«سن اليأس».. هل يوجد لدى الرجال أيضا؟

جدال محتدم حول مصطلح غير دقيق تسعى شركات الأدوية إلى جني أرباحها منه واشنطن: «الشرق الأوسط»

TT

عندما يتعلق الأمر بدراسة الأعباء الخاصة بالأنوثة، ينبغي أن يكون انقطاع الطمث على رأس تلك القائمة، إلى جانب الولادة وإزالة الشعر الزائد.

ولكن يبدو أن تغيرات منتصف (أو أواسط) العمر الحادة، وتقلب المزاج والطاقات الانفعالية ربما لم تعد قاصرة على الإناث فقط، فقد بدأ الأطباء والباحثون وشركات الأدوية في الحديث عن مرور الرجال أيضا بتجربة تغير الحياة، في إشارة إلى أن سن اليأس عند الرجال - إن جاز لنا القول - ينتج عن تراجع نسبة «التستوستيرون»، الهرمون الذي يلعب دورا رئيسيا في كل شيء من سن البلوغ في الحفاظ على قوة العضلات والكتلة العظمية، إلى الدافع الجنسي، في سن معينة.

ويوضح روبرت برانيجان، أخصائي المسالك البولية في مستشفى نورث ويسترن ميموريال في شيكاغو الذي بحث هذه الظاهرة: «غالبا ما يحدث انخفاض تدريجي في هرمون (التستوستيرون)، في الرجال في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من العمر بمقدار ما يقرب من 1 إلى 2 في المائة كل عام. بيد أن هذا ليس تحولا مفاجئا أو ضخما كما هو الحال بالنسبة للنساء، ولكن هناك تحولا خفيا في مستويات الهرمون الذي يمكن أن يؤدي، مع مرور الوقت، إلى عبور الرجل عتبة سن اليأس مع انخفاض مستوى هرمون (التستوستيرون). هذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الأعراض التي يكون لها تأثير كبير على الحياة العامة يوما بعد يوم، مثل: الاكتئاب، وسرعة الغضب، وانخفاض الطاقة، وانخفاض الكتلة العضلية، وزيادة الوزن، والعجز الجنسي، وحتى التوهجات الساخنة، أو التعرق الليلي».

قصور الغدة التناسلية

* ويشير برانيجان، إلى أن هناك ما لا يقل عن 5 ملايين أميركي يعانون من قصور الغدد التناسلية المتأخر (late-onset hypogonadism)، وهو المصطلح الطبي لوصف هذه الحالة. ولسوء الحظ، لا يتم تشخيص الغالبية العظمى من هذه الحالات، وربما يعود ذلك في بعض منه إلى أن هذا المرض الذي اكتشف حديثا يصعب التعرف عليه نتيجة للقائمة الطويلة من الأعراض المحتملة، بيد أن الأبحاث التي نشرت مؤخرا في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية ربطت بشكل مؤكد بين انخفاض مستويات هرمون «التستوستيرون» وانخفاض الرغبة الجنسية، وعدم القدرة على الانتصاب، وضعف الانتصاب في الصباح، وخلصت الدراسة إلى أن هذه الأعراض الثلاثة يجب أن تكون موجودة لتشخيص ظهور قصور الغدد التناسلية المتأخر.

وأظهرت الدراسة، التي قامت بمتابعة 3369 رجلا من أوروبا الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و79 عاما، أن انخفاض «التستوستيرون» يسبب مثل هذه المشكلات الجسدية والنفسية وعدم القدرة على الانخراط في النشاطات البدنية وحدوث نوبات الحزن والإرهاق.

ومع ذلك، فإن مفهوم سن اليأس للرجال بات مثيرا للجدل. ففي مقال نشر مؤخرا في نشرة الأدوية والعلاج أن عشرات الدراسات التي تم استعراضها وجدت أن مستويات «التستوستيرون» لدى الرجال لا تنخفض دائما مع التقدم في العمر، وأن المستويات المنخفضة في كبار السن من الرجال لا تؤدي بالضرورة إلى ظهور أعراض محددة، وأن الرجال ممن لديهم مستويات طبيعية من الهرمون يعانون الكثير من من المشكلات التي ترتبط عادة بانخفاض التستوستيرون، بما في ذلك العجز الجنسي، وتراجع القوة والاكتئاب.

ويشير منتقدو الدراسة إلى أن غالبية الأعراض التي عليها اللوم في انخفاض «التستوستيرون» إنما هي نتائج طبيعية لتقدم العمر.

ويقول جايسون ويكسلر، أخصائي الغدد الصماء في مركز مستشفى واشنطن: «لا يزال الجدل ساريا حول ما إذا كان انخفاض مستويات هرمون (التستوستيرون) يمثل مشكلة طبية»، مشيرا إلى أن بعض المواضيع مثل الفتور وضعف الحافز، وضعف الذاكرة وزيادة الوزن، غير محددة بشكل دقيق، ويمكن أن ترتبط أيضا بعدد كبير من الأمراض الطبية الأخرى. وقال: «لا أعتقد أن هناك علاقة مباشرة، في أغلب الحالات، بين الطريقة التي يشعر بها خلال تقدمهم في العمر ومستويات هرمون (التستوستيرون)، ومن ثم يتضح لي صعوبة إمكانية تسمية ذلك مرضا».

