إنجازات باهرة.. في تقنيات التصوير الطبي

وسائل جديدة للتشخيص الدقيق لسرطان الثدي

TT

لقد ظل الأطباء يلتقطون صورا بالأشعة للنساء منذ نحو قرن تقريبا. وكانت أول صورة بالأشعة السينية (أشعة إكس) قد التقطت عام 1913، لصدر امرأة خضعت لجراحة استئصال الثديين. وقد اكتشف الأطباء حينذاك أنهم يستطيعون، ولدى تدقيقهم في تلك الصور، التمييز بين الأورام الحميدة والأخرى الخبيثة، حتى وإن لم يكونوا قد شكّوا أبدا في وجود السرطان.

وبذلك التقدم، فقد حصل الأطباء على طريقة قياسية تكون بديلة عن طريقة الكشف التي كانت سائدة حتى ذلك الحين، وهي إزالة كتلة ملموسة من الثدي (بل واستئصال كل الثدي أحيانا)، ثم دراستها تحت المجهر.

وفي البداية، كانت أشعة إكس مخيبة للآمال، إذ كانت الصور غير واضحة المعالم في الغالب، بسبب التشويش الذي تحدثه نبضات القلب، كما كان من الصعب التمييز بين الأورام وبين القنوات الموجودة في الثدي. إلا أن عقودا من الأبحاث أدت بالنتيجة إلى تصميم معدات للتصوير بأشعة إكس موجهة خصيصا لتصوير الثدي.

واستخدمت هذه الآلات أشعة اكس بطاقة ادنى من سابقاتها والتقطت صورا أفضل. كما قامت هذه الآلات بضغط الثدي بين لوحين اثنين، الأمر الذي قلل من حركته وزاد في نعومة نسيجه. وبحلول اواخر الستينات من القرن الماضي ولدت تقنية تصوير الثدي بالأشعة.

ومنذ ذلك الحين، تطورت وسائل التصوير الجديدة، وظهر عدد من التقنيات - ومنها التصوير بالموجات فوق الصوتية، التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير الجزيئي - التي توظف كلها لفحص الثدي.

* تصوير الثدي بالأشعة

* يظل تصوير الثدي بالأشعة mammography «المقياس الذهبي» لطريقة الفحص الدوري أو المنهجي، screening للنساء اللاتي يكنّ عرضة لخطر متوسط للإصابة بسرطان الثدي. وهذه الطريقة ليست عالية التكاليف، وتتطلب التعرض إلى جرعة صغيرة من الإشعاع، ويمكنها التعرف بشكل وثيق على الأورام الخبيثة، وخصوصا الصغيرة منها التي لا يمكن الإحساس بها عند اللمس.

* طريقة العمل: ما إن تمر أشعة إكس عبر الثدي حتى تولد صورة على فيلم، أو على صفيحة تسجيل رقمية.

* التنفيذ: سواء كان التصوير يجري بواسطة فيلم أو تسجيل رقمي، فإن العملية تتطلب خلع الملابس من فوق الخصر وارتداء لباس مفتوح من الأمام. وينظم المسؤول الفني منصة الجهاز وفقا للطول ويساعد في ترتيب وضع الصدر والذراعين والجسم. وتقوم أداة خاصة بالضغط على الثدي.

ولأغراض الكشف الروتيني على الصدر، تلتقط صورتان لكل ثدي: واحدة من الأعلى والأخرى مائلة من الجانب. أما تصوير الثدي بالأشعة لأغراض التشخيص، فتتطلب التقاط عدد أكثر من الصور. وتستغرق عملية التصوير بين 15 دقيقة وساعة واحدة.

* الموجات فوق الصوتية

* التصوير بالموجات فوق الصوتية (ultrasound imaging) - التي يطلق عليها أيضا التصوير بالسونار (sonography) - يمكن استخدامها لتقييم الحالات الشاذة خلال عمليات فحص الثدي أو تصوير الثدي بالأشعة. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة لا تتمكن من رصد التكلسات الميكروية microcalcifications (وهي لويحات صغيرة جدا من الكالسيوم قد تشير بشكل مبكر إلى حالات السرطان)، فإنها طريقة ممتازة للتمييز بين الكتل الصلبة والسوائل، ولهذا فهي مفيدة لرصد الاختلافات بين الأورام الصلبة وبين الأكياس الممتلئة بالسوائل التي تكون من النوع الحميد. كما تستخدم الموجات فوق الصوتية أيضا في عملية إرشاد الطبيب لدى استخلاصه خزعة، بواسطة الإبرة.

