التوحد.. إعاقة متعددة الجوانب

يؤثر في قدرات الإدراك والسلوك ومهارات التواصل

TT

يصادف الثاني من أبريل (نيسان) من كل عام الاحتفال باليوم العالمي للتوحد، الذي صدر قرار الأمم المتحدة بإجماع الأعضاء، بنهاية عام 2007، باعتماده يوما عالميا للتوعية باضطرابات التوحد والتحذير من إهمال علاجه مبكرا. ويدعو القرار جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ التدابير كافة اللازمة لزيادة الوعي باضطراب التوحد داخل مجتمعاتها.

التوحد (Autism)، وفقا للجمعية السعودية للتوحد، إعاقة نمائية متداخلة ومعقدة تظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. ويذكر الدكتور طلعت حمزة وزنة، الأمين العام للجمعية، أن عدد الأطفال الذين يصابون بالتوحد والاضطرابات السلوكية المرتبطة يقدر بنحو 20 طفلا من كل 10000 تقريبا، وذلك نتيجة لاضطراب عصبي يؤثر في عمل الدماغ. ويزيد معدل انتشار التوحد بين الأطفال الذكور أربع مرات عنه بين الإناث، كما أن الإصابة بالتوحد ليس لها علاقة بأي خصائص ثقافية أو عرقية أو اجتماعية، أو بدخل الأسرة أو نمط المعيشة أو المستويات التعليمية. ويضيف أن التوحد يؤثر في النمو الطبيعي للدماغ وذلك في مجالات التفكير والتفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل مع الآخرين ويكون لدى المصابين عادة قصور التواصل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل الاجتماعي وأنشطة اللعب أو أوقات الفراغ، ويؤثر الاضطراب في قدراتهم على التواصل مع الآخرين على التفاعل مع محيطهم الاجتماعي، وبالتالي يجعل من الصعب عليهم التحول إلى أعضاء مستقلين في المجتمع. وقد يظهرون حركات جسدية متكررة (مثل رفرفة اليدين والتأرجح)، واستجابات غير عادية للآخرين أو تعلقا بأشياء من حولهم مع مقاومة أي تغيير في الأمور الاعتيادية (الروتينية) وقد تظهر لدى المصابين بالتوحد في بعض الحالات سلوكيات عدائية أو استجابات إيذاء الذات. ولا تتوافر تقديرات عن عدد المصابين بالتوحد في السعودية أو الدول العربية إلا أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من نصف مليون شخص تقريبا مصابون بأحد أنواع التوحد في الولايات المتحدة، وبذلك يصبح واحدا من أكثر الإعاقات النمائية شيوعا، وأكثر انتشارا من متلازمة داون إلا أن الغالبية العظمى من الناس بمن في ذلك الكثير من المختصين في المجالات الطبية والتربوية والمهنية ما زالوا يجهلون تأثير التوحد وكيفية التعامل معه على نحو فعال.

* مهارات أطفال التوحد

* يواجه المتخصصين في علاج أمراض النطق واللغة أسئلة كثيرة حول مهارات أطفال التوحد التواصلية، ولكن هناك سؤالا واحدا من بينها يتكرر من أولياء أمور هؤلاء الأطفال التوحديين ألا وهو: هل سيتكلم طفلي؟

يجيب عن ذلك الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، كبير اختصاصيّي النطق واللغة ورئيس وحدة اضطرابات النطق واللغة عند الأطفال والمشرف الإكلينيكي لقسم اضطرابات التواصل والبلع بمستشفى التأهيل بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض، مشيرا إلى أن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى التعرف بشكل تفصيلي إلى الكثير من المعطيات التي يجهلها البعض! وأضاف أن التوحد، كاضطراب في النمو العصبي، تظهر تأثيراته على التطور في ثلاثة مجالات أساسية:

* صعوبة شديدة في فهم المحيطين والارتباط بهم وإدراك كيفية التفاعل الاجتماعي.

* تأخر ملحوظ في نمو المهارات التواصلية (لفظية وغير لفظية) وقصور القدرة على الاستخدام الصحيح للغة.

* التعلق الشديد بالأعمال الروتينية والإصرار على المحافظة على أنماط وأداء الأفعال على وتيرة واحدة لا تتغير وعدم القدرة على مشاركة اللعب.

ومما سبق نجد أن الشق التواصلي يمثل الجانب الأكبر من التحديات، التي يواجهها الشخص التوحدي تبعا للعلاقة الوثيقة بين كل من التفاعل الاجتماعي ومهارات اللعب بالمهارات التواصلية. وهو ما يعطي أهمية خاصة لعملية التأهيل التخاطبي على مستوى التقييم ومستوى التدخل العلاجي.

