عمليات.. لفتح شرايين الرقبة المسدودة

تنظيف الشريان داخليا لا يرقى إلى مصاف العمليات الجراحية

TT

رغم أن عمليات إزالة ضيق الشرايين أصبحت أفضل من السابق في مهمتها لتنقية وتنظيف الشرايين السباتية، فإن العمليات الجراحية لإزالة ترسبات تلك الشرايين، تظل أقوى منها.

وبالنسبة للقلب فإن فتح مجرى شريان قلبي مسدود بواسطة البالون، تم الحفاظ على المجرى مفتوحا بوضع دعامات تتكون من شبكة، أو حصيرة، معدنية، يقدم تقريبا النتائج نفسها التي تقدمها العمليات الجراحية للقلب المفتوح - التي يتم فيها شق بالجسم لوضع مجاز لمرور الدم بدلا من الشريان المسدود - في تأمين إعادة مجرى الدم إلى القلب.

إلا أن هذين الحلين يكونان مختلفين بالنسبة للشرايين السباتية، التي تنقل الدم المشبع بالأكسجين إلى الدماغ. ففي هذه المواضع من الجسم، لم تبرهن عملية «إزالة تضيق الشرايين في الشرايين السباتية إضافة وضع الدعامات في داخلها» carotid angioplasty plus stenting (CAS)، على أنها مكافئة للعمليات الجراحية لتنظيف الشرايين السباتية endarterectomy، أي العمليات التي يجرى فيها شق الجسم، إما لتنظيفها، أو لوضع مجاز لمرور الدم.

أظهرت نتائج تجارب إكلينيكية طويلة المدى طال انتظارها، أن عملية إزالة تضيق الشرايين وإضافة وضع الدعامات (CAS) آمنة تقريبا، بمثل أمان عملية تنظيف الشرايين الجراحية، إن تم تنفيذها على يد طبيب متمرس، فيما أشارت نتائج دراسة أخرى إلى أن الجراحة وحدها تظل الأفضل لغالبية الناس.

* «مرض صامت»

* يتفرع الشريانان الأيمن والأيسر من الشريان الأورطي بعد خروجه من القلب ليتوجهان نحو الدماغ على طول جانبي الرقبة. وهذان الشريانان الحيويان معرضان للإصابة بتصلب الشرايين، وهي الحالة التي تؤدي لانسداد الشرايين في القلب، الكليتين، الرجلين، وفي مواضع أخرى من الجسم.

وفي العادة، لا يرصد تراكم الترسبات التي تحصل على جدران الشرايين السباتية. ولكن يتم اكتشافه في بعض الأحيان عندما يسمع الطبيب بسماعته صوت «وشوشة» على نمط (برو - إي BROO - ee) في أحد أو كلا الشريانين. وهذا الصوت الموشوش يظهر نتيجة الاضطراب أو الدوامة التي يحدثها الدم أثناء تدفقه في شريان سباتي متضيق. كما يمكن اكتشاف الشرايين السباتية المسدودة أحيانا أثناء فحص الرقبة والرأس بالموجات فوق الصوتية.

إلا أن أولى علامات المشكلات في تلك الشرايين تظهر لدى أكثر الناس بحدوث النوبة الإسكيمية (الناجمة عن نقص التروية الدموية) أي السكتة الدماغية.

ومثلما تشكل النوبة القلبية أساس المخاوف لدى المصابين بشرايين تاجية مزدحمة بترسبات الكولسترول، فإن النوبة (السكتة) الدماغية هي أساس مخاوف المصابين بتضيق الشرايين السباتية نتيجة تراكم الترسبات فيها. ويمكن لهذه الترسبات التسبب في حدوث السكتة الدماغية عند تحديدها كميات تدفق الدم بشكل كاف إلى جزء من الدماغ، أو بانفجارها وبسدها التام للأوعية الأصغر في الدماغ.

وفيما تقوم العملية الجراحية لتنظيف الشرايين السباتية endarterectomy بمهمة إزالة الترسبات الدهنية، بعد إحداث شق في الرقبة، فإن عملية إزالة تضيق الشرايين بإضافة وضع الدعامات (CAS)، تفتح الشريان من الداخل، بواسطة البالون، ثم تضع دعامة أو حصيرة تظل محافظة على فتح الشريان.

* فتح الشريان المسدود

* هناك وسيلتان لفتح الشريان السباتي المتضيق:

* العملية الجراحية لتنظيف الشرايين السباتية endarterectomy التي تنفذ بإزالة الترسبات الموجودة في باطن الشريان السباتي. وهنا يقوم الجراح بإحداث شق في الرقبة لكشف الشريان، ثم يشده بإحكام لوقف تدفق الدم فيه، ثم يفتحه طوليا في موقع التضيق.

