«القطع بالقسطرة».. عمليات للسيطرة على الرجفان الأذيني في القلب

طريقة تهدف إلى منع الإشارات الكهربائية المشوشة لعمله

TT

عمليات القطع بالقسطرة يمكنها إيقاف الرجفان الأذيني في القلب، لكن آثارها الجانبية، واستمرارية نتائجها، لا تزال على المحك.

ما هي الطريقة الأفضل لعلاج الرجفان الأذيني atrial fibrillation، وهو حالة الدق المشوش المتسارع لحجرتي القلب العلويتين (الأذينين)؟ هنا يبدو أن تناول الأدوية لمساعدة القلب في الحفاظ على دقاته الاعتيادية المنتظمة، مسألة معقولة. إلا أن تلك الأدوية لا تكون فعالة في كل الأحيان، كما أنها تتسبب في حدوث أعراض جانبية سيئة، بسوء المرض الذي تعالجه! والخيار الثاني هو تناول الأدوية بهدف دفع الحجيرتين السفليتين للقلب (أي البطينين) لكي تدقا ببطء وانتظام بغض النظر عما يفعله الأذينان.

وهناك خيار ثالث بدأ انطلاقته من المختبرات والعيادات الطبية حول العالم، وهو عملية تهدف إلى تحييد الإشارات الكهربائية المضطربة التي تتسبب في حدوث الرجفان. وتسمى أكثر تلك العمليات نضجا عملية «عزل الأوردة الرئوية» pulmonary vein isolation أو «القطع بالقسطرة» catheter ablation التي ظهرت منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، إلا أن هذا الخيار وصل الآن إلى مرحلة تحول فيها إلى خيار مقبول لعلاج الرجفان الأذيني.

* اضطراب النشاط الكهربائي

* هناك مشكلتان تدعمان وجود حالة الرجفان الأذيني؛ الأولى هي توليد نبضات كهربائية زائدة من موقع آخر غير موقع العقدة الجيبية الأذينية sinoatrial node، التي تعتبر الجهاز المنظم الطبيعي للقلب، أما المشكلة الأخرى فهي وجود خلايا في الأذين تستجيب لهذه النبضات الزائدة وتمررها نحو الخلايا الأخرى.

وفي العادة فإن دفقة منفردة من النشاط الكهربائي المقبل من العقدة الجيبية الأذينية، تحفز على حدوث انقباض منسق للأذينين الأيمن والأيسر. ولكن، وأثناء وجود حالة الارتجاف الأذيني، فإن فورة من الإشارات الكهربائية تتسبب في انقباضات في عدد من مناطق الأذينين، تحدث بشكل مستقل عن بعضها، وغالبا لمئات من المرات في الدقيقة. ويأخذ الأذينان في الفوران والارتعاش (أو الرجفان في الاصطلاح الطبي) بدلا من الانقباض. وينزاح الدم نحو البطينين، من دون تأثير الضربات المساعدة التي توفرها انقباضات الأذينين.

ولحسن الحظ فإن نطاق الخلايا المعروف باسم العقدة الأذينية البطينية atrioventricular node يقوم بدور حارس القلعة. وعلى الرغم من أن هذه العقدة قد تستقبل 300 إشارة أو أكثر في الدقيقة، فإنها قد تمرر إلى البطينين 180 إشارة في الدقيقة فقط كحد أقصى - بل وأقل من ذلك لدى كبار السن - وترسلها كدفقة منتظمة.

ولا يعرف بعض الأشخاص أن الأذينين يتصرفان بشكل غير طبيعي لديهم. بينما يعاني البعض الآخر من أعراض تتراوح بين إحساس بارتجاف في الصدر أو خفقان (تسارع دقات القلب، أو توقف جزئي، أو قفزة لإحدى الدقات)، انقطاع في النفس، آلام في الصدر، أو الإغماء. ويمكن أن تتراوح الأعراض في الشدة من الخفيفة إلى المعوقة تماما. وقد تصبح شديدة جدا لدى المصابين بضيق في صمام في القلب.

وتعتبر السكتة الدماغية واحدة من النتائج المخيفة للرجفان الأذيني. إذ إن الاضطراب المشوش في الأذينين يؤدي إلى سوء عملية دفع الدم إلى البطينين. وبدلا من ذلك سوف يتحرك الدم بكتلته الكبيرة عبر الأذينين، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث خثرات فيه. وإن حدث وانفصلت الخثرات الدموية، ودخلت إلى مجرى الدم، فإن بمقدورها إحداث انسداد في الأوعية المغذية للدماغ مسببة السكتة الدماغية.

