فريق علمي دولي يدرس أسرار انتقال فيروس «كورونا» الجديد من الحيوانات

دراسات على وكر للخفافيش في قرية سعودية مهجورة

TT

علماء يحدقون في الظلام ويوجهون أشعة مصابيحهم الضوئية اليدوية لتلمع أمامهم مئات العيون الصغيرة من الجدران والسقوف.. إنها عيون خفافيش يدرسها باحثون دوليون في قرية قديمة مهجورة، دُفن نصفها تحت الرمال في منطقة نائية جنوب غربي المملكة العربية السعودية.

وقد وجد فريق دولي من العلماء هذا الموقع أفضل مكان لنصب شراكهم والقبض على الخفافيش لدراستها، وفقا لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز». وتتوجه الدراسة للبحث في علاقة الفيروس الجديد القاتل المسمى «متلازمة الالتهاب التنفسي في الشرق الأوسط - فيروس كورونا» MERS (ميرس) الذي اكتشف العام الماضي، بالخفافيش. وهذا الفيروس قريب من متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد «سارس» الذي ظهر أولا في الصين عام 2002 وأصاب ثمانية آلاف شخص على الأقل، وأدى إلى وفاة 800 منهم تقريبا.

* الغاز الفيروس

* ويظل العلماء حائرين في حل لغز فيروس «ميرس» الجديد: من أين أتى، وأين يوجد في الطبيعة، ولماذا انتشر الآن، وكيف يصاب به الإنسان، وهل يمكن أن يتحول إلى وباء عالمي؟ ومن المؤكد تقريبا أن الفيروس ظهر لدى أفراد أصيبوا به عند انتقاله من حيوان ما (ربما يكون الخفاش)، إلا أن العلماء لا يعرفون عدد المرات التي تم فيها هذا الانتقال، ولا يعرفون أيضا إن كان الانتقال لا يزال مستمرا حتى الآن فعلا.

ويبحث العلماء عن إجابات سريعة، لأن الفيروس له القدرة على الانتقال بين المرضى داخل المستشفيات، مسببا أعراضا شبيهة بالإنفلونزا يمكن أن تتحول إلى مضاعفات شديدة لمرض ذات الرئة.

ويعتبر الفيروس مثالا للأمراض الحيوانية المنشأ. ويقول الدكتور بيتر داجاك الباحث في بيئة الأمراض ورئيس «ائتلاف إيكوهيلث» وهي مؤسسة تدرس الروابط بين صحة الإنسان وصحة الحيوانات البرية والداجنة مع البيئة إنه «مع تنامي أعداد السكان، فإننا نتصادم مع الحياة البرية التي تحمل أنواعها الحية فيروسات مخيفة لم نرها من قبل».

وينتقل الفيروس عبر السعال والعطاس أو عند ملامسة السطوح الملوثة، ويعتقد أن الرجال وقعوا ضحية الفيروس أكثر من النساء لأن الأخيرات يرتدين النقاب. ويقول الدكتور توماس فريدن مدير «مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها» الأميركية إنه، وبغض النظر عن موقع ظهور الفيروس، فإن المرض «يقع على مبعدة سفرة واحدة بالطائرة»، وبما أن فيروس «ميرس» معدٍ مثل الإنفلونزا، فإن «احتمالات انتشاره ليست ضئيلة».

ويفترض بعض العلماء أن فيروس «ميرس» سينحسر مثلما انحسر فيروس «سارس» الذي ظهر بداية عام 2003 ثم انحسر صيف ذلك العام. إلا أن الدكتورة أليسون ماكغير الباحثة في الميكروبيولوجيا التي درست انتقال الفيروس داخل المستشفيات السعودية (ربما عبر آلات تصفية الدم لمرضى الكلى) تعتقد أنه لا توجد دلائل على احتمال انحسار الفيروس بسهولة.

* قرية الخفافيش

* وقد تحولت الخفافيش إلى أهم الحيوانات المشتبه بها لنقل الفيروس، لأنها تعتبر حاضنة لفيروس «سارس»، إضافة إلى حملها لعدد من الفيروسات التاجية المماثلة في تركيبتها الجينية لفيروس «ميرس».

ويمكن للخفافيش نقل الفيروس مباشرة إلى الإنسان أو نقله إلى حيوان آخر ينقله إلى الإنسان. ولكن أي نوع من الخفافيش؟ إذ يوجد أكثر من 1200 نوع من الخفافيش، من بينها 20 إلى 30 نوعا في السعودية.

وفي الخريف الماضي، تجول فريق من الباحثين من وزارة الصحة السعودية وجامعة كولومبيا وائتلاف إيكوهيلث في المدن التي ظهر فيها الفيروس، وعرضوا على السكان صورا من الخفافيش، وسألوهم إن كانوا قد رأوها. وقد قادهم أحد السكان إلى القرية المهجورة التي يعود تاريخها إلى مئات من الأعوام خلت.

وهناك وجد العلماء حجرة صغيرة يقطنها نحو 500 خفاش، ونصبوا شراكهم للقبض عليها واختبارها ثم إطلاقها حرة. ويصل أقل وزن للخفاش إلى أربعة غرامات، بينما يصل مدى جناحيه إلى 8 بوصات (20 سم تقريبا). وخلال 15 دقيقة يحصل العلماء من كل خفاش على قياساته، وعلى عينة من دمه، لتجميدها وإرسالها إلى جامعة كولومبيا لتحديد نوعه. وقد فحصوا حتى الآن مئات منها، إلا أن النتائج لم تظهر بعد.

* جمال وماعز

* كما درس العلماء الجمال والماعز والخراف والقطط التي يمكن أن تكون محطات عبور للفيروس، حيث تلتقطه من الخفافيش ثم تنقله إلى الإنسان، إذ أصيب شخص في الإمارات العربية بالفيروس بعد إصابة جمل له به.

وقال الدكتور جوناثان ابشتاين عالم الوبائيات الحيوانية في ائتلاف إيكوهيلث إن العلماء لا يعرفون إن كانت الحيوانات تصبح مريضة إن تعرضت للإصابة بالفيروس، وهل تصيب الإنسان عن طريق السعال أو البول أو التغوط أو عندما ينظف أصحابها مواقع عيشها. ويضيف متحدثا عن صعوبات فحص الحيوانات، أن «الجمال قوية جدا، بحيث يصعب على الطبيب البيطري السيطرة عليها، ومع ذلك فإننا لم نسجل حتى إصابة بالفيروس بين تلك الحيوانات».