الاختبارات الجينية الشخصية.. فوائدها ومحاذيرها

شكوك حول أهمية الأطقم المسوقة للجمهور تجاريا

TT

تؤثر الجينات في أخطار التعرض للاضطرابات التنكسية degenerative disorders، أي الحالات المتعددة الكثيرة، ابتداء من هشاشة العظام، وانتهاء بمرض الزهايمر، الاضطرابات التي تؤدي إلى تدهور البنية، والوظيفة، أو كلاهما. كما أن الجينات تلعب دورها في ظهور الاستجابات (ردات الفعل) التحسسية، وقدرة الجسم على مكافحة العدوى، والقدرة على معالجة العناصر الغذائية والعقاقير، بل وحتى على تقبل الجسم للحوادث.

* دعاية وترويج

* ويلجأ الكثير من الشركات حاليا، بالاعتماد على المعارف حول الجينات والتطويرات التكنولوجية التي أدت إلى زيادة درجة دقة التعرف عليها، إلى تسويق أطقم للاختبارات الجينية مباشرة إلى أفراد الجمهور. وتسعى دعاياتها الترويجية لتقديم وعود لك بحياة أفضل بعد أن تضع تلك الأطقم توقعاتها عن أخطار تعرضك لبعض الأمراض، ثم إعلامك بكيفية درء وقوعها.

وهذا الوعد مغر وجذاب. لكن عاينا أن نتذكر أن أغلب المعارف التي تدور حول درء الأمراض وعلاجها التي جمعناها حتى الآن، تستند إلى دراسات شملت أعدادا كبيرة من الأفراد. ومع ذلك ورغم كل هذه النتائج، فإن أكثر النظم العلاجية الناجحة لا تؤدي مهمتها في العلاج لكل فرد لنفسه، أي لكل حالة منفردة، لأنها لا تؤدي مهمتها لكل الناس.

وفي المقابل تفترض الاختبارات الجينية إمكانية وجود منطلقات للعناية الصحية تضحى فيها الوقاية من الأمراض ومعالجتها مفصلة تفصيلا فرديا لكل شخص! ولكن عليك أن تكون حذرا عند شراء مثل هذه الأطقم: فبينما يتفق أغلب العلماء على قرب حلول عصر الطب الشخصي، فإن الكثيرين منهم يشككون في أنه قد اقترب فعلا بفضل طرح أطقم الاختبارات الجينية التي يروج لها حاليا.

* الاختبارات الجينية

* ما طريقة عمل الاختبارات الجينية؟

- كشف «مشروع الجينوم (الأطلس الوراثي) البشري»، الذي تم استكماله عام 2003، عن أبعاد الاختلافات الفردية. وقد نجح العلماء في التوصل إلى منظومة لسلسلة من 3 مليارات من قواعد حمض «دي إن إيه» النووي (هي أحجار الأساس الكيميائية) التي يتألف منها الجينوم (أي الحمض النووي «دي إن إيه» البشري بكامله).

وعلى الرغم من أن 99 في المائة من الجينوم لا تختلف بين إنسان وآخر، فإن هناك فروقا بين أكثر من 10 ملايين من قواعد الحمض النووي «دي إن إيه». وهذه الفروق هي التي تفسر، جزئيا، اختلاف درجة الخطر الذي نتعرض له للإصابة ببعض الأمراض.

وقد استخدمت الاختبارات الجينية في الوسط الطبي للتعرف على أنماط الجينات المختلفة التي تتسبب في حدوث المشكلات الصحية. وتم توظيفها فقط لدراسة الأفراد الذين يتعرضون لخطر الإصابة بمرض وراثي محدد. وعلى سبيل فقد يخضع زوجان جديدان يرغبان في الإنجاب في التعرف على الجين المسبب لمرض ما. كما أن النساء اللواتي لديهن قريبات أصبن بسرطان الثدي في وقت مبكر من حياتهن، قد يحاولن أن يعرفن ما إذا كن يحملن أيضا جينات BRCA المسببة لهذا السرطان. ولأن مثل هذه الاختبارات ستغير من مجرى حياة الأفراد فإنه يجب إجراؤها بعد التشاور حول أخطار وفوائد الاختبارات ومحدوديتها، ثم الحصول على موافقة المرضى بإرادتهم الحرة. وتكون النتائج سرية، ويجب أن تشرح عواقبها للمرضى من قبل خبراء في تقديم الاستشارات الجينية.

