مرض «بطانة الرحم المهاجرة».. قد يسبب العقم

العيوب المناعية والوراثية تلعب دورا مهما في حدوثه

TT

ما هو مرض بطانة الرحم المهاجرة؟ وما أسباب الإصابة به؟ ما نسبة انتشاره محليا، وإقليميا، وعربيا؟ كيف يتم الكشف عنه؟ وما هي مضاعفاته، وعلاقته بالعقم؟ ما هي أحدث تقنيات العلاج؟ وكيف يتم اختيار الطريقة المناسبة؟ طرحت هذه الأسئلة في الملتقى السعودي الأول لمرض «البطانة المهاجرة» الذي نظمته الجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة على مدى ثلاثة أيام.

وأوضح الدكتور هشام عرب الأمين العام للجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة ورئيس المؤتمر أن مرض «البطانة المهاجرة endometriosis» يندرج تحت اسم الأمراض الحميدة، على الرغم من كونه مزمنا.

* مرض واسع الانتشار

* يتم رصد مرض «بطانة الرحم المهاجرة endometriosis» أو «انتباذ بطانة الرحم» عند وجود أجزاء من بطانة الرحم في أماكن أخرى غير طبيعية مثل الحوض، والأنابيب، والمبيضين، وقد تصل أحيانا إلى المثانة، والأمعاء، مما يمكن أن يؤدي لتجمع الدم الناتج عن خلايا بطانة الرحم إلى تكوين أكياس. وهذه المشكلة منتشرة في أنحاء العالم، وتصيب نسبة كبيرة من النساء. وهو حالة مرضية تصيب الجهاز التناسلي لدى الأنثى، بحيث ينشط رحم المريضة ولكن من الخارج (خارج الرحم) مما يتسبب للمرأة في ألم شديد ومزمن. ويعد مرض «بطانة الرحم المهاجرة» من الأمراض التي تسبب الذعر لدى النساء، إذ يعتبرنه الكلمة المرادفة لـ«العقم». ولتقريب مفهوم هذا المرض للأذهان يمكن أن نتصور أن المرأة التي تعاني من هذا المرض تحيض داخل بطنها، بمعنى أن هناك داخل تجويف البطن أنسجة مشابهة لبطانة الرحم تحيض شهريا، وكما ينزل دم الحيض من المهبل فإن هناك كمية أخرى من الدم تتجمع داخل البطن قد تكون على المبيض، أو الغشاء البريتوني، أو أنها تتجمع لتكون أكياسا دموية بالمبيض، والتصاق الأعضاء الداخلية بعضها ببعض، مما يضعف خصوبة المرأة لأسباب متعددة أهمها أنه يعوق عملية انتقال البويضة من المبيض إلى الأنابيب.

كان مرض «بطانة الرحم المهاجرة» يعتبر من الأمراض النادرة في المنطقة العربية عامة، وفي السنوات العشر الأخيرة لاحظ الأطباء تزايدا مستمرا في نسب الإصابة به. وتشير التقارير الطبية والأبحاث الدولية إلى أن انتشار هذا الداء لدى النساء يقدر بـ10-15 في المائة ونحو 75 في المائة من حالات الإصابة بهذا الداء تظهر في سن 25 - 45 عاما.

* أهم الأسباب

* لم يعرف السبب في هذا المرض حتى الآن على وجه التحديد، وكل ما هو معروف هو مجرد نظريات وافتراضات لم تثبت صحتها بعد على وجه اليقين. وتقول إحدى النظريات إن بطانة الرحم تتدحرج، خلال فترة الحيض، ليس فقط باتجاه المهبل، ولكن أيضا باتجاه تجويف البطن من خلال قناة فالوب وهذا ما يفسر سبب حصول عيوب خلقية بالرحم، في كثير من الحالات. وهناك نظرية أخرى تقول إن احتمالية الإصابة بهذا المرض بسبب إفرازات هرمونية من جوف الرحم تتنقل إلى أماكن خارج الرحم وبسبب تأثيرها الهرموني تحرض أنسجة أخرى على التحول إلى أنسجة شبيهة لتلك المبطنة لجوف الرحم. وعلى أي حال، فمن الثابت أن للعيوب المناعية والوراثية دورا مهما في حدوث هجرة بطانة الرحم.

ما هي الأسباب التي تزيد من احتمال الإصابة؟ تشير بعض الدراسات الحديثة إلى الاستعداد الوراثي بوجود موروثات معينة تساعد على ظهوره، ولكنه لا يصنف ضمن الأمراض الوراثية. ومعظم الحالات تكتشف في عمر 25-45 سنة إلا أن المرض قد يكون موجودا من سن مبكرة.

* التشخيص

* لا توجد طريقة سريرية بسيطة وأكيدة تمكن الأطباء من كشف المرض، ولذا فإنه في المرحلة الأولى ينشأ الاشتباه بأن المرأة تعاني من انتباذ بطانة الرحم وفقا للأعراض السريرية، وتلك المؤشرات التي تعتبر العامل الأساسي في معاناة المرأة. وقد أجمع الباحثون من خلال هذا الملتقى على أن النساء اللواتي لديهن خلفية عائلية (تاريخ وراثي للمرض) ينصحن بمراجعة الطبيب المختص لإجراء فحوصات التشخيص المبكر، ويجب عليهن المتابعة المنتظمة أكثر من غيرهن من النساء الأخريات، إذ تزيد نسبة إصابتهن إلى 6 أضعاف عن الأخريات من دون ملف وراثي عائلي.

وتجمع الدراسات والأبحاث السريرية على أنه لا يمكن الاعتماد على الأعراض والفحص الطبي فقط لتشخيص مرض بطانة الرحم المهاجرة، حيث إن هناك أمراضا أخرى تسبب نفس الأعراض.. لذلك يجب القيام ببعض الفحوصات المتقدمة لتأكيد تشخيص المرض.

ويعتبر أخذ «الخزعة» (العينة) من أهم وسائل تشخيص المرض بواسطة إدخال منظار من خلال شق صغير، ثم أخذ عينة من البطن، أو المراكز المشبوهة بأنها من بطانة الرحم وفحصها وتحديد ما إذا كانت تلك الخلايا من بطانة الرحم أم غيرها من الأنسجة.

* خطوات العلاج

* هناك خيارات عديدة للعلاج، بالهرمونات، والعلاج الجراحي، يحددها الطبيب المعالج تبعا لحالة المريضة، وسنها، ورغبتها في الحمل، ودرجة انتشار المرض. وهنا يجب ذكر أنه لا يوجد علاج شاف نهائيا لهذا المرض وإنما يتمثل العلاج في تخفيف أعراض المرض. وماذا إن احتاجت المريضة للعلاج الجراحي؟ كيف يتم ذلك؟ بالنسبة للعلاج الجراحي، فيكون عن طريق المنظار، وفي بعض الحالات قد يحتاج الطبيب إلى فتح البطن إذا كانت الحالة معقدة لإزالة الالتصاقات الكبيرة، أو عند وجود خلايا للانتباذ البطيني الرحمي في منطقة البطن، أو جدار الرحم والمبايض والأنابيب، وفي بعض الأحيان قد توجد هذه الخلايا على الأمعاء أو خارج جدار البطن وهنا تكون الخطورة.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فله طرق عديدة أهمها توقيف إفراز هرمون الإستروجين، وفي الماضي كان يتم باستخدام أحد مشتقات هرمون الذكورة الذي يعطى على هيئة حبوب توصف للمريضة لمدة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، ولكن اليوم بات لدينا خيارات علاجية واسعة تعتمد على نوعية الحالة ومدى تقدم المرض، فقد تعطى المريضة حقنا تحت الجلد وتعتبر من العلاجات الهرمونية لإيقاف عمل المبيضين اللذين يفرزان هرمون الإستروجين الذي بدوره يزيد من كمية تلك الخلايا المهاجرة.

وفي كثير من الحالات يفضل الطبيب اللجوء للعلاج الجراحي مبدئيا ليزيل ما يمكن إزالته من هذه الخلايا المهاجرة، ومن ثم يوصف العلاج الدوائي.

* حدوث العقم

* هل يعتبر المرض بالفعل سببا من أسباب حالات العقم لدى النساء؟ يجيب الدكتور عرب بـ«نعم»، فمرض «بطانة الرحم المهاجرة» يعد من أهم أسباب حالات العقم لدى النساء، حيث يمثل ما بين 30 – 40 في المائة من أسباب حالات العقم لديهن.

وهل يمكن أن يصيب المرض غير المتزوجات؟ وكيف يمكن تداركه في هذه المرحلة؟ «نعم»، فبالنسبة للفتيات غير المتزوجات والمصابات بالمرض في المراحل البسيطة فيمكن وصف حبوب منع الحمل لهن لإيقاف المبايض حتى لا تسوء الحالة، ولا تعتبر الحبوب سببا للعقم، بل تكون نوعا من العلاج.