موسعات الشعب الهوائية.. أهميتها ودورها في الأزمات الصدرية الحادة

دليل الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر لعلاج أمراض الرئة السادة المزمنة

TT

تعد أمراض الرئة السادة (الانسداد الرئوي) المزمنة (COPD) من أكثر الأمراض المزمنة إرهاقا للمرضى وللقطاع الصحي بشكل عام. ومن المهم للسيطرة على كل مرض مزمن أن تتجمع جهود المختصين في منظومة متناسقة ومتجانسة لتوحيد الأساليب والإجراءات اللازمة لتشخيص وعلاج هذا المرض.

وتتأكد الحاجة إلى مثل هذه الإرشادات والبروتوكولات عندما يكون هناك نقص في المعلومات الطبية المبنية على الدلائل والبراهين، وكذلك عندما يكون هناك نقص في عدد المتخصصين الذين يتولون مقاربة وتدبير تشخيص وعلاج مثل هذه الأمراض المزمنة، حيث يزيد حجم الطلب على العناية بهذا المرض المزمن على قدرات وعدد المتخصصين، فيضطر المريض إلى اللجوء لغير المتخصصين سواء في العيادات أو في أقسام الطوارئ أو المراكز الصحية أو في المناطق الطرفية الشحيحة في الموارد الصحية المتقدمة.

كما تؤدي هذه الإرشادات إلى تغيير الثقافة المحلية المتأصلة في أي مجتمع بأي بقعة جغرافية والتي تكون، في معظم الأحيان، معتمدة على تجارب شخصية وروايات فردية ليس لها طابع علمي أو شواهد موثقة تؤكد فعالية الإجراءات المعمول بها في مقاربة هذه الأمراض المزمنة.

دليل إرشادات

* حول ذلك التقت «صحتك» الدكتور عبد الله الشميمري، أستاذ الأمراض الصدرية المساعد بكلية الطب وعميد الدراسات العليا بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالحرس الوطني بالرياض، بصفته متحدثا في المؤتمر الطبي الخامس لأساسيات الأمراض الصدرية واضطرابات النوم الذي اختتم أعماله يوم الأربعاء الماضي في مدينة جدة، وقدم فيه ورقة عمل حول هذا الموضع، فأكد على أهمية هذا الموضوع، وأوضح أن الجمعية العلمية لطب وجراحة الصدر سبق أن لاحظت مدى الحاجة الماسة لتحسين وتطوير وتوحيد الأساليب والإجراءات لمواجهة أمراض الرئة السادة المزمنة (COPD) للتقليل من أثرها على المرضى الذين يعانون منها وإرهاقها لموارد القطاع الصحي، ولذلك أسست الجمعية لجنة من الاستشاريين البارزين في مجال تخصص الأمراض الصدرية، وأوكلت لهم مهمة إصدار دليل إرشادي لعلاج أمراض الرئة السادة المزمنة والقيام بمراجعته وتحديثه بشكل دوري حتى يتم تعميمه على جميع العاملين في القطاع الطبي من أطباء عامين وتمريض ومعالجين، والذين يتعاملون بشكل دائم مع هذه الأمراض.

وأشار الدكتور الشميمري، في الورقة التي قدمها إلى المؤتمر، إلى أن من أهم الإرشادات الواردة في الدليل الإرشادي للجمعية التبكير في وصف البخاخات طويلة المدى لتوسيع الشعب الهوائية حتى في الحالات المتوسطة من المرض. فمن المعروف أن موسعات الشعب الهوائية هي حجر الزاوية في العلاج الدوائي لأمراض الرئة السادة المزمنة، حيث إنها علاجات فعالة في تقليل انحباس الهواء في الصدر لتحسين كفاءة الرئتين والتقليل من الكتمة وصعوبة التنفس، حتى ولو لم يظهر ذلك التحسن في نتائج اختبارات وظائف الرئة.

موسعات الشعب الهوائية

* أفاد د. الشميمري بأن موسعات الشعب الهوائية المتوافرة حاليا تنقسم إلى نوعين رئيسيين هما:

* النوع الأول: موسعات الشعب الهوائية قصيرة الأمد، يدوم مفعولها ما بين 3 و6 ساعات، وتستخدم كعلاج فوري لتقليل صعوبة التنفس وفي الحالات الإسعافية التي تتطلب علاجا سريعا في الأزمات المتكررة والشديدة.

* النوع الثاني: موسعات الرئة طويلة الأمد، تزيد فعاليتها على 12 ساعة في المتوسط. ومن أمثلة هذه الأدوية دواء سالميترول وفورموتيرول. وقد أثبتت الدراسات والأدلة والبراهين المتوافرة حاليا فعالية هذين الدواءين في تحسين كفاءة وظيفة الرئتين وتقليل صعوبة التنفس وتحسن الحالة الصحية العامة للمرضى.