وتحدث نسبة 15 في المائة من كل حوادث السكتات الدماغية، وعددها 800 ألف سنويا في الولايات المتحدة، بسب الرجفان الأذيني.

* إزالة الرجفان الأذيني

* في التسعينات من القرن الماضي أكد الدكتور ميشيل إزيغوير وزملاؤه في مستشفى «هوت - ليفيك» لأمراض القلب في بوردو في فرنسا، على أن غالبية الإشارات الكهربائية الزائدة التي تسبب الرجفان الأذيني، تأتي من الأوردة الرئوية، وهي الأوعية الدموية التي تنقل الدم الغني بالأكسجين من الرئة إلى الأذين الأيسر. ولدراسة هذا الموقع طور الباحثون طريقة تهدف إلى اعتراض تلك الإشارات وقطعها باستخدام أنابيب رفيعة ومرنة تسمى القسطرة.

وتؤدي طريقة القطع بالقسطرة عملها كما يلي: تدخل قسطرة داخل الأوردة الفخذية، واحدة في كل فخذ ثم تدفع بنعومة نحو القلب. ويوجد في إحدى القسطرتين رأس لقياس النشاط الكهربائي لأجزاء صغيرة جدا في أنسجة القلب. بينما يوجد في القسطرة الأخرى رأس تنبعث منه طاقة تكفي لتدمير (قطع أو استئصال) قطع صغيرة من الأنسجة، مخلفة وراءها بعض الندوب.

ويقوم الأطباء أولا بوضع خريطة مفصلة للنشاط الكهربائي داخل وحول الأذينين الأيمن والأيسر للقلب، والأوردة الرئوية. ثم بعد ذلك يقومون بعزل الأوردة الرئوية الأربعة كهربائيا، بعد أن يحيطوا كل وريد منها بحلقة من أنسجة الندوب. وتعمل تلك الحلقات مثل حواجز توضع أمام الإشارات الكهربائية المنطلقة من الأوردة الرئوية. كما يستطيع الأطباء أيضا استئصال أجزاء من أنسجة الأذين التي تكون أكثر استجابة من غيرها للإشارات الكهربائية الخارجية.

* القطع بالقسطرة

* وكانت الموجات الراديوية هي أول نوع من مصادر الطاقة المستخدمة في عمليات القطع بالقسطرة، وقد استخدمت بهدف تسخين ثم تدمير مناطق الأذين التي تتسبب في حدوث الرجفان الأذيني. أما الطرق الجديدة فتستخدم عملية تجميد تلك الأنسجة، أو موجات فوق الصوتية لتسخينها.

وتستمر عملية القطع بالقسطرة عدة ساعات، يظل فيها المريض واعيا، على الرغم من تخديره بشكل طفيف، ويقضي المريض ليلة واحدة بعدها في المستشفى لمراقبة إيقاع قلبه والكشف عن المضاعفات. ويحتاج نصف الذين خضعوا لعملية القطع بالقسطرة على الأقل، إلى عملية متابعة لاحقة لضبط أنسجة الندوب، أو لإجراء تصحيحات جديدة، إن حدث وقام جزء آخر في القلب بإرسال إشارات زائدة.

والسؤال المحير فيما يخص عملية القطع بالقسطرة هو: ما الذي ينبغي عمله تجاه تناول دواء «وارفرين» warfarin الموجه لتخفيف لزوجة الدم لدرء حدوث السكتة الدماغية؟ من الناحية النظرية فإن دور عملية القطع بالقسطرة هو إلغاء الحاجة إلى تناول «وارفرين». ولكن في الواقع العملي فإن ذلك لا يحدث. ويعود ذلك جزئيا إلى أن الرجفان الأذيني يعود في بعض الأحيان، وإن بشكل صامت! وتوصي جمعية إيقاع القلب الأميركية أن يستمر كل شخص عولج من الرجفان الأذين بعملية القطع بالقسطرة الأذيني، في تناول دواء «وارفرين» لمدة شهرين. أما المهددون بالسكتة الدماغية فعليهم تناوله لفترات طويلة.