* طريقة العمل: حزمة الموجات فوق الصوتية عالية التردد تنبعث من جهاز إرسال، ثم تولد صورة لدى انعكاسها عن الأجسام. ويقوم المسؤول الفني بتمرير الجهاز المرسل للموجات فوق سطح الثدي لالتقاط صورة للبنية الداخلية له. وقد تضاف إلى هذه الطريقة، طريقة دوبلر للتصوير بالموجات فوق الصوتية، التي ترصد سرعة تدفق الدم المار عبر الأوعية لقياس تدفق الدم نحو الأورام في الثدي.

* التنفيذ: بعد خلع الملابس من فوق الخصر وارتداء لباس مفتوح من الأمام، يتم الاستلقاء على الظهر تحت ضوء خافت، لكي يستطيع المشرف متابعة الصور على الشاشة، ثم يوضع جِل (مادة هلامية) على الثدي، وبعد ذلك يوضع جهاز الإرسال فوق الثدي. ولا يمكن سماع الموجات لأنها فوق صوتية ولها ترددات عالية. والطريقة خالية من الآلام، وهي تستغرق بين 3 و15 دقيقة.

* التصوير بالرنين المغناطيسي

* التصوير بالرنين المغناطيسيMagnetic resonance imaging (MRI)، يتطلب استخدام جهاز استقبال خاص، مع حقنة من مادة خاصة لتوضيح التباين (بين المواقع المصورة)، بهدف تصوير الثديين فقط، هو وسيلة جيدة جدا لرصد سرطان الثدي المنتشر. إلا أنه ومع هذا، فقد يقوم الجهاز باعتبار الأورام الحميدة أوراما خبيثة، لأن نوعي الأورام هذين يمكنهما امتصاص المادة الخاصة التي حقنت.

ولا يكون التصوير بالرنين المغناطيسي بديلا عن تصوير الثدي بالأشعة. وتوصي جمعية السرطان الأميركية به للكشف عن النساء اللاتي لديهن خطر عالٍ للإصابة بسرطان الثدي. ومن هذه المجموعة من النساء، النساء اللاتي توجد لديهن تشوهات جينية تزيد من خطر هذا السرطان، أو لديهن تاريخ عائلي بين الأمهات والأخوات والأخريات من الأقارب بالإصابة بسرطان الثدي، والنساء اللاتي تعرضت صدروهن للعلاج الإشعاعي عند علاجهن بمرض اللمفوما هودجكينز.

وما إن يتم التعرف على الورم، حتى يمكن توظيف التصوير بالرنين المغناطيسي أيضا للعثور على أورام إضافية أخرى أو البت بعدم وجودها. وبهذا، يمكن لهذه الوسيلة أن تساعد في اتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية محدودة على الثدي أو إجراء جراحة لاستئصاله.

كما أن التصوير بالرنين المغناطيسي من دون استخدام المادة الخاصة بتحديد التباين، يمكن توظيفه لتقرير ما إذا كان الثدي السيليكوني المزروع قد تشقق أم لا.

* طريقة العمل: يستخدم جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (المرنان المغناطيسي) مجالا مغناطيسيا قويا ونبضات بالترددات الراديوية يعالجها نظام كومبيوتري بهدف تكوين صورة للعضو أو النسيج المدروس. ولا يستخدم الجهاز أشعة مؤيّنة (أشعة إكس). ويمكن التدقيق في الصور الرقمية التي يلتقطها، على شاشة الكومبيوتر. ومثلها مثل الصور الرقمية لأشعة إكس للثدي، يمكن خزن تلك الصور وإرسالها إلكترونيا.

* التنفيذ: بعد خلع الملابس من فوق الخصر وارتداء لباس المستشفى وإبعاد أي منتجات أو أجهزة معدنية يمكنها أن تتداخل مع عمل الجهاز، تدخل قسطرة في داخل الوريد في الذراع أو اليد بهدف حقن مادة تحتوي على الغادولينوم (gadolinium)، بهدف توضيح موقع الثدي على الصورة. ثم يتم الرقود على البطن على طاولة، ويوضع الثديان في مواقع مفتوحة مخصصة يوجد فيها ملف كهربائي خاص أو جهاز استقبال، يمكنه رصد الإشارة المغناطيسية. ثم يتم تحريك الطاولة نحو الآلة التي يوجد بداخلها المغناطيس. ويتم تزويد المريضة بسدادات للأذن، أو ربما سماعات للاستماع إلى الموسيقى خلال عملية التصوير للتقليل من صوت التقاط كل صورة. وتستغرق جلسة التصوير بالرنين المغناطيسي بين 30 و40 دقيقة.

