التشكيك في مصداقية أجهزة الكشف عن الكذب

استجابات المشبوهين الفيسيولوجية مثل ارتفاع ضغط الدم والتعرق لا تكفي لتأمين دقة عالية جدا * هناك سوق نام لاختبارات الكشف عن الكذب خارج نطاق الدوائر الرسمية

TT

عندما انكر العالم الفيزيائي ون هو لي تسريبه معلومات نووية سرية للصينيين، قام موظفون من وزارة الطاقة عام 1998 بوصله بجهاز كشف الكذب. لكن هذا العالم الذي يعمل في مختبرات لوس الاموس القومية اجتاز الاختبار بنجاح. وعندما راجع خبير في اختبارات الكذب من وكالة التحقيق الفيدرالية النتائج، قرر ان لي كان يكذب. فكيف تؤدي نفس نتائج اختبار الكذب الى نتيجتين متعاكستين؟

تركت قضية العالم ون هو لي الذي اعترف اخيرا بجريمة واحدة لتسريب معلومات سرية، خبراء وكالة التحقيقات الفيدرالية يطرحون نفس السؤال الذي طرح منذ ولادة اجهزة الكشف عن الكذب قبل ثمانين عاما، وهو هل تستطيع هذه الاجهزة الكشف عن الكذب؟ وهل هي عادلة؟

يقول ستيف افترجود، باحث مسؤول في اتحاد العلماء الاميركيين في واشنطن: «لقد اثارت هذه القضية الجدال القديم الحاد». ويجادل افترجود ان السياسة الفيدرالية الجديدة. التي تتطلب خضوع حوالي عشرين الف موظف في مختبرات الاسلحة النووية لفحوصات الكشف عن الكذب، تعطي نتائج غير مرغوب فيها. فقد اثرت هذه السياسة في المعنويات وادت ببعض اكثر العلماء الموهوبين الى ترك مناصبهم وجعلت من الصعب تجنيد علماء جدد للعمل في برنامج الاسلحة، ويقول ان استخدام فحوص الكشف عن الكذب يمثل طغيان دولة الامن على المنطق.

* اختبارات الكذب

* وبالرغم من هذه الانتقادات، فإن استخدام اختبارات الكشف عن الكذب آخذة بالتزايد، وقد منع الكونغرس القطاع الخاص من استخدام اختبارات الكشف عن الكذب في 1988. لكن هذه الفحوص تستخدم بشكل منتظم لاختبار الموظـفين في وكالة التحقيق الفيدرالية ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الامن الوطني ودوائر الشرطة المحلية عبر الدولة، ووفقا لاستبيان قامت به كلية العدل الاجرامي في جامعة ميتشيغان، ارتفعت نسبة وكالات حماية النظام القانوني التي تستخدم اختبارات الكشف عن الكذب من 16 في المائة عام 1962، الى 62 في المائة عام 1999.

وهناك سوق نام لاختبارات الكشف عن الكذب خارج نطاق وكالات حماية النظام، اذ بلغت هيئة فحوص الكشف عن الكذب الاميركية، وهي المنظمة التي تصدق على فحوص الكشف عن الكذب ان عضويتها ارتفعت لاكثر من الفي عضو وما زالت تنمو. ويقوم خبراء فحوص الكشف عن الكذب الخصوصيون بمعالجة كل قضايا الكشف والاختبار من مسابقات صيد السمك الى قضايا الطلاق.

ولم يجر تصميم اجهزة الكشف عن الكذب لكشف الكذب ذاته، ولكنها تكشف عن التغيرات الجسدية التي تحدث عندما يكذب الشخص. وتعني كلمة «جوليغراف» وهو الاسم الذي يطلق على الجهاز تعدد الكتابات. وهذا ما يبينه جهاز الكشف عن الكذب: عدد من الخطوط المتعرجة على ورقة.

ويتم الفحص كالتالي: يجلس الشخص على كرسي ويجري ربط حزامين مطاطين حول صدره وبطنه لقياس نمط تنفسه، كما يجري وضع كم لقياس ضغط الدم على ذراعه، ويجري ايضا وصل قطعة معدنية على اصابعه لقياس نشاط غدد العرق. ويسأل مدير الفحص الشخص سلسلة من الاسئلة، لا يتعلق بعضها بالموضوع ولكنها تعطي صورة عامة عن ضغط دم الشخص وتنفسه وعرقه. وتتعلق الاسئلة الاخرى بشكل مباشر بموضوع التحقيق.

ويقوم مدير الفحص بتحليل استجابات الشخص الفيسيولوجية لكل سؤال والتي تسجل على شريط ورقي ليعرف ان كان الشخص يكذب، واذا وجد مقدار من الاشتباه بالنتائج فهي تقوم على التقدير. ويقول ميلتون ويب رئيس هيئة اختبارات الكشف عن الكذب : «عندما يكذب الشخص لا يظهر ضوء احمر لابلاغك».

وتعود جذور جهاز الكشف عن الكذب الى القدم. فمثلها مثل الطرق الحديثة اعتمدت الاساليب القديمة للكشف عن الكذب على السلوك الذي يبينه الكاذب مثل «كف رطب» و «فم جاف» و «عينين متحركتين» و «نبض متسارع». ففي الصين على سبيل المثال، يعطي المشتبه بكذبهم حفنة من الرز الجاف. فاذا استطاعوا ان يبصقوها فهذا يعني انهم صادقون. واذا التصق الرز بلسانهم فهم كاذبون.

وحاول العلماء على مدى السنين ان يعرفوا ان كان جهاز الكشف عن الكذب بالفعل قادرا على الكشف عن الكذب، ولكن اجراء دراسات دقيقة شيء صعب جدا، ويقول افترجود ان العلم ليس اكيدا، لأن المحققين لا يعرفون ان كان الشخص الذي اجتاز فحص الكذب صادقا بالفعل. ولكن مؤيدي اختبار الكشف عن الكذب يجادلون ان الجهاز دقيق في تسعين في المائة من القضايا.

ولكن عددا كافيا من المذنبين استطاعوا التغلب على طريقة اختبار الكشف عن الكذب لدرجة ان معظم المحاكم الفيدرالية لا تقبل بنتائج فحص الكشف عن الكذب كدليل قاطع، ولكن حتى ناقدو جهاز الكشف عن الكذب يقرون انه ادى للاعترافات بالذنب، التي ما كانوا سيحصلون عليها بشكل آخر، ويقول افترجود ان جهاز الكشف عن الكذب يخدم كبدعة اكثر من اي شيء آخر. لكن هناك قضايا تنجح فيها هذه البدعة.

=