* نتائج العملية

* ومن الناحية المبدئية تبدو طريقة القطع بالقسطرة عظيمة؛ فقد أظهر تحليل نشرت نتائجه عام 2009 الماضي، وأجري على 97 حالة أن 77 في المائة من الأشخاص الذي خضعوا للعملية ظلوا خالين من حالة الرجفان الأذيني بعد مرور سنة على إجرائها، على الرغم من أن الأمر تطلب في بعض الأحيان إخضاعهم للعملية مرتين أو ثلاث مرات بهدف إبعاد كل الإشارات المشوشة. وللمقارنة فقد ظل 52 في المائة من الأشخاص الذين يتناولون أدوية لإعادة إيقاع القلب إلى طبيعته، خالين من الرجفان الأذيني بعد مرور سنة واحدة على بدء أخذها.

كما جاءت نتائج دراسة قارنت مباشرة بين القطع بالقسطرة والأدوية التي تعيد تنظيم ضربات القلب، أكثر إيجابية. فبعد 9 أشهر كان 66 في المائة من الذين خضعوا لعملية القطع بالقسطرة خالين من الرجفان الأذيني، مقارنة بـ16 في المائة من متناولي الأدوية (مجلة الجمعية الطبية الأميركية، 27 يناير (كانون الثاني) 2010.

وتؤدي هذه العملية أفضل مفعولها في حالات الرجفان الأذيني الجديدة أو في حالات الرجفان الأذيني الآتية الذاهبة. وهي ليست فعالة بما فيه الكفاية لحالات الرجفان الأذيني المستمرة أو الطويلة المدى.

* المحاذير

* وعلى الرغم من السجل الجيد لعمليات القطع بالقسطرة كما يبدو، فإن هذه العمليات لا تزال غير مؤهلة كي تصبح العلاج الأول الموجه لحالات الرجفان الأذيني، وذلك لعدد من الأسباب.

* أولا: لأن أي أحد لا يعلم إن كانت نتائج القطع بالقسطرة ستكون دائمة، أو أن الحواجز التي أقامتها تلك العملية لوقف الرجفان الأذيني ستنهار مع الزمن، وهو الأمر الذي سيسمح بعودة المرض مجددا.

وفي دراسة شملت 71 رجلا وامرأة خضعوا لعملية القطع بالقسطرة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ظهر أن غالبيتهم (86 في المائة) ظلوا خالين من الرجفان الأذيني بعد مرور سنة واحدة على العملية. إلا أن تلك النسبة تدنت إلى 56 في المائة بعد مرور 5 سنوات.

وقد أدت حقيقة عودة ظهور حالات الرجفان الأذيني بعد العلاج بهذه الطريقة، إلى إعلان جمعية إيقاع القلب الأميركية وعدد آخر من المنظمات الصحية أن مصطلح «الشفاء» لا ينبغي أن يستخدم عند الحديث عن عملية القطع بالقسطرة.

* المشكلة الأخرى هي الآثار الجانبية للقطع بالقسطرة. وعلى الرغم من أن تلك الآثار ليست شائعة، فإنها يمكن أن تكون خطيرة، ومن الصعب قلبها إلى الوراء، مقارنة بالآثار الجانبية الناجمة عن تناول الأدوية الموجهة لإعادة إيقاع القلب إلى طبيعته.

* وعلى الرغم من أن القطع بالقسطرة عملية آمنة فإن 1 من 1000 شخص يخضع لها يتوفى بسببها، بينما تظهر لدى 5 من كل 100 شخص أجريت له العملية مضاعفات خطيرة مثل تضيق فتحات الوريد الرئوي pulmonary vein stenosis، وحالات «دكّ القلب» cardiac tamponade (الناجم عن تراكم الدم أو السوائل حول القلب)، الإصابة بالعدوى، أو النزف. وقد تكون هذه الأرقام مقبولة لعلاج مثل هذه الحالة الخطيرة على الصحة، إلا أنها تظل عالية لطريقة علاجية لا تقوم إلا بدورها الموجه إلى تحسين نوعية الحياة فقط.

وتسعى حاليا دراسة عشوائية كبرى تسمى اختصارا بالرمز CABANA إلى مقارنة عملية القطع بالقسطرة مع العلاج بالأدوية في 10 مراكز في الولايات المتحدة. إلا أن نتائجها لن تظهر قبل حلول عام 2015.

