النوم وعلاقته بأمراض القلب سرطان البروستاتا

قلة فترة التمتع به تزيد من الأخطار الصحية

TT

النوم جزء حيوي من حياة الإنسان، إذ إنه يعيد الحيوية للذهن ويعيد بناء الجسم. إلا أن النوم أضحى في عالمنا المعاصر الذي تتسارع فيه إيقاعات الحياة على مدى 24 ساعة في اليوم، واحدا من «الأنواع المهددة بالانقراض». وقد خسر الفرد الأميركي في المتوسط، على مدى كل سنوات القرن العشرين المنصرم، نحو ساعتين من النوم الليلي. ويبدو أن هذه التوجهات ستستمر على مدى القرن الحادي والعشرين الحالي.

* نعمة النوم

* ورغم أن بعض الناس يؤدون مهماتهم بشكل جيد مع تمتعهم بقسط يسير من النوم لفترة أربع أو خمس ساعات فقط، فإن غالبية الأشخاص البالغين يحتاجون إلى ما بين سبع وثماني ساعات من النوم.

وقد يكون الحرمان من النوم ضارا جدا. أما عواقب النوم غير الكافي فهي معروفة: النعاس أثناء النهار، اضطراب التركيز الذهني والمحاكمة العقلية، الكآبة والانزعاج، وتدهور الأداء سواء في العمل أو خارجه. كما تشمل تلك العواقب حوادث اصطدام السيارات والحوادث الأخرى.

وقد عثرت دراسات على صلة بين الحرمان من النوم وبين خطر الإصابة بمرض السكري، السمنة، ارتفاع ضغط الدم، بل وحتى الضعف الجنسي.

ورغم أهمية النوم فإن الكثير من الرجال يجاهدون للحصول على قسط كاف منه، فإنهم لا يبالون بذلك. ولكن تتوفر وسائل لمساعدتهم، وقد تمثل الأبحاث الجديدة إحدى صفارات الإنذار لتنبيههم!

* النوم وأمراض القلب

* ويعتبر هو وانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم obstructive sleep apnea وهو اضطراب واحد من بين اضطرابات النوم، من عوامل الخطر المدروسة جيدا للتسبب بحدوث ضغط الدم المرتفع، السكتة الدماغية، أمراض القلب. وأهم علامات انقطاع التنفس أثناء النوم التي تشيع أكثر لدى الأشخاص البدينين، هي: الشخير، النوم المتقطع، الصداع الصباحي، والنعاس أثناء النهار.

ولكن هل تقود فترات النوم القصيرة إلى حدوث أمراض القلب حتى لدى الأشخاص من غير المصابين بحالات انقطاع التنفس أثناء النوم؟ للإجابة عن هذا السؤال اتخذ باحثون من شيكاغو منطلقا تكنولوجيا مطورا، إذ شرعوا في تقييم حالات 494 رجلا وامرأة بين أعمار 35 و47 سنة تطوعوا في دراسة أجريت بين عامي 2000 و2001، وأخضعوا كل المشاركين إلى المسح بالتصوير الطبقي المقطعي لفحص ترسبات الكالسيوم في الشرايين التاجية في بداية الدراسة، ثم بعد 5 سنوات من ذلك.

كما خضع المتطوعون إلى تقييم طبي شامل لعوامل الخطر المعروفة على القلب، ومنها مستوى الكولسترول، ضغط الدم، السمنة، مرض السكري، التدخين، وعوامل الشخصية. وتم تخصيص استبيان من الأسئلة لتقييم خطر انقطاع التنفس أثناء النوم لكل مشارك. كما تم تحديد متوسط فترة النوم لكل مشارك كل ليلة، حيث وضع جهاز لمراقبة فترات النوم على معصم كل منهم، أثناء الليل.

في بداية الدراسة، لم ترصد لدى أي من المشاركين أي ترسبات ملموسة من الكالسيوم على الشرايين التاجية. ولكن وبعد مرور خمس سنوات، رصدت هذه الترسبات لدى 27 في المائة من المشاركين الذين حصلوا على قسط غير كاف من النوم لمدة تقل عن 5 ساعات في الليل. كما رصد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى 11 في المائة من المشاركين الذين تمتعوا بفترة نوم ليلي تراوحت بين 5 و7 ساعات. إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 6 في المائة لدى المشاركين الذين ناموا لفترة تزيد على 7 ساعات في الليل.

وظلت العلاقة بين قلة فترة النوم وبين حدوث أمراض القلب قائمة حتى بعد أن أخذ العلماء في نظر الاعتبار العوامل الأخرى المؤثرة على القلب وكذلك خطر حالة انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم.

