جهاز القلب والرئة في ضخ الدم من وإلى الجسم - وهو إجراء يحمل بعض المخاطر الكبرى، من بينها الإصابة بالسكتة الدماغية والتشوش العقلي.

وأحيانا، تجرى جراحة القلب والقلب ما زال ينبض، بإيقاف الجزء الذي تجرى عليه الجراحة.

والآن، يطور المهندسون في معمل الروبوتات الحيوية بجامعة هارفارد طريقة أخرى للتعويض عن حركة القلب – أدوات روبوتية مجهزة بتصوير بالموجات فوق الصوتية ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي الذي تجرى فيه الجراحة.

وتسمح الموجات فوق الصوتية بتعقب حركة الأنسجة وتثبيت الصورة بالنسبة للجراح، وتوجيه الأدوات إلى الجهة التي تحتاج للاتجاه إليها لأجل إجراء الجراحة. يبدو الأمر أشبه بإيقاف القلب – من دون إيقافه فعليا. «نظريا، بإمكان الجراح النظر لشاشة تعرض القلب ساكنا، بينما يكون نابضا في واقع الأمر»، يوضح طالب الدكتوراه بول لوشاك. مع توجيه الجراح الأدوات لإجراء الجراحة، فإن تلك الأدوات تتحرك بما يتوافق ونبض القلب.

يهدف لوشاك وزملاؤه إلى استخدام روبوت يحمل اسم رافين الثاني (صمم روبوت رافين الأصلي مهندسون بجامعة واشنطن وجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، لفحص أنبوبة القسطرة الروبوتية)، إضافة إلى أدوات أخرى على أعلى مستويات التكنولوجيا يمكن أن تساعد الجراحين في التنقل بشكل أكثر سلاسة عبر أجزاء الجسم البشري.

ويستخدم أسلوب يطوره الباحثون - التغذية الراجعة للقوة - أجهزة استشعار في مساعدة الجراحين في «إدراك» مدى ضغط أدواتهم على أنسجة المريض.

وقال الدكتور ياروسلاف تينزر، أستاذ أبحاث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في المعمل: «من المحتمل أن يساعد ذلك الجراحين الذين ليسوا خبراء في المجال، في التدريب بشكل أسرع». ويعكف المهندسون بمختبرات هارفارد على تطوير حركات مؤتمتة – على سبيل المثال، استخدام التغذية الراجعة الحسية في مساعدة روبوت في زرع نسيج مغلق من دون الحاجة إلى يد جراح.

إن الروبوتات تمنح الجراحين بالفعل قدرات أكبر في غرفة العمليات، بحسب قول الدكتور تينزر. ويتنبأ بأنه في يوم ما، ستكون الماكينات قادرة على تنفيذ المزيد من المهام الجراحية بشكل مؤتمت.

ورغم ذلك، فإن هذا لن يستلزم من الجراحين فهم الماكينات التي يتحكمون فيها فحسب، بل أيضا حدود تلك الماكينات. وهو يقارن مستقبل الجراحة الروبوتية بالطائرات القتالية في العصر الحديث. ويقول: «لديهم أجهزة كومبيوتر للحفاظ على استقرار حركة الطائرة، لكن الحاجة تظل ماسة لوجود طيار لقيادة الطائرة، إذ يتحقق جهاز الكومبيوتر من أن الطائرة ستقوم باللازم، إلا أن الطيار سيقرر ما يجب القيام به. إنها الفكرة نفسها في الجراحة».

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة »، خدمات «تريبيون ميديا».