مشروع أميركي طموح لإنتاج لقاح ضد مخدرات الكوكايين

استخدام بكتيريا الكوليرا لمعالجة الإدمان

المدمن.. سجين إدمانه (كي آر تي)
TT

فريق علمي، قوامه زوج وزوجة، من باحثي كلية بيرلور للطب في هيوستن بولاية تكساس الأميركية، يعمل على تطوير لقاح جديد وفريد. ووفق ما تم الإعلان عنه في الثاني من هذا الشهر، فإن اللقاح ليس موجهاً لحماية الإنسان من الإصابة بأحد الميكروبات، بل لحماية الإنسان من الإدمان على الكوكايين عبر تنشيط تنبه جهاز مناعة الجسم لوجود تلك المادة في الدم ومنعها من الوصول إلى الدماغ.

الخبر أكثر من «لافت للنظر»، بالتقييم الطبي، بل إنه خطوة مهمة «بامتياز» في مشوار الطب للتغلب على مشكلة خضوع الملايين في أنحاء شتى من العالم لسيطرة إدمان الكوكايين، و«ابن عمه» الكراك. والفكرة الطبية المطروحة اليوم كأحد الحلول لمشاكل الإدمان على المخدرات تنقل جهود المكافحة لتعاطي المخدرات نحو إغلاق سوق الاستهلاك، مهما تفنن مروجوها في تسويقها وخداع المراهقين والشباب بها. والتجارب، وإن كانت في مراحلها المتوسطة، إلا أنها قطعت مشواراً مهماً ونالت موافقة إدارة الغذاء والدواء على البدء بالتجارب على الإنسان.

مشوار علمي عائلي

* وكان الهدف البعيد لكل من الدكتور توم كوستن والدكتورة تيريزا كوستن البحث عن لقاح يُفيد في إنقاذ ملايين البشر وتحريرهم من الإدمان على مواد مثل الكوكايين والميثامفيتامين والنيكوتين. وقصة علاقتهما بدأت منذ أن اشتركا معا كفريق للتزلج على الجليد في فترة المراهقة. ثم التحقا بجامعة يال، حيث توجه توم إلى كلية الطب وأنهى دراساته العليا في الطب النفسي، واتجهت تيريزا إلى علم النفس وحصلت على شهادة الدكتوراه في علم النفس والعلوم العصبية، ليكملا مشوارهما في قسم الطب النفسي وعلوم السلوك بكلية بيرلور للطب في هيوستن.

وقال البروفسور توم كوستن، إن اللقاح من المفترض أن يُساعد الناس الذين يرغبون في التوقف عن تعاطي الكوكايين. وفي مرحلة ما من الإدمان، يصل الغالبية إلى حالة من الانتكاس نتيجة للرغبة المدفوعة بالإغراء لتعاطي الكوكايين والحصول على تأثيراته في رفع مستوى المزاج، وسيكون اللقاح فاعلاً عبر منع حصول «الارتفاع» هذا وبالتالي فقد الاستمتاع به.

وحصل البروفيسور كوستن على موافقة مبدئية من إدارة الغذاء والدواء الأميركية على البدء في دراسة إكلينيكية تطبيقية من نوع المرحلة الثالثة Phase III على مفعول اللقاح لدى مجموعة من الناس. أي بعد تخطي بنجاح التجارب على الحيوانات. وتم في الثاني من شهر يناير الحالي الإعلان عن العزم على البدء في الدراسة مع حلول الربيع المقبل. وسيشارك فيها 300 شخص ممن يُتابعون طبياً في ستة مراكز طبية بالولايات المتحدة.

أهمية عالية للقاح

* وعبر البروفيسور كوستن عن أهمية الأمر بالنسبة له وللدكتورة تيريزا بالقول إنه مهتم بتطوير أدوية لمعالجة حالات الإدمان، وأحد نقاط الجذب بالنسبة لي هو الحجم الاجتماعي الهائل لهذا الأمر. وذكر بأن إدارة الخدمات الصحية العقلية وإدمان المواد قد أكدت في نشراتها حول إحصاءات عام 2005 أن أكثر من 22.5 مليون أميركي مُصنفون على أنهم مدمنون. وأن هذه العادة لها تكلفة مادية باهظة، حيث تُكلف الأمة الأميركية أكثر من 480 مليار دولار سنوياً وفق ما تؤكده نشرات المؤسسة القومية لتعاطي المخدرات. أي أن تلك الكلفة المادية وحدها تبلغ ثلاثة أضعاف الكلفة المادية لمعالجة كل حالات السرطان. وإلى جانب التغلب على هذه الجوانب من مشاكل الإدمان، فإن ثمة جوانب سلوكية أخرى توضح مدى الحاجة إلى وسيلة فاعلة في معالجة الإدمان. ويقول البروفيسور كوستن: إن الإدمان على هذه المواد المخدرة يُمكنها من «اختطاف» ما يستخدمه دماغ الإنسان من طرق طبيعية لإتمام أداء اجتماعي طبيعي. وأضاف بأن دراسات تصوير الدماغ أثبتت أن المدمنين متبلدو الشعور إزاء مشاعر وعواطف الغير، لأن دماغ الشخص المدمن لا يلحظ ويتصور أن الشخص الذي أمامه قد يشعر بالألم أو أنه، أي الشخص المدمن، قد يتسبب بأي أذى عاطفي للغير أو بأي ألم لهم.