* اختيار العملية

* هل أن عملية القطع بالقسطرة ملائمة لك؟ إن كنت من الأشخاص الذين جرى تشخيصهم حديثا بالرجفان الأذيني، فإن الإرشادات الحالية وآراء الخبراء تقترح محاولة تناول الأدوية التي تعيد إيقاع القلب إلى طبيعته، أولا. ومن الأدوية الشائعة دواء «أميودارون» amiodarone («كوردارون» Cordarone، «بيسرون» Pacerone، والاسم الأصلي للدواء)، وأدوية «درونيدارون» dronedarone («مولتاك» Multaq)، «فليكانايد» flecainide («تامبوكور» Tambocor والاسم الأصلي)، «بروبافينون» propafenone («ريثمول» Rythmol، و«سوتالول» sotalol (بيتابيس Betapace، الاسم الأصلي).

وإن نجح هذا العلاج الدوائي من دون ظهور آثار جانبية فيستحسن الاستمرار فيه. أما إن كان يتسبب في ظهور آثار جانبية أو لا يوقف الرجفان الأذيني، فإن الخطوة المقبلة هي محاولة تجريب أدوية تتحكم في معدل ضربات القلب، مثل حاصرات بيتا beta blocker، أو حاصرات أقنية الكالسيوم calcium - channel blocker.

وإن لم تتحسن أوضاعك الصحية بعد تناول هذه الأدوية الأخيرة فيمكنك اختيار إجراء عملية القطع بالقسطرة.

وإن قررت إجراء العملية فعليك الاتصال بطبيب خبير بها، قام بإجراء عدد منها - إذ إنها تحتاج إلى الكثير من التطبيق المتكرر والمهارة لكي يتم تنفيذها بشكل صحيح. وعلى الأقل، وفي الوقت الحالي، فإن من الأفضل التفكير – على أكثر الاحتمالات - بإجراء عملية القطع بالقسطرة كطريقة علاجية لضبط حالة الرجفان الأذيني والسيطرة عليها.. وليس الشفاء منها.

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».

* نقاط جوهرية

* عندما تخفق الأدوية في علاج الرجفان الأذيني، يمكن أن تقدم عملية تسمى «القطع بالقسطرة» مساعدة علاجية.

* عملية القطع بالقسطرة، على الرغم من سلامتها، لها بعض الآثار الجانبية، كما أن نتائجها قد لا تكون دائمة.

* يحتاج بعض المصابين إلى الاستمرار في تناول أدوية مضادة لتخثر الدم مثل «وارفرين» حتى بعد نجاح عملية القطع بالقسطرة.

إطار 2 دواء حديث لعلاج الرجفان الأذيني إن أظهرت الأدوية الموجهة لضبط إيقاع القلب أنها تؤدي مهمتها بشكل جيد لتخفيف حالة الرجفان الأذيني بأقل ما يمكن من الآثار الجانبية، فلن تكون حاجة إلى التفكير بإجراء عملية القطع بالقسطرة.

إلا أنه، ولسوء الحظ، فإن تلك الأدوية تقود إلى ظهور نطاق من الأعراض الجانبية ابتداء من آلام الجهاز الهضمي، ومرورا بالدوخة وغشاوة البصر ومشكلات الغدة الدرقية وازدياد الحساسية للشمس.

إلا أن إجازة الأدوية الجديدة لوقف اضطراب إيقاع القلب تبشر بآمال واعدة.

وقد أجيز دواء «درونيدارون» الذي يسوق باسمه التجاري «مولتاك» عام 1999 لعلاج اضطراب إيقاع القلب. ويساعد هذا الدواء على أن يعود عمل الحجيرتين العلويتين للقلب إلى طبيعته، ويحقق إيقاعا منتظما للقلب بدلا من الرجفان الأذيني. وهو بديل محتمل لدواء «أميودارون» المستخدم على نطاق واسع لعلاج الرجفان الأذيني.

وعلى الرغم من أن المقارنة المباشرة بين الدواءين قد أظهرت أن «مولتاك» فعال بمثل فاعلية «أميودارون»، فقد ظهر أنه أكثر أمنا وسلامة لقلة أضراره على الغدة الدرقية، الكبد، الرئتين، والأعصاب، كما أن له عددا أقل من الآثار الجانبية.