كما يستخدم الأطباء أيضا الاختبارات الجينية بهدف مساعدتهم في تحديد نوع العقاقير اللازمة للعلاج. وعلى سبيل المثال فإن النساء اللواتي عبرن مرحلة سن اليأس من المحيض، وأصبن بسرطان الثدي اللواتي يمكن أن يعطى لهن عقار «تاموكسفين» كأحد خيارات العلاج، يخضعن أحيانا للفحص، للتعرف على ما إذا كن يحملن نمطا من الجينات تقلل من مفعول هذا العقار. وإن كن كذلك فإن الأطباء يصفون لهن عقارا آخر. كما أن اختبارا جينيا آخر يمكنه المساعدة في تحديد ما إذا كان المريض معرضا لخطر تخثر الدم، وهل أنه سيستفيد من عقار «كلوبيدوغريل» clopidogrel («بلافيكس» Plavix) أو من عقار آخر مثل «براسوغريل» prasugrel («إفيانت» Effient)؟

* أطقم جينية للجمهور

* تسوق أطقم الاختبارات الجينية لأفراد الجمهور من غير المرضى، أو من غير المعرضين لخطر كبير في الإصابة بالأمراض، إلا أنهم محبون للاطلاع ومتخوفون من أخطار الإصابة بمختلف الاضطرابات الصحية.

وفيما ينبغي تقديم وصفة طبية للحصول على بعض أطقم الاختبارات الجينية فإن الكثير منها يسوق مباشرة نحو المشترين أو من خلال شبكة الإنترنت.

وتختبر الأطقم المسوقة تجاريا عددا صغيرا من أكثر من 20 ألف جين توجد في جسم الإنسان، وهي تتنبأ من الناحية النظرية بخطر حدوث المشكلات الصحية مستقبلا مثل أمراض القلب، سرطان القولون، ومرض الزهايمر المؤدي إلى الخرف. وهي تحدد الشخص الحامل للمرض – بين الزوجين - قبل الإنجاب، كما تتعرف على الأنماط الجينية التي تسهل أو تعرقل التمثيل الغذائي (امتصاص) للكحول ولبعض العقاقير المحددة. ويوفر الكثير من الأطقم إمكانية رصد سلالة الأجداد، للتعرف على مجموعات الجينات وأنماطها التي تم توارثها لدى أشخاص من أصل مشترك.

وإن رغبت في إجراء اختبار لنفسك، فيجب عليك الاشتراك ببريد إلكتروني واستخدام شبكة الإنترنت. وبعد تسجيل اسمك في الموقع الإلكتروني للشبكة ودفع المبالغ المترتبة عليك، سترسل الشركة الطقم إليك، مع تعليمات حول جمع خلايا اللعاب أو أخذ مسحة من باطن الوجنة. وعليك إرسال هذه العينات إلى المختبر، حيث يتم تحليلها، ثم تصلك النتيجة في غضون فترة محددة. وقد يرسل لك تقرير، ربما يوصي باتباع استراتجيات لتقليل مخاطر حدوث المشكلات الصحية التي تتنبأ بها جيناتك. كما قد تحصل من الشركة على هاتف أو عنوان إلكتروني لمستشار في الجينات.

* ملاحظات تحذيرية

* إن الاختبارات الجينية التجارية هي موضع التدقيق من قبل الهيئات الحكومية الأميركية. وعندما قررت شركة «باثواي جينوميكس» في مايو (أيار) عام 2010 الحالي، أن تسوق أطقمها عبر سلسلة متاجر «وولغرينز»، سارعت لجنة في الكونغرس الأميركي إلى البحث في الموضوع. وفي هذه الأثناء أشعرت وكالة الدواء والغذاء الأميركية عددا من الشركات المنتجة لأطقم الاختبارات الجينية بأن عليها تقديم طلبات بهدف إجازة الأطقم، بوصفها أجهزة طبية. ومنبع القلق هنا أن الشركات تطرح ادعاءات غير مدعومة علميا حول أهمية اختباراتها وأهمية نتائجها الصحية. وقد أجلت متاجر «وولغرينز» خطط تسويقها لتلك الأطقم، كما أن التحقيقات الجارية قد تؤدي إلى إحداث بعض التغييرات الخاصة بطرق تسويق هذه الأطقم.

* بعض التصورات العملية

* إن كنت لا تزال حتى الآن مهتما بطلب شراء واحد من أطقم الاختبارات الجينية، فابدأ مهمتك بالذهاب إلى الموقع الإلكتروني للشركة المنتجة، بحثا عن إجابات للأسئلة التالية:

* ما دقة نتائج الاختبارات؟ تعتمد الدقة على نوعية وجودة العينة، وكذلك على موثوقية المختبرات التي نقوم بإجراء التحاليل. وعليك أن تعرف ما الذي ستقوم به الشركة إن كانت العينة سيئة؟ فهنا تقوم بعض الشركات بإعادة مبالغ النفقات المدفوعة، فيما تطلب شركات أخرى إعادة إرسال العينة. كما يجب عليك أن تتعرف على حقيقة أن المختبر مؤسسة مسجلة طبيا، ومعترف بها من قبل السلطات الصحية المعنية.