* دراسات النوم

* إن تكلس الشرايين التاجية هو علامة على حدوث مرض في القلب، إلا أنه لا يعني بالضرورة أن مرضا اكلينيكيا سيتبعه. ومع هذا فإن ثلاث دراسات وظفت فيها تكنولوجيا غير متطورة، تفترض أن العاقبة حقيقية فعلا. فقد ربطت دراسة شملت 1225 من الرجال والنساء من اليابانيين المصابين بارتفاع ضغط الدم، بين النوم لفترة تقل عن 7.5 ساعة ليلا وبين نسبة وصلت إلى 68 في المائة من حدوث خطر إكلينيكي على القلب. وفي دراسة أخرى شملت 58044 من البالغين الصينيين الذين لم يكونوا مصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية في بداية البحث، ظهر أن النوم لفترة تقل عن 5 ساعات في الليل يبدو أنه يزيد من خطر الوفاة بنسبة 57 في المائة. وفي هذه الدراسة - وخلافا للدراستين من شيكاغو واليابان - فإن فترة النوم الطويلة (أكثر من 9 ساعات) كانت عامل خطر أيضا. وأخيرا فإن تقريرا فرنسيا ربط أيضا بين النعاس النهاري القوي، وهو علامة على قلة فترة النوم ليلا، وبين الزيادة الحادة في حوادث الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.

ورغم أن أيا من هذه الدراسات لم تفسر كيفية تأثير فترات النوم القصيرة على زيادة الخطر على القلب، فإن تفسيرات عديدة تطرح نفسها. فالأشخاص الذين لا يتمتعون بقسط كاف من النوم قد يعانون من التوتر الشديد، والتوتر يجهد القلب. ولأن ضغط الدم ينخفض عادة عند النوم فإن الأشخاص الذين يحصلون على قسط وافر من النوم ربما يحصلون على نوع من الحماية لقلبهم ليلا، وهو محصول ثمين من دون ألم! كما أن انخفاض مستويات هرمونات التوتر لديهم مثل الكورتيزول والأدرينالين ربما تمنحهم الحماية أيضا أثناء النوم.

إلا أن الأطباء بحاجة إلى دراسات أخرى قبل أن يقوموا بـ«وصف» النوم طبيا لحماية القلب. وفي هذه الأثناء على الرجال أن يلتفتوا إلى نتائج دراسة يونانية ربطت بين نوم القيلولة بعد الظهر، وبين تقليل خطر الموت بسبب أمراض القلب.

* النوم وسرطان البروستاتا

* وبينما لا يتطلب التكهن بتأثير قلة النوم الضار على القلب خيالا واسعا، فإن مثل هذا الخيال ربما يصبح مهما في السؤال التالي: هل يمكن أن تؤدي قلة النوم إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا؟ الجواب: ربما! وقد دققت دراسة شملت 22320 من الرجال اليابانيين تراوحت أعمارهم بين 40 و79 سنة في خطر حدوث سرطان البروستاتا الإكلينيكي الواضح، وارتباطه مع قلة فترة النوم. وقد ظهر أن الرجال الذين ينامون لفترة اقل، كانوا أكثر بنسبة 34 في المائة تعرضا لخطر الإصابة بسرطان البروستاتا مقارنة بالرجال الذين قالوا إنهم يتمتعون بفترة نوم تتراوح بين 7 و8 ساعات في الليل.

كما كان النائمون لفترة أطول من الفائزين أيضا! إذ ظهر أن الرجال الذين ناموا لفترة 9 ساعات ليلا أو أكثر كانوا أقل بنسبة 52 في المائة تعرضا للإصابة بسرطان البروستاتا مقارنة مع الذين ناموا لفترة 7 إلى 8 ساعات ليلا.

إلا أن هذه دراسة وحيدة، ولهذا يجب التأكيد بدراسات لاحقة لنتائجها.

وفي واقع الحال فإن الغدة الصنوبرية في الدماغ تفرز الميلاتونين، أو «هرمون الظلام». وتمتلك غدة البروستاتا مستقبلات تستقبل الميلاتونين. وقد أظهرت التجارب المختبرية أن الميلاتونين يبطئ من نمو الخلايا السرطانية الخبيثة. كما أن الميلاتونين يتفاعل أيضا مع الهرمونات الجنسية التي تؤثر على البروستاتا.

وحتى هذه النقطة فإن آمال الرجال في التمتع بإغفاءة لتقليل أخطار الإصابة بسرطان البروستاتا وأمراض القلب.. قد تبدو أحلاما. ومع هذا فإن هناك الكثير من الأسباب الجيدة تدعوهم إلى تفادي كابوس الحرمان من النوم.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا».