مرض «الهيموفيليا».. جهود عالمية ومحلية لمجابهته

400 ألف مصاب به حول العالم

TT

يعتبر مرض «الهيموفيليا»، الذي يعرف أيضا باسم «النزاف» أو «الناعور»، أحد أمراض الدم الوراثية المزمنة التي تصيب الذكور غالبا، وفي بعض الأحيان الإناث. وينزف المصاب بهذا المرض تلقائيا أو عرضيا ويكون النزف غزيرا بدرجة تعرض الحياة للخطر.

يقول الدكتور طارق عويضة، استشاري أمراض الدم المخبري في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، ضمن الندوة التي أقامها المستشفى بالتعاون مع المكتب العلمي لشركة «باكستر إيه جي» في السعودية احتفالا باليوم العالمي لـ«الهيموفيليا»، إن هذا المرض عرف قبل الميلاد بعدة قرون، حيث ورد في كتابات عن الأطفال الذين يموتون عند الختان، كما ذكره أحد الأطباء العرب في القرن الثاني عشر الميلادي كواحد من أسباب الوفاة. وفي عام 1803 كان الدكتور جون كونونراد أول من عرفه بأنه أحد أمراض الدم التي تصيب الذكور وتنتقل من جيل إلى آخر.

هناك ثلاثة أنواع من «الهيموفيليا» تصنف حسب عامل التجلط الدموي الناقص، وهي «هيموفيليا إيه» التي تعد أكثرها شيوعا، إذ يصيب هذا النوع واحدا من كل 5000 إلى 10000 ذكر. بينما يعتبر النوع الثاني «هيموفيليا بي» أقل شيوعا، ولكنه يظهر بالأعراض نفسها، وكلا النوعين ينتج عن جين يوجد على الكروموسوم الأنثوي (x)، ويتم التفريق بينهما مخبريا. أما «هيموفيليا جي» فهي أقلها شيوعا وتصيب الذكور والإناث على حد سواء.

* التشخيص

* أوضح الدكتور عويضة أن تشخيص «الهيموفيليا» يتم إكلينيكيا ومخبريا، وأن الأعراض الإكلينيكية تظهر بدرجات متفاوتة حسب كمية عامل الدم الناقص، فقد تظهر مبكرا عندما يكون النقص في عامل الدم كبيرا، وغالبا ما يكون ذلك بعد عملية الختان، حيث تلاحظ زيادة غير طبيعية في النزف. أما بالنسبة للنقص المتوسط أو الخفيف، فلا تظهر الأعراض حتى يصاب الطفل ويخضع لعملية جراحية.

يتميز مرض «الهيموفيليا» بقابلية النزف التلقائي التي غالبا ما تكون داخل المفاصل أو العضلات. أما التشخيص مخبريا فيتم بقياس مستوى العامل الناقص، وذلك بتحديد سرعة تجلط الدم.

* مضاعفات محتملة

* وأكد الدكتور عويضة أن النزيف داخل المفاصل يعتبر أحد أهم المشكلات شيوعا بين مرضى «الهيموفيليا»، التي غالبا ما ينتج عنها تلف جزئي أو كلي للمفصل، ومن ثم الإعاقة المستديمة. كما أن المريض يتعرض لنقص في مستوى الهيموغلوبين، مما ينتج عنه فقر دم يؤثر على نشاطه. وللتعويض يجرى للمريض نقل دم، لكنه قد يصبح بسبب تكرار عمليات نقل الدم عرضة للإصابة بأحد الفيروسات المنقولة عن طريق الدم، منها فيروس الإيدز أو التهاب الكبد الوبائي. كما أن مريض «الهيموفيليا» معرض للإصابة بتكون أجسام مضادة لعامل التخثر الناقص مما يؤدي إلى نقص الفاعلية أو عدم الاستجابة للعلاج.

* طرق العلاج

* يتم علاج «الهيموفيليا» حسب نوع العامل الناقص الذي يعطى بجرعات مركزة وبكميات حسب مقدار النقص. ويتم استخلاص هذه المركبات من بلازما دم عدد من المتبرعين بعد معالجتهم كيميائيا للقضاء على الجراثيم أو الفيروسات، كما يتم استخلاص بعضها من البقر أو الخنازير، وتتم معالجتها كيميائيا أيضا. وحديثا تم إنتاج بعض هذه العوامل عن طريق الهندسة الوراثية، وبذلك أمكن تفادي نقل الأمراض الفيروسية.

ويستطيع مريض «الهيموفيليا» أن يمارس حياته بشكل طبيعي كباقي أقرانه. لكنه يجب أن يكون حذرا حتى لا يصاب أو يتعرض لإصابة مباشرة، وإذا فهم كيفية التعايش مع المرض فباستطاعته أداء معظم أنواع الرياضة، بما فيها «الجماعية». إلا أنه ينصح بالامتناع عن الرياضة المتصفة بالاحتكاك أو الخشونة مثل الملاكمة والمصارعة.

* دراسة الجينات

* لقد أدى التطور المستمر في التقنيات التشخيصية الطبية إلى إمكانية تشخيص «الهيموفيليا» بالطريقة الجزيئية (Molecular Techniques)، حيث تتم دراسة الجينات المسببة من أجل تحديد حاملي المرض، كما أنه يمكن دراسة الجينات خلال فترة الحمل أو بعد الولادة مباشرة، بينما توفر هذه الدراسة إمكانية التلقيح الصناعي بخلايا سليمة من الأبوين قبل عملية الحمل، بالتالي تفادي إنجاب أطفال مصابين بـ«الهيموفيليا».

* جهود وطنية

* وفيما يتعلق بالجهود المبذولة لمجابهة المرض على الصعيد المحلي، فإن وزارة الصحة السعودية تسعى سعيا حثيثا، بالتعاون مع المنظمة العالمية لمرض «الهيموفيليا»، التي تعد المملكة عضوا فعالا فيها، ممثلة بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، لإنشاء سجل وطني لمرضى «الهيموفيليا» ليضم الحالات من أنحاء المملكة كافة بشكل أوسع وأعم من السجل الحالي.

وتشهد الساحة الطبية بين حين وآخر إقامة مؤتمرات علمية واجتماعات توعية لمرضى «الهيموفيليا» كان آخرها المؤتمر العالمي الذي أقيم في مدينة جدة خلال عام 2008، ثم ورشة العمل الثالثة للتدريب التشخيصي والإكلينيكي لمنسوبي مراكز أمراض الدم في وزارة الصحة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، وأخيرا اليوم التوعوي لمرضى «الهيموفيليا» بمستشفى التخصصي، هذا العام، بمناسبة يوم «الهيموفيليا» العالمي 2010، الذي يؤكد على الالتزام بإقامة الشراكة مع المجتمع السعودي لرفع مستوى التوعية حيال مرض «الهيموفيليا»، ودعم التعليم والتدريب للمتخصصين في رعاية علاج اضطرابات النزف، وتقديم علاجات جديدة يمكن أن تحسن حالة المرضى.

وحول الجهود العالمية صرح السيد مارك سكينر، رئيس الاتحاد العالمي لـ«الهيموفيليا»، بأن المجتمع الدولي قد أحرز تقدما كبيرا للأشخاص الذين يعانون من «الهيموفيليا»، وأضاف بأننا بحاجة للعمل في مجال البحث والتطوير في بعض اضطرابات النزف الأقل شهرة لتحقيق المستوى الأمثل للرعاية، حتى نتمكن من تقديم العلاج بشكل حقيقي للجميع، وأثنى على جهود «باكستر» وتعاونها مع الاتحاد لإطلاق الفيديو التعليمي «الأوجه الكثيرة لاضطرابات النزف» والمتاح على الموقع الإلكتروني: www.wfh.org.