* كيف لي أن أفهم معنى النتائج، وتفسيرها؟ تقدم غالبية المواقع الإلكترونية تقارير عن العينات، تسمح لك بتقييم نوعية الشروح والتفسيرات والنصائح التي ستحصل عليها. كما يجب على تلك المواقع الإلكترونية إعلامك فيما إذا كان بمقدورك طلب المساعدة لشرح النتائج وتفسيرها، سواء من قبل إخصائي في طب الجينات أو في المشورات الجينية.

* هل ستكون النتائج، والاستراتيجيات الملحقة بها لخفض المخاطر الصحية علي، مفيدة؟ إن أغلب التقارير ستعدد الأنماط الجينية الموجودة لديك، كما ستعرض لك أفكارا عامة حول مدلولها وماهيتها. أما أخطار حدوث اضطرابات صحية معينة فإنها ستعرض في التقرير على شكل نسب مئوية، فوق أو تحت النسب المتوسطة، أو أنها ستعرض كنسبة «عالية» أو «واطئة» أو «متوسطة». وعليك أن تسأل نفسك: هل أنا راغب فعلا في أن أعرف أن لدي خطر أعلى للإصابة بمرض خطير، لا أستطيع فعل أي شيء لدرئه؟

* هل تكون معلوماتي سرية؟ وفقا لـ«قانون عدم التمييز في المعلومات الجينية» (الأميركي) فإنه يمنع على أي جهة حرمانك من منصب أو عمل أو من الحصول على بوليصة تأمين صحية بسبب المعلومات الجينية الخاصة بك، ولا يشمل ذلك الشركات التي يقل عدد العاملين فيها عن 15 شخصا. إلا أن هذا القانون لا يشمل بوالص التأمين على الحياة، الإعاقة، أو لمدة طويلة من الزمن. وعليك أن تعرف جيدا أين ستخزن العينة التي أرسلتها؟ وإن حصلت على النتائج من خلال اختبار أجري على الإنترنت، فإن تلك النتائج يجب أن تكون معروضة بواسطة خادم كومبيوتري (سيرفر) مأمون، اختزنت فيه بشكل سري، بواسطة كلمة مرور محمية.

* الخلاصة

* في يوم ما، ربما سيتم وضع الجينوم (الأطلس الوراثي) لكل إنسان، وسيمكن توظيف المعلومات التي يحتوي عليها هذا الجينوم، لاتخاذ قرارات طبية وصحية خلال فترة الحياة. ولكن، في الوضع الراهن، فإنه لا توجد أي دلائل مباشرة على أن هذه الاختبارات تؤدي إلى أي فوائد عملية، ولذلك فإن شركات التأمين الصحي لا تغطي تكاليفها.

إن عصر طب الجينات الشخصي سيسود عندما ستتحسن قدرات التنبؤ لأطقم الاختبارات الجينية، وعندما ستنخفض تكاليف الحصول على كل الجينوم البشري للفرد لأقل من 10 - 15 ألف دولار، بكثير.

أما الآن فإن الأطباء يمكنهم تقديم كل ما تقدمه أطقم الاختبارات الجينية هذه. وإن كنت متخوفا من وجود بعض الأخطار الصحية فلديك توجه إلى طبيب مختص، إذ إن المشورة وجها لوجه أفضل بكثير من استخدام الأطقم.

وإن كنت مهتما بالحصول على الجينوم الشخصي لك ففكر في تقديم طلب إلى «مشروع الجينوم الشخصي» Personal Genome Project، وعنوانه الإلكتروني هو: www.personalgenomes.org.

وهذا المشروع هو دراسة مفتوحة موجهة إلى مقارنة الأنماط الجينية مع الأمراض التي تنجم عنها ويشمل 100 ألف شخص. كما لا ينبغي لك التخلي عن المنطلقات المتدنية في تقنيتها، لدراسة الجينات. سجل كل تاريخك العائلي الصحي لأجيال كثيرة. وإن حصلت بعد ذلك على الجينوم الخاص بك، فسيكون بإمكانك وضعه في إطار ذلك التاريخ الصحي.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة»، خدمات «تريبيون ميديا» خدمة الـ«الشرق الأوسط»