التصوير بانبعاثات البوزيترون التصوير بانبعاثات البوزيترون Positron emission mammography (PEM)، يستخدم بالإضافة إلى تصوير الثدي بالأشعة، للتعرف على الأورام السرطانية الصغيرة وعلى سرطانات القنوات في الثدي (وهي السرطانات التي تتموضع في قنوات الحليب). ولا تتوافر هذه الوسيلة بشكل شائع الآن.

* طريقة العمل: تحقن في الجسم مادة مشعة راصدة من الغلوكوز، تقوم بإطلاق أشعة غاما تلتقطها الكاميرا. ولأن الغلوكوز مادة يمتصها الجسم بسرعة وخصوصا من قبل الخلايا سريعة النمو ومنها الخلايا السرطانية، فإن كميات أكبر منه تتراكم في منطقة الورم، مقارنة بمناطق الأنسجة السليمة، ولذا تُظهِر الصور «المواقع الساخنة». ويحلل نظام كومبيوتري الصورة لتقرير حجم وشكل وموقع الورم.

* التنفيذ: الامتناع عن تناول الطعام والشراب، عدا الماء، قبل ست ساعات من إجراء التصوير. وسيقيس المسؤول الفني مستوى السكر لدى المريضة من قطرة دم تؤخذ بعد وخز الإصبع بإبرة. وإن كانت النتيجة طبيعية فإن مادة راصدة مشعة من الغلوكوز سوف تحقن في الذراع.

ويتم الانتظار لفترة ساعة حتى امتصاص الجسم للغلوكوز. وبعد انقضاء الفترة، يعمل التصوير بانبعاثات البوزيترون بنفس طريقة عمل تصوير الثدي بالأشعة، في ما عدا أن المريضة تجلس على كرسي قرب الجهاز. وتنفذ عمليات تصوير لكل ثدي. ويستغرق التصوير ساعتين.

* التصوير بأشعة غاما

* يستخدم تصوير الثدي الخاص بأشعة غاما Breast - specific gamma imaging (BSGI)، مثله مثل التصوير بانبعاثات البوزيترون، كوسيلة مساعدة لتصوير الثدي بالأشعة، وهو غير شائع الاستخدام.

* طريقة العمل: توظف طريقة التصوير هذه مادة مشعة راصدة أيضا للتعرف على الخلايا السرطانية. وفي هذه الحالة، تتكون المادة من مركب يسمى technetium sestamibi تأحذ بالتراكم في منطقة الميتوكوندريا mitochondria، وهي موقع الخلية المنتج للطاقة. وتكون الخلايا سريعة النمو غنية بهذه الميتوكوندريا، ولذا تتراكم المادة الراصدة هناك، ثم تبعث أشعة غاما التي تولد بقعا سوداء على الصورة الرقمية.

* التنفيذ: قبل إجراء الاختبار تدخل قسطرة إلى الوريد تحتوي على محلول ومادة راصدة. ويتم الجلوس 10 دقائق لكي تمتص المادة. وتشابه العملية عملية التصوير بالبوزيترون. وتلتقط صورتان لكل ثدي كما قد تجرى عمليات تصوير إضافية في بعض الأحيان لمناطق الغدد الليمفاوية تحت الإبطين. وتستغرق العملية كلها ساعة واحدة.

ووفقا لجمعية السرطان الأميركية، فإن الرصد المبكر لسرطان الثدي وعلاجه السريع قد منع وفاة 130 ألف امرأة منذ عام 1990. ويعود أغلب الفضل في ذلك إلى الكشف بواسطة التصوير بأشعة الثدي. إلا أن الوسائل الجديدة للتصوير تلعب دورا متزايدا في عمليات المتابعة، كما تلعب أيضا دورها في حالات الرصد المبكر لعودة الأورام مرة أخرى. وقد يلجأ الأطباء في السنوات المقبلة إلى توظيف التصوير بانبعاثات البوزيترون وبأشعة غاما الخاصة كجزء من برنامج فعال غير تدخلي، لعلاج النساء المصابات بسرطان الثدي.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة»، خدمات «تريبيون ميديا»