ورغم تواتر القلق من الاكتفاء بمثل هذه الأدوية كعلاجات مستقلة لمرض الربو، فإنها آمنة لعلاج أمراض الرئة السادة المزمنة.

كما أن هناك موسعات للشعب الهوائية تعمل على توسيع الشعب الهوائية متوسطة الحجم، وتقلل من إفراز البلغم، وتعمل على تنشيط حركة الشعيرات المبطنة للشعب الهوائية، ويمكن استخدامها كعلاج فردي في حالات أمراض الرئة السادة المزمنة أو وصفها إلى جانب موسعات الرئة قصيرة أو طويلة الأمد.

وحديثا تم إنتاج نسخة جديدة من هذه الموسعات وهو دواء «تايو تروبيوم»، وهو فعال في تحسين الحالة الصحية لمرضى الرئة السادة المزمنة وتقليل صعوبة التنفس ومزيد من النشاط الحركي للمريض من الدرجة المتوسطة والشديدة، وعلاوة على ذلك ظهرت عند استعراض الدراسات الطبية كفاءة هذا العلاج في تقليل الوفيات في الحالات التي عولجت بهذا الدواء.

ولم تغفل الإرشادات الإشارة إلى علاج تقليدي وهو «الثيوفيللين»، الذي يتسم بخاصية توسيع الشعب الهوائية بشكل بسيط ومحفز للتنفس. إلا أن الدراسات أوصت بعدم استعماله بشكل روتيني بسبب آثاره الجانبية غير المريحة، ولا يمنع ذلك من اللجوء إلى إضافته إلى أدوية المريض الذي لم تفلح منظومة الأدوية السابقة في تحسين حالته.

إرشادات صحية

* تتلخص إرشادات الجمعية العلمية السعودية لطب وجراحة الصدر في الآتي:

* التركيز على استعمال موسعات الرئة في البداية. في حالة عدم السيطرة على الأعراض توصي الجمعية بإضافة بخاخات الكورتيزون والبخاخات الموسعة للرئة طويلة الأمد، وتعتبرها حجر الزاوية في علاج أمراض الرئة المزمنة السادة.

* التشديد على أهمية تقييم حالة المريض الصحية ودرجة شدة المرض قبل اختيار الخطة العلاجية.

* تقييم فعالية الأدوية بناء على استجابة المريض والتكلفة المادية والآثار الجانبية، ومدى توافر هذه العلاجات.

* أهمية تزويد المريض بالأكسجين بشكل مستمر كتدخل مهم لتحسين الحالة الصحية والتقليل من الوفيات. وأن يستخدم الأكسجين في حالات نقصه المزمن لأقل من مستوى 55 ملليمترا أو عندما يكون الأكسجين أقل من 60 ملليمترا، مع وجود أعراض أخرى مثل تورم القدمين أو ارتفاع ضغط الرئة الشرياني أو زيادة هيماتوكريت الدم على 56 في المائة. وللحصول على أفضل نتيجة من العلاج بالأكسجين، توصي الإجراءات بأن يستعمل المريض الأكسجين على مدار الأربع والعشرين ساعة، وألا يقل الاستخدام اليومي عن 15 ساعة.

وفي سبيل نشر الإرشادات والتعريف بالتوصيات وإحاطة الأطباء والمختصين بها، عقدت الجمعية عدة دورات مبنية على هذه الإرشادات، وضمنت هذه الإرشادات في توصيات مؤتمرها السنوي والمؤتمرات المماثلة في الخليج والشرق الأوسط، وأسست موقعا خاصا (saudiCOPD.com) لاستعراض هذه التوصيات.

كما قامت الجمعية بطباعة الدليل في نسختيه الأولى والمحدثة، وتوزيعه على كل المراكز الصحية في المملكة. وتعمل الجمعية على تحديث هذا الدليل بشكل دوري لمواكبة آخر التطورات العلمية في هذا المجال.

* توصيات علمية وعملية من الجمعيتين السعوديتين للصدر والأمراض الباطنية

* اختتمت بنجاح في مدينة جدة يوم الأربعاء الموافق السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2010، فعاليات «المؤتمر العلمي الخامس لأساسيات الأمراض الصدرية وورش العمل»، بمركز الملك فهد للبحوث بالجامعة، بتنظيم الجمعية السعودية لأمراض الباطنة، ورعاية الكلية الأميركية لأطباء الصدر، والجمعية السعودية للصدر.