أدوية غير ضرورية

* لم توقف مثل هذه الشكوك من الخبراء بعض شركات الأدوية من تسويق بعض الأدوية مستفيدة من المخاوف بشأن انخفاض «التستوستيرون»، وسن اليأس عند الرجال، ولم تمنع الرجال من السعي لإجراء الفحوص وعلاجات «التستوستيرون» التي وصلت إلى مبيعات قياسية لترتفع من 2.4 مليون دولار في عام 2005 إلى 3.9 مليون دولار في عام 2009 في الولايات المتحدة وحدها، حسب شركة «آي إم إس هيليث» للاستشارات.

وقال أندرو كرامر، أستاذ المسالك البولية والجراحة في كلية الطب بجامعة ميريلاند: «عندما يطرح إعلان تلفزيوني حول منتج مرتبط بـ(التستوستيرون) تساؤلا: هل ينخفض لديك مستوى الطاقة؟ هل تعاني من مشكلات في النوم؟ هل تعاني من تراجع رغبتك الجنسية؟ هل تعاني مشكلة في الانتصاب؟ سيسارع الجميع إلى القول: نعم إن هذا الأمر ينطبق علي».

وتثير المخاوف من أن يؤدي هذا النوع من الوعي المفرط إلى الإفراط في متابعة الذكور المسنين، إما بسبب مطالب المريض، أو بسبب شعور الأطباء بأن عليهم أن يغطوا كل احتياجاتهم الأساسية في هذا العمر المليء بالشكاوى.

هرمون اصطناعي

* ويقول ويكسلر: «هناك نوع من التحفيز للرجال للخضوع إلى الفحص في الوقت الذي لا توجد فيه ضرورة للقيام بذلك، وكذلك مستويات هرمونات (التستوستيرون) المنخفضة التي لا تمثل مشكلة في أن تكتشف في التجارب المختبرية، ومن ثم يساء تفسيرها باعتبارها مستوى منخفضا يتطلب بعض التدخل. وأن الرجال الذين لم تكن هناك ضرورة لفحصهم، الذين لا علاقة لمستويات هرمون (التستوستيرون) بما يشعرون به، سيسعون الآن إلى الحصول على مكملات، عندما لا نملك حقا قدرا كبيرا من النصوص العلمية التي تخبرنا ما إذا كانت مكملات (التستوستيرون) في الرجال كبار السن آمنة حتى في المدى البعيد. وتساءل عما إذا كانت تكلفة ومخاطر استبدال الهرمون هذا جديرة بالعناء، عندما تكون الفوائد غير معروفة أيضا إلى حد كبير في هذه المرحلة».

والسؤال الآن هو: هل يمكن أن يتقبل المرضى هذه التغيرات ويسمحون لها بالحدوث ويتعاملون مع التغييرات في الطريقة التي يشعرون ويؤدون بها، أم أنهم سيسعون حقا إلى الحصول على العلاجات المتاحة في كثير من الحالات التي يمكن أن تساعد؟ ويقول مشيرا إلى أنه لقي نجاحا كبيرا في التجارب السريرية عبر مكملات «التستوستيرون» الموضعية عن طريق الحقن والزرع وكذلك مع الأدوية التي تحفز إنتاج الجسم للهرمون.

بيد أن برانيجان يؤكد أن الرجال المصابين بسرطان البروستاتا، أو يملكون تاريخا مرضيا في سرطان الثدي، أو اضطرابات توقف التنفس أثناء النوم، ومن يحاولون الإنجاب، لا ينبغي عليهم استخدام هذا الهرمون الاصطناعي، فهو «لا يمثل الإجابة للجميع، ولكن أجد أنه العلاج الأنجع في بعض الحالات للكثير من المرضى، حيث يمكنهم من تجديد أو تحسين نشاطهم بصورة يومية، وفي كثير من الحالات لم تؤثر على الرجل فقط، بل على علاقته بالزوجة أيضا، التي هي أيضا جزء من هذه المعادلة».

مصطلح خاطئ

* وبغض النظر عن موقفهم تجاه القضية، يبدو أن الخبراء متفقون على شيء واحد، وهو أنه على الرغم من كون استخدام الهرمون مغريا ويصعب تجاهله، فإن مصطلحات مثل «سن اليأس لدى الرجال» أحيانا ما ترسل برسالة خاطئة.

وقال ويكسلر: «(سن اليأس لدى الرجال) مصطلح فضفاض، ففيه الكثير من النظريات، هذه الفكرة بأن هناك هذا الشرط، الذي يعد مكافئا بصورة ما لسن اليأس لدى النساء. هناك الكثير من الرجال الذين يعانون من أعراض مثل انخفاض (التستوستيرون) ويمكنهم الاستفادة من العلاج، لكن مصطلح (سن اليأس لدى الرجال) يشير إلى أن هذا يحدث لكل الرجال خلال تقدمهم في العمر. (سن اليأس) يحدث لكل النساء عندما يتقدمن في السن، وهذه ليست هي القضية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»