محاولة جريئة لإبطاء تطور مرض الزهايمر

من خلال رصد تراكم أجزاء من بروتين الأميلويد بيتا في المخ

TT

لم تكن ماريلين مالدونادو متأكدة تماما من سبب وجودها داخل مركز تعزيز الذاكرة بمدينة أواخورست في نيوجرسي. وتساءلت: «ما الذي ننتظره؟» وبعد نحو عشر دقائق، طرحت مالدونادو نفس السؤال من جديد، ثم كررته مرة أخرى. إنها تنتظر المشاركة في دراسة من نوع جديد لدواء يساعد على علاج مرض الزهايمر، وتهدف الدراسة إلى اختبار فرضية أساسية حول طريقة لإبطاء أو وقف هذا المرض المريع الذي يصيب بعض البشر. ويمكن معرفة وجود هذا المرض من خلال بقع تظهر تراكم أجزاء من بروتين الأميلويد بيتا في المخ. وتوجد فرضية تقول إنه إذا تمكنا من منع تكون الأميلويد أو تمكنا من التخلص من تراكمات الأميلويد - البقع - وإذا بدأنا رحلة العلاج قبل ظهور المرض، فإنه ربما توجد فرصة لتغيير مساره. ويوم الثلاثاء، حصلت هذه الخطة على دفعة جديدة. واقترح المعهد الوطني لتقدم السن ورابطة الزهايمر معايير جديدة للعثور على علامات الزهايمر لدى الناس الذين لم تظهر عليهم أعراض خطيرة أو لم تظهر عليهم أعراض مطلقا. وثمة حاجة إلى إرشادات من أجل الاتجاه الجديد لتطوير دواء يعالج مرض الزهايمر. ولدى جميع شركات الأدوية تقريبا والكثير من شركات التقنية الحيوية أدوية تجريبية تهدف منع تراكم الأميلويد، ويجري العمل على أكثر من 100 دواء. وترغب الشركات في إظهار أنها إذا قامت بإعطاء أدويتها في وقت مبكر، فإنه يمكن إبطاء أو وقف المرض. ويمثل ذلك الهدف النهائي للدواء المستخدم في الدراسة التي تريد مالدونادو المشاركة فيها، وترعاها شركة «بريستول مايرز سكويب». وتقوم الشركة للمرة الأولى بتجربة هذا الدواء على المرضى الذين يبدو أنهم في مرحلة مبكرة جدا من مرض الزهايمر من خلال إجراء اختبارات ذاكرة وفحوصات جديدة للمخ واختبارات للأميلويد في السائل النخاعي. وتكمن الفكرة في الهجوم على المرض عندما توجد مساحة من الوقت تساعد على وقف موت خلايا المخ. ولكن توجد مشكلة، حيث تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية إنها لا تكتفي بمعرفة أن البقع تراجعت أو اختفت، بل ترغب في التأكد من أن من تناولوا الدواء أصبحت لديهم ذاكرة أفضل وقدرة أحسن على التفكير بالمقارنة مع من لم يتناولوا الدواء. ويتطور مرض الزهايمر ببطء شديد مما يجعل إظهار أن استخدام الدواء مبكرا يمكن أن يؤثر على الأعراض يحتاج إلى وقت أطول لا تستطيع الشركات تحمله. ويوجد سبب لعدم قبول أشكال أخرى من الإثبات مثل الفحص أو السائل النخاعي الذين يظهران تغيرات في الأميلويد في الدماغ، حسب ما تقوله إدارة الغذاء والدواء الأميركية. فقد وافقت الإدارة على أدوية لأمراض من بينها الموت المفاجئ بسبب اضطرابات النظم القلبية على أساس اختبارات أظهرت تحسن الأعراض، مثل إيقاعات القلب. ولكن بعد ذلك تبين أن الأدوية لا تؤثر على مسار المرض، بل في الواقع سرعت من الوفاة في حالة أدوية القلب. وعليه، نجد أن مرض الزهايمر يصل إلى نقطة مؤلمة، وهو مستعد إلى التحرك قدما من خلال وسائل جديدة للتشخيص وأدوية ربما تقوم بتعديل مسار المرض ولكن من دون دليل على أن منع الأميلويد يحدث فارقا فعليا.