وفي تصريح للبروفسور عمر العمودي، أستاذ الأمراض الصدرية بجامعة الملك عبد العزيز، رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر، أفاد بخروج المؤتمرين بعدة توصيات، أهمها:

* استمرار انعقاد مؤتمر طبي بصفة سنوية، يعنى بالارتقاء بالمستوى العلمي والعملي لتدريب الأطباء على أحدث المستجدات في تشخيص وعلاج الأمراض الصدرية.

* تنظيم ورش عمل مصغرة بصفة دورية، لتدريب الأطباء والممارسين الصحيين على أحدث التقنيات في مجال تشخيص وعلاج الأمراض الصدرية (مبادئ إجراء المنظار الرئوي وفحص وظائف الرئتين وغيرهما).

* تنظيم دورات تدريبية تختص بتوعية الأطباء وتدريبهم في مجال اضطرابات التنفس أثناء النوم (انقطاع التنفس أثناء النوم) وغيرها من اضطرابات النوم، نظرا لانتشار مثل تلك المشكلات في المجتمع السعودي، والحاجة الماسة لتشخيصها وعلاجها، لتجنب مضاعفاتها الصحية والاجتماعية الخطيرة.

* الإقرار بضعف البنية الأساسية لأمراض النوم بصفة خاصة، نظرا لحداثة هذا المجال، ونقص أعداد المتخصصين، ومختبرات فحص النوم، والحاجة لزيادة القدرة الاستيعابية والكفاءات البشرية في أسرع وقت، عن طريق زيادة وعي الأطباء، وتدريبهم بكثافة في هذا المجال، وإقناع المسؤولين بضرورة التحرك السريع لمواجهة هذه الأمراض.

* الإقرار بقلة عدد المختصين في مجال طب الأمراض الصدرية، وضرورة الأخذ بكل الوسائل الإدارية والتقنية، لرفع القدرة الاستيعابية لبرامج تدريب الزمالة السعودية، وزيادة عدد المختصين أصحاب الكفاءة المناسبة.

* ضرورة زيادة الجهود الحكومية والإعلامية لمكافحة التدخين، والالتزام بأنظمة منع التدخين بصورة جادة، نظرا لتسببه في زيادة ملحوظة في التهابات الشعب الهوائية المزمنة وأورام الرئة، خاصة في فئة النساء.

* التنسيق لتوحيد الجهود التوعوية مع المجموعة السعودية لإرشادات تشخيص وعلاج داء الرئة الساد المزمن، إضافة إلى المجموعة الاستشارية لمرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي.

* تنظيم دورات عامة باللغة العربية، لعامة الجمهور، يتم من خلالها نشر الوعي مباشرة عن طريق الاستشاريين، والإجابة عن أسئلة مرضى الأمراض الصدرية وذويهم.

* التواصل مع القنوات الإعلامية المختلفة، بغية استمرار الحضور الاجتماعي، ونشر الوعي بأمراض الدرن الرئوي، والتهابات الرئة، وانقطاع التنفس أثناء النوم، وأورام الرئتين، وداء الرئة الساد المزمن وغيرها.

* التركيز على بعض مدن المملكة ذات الكثافة السكانية الصغيرة، وإجراء دورات تدريبية للأطباء العاملين فيها في أماكن عملهم، بغية رفع كفاءتهم في علاج الأمراض الصدرية.

* استمرار التواصل مع المسؤولين الصحيين، للتنسيق معهم حول أهمية زيادة الجهود التي تهدف إلى الوقاية من الأمراض التنفسية وعلاجها، وكيفية الاستفادة من جميع الاختصاصيين في هذا المجال.

وأفاد الدكتور أيمن بدر كريّم، استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم، المنسق الإعلامي للمؤتمر، بأن هذا اللقاء العلمي بما حواه من محاضرات طبية ومناقشات علمية وورش عمل، استقطب عددا كبيرا من أطباء الأمراض الباطنية العامة والمتخصصين وغيرهم من المنخرطين في برامج طبية تدريبية، والعاملين في مجال الرعاية الصحية والتنفسية، وعددا من الممرضين والممرضات. وفاق عدد الحضور 170 مشاركا، إضافة إلى عدد من الضيوف من بعض البلدان العربية الشقيقة، والمحاضرين المتميزين.

وقد تم خلال المؤتمر تسليط الضوء على احتياج المجتمع الطبي، في المملكة العربية السعودية، إلى ارتفاع سقف الوعي بأمراض الجهاز التنفسي لدى فئة الأطباء، بوصفها أكثر الأمراض انتشارا، وأحد أكبر الأسباب لزيارة الأطباء، مثل الربو الشعبي، الذي ما زال كثير من الأطباء في المجتمعات العربية مقصرين في تشخيصه وعلاجه على الوجه المطلوب، على الرغم من وجود كثير من العلاجات الفعالة، والإرشادات العالمية منذ سنوات كثيرة.