وبعد أن يكحت ويزيل الترسبات الدهنية من جدران الشريان، يوسع الجراح الشريان بوضعه رقعة تكون على شكل معيني، ثم يخيط الشريان مجددا، وأخيرا يخيط جلد الرقبة.

* عملية إزالة تضيق الشرايين السباتية carotid angioplasty، تبدأ بإحداث شق صغير في منطقة أعلى الفخذ في شريان الرجل. ثم يدخل أنبوب صغير يسمى القسطرة ليدفع برفق نحو الشريان، ثم يظل يدفع مناورا عبر الشريان الأورطي ليصل إلى الشريان السباتي المتضيق. ويوضع راشح (فلتر) بشكل مظلة، فيما وراء منطقة التضيق لكي يصطاد أي ترسبات متفتتة أو شظايا منها. وعندما تصل القسطرة لموقعها يتم نفخ بالون موجود فيها يقوم بدوره بإزالة الترسبات من جدران الشريان، ثم يتم توسيع الدعامة ثم وضعها. ثم يفرغ البالون، ويتم إبعاد القسطرة والفلتر خارج الجسم، لكي تبقى الدعامة وحدها للحفاظ على فتحة الشريان، ويخاط موضع الشق في أعلى الفخذ.

* نقائص العلاج

* إن الهدف الرئيسي لعملية تنظيف الشريان السباتي الجراحية، أو عملية إزالة التضيق الداخلية هو منع حدوث السكتة الدماغية في المستقبل. وتؤدي كلتا العمليتين مهمتهما بشكل جيد. إلا أن الأمر الذي يجعل قرار اللجوء لإجراء واحدة منهما صعبا - أو قرار عدم إجراء أي منهما - هو أن هاتين العمليتين قد تؤديان لحدوث السكتة الدماغية، أي الوقوع بالمشكلة نفسها التي تحاولان تجنبها، بل قد تؤدي العمليتان إلى الموت.

إلا أن غالبية الناس - أكثر من 90 في المائة - يجتازون هاتين العمليتين من دون أي مشكلات. وعلى مستوى الولايات المتحدة يتعرض للسكتة الدماغية أو يتوفى بسبب إجراء أي من هاتين العمليتين نحو 5 في المائة. إلا أن هذه النسب تكون أفضل عند تنفيذ العمليتين من قبل جراحين متمرسين.

وقد أظهرت أولى نتائج «تجارب إعادة تشكيل الأوعية السباتية مقارنة بوضع الدعامات»Carotid Revascularization versus Stenting Trial (CREST)، أن العملية الجراحية وعملية إزالة التضيق كانتا للوهلة الأولى متكافئتين من ناحية الأمان والفاعلية. إلا أنه، وعندما أخذ الباحثون في التنقيب في البيانات، ظهرت بعض الفوارق المهمة بينهما.

فقد ظهر أن السكتة الدماغية كانت أكثر شيوعا بعد وضع الدعامة (4.1 في المائة) مقارنة بالجراحة (2.3 في المائة).

وللعلم، ففي العمليات المماثلة التي تجرى على القلب، كانت النوبة القلبية أكثر شيوعا بعد الجراحة (2.3 في المائة) مقارنة بوضع الدعامة (1.1 في المائة). ومع هذا فإن النوبة القلبية هنا كانت خفيفة، بينما تسببت السكتة الدماغية في الإعاقة الحركية وتدهور نوعية الحياة.

وكما أظهرت نتائج تجارب أخرى، فإن كانت الجراحة أفضل من عملية إزالة التضيق لدى الأشخاص الذين زادت أعمارهم على 69 سنة. وقد قدمت النتائج في فبراير (شباط) الماضي في مؤتمر لجمعية السكتة الدماغية الأميركية في سان أنتونيو.

ويبدو من دراسة تجرى حاليا وهي «الدراسة الدولية حول دعامات الشرايين السباتية» International Carotid Stenting Study (ICSS) أنها تشير إلى نتائج أقوى، إذ أظهرت وجود معدلات عالية لحدوث السكتة الدماغية، النوبة القلبية، أو الوفاة، بعد عملية وضع الدعامات (8.5 في المائة) مقارنة بالجراحة (5.2 في المائة)، وذلك على مدى 120 يوما من إجراء أي منهما، كما جاء بمجلة «لانسيت»، 20 مارس (آذار) 2010.