يشمل ظهور نمط أعراض اضطراب التوحد قبل سن 36 شهرا، 70 - 80 في المائة من الأطفال التوحديين، في حين ينمو 20 - 30 في المائة من الأطفال بشكل طبيعي حتى سن 18 - 24 شهرا، ثم يبدأ حدوث التدهور في المهارات المختلفة التي اكتسبها الطفل.

ولذا، فإن ملاحظة هذه الأعراض تستلزم الإحالة لفريق متخصص، حيث يقوم الفريق بعملية التقييم التي تتطلب الكثير من الوقت والملاحظة للحصول على المعلومات اللازمة للقيام بالتشخيص المناسب. وقد أظهرت الأبحاث العلمية في مجال التوحد أن مؤشرات الخلل على الرغم من كونها غير واضحة فإنها موجودة منذ البداية. وتظهر المعطيات الأولية أن الأطفال في سن 6 أشهر، الذين يتم تشخيصهم لاحقا بالتوحد قد يُظهرون مهارات التواصل البصري بشكل مقبول إلا أنهم يكونون أكثر هدوءا من أقرانهم، كما أنهم قد يتأخرون في النمو الحركي مثل الجلوس والتقاط الأشياء بالأيدي. وتتضح الصورة بشكل تدريجي عند بلوغ الطفل عامه الأول، إذ تبدأ الأعراض في التبلور والظهور بشكل أكثر وضوحا مثل التأرجح للأمام والوراء، ونوبات الغضب والصراخ، وتركيزهم على المجسمات والأشياء أكثر من الأشخاص، وهم أقل تجاوبا من الأطفال الآخرين عندما يحاول الآخرون اللعب معهم.

* الإدراك والسلوك

* ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث أظهرت أن هناك الكثير من المتغيرات ذات العلاقة بتطور الجانب الإدراكي واللغوي والسلوكي، ألا وهي: التدخل المبكر، ومستوى الأداء في اختبارات الذكاء الأولية، والعمر الحقيقي عند بداية التدخل العلاجي، ومستوى أعراض التوحد، وتكامل البرنامج العلاجي، ومستوى تدريب الأهل على متابعة البرنامج العلاجي. ومن الجدير بالذكر أن المتغيرات السابقة تؤثر بشكل كبير في مستوي التقدم، أدائيا، للطفل التوحدي.

إن المؤشرات التواصلية الخاصة بتطور الجانب اللغوي عند الأطفال التوحديين تتأثر بجانبين أساسيين ألا وهما: الجانب الخاص بمعالجة الجانب الإدراكي، الذي يتمثل في درجة الانتباه، والذاكرة بشقيها طويلة الأمد وقصيرة الأمد، والدافعية. أما الجانب الآخر، فيمثل مهارات التفاعل الاجتماعي، التي تتمثل في مهارات التقليد الحركي واللفظي، والاستجابة والمبادرة للانتباه المتبادل، والتجاوب لمواقف التفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى مهارات اللعب التمثيلي.

وتكمن صعوبة اضطراب التوحد في التفاوت الكبير بين مستويات المهارات المختلفة لدى الأطفال، مما يحير أولياء الأمور ويجعل فهمهم للطفل وكيفية التعامل معه تحديا كبيرا وهو ما يمكن التعبير عنه بأن صفة الفردية صفة طاغية بشكل كبير على أطفال طيف التوحد.

* منظومة التأهيل

* ومن الجدير بالذكر أن عملية التأهيل عبارة عن منظومة يدخل فيها عدد من التخصصات المختلفة، يأتي في مقدمتها اختصاصي أمراض النطق واللغة، حيث يتبلور دوره في عملية التقييم، التي تستهدف تحديد مواطن الضعف في المهارات التواصلية ويلي ذلك عملية التأهيل، التي تستهدف تطوير أوجه القصور في هذه المهارات.

إن اضطراب طيف التوحد يمثل إجهادا عاطفيا وماديا للأسرة، وذلك بسبب الضغوط والمسؤوليات الملقاة على عاتقها من الجانب المادي بسبب تنوع الخدمات وتكلفتها المتوقعة، ومن الجانب العاطفي والنفسي بسبب نمط المشكلة ومدى سرعة التطور وعدم سهولة توافر الخدمات اللازمة، بالإضافة إلى القصور الكمي والتقني في عدد الاختصاصيين المدربين.