وفي هذه الأثناء، تجرب «بريستول مايرز» استراتيجية من مسارين من أجل الحصول على موافقة أسرع. وستبدأ الشركة العلاج مبكرا، ولكن ليس مبكرا بدرجة كبيرة يكون فيها المرضى بعيدين عن الزهايمر بمقدار عشرة أعوام أو أكثر. وفي الوقت الذي تبحث فيه عن أثر على الأعراض مثل الذاكرة والتفكير، ستقوم الشركة بتعقب ما يحدث إلى الأميلويد في المخ، وتأمل أن ترى تحسنا أو توقفا في التراجع وإبطاء تكون البقع أو وقفه نهائيا. وتعد هذه مغامرة بالنسبة للشركة، لأنه حتى من لديهم أعراض بسيطة نسبيا ربما يعانون من تلف شديد في الدماغ يتعذر علاجه. ولكن يقول الدكتور دينيس سيلكو، وهو باحث في هارفارد غير مشارك في الدراسة، إن هذه الاستراتيجية تحقق فائدة. ويضيف: «في رأيي، النقطة الجيدة في محاولات تقليل الأميلويد هي تلطيف مرض الزهايمر». ويقول: «بمجرد أن تبرهن إحدى هذه التجارب على أنها ذات نفع، سينتقل الجميع إلى محاولة المنع. وسيبدأون العلاج قبل ظهور أعراض».

وربما تكون مالدونادو من أوائل المشاركين في هذه الدراسة. وبالنظر إلى أهمية المشكلة الطبية التي يطرحها مرض الزهايمر - حيث يصيب 5.3 مليون أميركي، ويعد السبب السابع في الوفيات، ويؤدي إلى إفلاس العائلات وإتعابهم - نجد أنه مضى وقت طويل بصورة مثيرة للدهشة قبل الاعتراف به كمرض. واستغرق وقتا أطول من أجل الوصول إلى نوع من التوافق على السبب سببه. ويتذكر الدكتور آيسن، وهو خبير في مرض الزهايمر بجامعة كاليفورنيا بسان ديغو، الأيام الخوالي في نهاية السبعينات. وكان حينها في يدرس في إحدى الكليات الطبية، بغية أن يصبح متخصصا في أمراض الشيخوخة. ولم يكن ثمة نقاش عن مرض الزهايمر.

ومنذ أن وصف الدكتور أليوس الزهايمر عام 1906 بأنه مرض «غريب» لدى امرأة تبلغ من العمر 51 عاما، اعتبر الأطباء المرض شيئا غريبا ومرضا يظهر في منتصف العمر وليس في سن متقدمة. وكان يقال إن الكبار الذين لا يستطيعون تذكر الأشياء، ويفقدون القدرة على التفكير، ولا يهتمون بأنفسهم مصابون بـ«الخرف» ولا تشير هذه الكلمة إلى مرض محدد مثل مرض الزهايمر. ويقول الدكتور آيسن إن الخرف هو «ما يمكن أن يحدث عند تقدم العمر. ولا يوجد شيء يمكن فعله مع ذلك».

وبعد ذلك في عام 1976، دهش الأطباء بسبب مقال افتتاحي للدكتور روبرت كاتزمان، وهو أخصائي أعصاب، في دورية «أرشيف علم الأعصاب». وكتب الدكتور كاتزمان أن مرض الزهايمر ليس شيئا نادرا، بل هو مرض منتشر. ويمكن أن يظهر في السن المتقدمة. وأضاف أنه قد يؤدي إلى الوفاة، وهو مرض يمكن تحديد أسبابه ووقف تقدمه. ولاحظ علماء الأعصاب ذلك. ولكن مضى 20 عاما قبل أن يظهر دواء لمرض الزهايمر، وتعالج الأدوية الأربعة التي ظهرت حتى الآن الأعراض فقط وتحسن من الذاكرة بصورة مؤقتة ولا تؤثر على موت الخلايا الدماغية المستمر. وفي الوقت نفسه خلص الباحثون إلى مستهدف مثير من الدواء، واكتشفوا إنزيمين يفصلان قطعا من بروتين كبير ينشأ من خلايا المخ. والنتيجة هي شرائح سامة من مادة تعرف باسم الأميلويد بيتا ببتيد. وتتراكم هذه القطع لتكون بقعا في الدماغ. وربما يمكن منع تكون البقع من خلال إعاقة أحد هذه الإنزيمات المهمة. وقد كانت هناك شكوك لفترة طويلة في أن الأميلويد بيتا يلعب دورا مهما في تطور مرض الزهايمر، ولكن لم يكن أمام الباحثين وسيلة لمنع ذلك، حتى عثروا على الإنزيمين. وربما يكون الأميلويد بيتا خلايا الأعصاب مجروحة. وربما تكون البقع، المكونة من تراكم أميلويد بيتا السبب. وبغض النظر عن الحقيقة، أشارت ثلاثة اتجاهات من الأدلة إلى الأميلويد بيتا: تحور جيني نادر يؤدي إلى زيادة الأميلويد مما يؤدي إلى ظهور مرض الزهايمر في منتصف العمر. وتؤدي متلازمة داون أيضا إلى زيادة في إنتاج الأميلويد بيتا، ودائما ما يصاب من يعانون من متلازمة دارون بمرض الزهايمر. وعندما وضع العلماء الجينات المتحورة النادرة التي تؤدي إلى الزهايمر في أحد الفئران، تكونت البقع لدى الفئران، وبدأت تحدث مشاكل في الذاكرة. ولم يكن هذا المنطق خاليا من نقاط الضعف، وأشار علماء إلى أن الأكبر سنا ولديهم مرض الزهايمر يعانون في الأغلب مشكلة أخرى في المخ، مثل تلف بسبب سكتات دماغية مصغرة. وربما كانت هذه الظروف سببا في موت خلايا بعيدا عن الأميلويد بيتا.

ولكن، يقول باحثون إنه بمرور الأعوام سيطرت «فرضية الأميلويد» وهي فكرة تقول إن الإنتاج الكبير من الأميلويد بيتا سبب في المرض وإن منع الأميلويد بيتا يمكن أن يوقف ذلك على تفكير الباحثين. ويقول الدكتور آيسن: «يعتقد 90 في المائة منا أن ذلك صحيحا».

وقد بدأ اختبار فرضية الأميلويد قبل أعوام قليلة من خلال دواءين اثنين مضادين للأميلويد: هوموتورين وتارنفلوربيل. ولم يتحسن المرضى الذين تناولوا الدواءين. ولكن تساءل بعض الباحثين: هل كان ذلك اختبارا مناسبا؟ لم يكن الدواء الأول قويا، ووصل جزء بسيط من الثاني إلى المخ. ولم يكن واضحا ما إذا كان أي منها قد أثر بالفعل على الأميلويد أم لا، لأنه لا توجد مقاييس مباشرة للبقع أو بروتين الأميلويد بيتا. ويقول الدكتور صامويل غاندي، أستاذ أبحاث مرض الزهايمر في كلية الطب بمونت سيناي: «كانت النتائج بلا تفسير».

وكان هناك اتجاه لاستخدام لقاح التحصين من الأميلويد بيتا وترك الجهاز المناعي يتخلص من البقع. وقد حقق ذلك نتائج طيبة مع الفئران، ولذا قام الباحثون بتجربة ذلك على المرضى. ولكن تم وقف دراسة مبدئية فجأة عندما بدأت تظهر التهابات دماغية لدى 18 مريضا من بين 300 مريض. ومات اثنان من المرضى الذين أعطيت لهم لقاحات بعد ذلك بعد أن وصلوا إلى «عته شديد في المرحلة الأخيرة». ولم تظهر أي بقع تقريبا عند تشريح أدمغتهم بعد الوفاة، وكان من الواضح أن اللقاح أزال البقع ولكنه لم يؤثر على المرض بصورة واضحة. ويقول الدكتور سيلكو، مؤسس الشركة التي أجرت الدراسة والمستشار بها، إن هذا ليس دليلا على أن اللقاح لن يحقق مفعولا. وأشار إلى أن اثنين من المرضى لا يمثلان تحليلا كاملا للبيانات التجريبية. وفي الوقت الحالي تقوم الشركة «ألان» ومتعاونون معها بتجربة نهج آخر، وبدلا من استخدام لقاح سيصنعون أجساما مضادة للأميلويد بيتا، وهو دواء يطلق عليه بابينوزوماب. وقد نشرت بعض النتائج الأولية في مارس (آذار)، واكتشف مسح من نوع جديد يمكنه إظهار البقع أن الدواء قد يزيلها. ولكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان المرضى سيتحسنون أم لا. وتقول شركة «جونسون آند جونسون» التي دخلت في شراكة مع «ألان» والشركة المعاونة لها «فايزر» إنها سوف تستمر في الدراسة. ويقول الدكتور غاندي، وهو غير مشارك في الدراسة، إن ذلك يحدث فارقا. ويجد الدكتور روسل كاتز، مدير شعبة المنتجات العصبية بإدارة الغذاء والدواء الأميركية، نفسه في مأزق بسبب أدوية مرض الزهايمر. ويجب عليه أن يحدد معيارا يظهر أن الدواء يؤتي نتائج طيبة. هل يجب على إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن تقول إنه يكفي إظهار أن علاجا ما يمنع أو يقلل من تكون بقع؟