* صورة واضحة

* ولتوضيح النتائج المذكورة، فقد استطلعنا رأي رؤساء جراحة الأوعية الدموية في ثلاثة من المستشفيات التعليمية الكبرى التابعة لكلية الطب بجامعة هارفارد: الدكتور مايكل بيلكين في مستشفى بريغهام والأمراض النسائية، الدكتور ريتشارد إيه. كمبريا في مستشفى ماساتشوستس العمومي، والدكتور فرانك بومبوسيلي في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي.

وقد اتفق الأطباء الثلاثة على أن الفوارق بين عمليتي وضع الدعامات، والجراحة، تتضاءل مع الزمن نتيجة التطويرات التي طرأت على العملية الأولى منذ البدء فيها وحتى الآن. وإن تم تنفيذ عملية وضع الدعامات من قبل جراحين متمرسين فإنها ستكون خيارا بديلا لعملية جراحة الشرايين السباتية. كما اتفقوا على أن سبب الفروق بين نتائج الدراستين المشار إليها أعلاه هي أن الأطباء المشاركين في دراسة CREST كانت لديهم خبرة أكبر من الأطباء المشاركين في دراسة ICSS. وهذا يعني أن نتائج الدراسة الأولى هي التي يمكن اعتمادها، عندما يقوم أطباء متمرسون بإجراء عملية وضع الدعامات.

فوارق باقية عندما أجريت عملية إزالة تضيق الشرايين لأول مرة، كان الأطباء يأملون في أن تكون فعالة مثل فاعلية عمليات جراحة الشرايين السباتية، وأن تكون أخف وطأة على جسم المريض.

إلا أن ذلك لم يحدث، فكلتا العمليتين تستغرق بين ساعة وساعتين، كما يتطلبان تنويما لليلة واحدة في المستشفى. وتحدث النقاهة التامة بسرعة في عملية وضع الدعامة مقارنة بالعملية الجراحية، إلا أن هذا الفرق ليس كبيرا مقارنة بالفرق الحاصل بين عمليتي إزالة تضيق الشرايين التاجية أو عملية القلب المفتوح الجراحية.

أما في جوانب الأمان والسلامة فإن مستوى العملية الجراحية عال. فالعملية آمنة ولها نسبة ضئيلة في حدوث السكتة الدماغية، النوبة القلبية أو الوفاة تتراوح بين 1 و2 في المائة في المراكز الطبية التي تجرى فيها العملية مرارا وتكرارا (مرة واحدة في الأسبوع على الأقل)، بواسطة جراحين متمرسين. أما بعد عملية CAS لوضع الدعامة فإن النسبة يمكن أن تصل إلى تلك النسبة تقريبا عند إجرائها في المراكز الطبية المتميزة.

وهناك فرق آخر بين العمليتين حيث إن لها عواقب لا تزال غير معروفة، فخلال عملية وضع الدعامة، عندما تكون القسطرة قد دفعت عبر المنطقة المتضيقة في الشريان السباتي، تأخذ الصفائح الدموية سوية مع شظايا منطلقة من الترسبات الدهنية بالانفصال عن جدار الشريان والتحرك بحرية في مجرى الدم. ويوظف هنا الراشح الذي يشبه شكله شكل المظلة لاصطياد هذه الدقائق قبل أن تذهب بعيدا، إلا أن بعضها يهرب ويصل إلى الدماغ.

أما عملية الجراحة على الشريان السباتي فإنها لا تؤدي إلا إلى انفصال جزء ضئيل من هذه الدقائق، لأن الشريان تم شده بإحكام قبل البدء في العملية. ولا تزال هذه الدقائق المتناثرة موضع بحث العلماء.

* اختيار العمليات

* ما العمل إذن، إن حدث تضيق في الشريان السباتي؟

إن لم يكن التضيق شديدا (تضيق بأقل من 70 في المائة) ولم تظهر أي أعراض عليه، فإن أفضل خيار هو العلاج الطبي. أما إن كان التضيق شديدا أو أنه تسبب في ظهور سكتة دماغية عابرة أو كاملة، فإن العملية الجراحية أفضل قليلا من عملية إزالة التضيق ووضع الدعامة.

إلا أن الأهم من مسألة اختيار نوع العمليات هو اختيار الجراح المتمرس الذي سيجريها. فلا تتردد في السؤال حول كل جوانب العملية وحول عمل الجراح ونجاح عملياته، قبل الإقدام عليها.

* رسالة هارفارد للقلب، «تريبيون ميديا»، خاص بـ«الشرق الأوسط»