خدعة ذكية

* وكثير من المواد المخدرة التي يتم الإدمان عليها، والكوكايين من أهمها، مكونة من أجزاء صغيرة جداً. ولذا عندما يتعاطها المدمن، فإنه يصعب على جهاز مناعة الجسم ملاحظة وجودها في الجسم، كي يقوم بتدميرها والتخلص منها من خلال الأجسام المضادة Antibodies. وما كان على البروفيسور توم والدكتورة تيريزا بحاجة إليه لتنشيط قدرات جهاز مناعة الجسم للقضاء على الكوكايين هو صناعة شيء أكبر حجماً لأجزاء الكوكايين، كي يتمكن جهاز المناعة من ملاحظة وجود مادة الكوكايين في الدم، ومن ثم يتعلم هذا الجهاز كيفية محاربة تلك المادة الدخيلة على الجسم، ويُخلص الجسم منها قبل تمكنها من تجاوز الدم والوصول إلى عقر دار جسم الإنسان، أي في دماغه.

واستغرق البحث عن حل ذكي لهذه المشكلة أكثر من عشر سنوات. وكان الحل كالتالي: أخذ الباحثان مركبات مواد سميّة خاملة مكونة من بروتينات تفرزها بكتيريا الكوليرا Inactive Cholera Toxin Protein. ثم قاموا بإلصاق كوكايين غير نشط Inactivated Cocaine على أسطح هذه المركبات البروتينية. وبهذا يتم عمل خدعة لجهاز مناعة الجسم كي يقوم هذا الجهاز بإنتاج أجسام مضادة موجهة ضد مركبات الكوكايين الصغيرة. أي أن الفكرة هي في كيفية تبصير جهاز مناعة الجسم للقيام بملاحظة وجود أي كوكايين في الدم، وتكوين مناعة للجسم ضد الكوكايين كي يتم تدميره قبل الوصول إلى الدماغ. وبعد هذا، حينما يتناول ذلك الشخص الكوكايين فإن جهاز المناعة سيتفاعل مع وجود المادة الدخيلة تلك وسيوجه أسلحته المتمثلة في الأجسام المضادة، نحو تعطيل الكوكايين وإتلافه والحيلولة دون وصوله إلى الدماغ. وبالتالي فإن الدماغ لن يصله الكوكايين ولن تحصل حالة «رفع المزاج». هذه الفكرة التي طرحها الزوجان الباحثان ويعملان على اختبار فاعليتها لدى مدمني الكوكايين، والتي ستحدث مردوداً عالياً في مكافحة انتشار المخدرات.

معالجة إدمان الكوكايين

* تشير نشرات المؤسسة القومية لتعاطي المخدرات بالولايات المتحدة إلى ارتفاع ملحوظ في تعاطي الكوكايين خلال العقود الماضية، وأن حالات الإدمان عليه تمثل النسبة الأعلى بين مدمني المخدرات في مناطق شتى من الولايات المتحدة.

وتعترف بأن مشكلة الإدمان على الكوكايين معقدة في حقيقة الأمر، لأنها تطال بالضرر تغيرات بيولوجية حيوية في عمل الدماغ، إزاء التفاعل مع عوامل اجتماعية وأسرية وبيئية مختلفة. ومن ثم فإن معالجة مثل هذه المشاكل الصحية معقدة وتتطلب خطة علاجية واضحة من جوانب شتى، يُساهم فيها العديد من المتخصصين الصحيين.

ولا يُوجد حتى اليوم أي علاج دوائي يُمكن إعطاؤه للمدمن كي يتغلب على مشكلته، لكن ثمة مجموعة من الأدوية التي تُبشر بالفائدة لمعالجة حالات الإدمان وأدوية أخرى للتعامل مع الحالات الإسعافية لتناول جرعات عالية منه.

ولجانب العلاج السلوكي أهمية عالية في مساعدة المدمنين على التغلب على ما يمرون به، سواء الذي يتم في مصحات خاصة بعلاج الإدمان أو الذي يقدم كعلاج للمتابعين في العيادات الخاصة بذلك الأمر.