علاجنا بين أيدينا.. متى ندرك ذلك؟

سلوكيات نمط الحياة الصحية أهم جوانب العلاج الحديث

TT

الأدوية ليست هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من الأرق insomnia وتسهيل الخلود إلى النوم.. هذا ما حاول قوله الباحثون الطبيون من جامعة نورثويسترن بولاية إلينوي الأميركية في دراستهم الحديثة، وذلك في تأكيد على أحد أهم حقائق الطب وهو أن تناول «الدواء» ليس بالضرورة هو العلاج لكل المشكلات الصحية التي قد تعتري البعض منا، كما أن العلاج ليس بالضرورة أن يكون «مرّا» في الطعم أو «حارقا» بالفم أو «عسيرا» عند البلع، وليس «أيضا.. وأيضا..»، صحيح أن ما لدى الطبيب هو فقط «أدوية» يمكن تناولها كلما أردنا علاج أي اضطرابات صحية قد تلم بأحدنا.

وكتأكيد للأمر، لم يقل الأطباء يوما إن «العلاج» يعني تلقائيا تناول «الدواء»، وأنى لهم أن يقولوا ذلك، والأطباء دائما يتحدثون عن وسائل علاجية مفيدة وثابتة الجدوى، وهي لا علاقة لها بالأدوية، بل يطلقون عليها «سلوكيات نمط الحياة الصحية»؟ وهم يذكرون مراجعيهم بها وبضرورة اللجوء إليها في المعالجة الصحية.

قد تعتري المرء خلال يومه اضطرابات صحية شتى، منها أرق صعوبة الخلود إلى النوم، والإمساك، وانتفاخ غازات البطن، والتخمة ما بعد الأكل، والصداع، وإعياء الإجهاد البدني بعد يوم من العمل الشاق، وحساسية الجلد، ورائحة العرق، والتهابات اللثة، وغيرها كثير. وكذلك هناك أمراض شتى قد تصيب البعض منا خلال حياته، منها ما هو مزمن ومنها ما هو عارض حاد، كاضطرابات السكر والكولسترول وارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن ونزلات البرد ونوبات الإسهال وحرقة حموضة المعدة وغيرهم. وإزاء هذه المشكلات يتجه الناس إلى الأطباء.

إلى هنا القصة أحداثها «طبيعية». ولكن ما هو غير «طبيعي» وغير «منطقي» وغير «واقعي» يبدأ بعد هذا. كيف؟ حينما يكون الطلب من الطبيب هو «أعطني يا دكتور دواء»، لماذا؟ لأن الغالبية تريد الإزالة الفورية للمعاناة، ويرون أن ذلك لا يتحقق إلا بـ«الدواء».

ومظاهر المشكلة هذه تتمثل في الأرقام الخيالية لمبيعات أدوية معالجة الصداع والأرق والإمساك والتخمة والغازات والسمنة وغيرها من الأعراض، كما تتمثل في التداعيات الصحية للآثار الجانبية لتناول شتى أنواع هذه الأدوية.

وما بحثت فيه دراسة أطباء جامعة نورثويسترن، التي ستنشر ضمن عدد أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «سليب ميديسن» Sleep Medicine المتخصصة في طب النوم، هو علاج مشكلة الأرق دون اللجوء إلى تناول الأدوية. وهذه هي الدراسة الأولى للفحص العلمي لمدى جدوى ممارسة التمارين الرياضية من نوع «إيروبيك الهوائية» aerobic exercise، مثل الهرولة والسباحة، في معالجة مشكلة الأرق. وما لاحظه الباحثون في نتائج دراستهم أن ممارسة التمارين الرياضية البدنية من نوع «إيروبيك الهوائية»، لمدة نصف ساعة أربع مرات في الأسبوع، أدى إلى تحسين واضح في سهولة الخلود إلى النوم وفي طول مدة النوم. وذلك بالمقارنة مع من لا يفعلون ذلك. كما أدى إلى تقليل أعراض الاكتئاب لديهم وزيادة شعورهم بالحيوية ونقص الشعور بالنعاس خلال النهار.

مشكلة الأرق، وفق ما تشير إليه الإحصاءات الطبية العالمية الحديثة، يعاني منها نحو 50 في المائة من متوسطي العمر وكبار السن، لدى الجنسين. ولا داعي للاسترسال في ذكر الأسباب التي يصنعها الناس بأيديهم وبسلوكياتهم اليومية، والتي تؤدي بهم إلى هذه المعاناة وهذا الحرمان من راحة النوم النفسية والبدنية، والأهم الحرمان من فائدة النوم الليلي في الوقاية من الإصابة بالسمنة ومرض السكري وغير ذلك من الأمراض المزمنة.

ويقول البروفسور فيليس زيي، طبيب الأعصاب ومدير مركز اضطرابات النوم بكلية نورثويسترن للطب وكبير الباحثين في الدراسة: «النوم جزء أساسي للصحة، أسوة بالغذاء. وبتحسين نوعية نوم الإنسان، تتحسن صحة البدن والنفس. وعليه فإن نوم الإنسان إحدى العلامات الحيوية لصحة الجسم، مثل مقدار درجة الحرارة والنبض وضغط الدم والتنفس والوزن. وإذا ما كانت ثمة اضطرابات في النوم، فإن من الصعب ضبط اضطرابات نسبة سكر الدم ومقدار ضغط الدم لدى من لديهم هذه الأمراض. ومعالجة الأرق دون اللجوء إلى تناول الأدوية المنومة، هي إحدى الاستراتيجيات المفضلة صحيا، وذلك للحد من التأثيرات الجانبية لها، وللحد أيضا من التفاعلات الدوائية فيما بينها وبين الأدوية الأخرى».

مشكلة الأرق يعاني منها الملايين في العالم. ولا يقدر حجمها وتأثيراتها اليومية والاجتماعية والعملية والوظيفية، سوى من يعانون منها. ودائما يكون العزاء والحل لدى الكثيرين في اللجوء إلى الأدوية المنومة. وما ثبت اليوم أن ممارسة الرياضة البدنية، كالهرولة أو المشي السريع، وسيلة ناجحة للتغلب على الأرق. هذا بالإضافة إلى السلوكيات البسيطة لما يعرف طبيا بـ«نظافة النوم» sleep hygiene، مثل الحفاظ على غرفة النوم باردة ومظلمة وخالية من المنبهات كالمجلات والتلفزيون، والذهاب إلى السرير فقط عند الرغبة في النوم، وغيرها من العناصر التي تبعد «التلوث» عن عملية النوم.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]