يقول الدكتور كاتز إن الإدارة غير مستعدة للقيام بذلك. ويضيف: «نهتم بقضية تحسن صحة المرضى في نهاية الأمر» ويقول الدكتور كاتز إنه مع مرض الزهايمر «يكمن الخوف الأكبر في أنه ربما لا يكون للأميلويد علاقة بالمرض» وإذا كان الوضع كذلك، ووافقت الإدارة على دواء يمنع تكون الأميلويد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تناول الملايين من الأصحاء شيئا غير مفيد أو خطير. ويمكن أن يستغرق الأمر عقودا من الزمان، حيث إن الزهايمر يتكون في وقت طويل، قبل أن نعرف أن الدواء له نتائج طيبة. ويقول الدكتور كاتز: «إنها مشكلة، ونأمل أن نفهم المرض بالصورة المناسبة، ولكننا لم نصل إلى هذا المستوى حتى الآن».

وتراهن «بريستول مايرز سكويب» على أن الأميلويد بيتا السبب وراء مرض الزهايمر، كما تراهن على أنه قد يظهر أثرا على المرضى الذين يكونون في المرحلة الأولى من مرض الزهايمر. ولكن، لا يزال الدكتور آيسن قلقا من أن هؤلاء المرضى، مثل مالدونادو، ربما خارج دائرة المساعدة. وربما يجب بدء العلاج في وقت مبكر. ولذا فهو يخطط لإجراء دراسة فيدرالية كبيرة لاختبار أدوية منع الأميلويد في الناس الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 70 عاما ولديهم ذاكرة معتادة، ولكن توجد أدلة على تراكم بعض الأميلويد. ولن يكون معياره للنجاح المعيار الحالي لإدارة الغذاء والدواء، ولكنه سينظر هل تبطئ الأدوية من ضمور الدماغ الذي يعد من خصائص مرض الزهايمر ويمنع الأميلويد من التراكم في الأدمغة. ويقول الدكتور آيسن: «ستصنع بريستول مايرز سكويب فارقا، وسيذهب هذا إلى ما هو أبعد». وإذا كان منع الأميلويد بيتا وإبطاء ضمور الدماغ أمرا غير مقبول كدليل كاف على أن الدواء يؤتي ثمرة طيبة، يمكن أن تستغرق دراسة مع حالات عادية في السبعين من العمر 10 - 15 عاما لإظهار أثر يظهر على الأعراض الفعلية لمرض الزهايمر. وبعد إجراء مسح لمالدونادو قريبا، انضمت إلى دراسة بريستول مايرز. وتبلغ مالدونادو من العمر 82 عاما، وكانت سائقة حافلة مدرسية، وتعيش بالقرب من جاكسون. وشخصت حالتها بأن لديها ضعفا بسيطا في الذاكرة. وجاءت مع قريب لزوجها إلى مركز تعزيز الذاكرة في ذلك اليوم. وكانت ترتدي بنطالا أسود وبلوزة عليها رسومات أزهار. وكانت ترغب في أن تخفي أنها تنسى أشياء. وأظهر مسح على مخها أن لديها الكثير من البقع. وأخبرها الدكتور جويل روس، الذي يدير مركز الذاكرة، بالنتائج، قائلا: «وجدنا لديك الكثير من المواد التي يطلق عليها بقع». فقالت: «نعم» وقال: «إنه يغطي جزءا من مخك». قالت: «نعم». قال: «إذا بقيت على هذا النحو سينتشر ذلك». قالت: «نعم». قال: «سنعطيك دواء ربما يزيلها». قالت: «نعم».

* خدمة «نيويورك تايمز»